يجوز المسحُ على الجَبيرةِ الجبيرة لُغة: العِيدان التي تُشدُّ على العَظمِ المكسور؛ لتجبُرَه على استواءٍ، وجمعها: جبائرُ، وبدَلَها الآن الجِبس وغيرُه. وفي الاصطلاح: لا يخرُجُ استعمالُ الفقهاء له عن المعنى اللُّغوي، وقيل: هي ما يُوضَعُ على موضع الطَّهارةِ لحاجة، إلَّا أنَّ المالكيَّة فسَّروا الجبيرةَ بمعنًى أعمَّ، فقالوا: الجَبيرة ما يُداوي الجُرح، سواء أكان أعوادًا، أم لزقةً، أم غير ذلك. ((لسان العرب)) لابن منظور (1/535)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/89)، ((سبل السلام)) للصنعاني (1/99)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/242). ومن الفروق بين الجبيرة وبقيَّة الممسوحات: - أنَّ الجَبيرةَ لا تختصُّ بعضوٍ مُعيَّن، والخفَّ يختصُّ بالرِّجل، والعمامةَ والخمارَ يختصَّانِ بالرَّأس. - أنَّ المسحَ على الجَبيرة جائزٌ في الحدَثينِ، أمَّا بقيَّةُ الممسوحاتِ، فلا يجوزُ المَسحُ عليها إلَّا في الحدَث الأصغَرِ. - أنَّ المسحَ على الجبيرةِ غَيرُ مؤقَّتٍ، والمسحَ على الخفَّينِ مؤقَّت. - أنَّ الجبيرةَ لا تُشتَرَطُ لها الطَّهارةُ، والمسح على الخفَّينِ تُشتَرَط له الطَّهارةُ. يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/250). في الوضوءِ، أو الغُسلِ، أو التيمُّم، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52-53)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/361)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/129،130). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/476)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/277). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/187، 188)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/120). ؛ وذلك لأنَّ الموضِعَ المُصابَ مَستورٌ بما يَسوغُ سترُه به شَرعًا، فجاز المسحُ عليه كالخفَّينِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/245). . انظر أيضا: المبحث الثَّاني: شروط المسح على الجَبيرة. المبحث الثَّالث: ما لا يُشترط في المسح على الجبائر . المبحث الرَّابع: صفة المسح على الجَبيرة. المبحث الخامس: هل سقوط الجَبيرة ينقُض الوضوء؟ .

المطلب الأوَّل: أن يكون غَسلُ العُضوِ المصابِ مِمَّا يَضُرُّ بهشرْطُ المَسحِ على الجَبيرة أن يكون غَسْلُ العُضوِ المنكِسر أو المجروحِ، ممَّا يضرُّ به الماءُ، أو كان يُخشى حدوثُ الضَّرر بنزْعِ الجبيرة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (1/ 280)، وينظر:  ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/159). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/164)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/435). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/323)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/104). ، والحنابلة ((المبدع)) لابن مفلح الحفيد (1/113)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/203). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابعمومُ قَولِ الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أمرْتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم)) رواه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337). .ثالثًا: أنَّ في نزْع الجَبيرةِ ضَررًا؛ وهو مرفوعٌ في الشَّريعةِ ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/616). .المطلب الثَّاني: أن يكونَ مسْحُ العضوِ المصابِ ممُّا يضرُّ بهيَمسَحُ على الجَبيرة مَن لا يُمكِنُه المسحُ على العُضوِ المصابِ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/159). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/164)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/435). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/206). ؛ وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (وإذا كان الجُرحُ مكشوفًا، وأمكَنَ مَسحُه بالماء، فهو خيرٌ من التيمُّمِ، وكذلك إذا كان معصوبًا أو كُسِرَ عَظمُه، فوَضَعَ عليه جَبيرة، فمَسْحُ ذلك بالماء خيرٌ مِن التيمُّم) ((مجموع الفتاوى)) (21/453). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (...وهذا يدلُّ على أنَّ مَسحَ الجُرحِ البارز أوْلى من مسْحِ الجَبيرة، وأنَّه خيرٌ مِن التيمُّم. وهذا هو الصَّوابُ الذي لا ينبغي العُدولُ عنه، وهو المحفوظُ عن السَّلَفِ مِن الصَّحابة والتَّابعين، ولا ريبَ أنَّه بمقتضى القياسِ؛ فإنَّ مباشرةَ العضو بالمسحِ الذي هو بعضُ الغَسلِ المأمور به أَوْلى من مباشرةِ غَيرِ ذلك العُضوِ بالتُّراب) ((بدائع الفوائد)) (4/67). ، وابن باز قال ابنُ باز: (الجريحُ إن تيسَّر [له] المسحُ على الجُرحِ، مسَحَ على الجرح وكفَى...، أمَّا إذا كان عليه جَبيرةٌ، فإنَّه يمسحُ الجَبيرة). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) (5/168). ؛ وذلك لأنَّ جوازَ المسحِ على الجَبيرةِ للعُذر، ولا عُذرَ إذا قدَر على المسحِ على نفْسِ الجُرحِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13). .المطلب الثَّالث: أن تكونَ الجَبيرةُ على قدْرِ الضَّرورة يُشتَرَطُ أن تكونَ الجَبيرةُ على قدْرِ الضَّرورةِ قال ابن عثيمين: (فإذا أمكن أن نجعَلَ طول العيدان شبرًا، فإنَّنا لا نجعَلُها شبرًا وزيادة؛ لعدم الحاجةِ إلى هذا الزَّائدِ، وكذا إذا احتجْنا إلى أربطةٍ غليظةٍ استعملناها، وإلَّا استعمَلْنا أربطةً دقيقةً، وإذا كان الكسرُ في الأصبَعِ واحتجْنا أن نربطَ كلَّ الراحة؛ لتستريحَ اليَدِ، جاز ذلك لوجودِ الحاجة، فإن تجاوَزَت قدْرَ الحاجة، لم يمسَحْ عليها، لكن إن أمكن نزْعُها بلا ضررٍ نزَع ما تجاوَزَ قدْر الحاجةِ، فإنْ لم يمكن فقيل: يمسَحُ على ما كان على قدْرِ الحاجة ويتيمَّمُ عن الزَّائد، والرَّاجحُ أنَّه يمسحُ على الجميعِ بلا تيمُّم؛ لأنَّه لَمَّا كان يتضرَّرُ بنَزعِ الزَّائد، صار الجميعُ بمنزلة الجَبيرةِ) ((الشرح الممتع)) (1/243). وقال أيضًا: (الجبيرةُ لا يُمسحُ عليها إلَّا عند الحاجة، فيجِبُ أن تُقدَّر بقدَرِها، وليست الحاجةُ هي موضعَ الألمِ أو الجُرح فقط، بل كلُّ ما يُحتاج إليه في تثبيتِ هذه الجَبيرة أو هذه اللزقة مثلًا فهو حاجةٌ، فلو كان الكَسرُ في الأصبع ولكن احتَجْنا أن نربط كلَّ الرَّاحةِ؛ لتستريحَ اليَدِ، فهذه حاجةٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/173). ، نصَّ على هذا المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/164)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/435). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/325)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/82). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/141)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/120). ؛ وذلك لأنَّ القاعدة الشرعيَّةَ: أنَّ ما أُبيحَ للضَّرورةِ يُقدَّرُ بِقَدَرِها ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 84). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: حُكم المسح على الجَبيرة. المبحث الثَّالث: ما لا يُشترط في المسح على الجبائر . المبحث الرَّابع: صفة المسح على الجَبيرة. المبحث الخامس: هل سقوط الجَبيرة ينقُض الوضوء؟ .

المطلب الأوَّل: لا يُشتَرَطُ أن توضَعَ على طَهارةلا يُشتَرَطُ في المسحِ على الجبيرةِ أن يكونَ وَضْعُها على طهارةٍ؛ وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/54)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/362)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/320). ، وهو وجهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/326). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/204)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/174). ، واختاره ابنُ قُدامة قال ابنُ قدامة: (اختاره الخلَّال وقال: قد رَوى حرب، وإسحاق، والمروذي، في ذلك سهولةً عن أحمد، واحتجَّ بابن عمر، وكأنَّه ترَك قولَه الأوَّل، وهو أشبَهُ؛ لأنَّ هذا ممَّا لا ينضبِطُ، ويغلُظُ على النَّاس جدًّا، فلا بأسَ به. ويقوي هذا حديثُ جابر في الذي أصابته الشجَّة؛ فإنَّه قال: ((إنَّما كان يُجزئُه أن يَعصِب على جُرحِه خِرقةً، ويمسحَ عليها))، ولم يذكر الطَّهارة، وكذلك أمَر عليًّا أن يمسَحَ على الجبائر، ولم يشتَرِط طهارةً؛ ولأنَّ المسحَ عليها جاز دفعًا لمشقَّة نزعِها، ونَزعُها يشقُّ إذا لَبِسَها على غيرِ طَهارةٍ، كمشقَّته إذا لَبِسَها على طهارةٍ). ((المغني)) (1/204). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (الجبيرةُ يُمسَحُ عليها وإن شدَّها على حدَثٍ عند أكثَرِ العلماء، وهو إحدى الرِّوايتينِ عن أحمد، وهو الصَّواب). ((مجموع الفتاوى)) (21/179). ، وابن باز قال ابن باز: (لو جُرِحَ- مثلًا- في يَدِه أو في رِجلِه وهو على غيرِ وُضوءٍ، وقد وضع عليه الطَّبيبُ الجبيرةَ، فإنَّه يمسَحُ مطلقًا على الرَّاجح، ولو كان وَضعَها حين وضَعَها على غيرِ طهارةٍ، وهكذا في الغُسلِ مِن الجنابة، إذا كان في ظهْرِه لزقة؛ أو في جَنْبِه، أو جبيرة، فإنَّه يُمِرُّ عليها الماء، ويكفي عند الغُسل، ولا حاجة إلى أن يُزيلَها، بل متى ما مرَّ عليها الماءُ كفى، حتى يعافيَه الله). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/159). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (المسحُ على الخفَّين يُشتَرَطُ فيه أن يَلبَسَهما على طهارةٍ، بخلاف الجبيرةِ، فلا تُشتَرَطُ لها الطَّهارةُ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/174). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الكَسرَ والجُرحَ يقَع بَغتةً، ويطرأُ على الإنسانِ من غير اختياره، فوضْعُها على طهارةٍ ممَّا لا ينضبط، ويغلُظُ على النَّاسِ جدًّا، وفيه حَرَجٌ، وقد يترتَّب على تأخيرِها إلى تطهُّرِه ضَرَرٌ كبيرٌ، وقد يكون مُغمًى عليه ((المغني)) لابن قدامة (1/204). .ثانيًا: أنَّ المسحَ عليها جاز دفعًا لمشقَّةِ نَزْعِها، ونزْعُها يشقُّ إذا لَبِسَها على غيرِ طَهارةٍ، كمشقَّتِه إذا لَبِسَها على طهارةٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/204). .ثالثًا: أنَّه لا يصحُّ قياسُها على الخفَّين؛ لوجودِ الفروقِ بينهما ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/250). .المطلب الثَّاني: لا يُشتَرَط أن يكونَ المسحُ مِن الحدَث الأصغَرِ يجوزُ المسحُ على الجَبيرةِ في الحدَث الأصغَرِ والأكبر، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/70)، ((الفتاوى الهندية)) (1/36). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/318)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/464، 465). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/476، 2/331)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/95). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/121-122)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/204). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ المسحَ على الجَبيرةِ مِن باب الضَّرورة، والضرورةُ لا فرْقَ فيها بين الحدَث الأصغَر والأكبَرِ، بخِلاف المسحِ على الخفَّين؛ فهو رُخصةٌ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/244). .ثانيًا: أنَّ هذا العضوَ الواجِبَ غَسْلُه سُتِرَ بما يَسوغ سَترُه به شرعًا؛ فجاز المسحُ عليه كالخفَّين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/244). .المطلب الثالث: لا يُشتَرَط لها توقيت بزمن؛ بل يمسحُ حتَّى يحصُلَ البُرْء المسحُ على الجبيرةِ غيرُ مُؤَقَّتٍ بزمنٍ، بل يمسحُ عليها حتَّى يحصُلَ البُرْءُ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة (فثبت أنَّ المسحَ على الجبيرةِ ما دام العُذرُ قائمًا، أصلٌ لا بدَلٌ. قال- رحمه اللهُ- (فلا يتوَقَّتُ) أي لا يتوقَّتُ المسحُ على الجبيرةِ؛ لأنه كالغَسلِ لِما تحتها على ما تقَدَّمَ، والغَسلُ لا يتوقَّتُ، فكذا هذا) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/328). ، والمالكيَّة  ("وإن" "صحَّ" أي بَرِئَ الجُرحُ، وما في معناه، وهو على طهارَتِه "غسَلَ" المحلَّ، إن كان حَقُّه الغَسلَ، كرأسٍ في جنابةٍ، ومَسَحَ ما حقُّه المسحُ، كصِماخِ أذُنٍ) ((الشرح الكبير)) للدردير (1/166). (وإن صحَّ غسَلَ ومَسَحَ مُتوضِّئٌ رأسَه (ش) يعني أنَّ من أُبيحَ له المسحُ إذا صحَّ جُرحُه، غَسَلَه إذا كان في الأصلِ مغسولًا رأسًا كان أو غيرَه، كما إذا كان عن جنابةٍ، أو مَسَحَه إذا كان في الأصلِ ممسوحًا رأسًا أو غيره كالأذُنين) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/203). ، والشافعيَّة (قطع الشيخ أبو حامد، والماوردي، والدارمي، وابن الصباغ، وسائر العراقيين، وصاحب التتمة، وغيره من الخراسانيين: بأنَّ المسحَ على الجبيرةِ غيرُ مُؤقَّتٍ، بل يَمسَحُ من غير نزعٍ وإن تطاولَتِ الأزمانُ، إلى أن يبرَأَ، وذكر الفوراني وإمام الحرمين والغزالي وآخرون من الخراسانيين وجهًا؛ أنَّه مؤقَّتٌ كالخُفِّ، كذا أطلقوه. قال الرافعي: فعلى هذا الوجهِ يختلِفُ بالحضَرِ والسَّفَر، فينزع المقيمُ الجبيرةَ بعد يومٍ وليلةٍ، والمسافِرُ بعد ثلاثٍ، وأنكَرَه عليه الشيخُ أبو عمرو بن الصلاح، وقال: الصوابُ أنه يختصُّ بيومٍ وليلةٍ حضرًا وسفرًا، والأظهَرُ ما ذكره الرافعي، وهو مقتضى إطلاق من حكى هذا الوجهَ، وهذا الوجهُ في أصلِه ضعيفٌ، والصَّوابُ أنَّه غيرُ مُؤقَّتٍ) ((المجموع)) للنووي (2/330)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (1/332). ، والحنابلة (إلا الجَبيرة فإنَّه يمسَحُ عليها إلى حَلِّها، أو بُرئِها) لأنَّ مَسحَها للضَّرورة، وما كان كذلك فيتقَدَّرُ بقَدَرِها) ((المبدع)) لابن مفلح (1/118). (و) يمسحُ على (جبيرةٍ إلى حَلِّها)؛ لأنَّ مَسحَها للضَّرورةِ، فيُقَدَّرُ بقَدَرِها، والضرورةُ تدعو إلى مَسحِها إلى حلها فقدر بذلك دون غيره، وبرؤها كحَلِّها، بل أَولى) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/115). .وذلك للآتي:أولًا: لأنَّ الرُّخصةَ وردت غيرَ مُقَيَّدة، بخلافِ الخُفِّ ((المجموع)) للنووي (2/330). . ثانيًا: لأنَّ الحاجة تدعو إلى استدامةِ الجَبيرةِ ((المجموع)) للنووي (2/330). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: حُكم المسح على الجَبيرة. المبحث الثَّاني: شروط المسح على الجَبيرة. المبحث الرَّابع: صفة المسح على الجَبيرة. المبحث الخامس: هل سقوط الجَبيرة ينقُض الوضوء؟ .

المطلب الأوَّل: استيعابُ المسحِ على الجَبيرةيجِبُ استيعابُ الجَبيرة بالمسحِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/531)، ((حاشية الدسوقي)) (1/163). ، والشَّافعيَّة على الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (2/326)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/94). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/193)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/120). ، وهو قولٌ للحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/197)، ينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/76). . وذلك للآتي: أوَّلًا: أنَّه أُجيزَ للضَّرورةِ؛ فيجبُ مَسحُ الجميع ((المجموع)) للنووي (2/323). .ثانيًا: أنَّه لا يشقُّ استيعابُها بالمسحِ، بخلاف الخفِّ؛ فإنَّه يشقُّ استيعابُ جَميعه، ويُتلِفُه المسحُ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/120). .ثالثًا: أنَّ المسحَ على الجبيرةِ بَدلٌ عن غَسلِ العُضوِ، فإذا كان يجِبُ استيعابُ العُضوِ بالغَسلِ، فإنَّه يجِبُ في بدَلِه ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/53). .المطلب الثَّاني: عددُ مرَّات المَسحِ على الجَبيرةالمسحُ على الجَبيرة يكون مرَّةً واحدة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/48)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/148). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/322)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/472). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/130). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/185)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/118). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه مسْحٌ؛ فلا يُسنُّ فيه التَّكرارُ، كمسح الرَّأس، ومسْحِ الخفَّين ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/48)، ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- فتاوى نور على الدرب)). .ثانيًا: أنَّ طهارَتَه مخفَّفة؛ فينبغي أن يكون مخفَّفًا في الكَيف ومخفَّفًا في الكمِّ ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- فتاوى نور على الدرب)). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: حُكم المسح على الجَبيرة. المبحث الثَّاني: شروط المسح على الجَبيرة. المبحث الثَّالث: ما لا يُشترط في المسح على الجبائر . المبحث الخامس: هل سقوط الجَبيرة ينقُض الوضوء؟ .

لا ينتقِضُ الوضوءُ بسقوط الجَبيرة، سواءٌ كان عن بُرءٍ أو غيره؛ وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ قال ابن حزم: (مَن كان على ذِراعَيه أو أصابِعِه أو رِجلَيه جبائرُ أو دواءٌ ملصَقٌ لضرورةٍ، فليس عليه أن يمسَحَ على شيءٍ مِن ذلك، وقد سقط حُكمُ ذلك المكان، فإنْ سقط شيءٌ من ذلك بعد تمامِ الوُضوءِ، فليس عليه إمساسُ ذلك المكانِ بالماء، وهو على طَهارَتِه ما لم يُحدِثْ). ((المحلى)) (1/316). , وابن تيميَّة قال المرداويُّ: (اختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين بقاءَها قبل البُرء وبَعدَه، كإزالةِ الشَّعر) ((الإنصاف)) (1/143)، يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/316). ، وابن باز سئل ابن باز: (شخصٌ وضَع على يده جَبيرةً، وأصابتْه جنابةٌ واغتسَلَ منها، ثم بعد ذلك نزَعَ الجبيرةَ؛ فهل يجب عليه أن يَغسِلَ يدَه التي كانت عليها الجَبيرةُ، أم يجِبُ عليه إعادةُ الغُسلِ للجنابة؟ فأجاب: الجبيرةُ تقومُ مقامَ غَسلِ ما تحتها، طهارَتُه طيِّبةٌ؛ لأنَّ المسحَ عليها ضروريٌّ، أمَّا الخفُّ فلا، لا يمسَحُ على الخفِّ وهو عليه جنابةٌ، يخلَع، أمَّا الجبيرةُ يمسَحُ عليها ولو في الجنابةِ، ولو في الحَيضِ، إذا برِئ ما تحتَها لم يجِبِ الغَسلُ، بل يتوضَّأ كالعادةِ، ويَغسِلُ كالعادةِ في بقيَّة أوقاته). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) (5/308). , وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (لو فُرِضَ أنَّ هذا الرَّجُلَ نَزعَ هذه الجَبيرةَ أو اللزقة، فإنَّ طهارَتَه تبقى ولا تنتقِضُ؛ لأنَّها تمَّت على وجهٍ شرعيٍّ). ((فتاوى أركان الإسلام)) (ص: 233). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ سُقوطَ الجبيرةِ ليس بحدَثٍ ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (1/318). .ثانيًا: أنَّه لم يأتِ نصٌّ بإيجابِ الوُضوءِ ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (1/318). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: حُكم المسح على الجَبيرة. المبحث الثَّاني: شروط المسح على الجَبيرة. المبحث الثَّالث: ما لا يُشترط في المسح على الجبائر . المبحث الرَّابع: صفة المسح على الجَبيرة.