الصَّغيرةُ والآيِسةُ إذا بدَأَتا الاعتِدادَ بالأشهُرِ، فحاضَتا قبلَ انقِضاءِ الأشهُرِ؛ انتقَلَتا إلى الاعتِدادِ بالأقراءِ.الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك [306]     لكِنَّهم اختلفوا: هل تعتَدُّ بما مضى من الشُّهورِ قُرءًا؟ قال ابنُ المنذِرِ: (ثم اختلفوا أتبتدئُ الأقراءَ أو تَعُدُّ ما مضى لها مِن شَهرٍ أو شهرينِ مَقامَ قُرءٍ أو قُرْأَينِ، وتأتي بما بقيَ إمَّا قُرءًا وإمَّا قُرْأَينِ). ((الإقناع)) (2/47). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (11/29). : ابنُ المُنذِرِ [307]     قال ابنُ المنذر: (أجمعوا أنَّ الصبيَّةَ أو البالِغةَ المُطَلَّقةَ التي لم تحِضْ إن حاضَت قبل انقِضاءِ الثلاثةِ الأشهُرِ بيَومٍ أو أقَلَّ مِن يومٍ: أنَّ عليها استِئنافَ العِدَّةِ بالحَيضِ). ((الإقناع)) (2/48). ، وابنُ حَزمٍ [308]     قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ المُطَلَّقةَ الممسوسةَ التي لم تحِضْ قَطُّ، فشَرَعَت في الاعتدادِ بالشُّهورِ ثمَّ حاضت قبل تمامِ الشُّهورِ: أنَّها لا تتمادى على الشُّهورِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 77). ، والعمرانيُّ [309]     قال العمراني: (إذا شرَعَت الصَّغيرةُ بالاعتدادِ بالشُّهورِ، فرأت الدَّمَ قبل انقِضاءِ الشُّهورِ ولو بلَحظةٍ... انتقلت إلى الاعتدادِ بالأقراءِ... قال أصحابُنا: وهذا إجماعٌ لا خِلافَ فيه). ((البيان)) (11/29). ، والقرطبيُّ [310]     قال القرطبي: (قَولُه تعالى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق: 4] يعني: الصَّغيرةَ. فعِدَّتُهنَّ ثلاثةُ أشهُرٍ، فأضمَرَ الخَبَرَ. وإنَّما كانت عِدَّتُها بالأشهُرِ؛ لعدَمِ الأقراءِ فيها عادةً، والأحكامُ إنما أجراها الله تعالى على العاداتِ، فهي تعتَدُّ بالأشهُرِ، فإذا رأت الدَّمَ في زمَنِ احتمالِه عند النِّساءِ انتقلت إلى الدَّمِ؛ لوجود الأصلِ، وإذا وُجِدَ الأصلُ لم يَبقَ للبَدلِ حُكمٌ، كما أنَّ المُسِنَّةَ إذا اعتَدَّت بالدَّمِ ثم ارتفع، عادت إلى الأشهُرِ، وهذا إجماعٌ). ((تفسير القرطبي)) (18/165). ، والشِّربينيُّ [311]     قال الشربيني: («أو يَئِسَت» من الحَيضِ «بثلاثةِ أشهُرٍ» بالأهِلَّة إن انطبَقَ الطَّلاقُ على أوَّلِ الشَّهرِ... «فإن حاضت فيها» أي: أثناءَ الأشهُرِ «وجَبَت الأقراءُ» بالإجماعِ؛ لِقُدرتِها على الأصلِ قبل الفراغِ مِنَ البَدَلِ، كالمتيَمِّمِ يجِدُ الماءَ في أثناءِ تيَمُّمِه). ((مغني المحتاج)) (2/386). .ثانيًا: لأنَّ الشَّهرَ في حَقِّ الصَّغيرةِ والآيِسةِ بَدَلٌ عن الأقراءِ، وقد تَثبُتُ القُدرةُ على المُبدَلِ، والقُدرةُ على المُبدَلِ قَبلَ حُصولِ المقصودِ بالبَدَلِ يُبطِلُ حُكمَ البَدَلِ، كالقُدرةِ على الوُضوءِ في حَقِّ المتيَمِّمِ، ونحوِ ذلك؛ فيَبطُلُ حُكمُ الأشهُرِ، فانتقَلَت عِدَّتُها إلى الحَيضِ [312]     ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/200)، ((تفسير القرطبي)) (18/165). .ثالثًا: لأنَّ العِدَّةَ لا تُلَفَّقُ مِن جِنسَينِ مُختَلِفَينِ، كالشُّهورِ والأقراءِ، وقد تعذَّرَ إتمامُها بالأشهُرِ؛ فوجَبَ تكميلُها بالأقراءِ [313]     ((المغني)) لابن قدامة (8/113). . انظر أيضا: المَبحَثُ الثَّاني: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِن الأقراءِ إلى الأشهُرِ. المَبحَثُ الثَّالِثُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِنَ الأقراءِ أو الأشهُرِ إلى وَضعِ الحَملِ. المَبحَثُ الرَّابِعُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِن عِدَّةِ الطَّلاقِ إلى عِدَّةِ الوَفاةِ.

المُسِنَّةُ إذا بدأت الاعتِدادَ بالأقراءِ، فارتفَعَ حَيضُها قبلَ انقِضائِه؛ انتَقَلت إلى الاعتِدادِ بالأشهُرِ.الأدِلَّةُ: أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقَولُه تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ الطلاق: 4.وَجهُ الدَّلالةِ:الآيةُ دَليلٌ على أنَّ الأشهُرَ بَدَلٌ عن الحَيضِ، فلمَّا ارتفَعَ الأصلُ، انتُقِلَ إلى البَدَلِ، وهو الأشهُرُ [314]     ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/200). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ العَربيِّ [315]     قال ابنُ العربي: (فمن انقطعَ حَيضُها، وهي تَقرُبُ مِن حَدِّ الاحتمالِ؛ فواجِبٌ عليها العِدَّةُ بالأشهُرِ بهذه الآيةِ، ومن ارتفَعَت عن حَدِّ الاحتمالِ وجَبَ عليها الاعتِدادُ بالأشهُرِ بالإجماعِ). ((أحكام القرآن)) (4/284). ، والقُرطبيُّ [316]     قال القرطبي: (المسِنَّةُ إذا اعتَدَّت بالدَّمِ ثمَّ ارتفع، عادت إلى الأشهُرِ، وهذا إجماعٌ). ((تفسير القرطبي)) (18/165). .ثالثًا: لأنَّ العِدَّةَ لا تُلَفَّقُ مِن جِنسَينِ مُختَلِفَينِ، كالشُّهورِ والأقراءِ، وقد تعذَّرَ إتمامُها بالحَيضِ؛ فوجَبَ تَكميلُها بالأشهُرِ [317]     ((المغني)) لابن قدامة (8/113). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِنَ الأشهُرِ إلى الأقراءِ. المَبحَثُ الثَّالِثُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِنَ الأقراءِ أو الأشهُرِ إلى وَضعِ الحَملِ. المَبحَثُ الرَّابِعُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِن عِدَّةِ الطَّلاقِ إلى عِدَّةِ الوَفاةِ.

تتحَوَّلُ مَنِ اعتَدَّت بالأقراءِ أو الأشهُرِ إلى وَضعِ الحَملِ إذا ظهَرَ بها الحَملُ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [318]     استثنى بعضُ الحَنَفيَّةِ زوجةَ الصَّغيرِ فيما إذا وَلَدَت لأكثَرَ مِن نِصفِ حَولٍ، فتعتَدُّ بالأشهُرِ. ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (3/507، 511، 512). ، والمالِكيَّةِ [319]     ((التاج والإكليل)) للمواق (4/149)، ((منح الجليل)) لعليش (4/297، 307). ، والشَّافِعيَّةِ [320]     ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 254)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/377). ، والحَنابِلةِ [321]     ((الإقناع)) للحجاوي (4/112)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/419). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقَولُ الله تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ الطَّلاق: 4.وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المُعتَدَّةَ إذا ظهَرَ فيها حَملٌ فعِدَّتُها بوَضعِ الحَملِ [322]     ((تفسير القرطبي)) (18/165)، ((تفسير ابن كثير)) (8/172). .ثانيًا: لأنَّ الحَملَ أقوى في براءةِ الرَّحِمِ قَطعًا، فتَنتَقِلُ إليه [323]     ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/241)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/389). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِنَ الأشهُرِ إلى الأقراءِ. المَبحَثُ الثَّاني: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِن الأقراءِ إلى الأشهُرِ. المَبحَثُ الرَّابِعُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِن عِدَّةِ الطَّلاقِ إلى عِدَّةِ الوَفاةِ.

إذا طَلَّق الرَّجُلُ زوجَتَه طَلاقًا رَجعيًّا، ثمَّ تُوفِّيَ قبلَ انقِضاءِ عِدَّتِها؛ فإنَّها تَنتَقِلُ إلى عِدَّةِ الوَفاةِ.الأدِلَّةُ: أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [324]     قال ابنُ المنذر: (أجمَعَ كُلُّ مَن نحفَظُ عنه مِن أهلِ العِلمِ على أنَّ مَن طَلَّق زوجتَه طَلاقًا يملِكُ رَجعَتَها، ثمَّ تُوفِّيَ قبل انقِضاءِ عِدَّةِ المرأةِ: أنَّ عليها عِدَّةَ الوفاةِ). ((الأوسط)) (9/540). ويُنظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (5/358). ، وابنُ رُشدٍ [325]     قال ابنُ رشد: (أمَّا مَن فَرَّق بين البائِنِ والرَّجعيِّ فبَيِّنٌ؛ وذلك أنَّ الرَّجعيَّ فيه شَبَهٌ مِن أحكامِ العِصمةِ؛ ولذلك وقَعَ فيه الميراثُ باتِّفاقٍ إذا مات وهي في عِدَّةٍ مِن طَلاقٍ رَجعيٍّ، وأنَّها تنتَقِلُ إلى عِدَّة الموتِ). ((بداية المجتهد)) (3/113). ، وابنُ قُدامةَ [326]     قال ابنُ قدامة: (إذا مات زوجُ الرَّجعيَّةِ استأنفت عِدَّةَ الوفاةِ؛ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا، بلا خِلافٍ). ((المغني)) (8/116). ، وابنُ تَيميَّةَ [327]     قال ابنُ تَيميَّةَ: (فأمَّا إن كان الطَّلاقُ رَجعيًّا في الصِّحَّةِ والمَرَضِ، ومات قبل انقِضاءِ العِدَّةِ؛ فهذه زوجتُه تَرِثُ وعليها عِدَّةُ الوفاةِ، باتِّفاقِ الأئمَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (31/372). .ثانيًا: لأنَّ عِدَّةَ الوفاةِ للتعَبُّدِ لا للاستِبراءِ [328]     ((منح الجليل)) لعليش (4/311). .ثالثًا: لأنَّ المُطَلَّقةَ الرَّجعيَّةَ زَوجةٌ ما دامت في العِدَّةِ، يَلحَقُها طَلاقُه، ويَنالُها مِيراثُه؛ فاعتَدَّت للوفاةِ، كغَيرِ المُطَلَّقةِ [329]     ((المغني)) لابن قدامة (8/116). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِنَ الأشهُرِ إلى الأقراءِ. المَبحَثُ الثَّاني: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِن الأقراءِ إلى الأشهُرِ. المَبحَثُ الثَّالِثُ: تحَوُّلُ العِدَّةِ مِنَ الأقراءِ أو الأشهُرِ إلى وَضعِ الحَملِ.