الخُلعُ بعِوَضٍ فسْخٌ بأيِّ لَفظٍ كان، وهو قَولٌ عند الحَنابِلةِ [72] ((الإنصاف)) للمرداوي (8/290). ، وقَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ [73] قال ابنُ تيمية: (والخُلعُ بعِوَضٍ فَسْخٌ بأيِّ لفظٍ كان ولو وقع بصريحِ الطَّلاقِ، وليس من الطلاقِ الثَّلاث. وهذا هو المنقولُ عن عبدِ الله بن عباس وأصحابِه، وعن الإمام أحمد وقدماء أصحابه، لم يفَرِّقْ أحدٌ من السلف ولا أحمدُ بن حنبل ولا قدماءُ أصحابِه في الخُلعِ بين لفظٍ ولفظٍ، لا لفظ الطَّلاقِ ولا غيره، بل ألفاظُهم كلُّها صريحةٌ في أنَّه فَسخٌ بأيِّ لفظٍ كان). ((الفتاوى الكبرى)) (5/486). ، واختيارُ ابنِ تيميَّةَ [74] ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/486). ، والشَّوكانيِّ [75] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/295). ، وابنِ عثيمين [76] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (12/467- 470). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِنَ الكِتابِقَولُه تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ البقرة: 229، ثمَّ قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ البقرة: 229، ثم قال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الآيةَ البقرة: 230.وجهُ الدَّلالةِ: أنَّه لو كان الخُلعُ طلاقًا لكان قَولُه تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا هي الطَّلقةَ الرابعة، وهذا خِلافُ إجماعِ المُسلِمين [77] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (12/467- 470)، ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) لابن عثيمين (3/121). ويُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/268). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما قال: ((جاءت امرأةُ ثابتِ بنِ قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: يا رَسولَ الله، ما أنقِمُ على ثابتٍ في دِينٍ ولا خُلُقٍ إلَّا أني أخافُ الكُفرَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: فترُدِّينَ عليه حديقَتَه؟ فقالت: نعم، فردَّت عليه، وأمرَه ففارَقَها)) [78] أخرجه البخاري (5276). .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يذكُرْ طَلاقًا ولم يَزِدْ على الفُرقةِ؛ فدَلَّ على أنَّه فَسخٌ [79] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/295). .عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفراءَ رضي الله عنها: ((أنَّها اختَلَعَت على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَرَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -أو أُمِرَت- أن تعتَدَّ بحَيضةٍ)) [80] أخرجه الترمذي (1185)، والبيهقي (16014). قال الترمذي: حديثُ الرُّبَيِّعِ الصحيحُ أنَّها أُمِرَت أن تعتَدَّ بحَيضةٍ. وجوَّد إسناده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (611)، وصحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1185). .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الخُلعَ لو كان طَلاقًا لم يقتَصِرْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الأمرِ بحَيضةٍ [81] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/294). . انظر أيضا: المَبحثُ الثَّاني: الفَرقُ بينَ الفَسخِ والطَّلاقِ. المَبحثُ الثَّالث: حُصولُ البَينونةِ بالخُلعِ.

الفُرقةُ بينَ الزَّوجينِ تكونُ إمَّا بطلاقٍ أو فَسخٍ، ويوجَدُ فَرقٌ بينهما من أوجُهٍ، منها:الطَّلاقُ بيَدِ الزَّوجِ وإرادتِه واختيارِه، ويكونُ بلَفظِ الطَّلاقِ، بخِلافِ الفَسخِ [82] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (5/128)، ((المبدع)) لإبراهيم بن مفلح (7/209). .الفَسخُ لا رَجعةَ فيه إلَّا بعَقدٍ جَديدٍ وبرِضا المرأة، بخِلافِ الطَّلاقِ إذا لم يكُنْ طلاقًا بائنًا، ولا يُشتَرَطُ رِضاها [83] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/20)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/235)، ((المغني)) لابن قدامة (8/206). .الفَسخُ قبل الدُّخولِ لا يُوجِبُ للمرأةِ شيئًا من المهرِ، وأمَّا الطَّلاقُ قبلَ الدُّخولِ وبعد فَرضِ الصَّداقِ فيُوجِبُ لها نِصفَ المَهرِ المسمَّى [84] يُنظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 70)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/295)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/158)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/181)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/680). .الفَسخُ لا يُحسَبُ مِن عَدَدِ الطَّلَقاتِ التي يَملِكُها الرَّجُلُ [85] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (6/181)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/20)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/113). .لا يُشتَرَطُ في الطَّلاقِ قَضاءُ القاضي ولا رِضا الزَّوجةِ، بخلافِ الفَسخِ [86] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (1/292)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/202)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/237). .الفَسخُ لا يكونُ إلَّا بسَبَبٍ، كالعَيب مثلًا، بخلافِ الطَّلاقِ فقد يقَعُ بسَبَبٍ أو بدونِ سَبَبٍ [87] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/144)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/113). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: هل الخُلع بعِوض فسْخٌ أم طَلاق؟. المَبحثُ الثَّالث: حُصولُ البَينونةِ بالخُلعِ.

 تحصُلُ البَينونةُ بالخُلعِ [89] بَينونةٌ صُغرى. ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [90] ((كنز الدقائق)) للنسفي (ص: 294)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/268). ، والمالِكيَّةِ [91] ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/593). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/518). ، والشَّافِعيَّةِ [92] ((روضة الطالبين)) للنووي (7/374)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/484). ، والحَنابِلةِ [93] ((الإقناع)) للحجاوي (3/254)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/216). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [94] قال ابن عبد البر: (لم يختَلِفوا أنَّ الخُلعَ طلاقٌ بائن لا ميراثَ بينهما فيه). ((الاستذكار)) (6/82). وقال البغوي: (اتَّفَق أهلُ العلم على أنَّه إذا طلَّقَها على مال فقَبِلت، فهو طلاقٌ بائنٌ). ((شرح السُّنَّة)) (9/196). وقال ابن رشد: (أما الطلاقُ البائن: فإنهم اتَّفَقوا على أنَّ البينونةَ إنما توجدُ للطلاق مِن قِبَلِ عَدَمِ الدخول، ومِن قِبَلِ عدَدِ التطليقات، ومَن قِبَلِ العِوَض في الخُلعِ). ((بداية المجتهد)) (3/83). وقال ابن تيمية: (حصول البينونة بالخُلعِ ممَّا لم يُعرَفْ فيه خلافٌ بين المسلمين). ((الفتاوى الكبرى)) (3/272). وخالف ابن حزم فقال: (لها أن تفتديَ بجميع ما تملِكُ، وهو طلاقٌ رجعيٌّ، إلا أن يطَلِّقَها ثلاثًا، أو آخِرَ ثلاث، أو تكونَ غيرَ موطوءةٍ، فإن راجَعَها في العِدَّةِ جاز ذلك أحبَّت أم كَرِهَت، ويرُدُّ ما أخَذَ منها إليها). ((المحلى)) (9/511). وقال ابنُ قُدامةَ: (حُكِيَ عن الزُّهري وسعيد بن المسيب أنَّهما قالا: الزَّوجُ بالخيار بين إمساكِ العِوَضِ ولا رجعةَ له، وبين ردِّه وله الرَّجعةُ. وقال أبو ثور: إن كان الخُلعُ بلفظ الطلاق فله الرجعةُ؛ لأنَّ الرَّجعةَ مِن حقوق الطَّلاقِ، فلا تَسقُطُ بالعِوَضِ، كالولاءِ مع العِتقِ). ((المغني)) (7/331). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِنَ الكِتابِقال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ البقرة: 229.وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُه تعالى: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وإنما يكونُ فِداءً إذا خرَجَت به عن قَبضتِه وسُلطانِه، وإذا كانت له الرَّجعةُ فهي تحت حُكمِه [95] ((المغني)) لابن قدامة (7/331). .ثانيًا: لأنَّ القَصدَ إزالةُ الضَّررِ عن المرأةِ، فلو جاز ارتجاعُها لعاد الضَّررُ [96] ((المغني)) لابن قدامة (7/331). .ثالثًا: لأنَّ بَذْلَ العِوَضِ افتداءٌ، فلو كانت لا تَبِينُ به لم يكُنْ لهذا الفِداءِ فائدةٌ [97] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (12/468). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: هل الخُلع بعِوض فسْخٌ أم طَلاق؟. المَبحثُ الثَّاني: الفَرقُ بينَ الفَسخِ والطَّلاقِ.