يَحرُمُ على المرأةِ نُشوزُها على زَوجِها، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ [1168]   قال ابن تيمية: (أن تتسبَّبَ إلى فُرقتِه بمعصيةٍ، مثلُ أن تنشُزَ عليه أو تُسيءَ العِشرةَ بإظهارِ الكراهةِ في بَذلِ حُقوقِه، أو غير ذلك ممَّا يتضَمَّنُ تَركَ واجبٍ أو فِعلَ مُحرَّم، مِثلُ طُولِ اللسانِ ونحوِه، فإنَّ هذا لا ريبَ أنَّه من أعظمِ المحَرَّمات، وكلُّ ما دلَّ على تحريمِ النُّشوزِ وعلى وجوبِ حُقوقِ الرَّجُل، فإنَّه يدُلُّ على تحريمِ هذا). ((الفتاوى الكبرى)) (6/315). وعدَّ الذهبيُّ النشوزَ مِن كبائر الذنوبِ، فقال: (الكبيرةُ السَّابعةُ والأربعون: نشوزُ المرأةِ على زَوجِها). ((الكبائر)) (ص: 172). كما عدَّه ابنُ القيِّمِ من الكبائرِ، فقال معدِّدًا للكبائر: (وتحليلُ ما حرَّم اللهُ، وهو استباحةُ محارِمِه، وإسقاطُ فرائِضِه بالحِيَل، وبيعُ الحرائرِ، وإباقُ المملوكِ من سَيِّدِه، ونشوزُ المرأةِ على زوجِها). ((إعلام الموقعين)) (4/305). وقال ابنُ حجر الهيتمي: (عدُّ النُّشوزِ كبيرةً هو ما صَرَّح به جمعٌ). ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (2/80). :الحَنَفيَّةِ [1169]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/358)، و(5/315)، ((الفتاوى الهندية)) (1/545). ، والمالِكيَّةِ [1170]   ((الشرح الكبير)) للدردير (2/343)، ((منح الجليل)) لعليش (3/545). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/511). ، والشَّافِعيَّةِ [1171]   ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/325)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/436)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/205)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/216)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/300). ، والحَنابِلةِ [1172]   ((المبدع)) لإبراهيم بن مفلح (6/263)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/54)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/209). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال الله تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ  [النساء: 34].وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المرأةَ الصَّالِحةَ هي التي تكونُ قانِتةً، أي: مُداوِمةً على طاعةِ زَوجِها، فمتى امتَنَعَت عن إجابتِه إلى الفِراشِ، كانت عاصِيةً ناشِزًا [1173]   ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (3/145). .2- قال الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34].وَجهُ الدَّلالةِ: الآيةُ فيها تحريمُ نُشوزِ المرأةِ على زوجِها؛ حيث قوبِلَ هذا النُّشوزُ بالمَوعظةِ، ثمَّ الهَجرِ، ثمَّ الضَّربِ [1174]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/299). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دعا الرَّجُلُ امرأتَه إلى فِراشِه فلم تأتِه، فبات غَضبانَ عليها، لعنَتْها الملائِكةُ حتى تُصبِحَ)) [1175]   أخرجه البخاري (3237)، ومسلم (1436) واللفظ له. .وجهُ الدَّلالةِ: أنَّ الرَّجُلَ إذا دعا امرأتَه إلى فِراشِه فامتنَعَت، كانت ظالِمةً بمَنعِها إيَّاه حَقَّه؛ فتكونُ عاصيةً لله بمَنعِ الحَقِّ، وبالظُّلمِ [1176]   ((الإفصاح)) لابن هبيرة (7/158). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ النُّشوزِ. المَبحثُ الثالث: عِلاجُ النُّشوزِ. المَبحثُ الرابع: نُشوزُ الزَّوج.

إن خافتِ الزَّوجةُ نُشوزَ زَوجِها [1222]   يعني: استعلاءً بنَفسِه عنها إلى غيرِها أثَرةً عليها وارتفاعًا عنها؛ إمَّا لبِغْضَةٍ وإمَّا لكراهةٍ منه بعضَ أسبابِها، كدمامتِها، أو كِبَرِ سِنِّها، أو غير ذلك. يُنظر: ((تفسير الطبري)) ( 9/267). وإعراضَه [1223]   يعني: انصرافًا عنها بوَجهِه أو ببعضِ منافِعِه التي كانت لها منه. يُنظر: ((تفسير الطبري)) (9/268). عنها، وخَشِيت مُفارَقتَه لها؛ فلها أنْ تَسترضيَه بإسقاطِ حُقوقِها  كُلِّها أو بَعضِها [1224]   ولا شيءَ على الزَّوجِ إن كان لا يمنَعُها حَقًّا، ولا يؤذيها بضَربٍ ونحوه. ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [1225]   ((المبسوط)) للسرخسي (5/192). ، والمالكيَّةِ [1226]   وعندهم يجبُ عليه أن يفارِقَها إذا كان النشوزُ مِن قِبَلِه، ولم ترْضَ ذلك مِن فِعلِه، إلَّا أن يصطَلِحا. ((المدونة)) لسحنون (2/241)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد الجد (1/556). ، والشَّافعيَّةِ [1227]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/370). ، والحَنابِلةِ [1228]   ((الإقناع)) للحجاوي (3/252)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/211) . .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقَولُه تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا [النساء: 128].وَجهُ الدَّلالةِ:في الآيةِ دَليلٌ على وُقوعِ النُّشوزِ مِنَ الزَّوجِ كما يقَعُ مِنَ الزَّوجةِ، ونَدْبِ كُلٍّ منهما إلى إسقاطِ بَعضِ الحُقوقِ؛ لِدَيمومةِ الحياةِ الزَّوجيَّةِ [1229]   ((أحكام القرآن)) للكيا الهراسي (2/500)، ((تفسير ابن جزي)) (1/211)، ((تيسير البيان لأحكام القرآن)) لابن نور الدين الخطيب (3/37). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ عن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها في هذه الآيةِ: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا [النساء: 128]، قالت: ((الرجُلُ تكونُ عنده المرأةُ ليس بمُستكثِرٍ منها، يريدُ أن يُفارِقَها، فتقولُ: أجْعَلُك مِن شأني في حِلٍّ، فنَزَلت هذه الآيةُ في ذلك)) [1230]   رواه البخاري (2450)، ومسلم (3021). .   انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ النُّشوزِ. المَبحثُ الثاني: نُشوزُ الزَّوجةِ. المَبحثُ الثالث: عِلاجُ النُّشوزِ.