يَحرُمُ أكلُ الذَّبيحةِ التي أُهِلَّ بها لِغَيرِ اللهِ [292] قال الكاساني: (إنَّما تؤكَلُ ذَبيحةُ الكِتابيِّ إذا لم يُشهَدْ ذَبحُه ولم يُسمَعْ منه شيءٌ، أو سُمِعَ وشُهِدَ منه تسميةُ الله تعالى وحده؛ لأنَّه إذا لم يُسْمعْ منه شيءٌ يُحمَلُ على أنَّه قد سمَّى الله تبارك وتعالى وجَرَّدَ التسميةَ؛ تحسينًا للظَّنِّ به كما بالمسلمِ). ((بدائع الصنائع)) (5/46). وقال شمسُ الدين ابنُ قُدامة: (وإن لم يُعلَمْ أسمَّى الذَّابِحُ أم لا؟ أو ذَكرَ اسمَ غير الله أو لا؟ فذبيحتُه حلالٌ؛ لأنَّ الله تعالى أباح لنا أكْلَ ما ذبَحَه المسلِمُ والكتابيُّ، وقد عُلِمَ أنَّنا لا نقِفُ على كلِّ ذابح. وقد رويَ عن عائشة أنهم قالوا: ((يا رسولَ اللهِ، إنَّ قَومًا حَديثٌ عَهدُهم بشركٍ، يأتونَنا بلَحمٍ لا ندري أذَكَروا اسم الله أم لم يذكُروا؟ قال: سَمُّوا أنتم وكُلوا)) ). ((الشرح الكبير)) (27/325).   ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [293] ((المبسوط)) للسرخسي (11/209)، ((الفتاوى الهندية)) (5/285)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/46).   ، والمالِكيَّةِ- فيما ذُبِحَ للصَّنَمِ- [294] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/212، 318)، ((منح الجليل)) لعليش (2/412-414).   ، والشَّافِعيَّةِ [295] ((فتح العزيز)) للرافعي (12/84)، ((المجموع)) للنووي (9/78).   ، والحَنابِلةِ [296] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/307)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/209)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/421)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/402).   ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [297] قال ابنُ قدامة: (رُوِيَ ذلك عن عليٍّ، وبه قال النَّخَعي، والشافعي، وحمَّاد، وإسحاق، وأصحاب الرأي). ((المغني)) (9/402). وقال القرطبي: (وقال بهذا من الصحابةِ: عليٌّ، وعائشةُ، وابنُ عمر، وهو قَولُ طاوس، والحَسَن). ((تفسير القرطبي)) (6/76).   . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتاب1- قَولُه تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 121]. وجهُ الدَّلالةِ:أنَّه إذا سَمَّى غيرَ اللهِ أو ذبَحَ لِغَيرِ الله، فقد أتى بالصِّفةِ التي حَرَّم اللهُ تعالى علينا الأكلَ مع وجودِها؛ لأنَّه أَهَلَّ لِغَيرِ اللهِ به [298] ((المحلى)) لابن حزم (6/154).   .2- قَولُه تعالى: وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة: 3]. وجهُ الدَّلالةِ:أنَّه مُخَصِّصٌ لقَولِه تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] [299] ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/213).   .ثانيًا: أنَّه لو فعَلَ ذلك مُسلِمٌ لم يَحِلَّ؛ لقَولِه تعالى: وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة: 3] فحالُ الكِتابيِّ في ذلك لا يكونُ أعلى مِن حالِ المُسلِمِ [300] ((المبسوط)) للسرخسي (11/209).   . انظر أيضا: المبحث الأوَّلُ: أن يكونَ المُذَكِّي عاقِلًا. المبحث الثَّاني: أن يكونَ المُذَكِّي مُمَيِّزًا. المبحث الثَّالِثُ: أن يكونَ المُذَكِّي مُسلِمًا أو كِتابيًّا. المبحث الخامِسُ: حُكمُ ذَبيحةِ المَجوسيِّ والوَثَنيِّ والزِّنديقِ والمُرتَدِّ.

يَحرُمُ أكلُ ذبيحةِ المَجوسيِّ، والوَثَنيِّ، والزِّنديقِ، والمُرتَدِّ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [301] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/287)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/473).   ، والمالِكيَّةِ [302] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/588)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (3/13)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/429)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/390).   ، والشَّافِعيَّةِ [303] ((روضة الطالبين)) للنووي (3/237)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/266)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/553).   ، والحَنابِلةِ [304] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/217)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/418)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/330)، ((المغني)) لابن قدامة (9/393).   ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [305] قال ابن عبد البر: (وأجمَعوا أنَّ المجوسيَّ والوَثَنيَّ لو سمَّى اللهَ لم تؤكَلْ ذَبيحتُه). ((الاستذكار)) (5/250). وقال ابن قدامة: (أجمع أهلُ العلم على تحريمِ صَيدِ المجوسيِّ وذَبيحتِه، إلَّا ما لا ذكاةَ له). ((المغني)) (9/392). وقال ابن القطان: (وأجمعوا أنَّ المجوسيَّ والوَثَنيَّ لو سَمَّى اللهَ لم تؤكَلْ ذبيحتُه... وأجمعوا أنَّ ذبائح المرتَدِّين حرامٌ على المسلمينَ، إلَّا الأوزاعيَّ؛ فإنَّه أحَلَّها). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/321). وقال ابن تيمية: (فإن ذبائِحَ المجوسِ حَرامٌ عند جمهورِ السَّلَفِ والخَلَفِ، وقد قيل: إنَّ ذلك مُجمَعٌ عليه بين الصَّحابةِ). ((الفتاوى الكبرى)) (1/271). قال ابنُ حَجَرٍ بعد أن حكى كلامَ ابنِ قدامة: (قلتُ: وفيه نظَرٌ؛ فقد حكى ابنُ عبد البر عن سعيدِ بنِ المُسَيب أنَّه لم يكن يرى بذبيحةِ المجوسيِّ بأسًا إذا أمَرَه المُسلِمُ بذَبحِها). ((فتح الباري)) (6/259)، وكذلك خالف فيه ابنُ حزم، فقال: (وكلُّ ما ذبَحَه أو نَحَره يهوديٌّ، أو نصرانيٌّ، أو مجوسيٌّ- نساؤُهم، أو رجالُهم-: فهو حلالٌ لنا، وشحومُها حلالٌ لنا إذا ذكروا اسمَ الله تعالى عليه). ((المحلى)) (6/143). . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتابقال تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5].وجهُ الدَّلالةِ:نصَّت الآيةُ على حِلِّ ذبائِحِ أهلِ الكِتابِ، والمجوسيُّ والوَثَنيُّ والزِّنديقُ والمُرتَدُّ: ليسوا أهلَ كِتابٍ [306] ((المغني)) لابن قدامة (9/393)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/553).   .ثانيًا: أنَّه لا تَحِلُّ مُناكَحتُهم، فلا تَحِلُّ ذَبيحتُهم [307] ((المجموع)) للنووي (9/75)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/266).   .ثالثًا: أنَّ المُرتَدَّ لا يُقَرُّ على الدِّينِ الذي انتَقَل إليه، فكان كالوَثَنيِّ الذي لا يُقَرُّ على دينِه [308] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/45).   .رابِعًا: أنَّ الوَثَنيَّ كالمجوسيِّ؛ لأنَّه مُشرِكٌ مِثلُه، فتَحرُمُ ذَبيحتُه أيضًا [309] ((تبيين الحقائق)) للكاساني (5/287).   . انظر أيضا: المبحث الأوَّلُ: أن يكونَ المُذَكِّي عاقِلًا. المبحث الثَّاني: أن يكونَ المُذَكِّي مُمَيِّزًا. المبحث الثَّالِثُ: أن يكونَ المُذَكِّي مُسلِمًا أو كِتابيًّا. المبحث الرَّابِعُ: ألَّا يُهَلَّ بالذَّبيحةِ لِغَيرِ اللهِ تعالى.