لا يُشتَرَطُ أن يكونَ الممسوحُ عليه جِلدًا، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/96)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/10). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/496)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/66). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 32)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/215)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/161). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (المسحُ على كلِّ ما لُبِس في الرِّجلين- ممَّا يحِلُّ لباسُه، ممَّا يبلُغُ فوق الكعبين، سُنَّةٌ، سواء كانا خفَّين من جلود أو لبود، أو عود أو حَلفاء، أو جوربين من كَتَّان أو صُوف أو قُطن، أو وبر أو شَعر- كان عليهما جلدٌ أو لم يكُن- أو جُرموقَين[الجُرموق: خُفٌّ صغير يُلبَس فَوق الخُفِّ]، أو خفَّين على خفَّين، أو جَوربين على جَوربين، أو ما كثُرَ من ذلك، أو هِراكَس [هو حِذاء رِيفي من الجِلد]). ((المحلى)) (1/321). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الرُّخصةَ جاءتْ في المسحِ على الخفَّين؛ فكلُّ ما صدَق عليه اسم الخُفِّ أو قام فيه معناه، جاز المسحُ عليه؛ جِلدًا كان أو غيرَه، ولا يجوزُ تَقييدُ مُطلَقاتِ النُّصوصِ إلَّا بدليلٍ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/338). .ثانيًا: أنَّ سبَبَ التَّرخيصِ الحاجةُ إلى ذلك، وهي موجودةٌ في المسحِ على غيرِ الجِلد. انظر أيضا: المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق. المبحث الخامس: أن يَمنَع نفوذَ الماء.

اختلف أهلُ العلم في اشتراطِ ثُبوتِ الخفِّ بنَفسِه، وذلك على قَولينِ: القول الأوّل: يُشتَرطُ في الخفِّ أن يثبُتَ بِنَفسِه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص83). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/142)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/179). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/501)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/66). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/135)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/161). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الرُّخْصةَ إنَّما وردتْ في الخفِّ المعتادِ، الذي يُمكنُ متابعةُ المشيِ عليه، وليس مثلَه ما لا يمكِنُ متابعةُ المشيِ عليه ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 130), ((المغني)) لابن قدامة (1/215)، ((المجموع)) للنووي (1/500). .ثانيًا: أنَّ الذي تدعو الحاجةُ إلى لُبسِه هو الذي يُمكِنُ مُتابعةُ المشي فيه، فأمَّا ما يسقُطُ إذا مشى فيه، فلا يشقُّ نزْعُه، ولا يُحتاجُ إلى المسحِ عليه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/161). .القول الثاني: لا يُشتَرطُ أن يثبُتَ الخفُّ بنَفسِه، وهو وجهٌ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/501). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أمر أمَّتَه بالمسحِ على الخفَّين... ولم يقيِّد ذلك بكونِ الخفِّ يثبُت بنفسه أو لا يثبُت بنفسه، وسليمًا من الخَرقِ والفَتق أو غيرَ سليم، فما كان يُسمَّى خفًّا ولَبِسه النَّاسُ ومشَوا فيه، مَسَحوا عليه المسحَ الذي أذِنَ اللهُ فيه ورسولُه، وكلُّ ما كان بمعناه مُسِح عليه، فليس لكونِه يُسمَّى خفًّا معنًى مؤثِّرٌ، بل الحُكمُ يتعلَّق بما يُلبَس ويُمشى فيه). ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (19/242). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (لو فُرض أنَّ هذا الرَّجُل قَدَمه صغيرةٌ، وليس عنده إلَّا هذا الخفُّ الكبيرُ الواسع، وقال: أنا إذا لبِستُه وشدَّدته مَشيتُ، وإن لم أشددْه سقَطَ عن قدمي؛ ماذا نقولُ له؟ نقول: على المذهَبِ لا يجوز، وعلى القَولِ الرَّاجِح يجوز، ووجه رُجحانِه: أنَّه لا دليلَ على هذا الشَّرْط). ((الشرح الممتع)) (1/234). ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أمر أمَّتَه بالمسح على الخفَّين، ولم يقيِّد ذلك بكون الخفِّ يثبُتُ بنفْسه أو لا يثبُتُ بنفْسه ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (19/242). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق. المبحث الخامس: أن يَمنَع نفوذَ الماء.

اختلف أهل العلم في اشتراطِ أن يكون الخفُّ ساترًا لِما يَجِبُ غَسلُه على قولين:القول الأوّل: يُشتَرطُ أن يكون الخُفُّ ساترًا لمحلِّ الفَرضِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/98)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/10) ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 236)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/324)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/432). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/496)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/49). ، والحنابلة ((المبدع)) لابن مفلح (1/107)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/214)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/160). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الرُّخصةَ في المسحِ على الخفَّين جاءت في الخِفاف التي تستُر محلَّ الفَرضِ؛ فيجب الاقتصارُ على محلِّ الرُّخصةِ ((المغني)) لابن قدامة (1/215). .ثانيًا: أنَّه لو لم يستُر محلَّ الفَرضِ، فإنَّه يكون حُكمُ ما ظهر مِن القَدَم الغَسلَ، وحُكمُ ما استَتَر المسحَ، ولا سبيلَ إلى الجمعِ بين الغَسلِ والمسحِ مِن غير ضرورةٍ؛ فغلب الغَسلُ كما لو ظَهَرت إحدى الرِّجلينِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/160). .ثالثًا: أنَّ ما لا يستُرُ محلَّ الفَرضِ أشبَهَ النَّعلينِ؛ فلا تتعلَّق به الرُّخصةُ ((المغني)) لابن قدامة (1/214). .القول الثاني: لا يُشتَرَطُ أن يكون الخُفَّان ساترينِ لمحلِّ الفَرضِ، واختاره ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (إن كان الخفَّانِ مَقطوعينِ تحت الكَعبينِ، فالمسحُ جائزٌ عليهما). ((المحلى)) (1/336). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (المسحُ على الخفَّين قدِ اشتَرَط فيه طائفةٌ من الفُقَهاءِ شَرطينِ: هذا أحدُهما: وهو أن يكونَ ساترًا لمحلِّ الفَرضِ، وقد تبيَّن ضَعْفُ هذا الشَّرْطِ). ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (21/183). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (المسحُ على الخفِّ؛ الصَّحيحُ أنَّه لا يُشتَرَطُ فيه ما يَشتَرِطُه الفقهاء مِن كَونِه ساترًا لمحلِّ الفَرض،ِ بحيث لا يتبيَّن فيه ولا موضِع الخَرز، وما سُمِّي خفًّا فهو خفٌّ، سواء كان مخرَّقًا، أو رقيقًا، أو ثخينًا، أو سليمًا) ((الشرح الممتع)) (4/379) (بتصرف يسير). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الرُّخصةَ في النُّصوصِ جاءت عامَّةً في المسحِ على الخِفافِ، وليس فيها اشتراطُ أن تكون الخفافُ ساترةً لمحلِّ الفَرضِ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/166). . ثانيًا: أنَّه لو كان ثَمَّة حدٌّ محدودٌ، لَما أهمَلَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ولا أغفَلَه؛ فوجب أنَّ كلَّ ما يقَعُ عليه اسم خفٍّ أو جوربٍ، أو لُبِس على الرِّجلينِ، فالمسحُ عليه جائِزٌ ((المحلى)) لابن حزم (1/336). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق. المبحث الخامس: أن يَمنَع نفوذَ الماء.

اختلف أهلُ العلمِ في حُكمِ المَسحِ على الخُفِّ المخرَّقِ على أقوالٍ، أقواها قَولانِ:القول الأوّل: يجوزُ المسحُ عليه إذا كان الخَرْقُ يسيرًا قال الطحاوي: (فرأَيْنا الخُفَّينِ اللَّذين قد جُوِّز المسحُ عليهما إذا تخرَّقا, حتى بدَتِ القدمانِ منهما أو أكثر القدمين, فكلٌّ قد أجمع أنَّه لا يمسَحُ عليهما). ((شرح معاني الآثار)) (1/97). ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة شريطةَ أن يكون أقلَّ من ظهورِ ثلاثةِ أصابِعَ. ((المبسوط)) للسرخسي (1/181)، ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (1/183). ، والمالكيَّة شريطةَ أن يكون أقلَّ مِن قدْر الثُّلُثِ، وهو المذهَبُ، أو أن يمكِنَ معه متابعةُ المشيِ في قولٍ لهم. ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/ 176)، وينظر:  ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/432)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 30). ، واختارَه ابنُ باز قال ابن باز: (والشُّقوقُ اليسيرة يُعفَى عنها في أصحِّ قولَي العلماءِ؛ الشُّقوقُ اليسيرة عُرفًا يُسمَحُ عنها؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَسِّروا ولا تُعسِّروا))، واللهُ يقول سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ؛ ولأنَّ النَّاسَ قد لا تَسلَم خِفافُهم من الشُّقوقِ أو الفُتوقِ). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) (5/156). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الخفَّ قلَّما يخلو عن قليلِ خَرقٍ، فجُعل القليلُ عَفوًا ((المبسوط)) للسرخسي (1/94). . ثانيًا: أنَّ الأكثَرَ مُعتبَرٌ بالكَمالِ ((المبسوط)) للسرخسي (1/94). .  القول الثاني: يجوزُ المَسحُ على الخفِّ المخرَّق مطلقًا، ما دام المشيُ فيه مُمكِنًا؛ وهذا مَذهَبُ الظَّاهريَّة قال ابنُ حزم: (فإنْ كان في الخفَّينِ أو فيما لُبِسَ على الرِّجلين خرْقٌ صغيرٌ أو كبير، طولًا أو عرضًا، فظهَرَ منه شيءٌ من القَدَمِ، أقلُّ القَدَمِ أو أكثرُها أو كلاهما، فكلُّ ذلك سواء، والمسحُ على كلِّ ذلك جائزٌ، ما دام يتعلَّقُ بالرِّجلين منهما شيءٌ، وهو قول سفيان الثوريِّ وداود وأبي ثور، وإسحاق بن راهويه ويزيد بن هارون). ((المحلى)) (1/334). ، وهو قَولٌ قديم للشافعيِّ ((المجموع)) للنووي (1/495)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/125). ، وبه قال بعضُ السَّلف قال ابن المُنذِر: (هذا قول سفيان، وإسحاق، وذكَر ذلك إسحاقُ عن ابن المبارك، وحُكي ذلك عن ابن عُيَينة، وبه قال يَزيد بن هارون، وأبو ثور). ((الأوسط)) (2/99-100). ، واختاره ابنُ المُنذِر ((الأوسط)) لابن المُنذِر (2/101). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (يجوز المسحُ على اللَّفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخفِّ المخرَّق ما دام اسمه باقيًا، والمشيُ فيه ممكنًا) ((الفتاوى الكبرى)) (5/304)، ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 390). ، والشِّنقيطيُّ قال الشِّنقيطيُّ: (أقربُ الأقوال عندي: المسحُ على الخفِّ المخرَّق ما لم يتفاحشْ خَرقُه، حتى يمنَعَ تتابُعَ المشيِ فيه؛ لإطلاق النُّصوصِ، مع أنَّ الغالِبَ على خفافِ المسافرين والغُزاةِ، عدمُ السَّلامةِ من التخريق، والله تعالى أعلَمُ). ((أضواء البيان)) (1/341). ، وابنُ عثيمين قال ابنُ عثيمين: (اختلف العلماءُ رحمهم الله تعالى في جوازِ المَسحِ على الخفِّ المُخرَّق، والصَّحيح: جوازُه ما دام اسمُ الخفِّ باقيًا، وهو قولُ ابن المُنذِر، وحكاه عن الثوريِّ وإسحاق، ويزيد بن هارون وأبي ثور، وبه قال شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة ما دام اسمُ الخفِّ باقيًا، والمشيُ به ممكنًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/191). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الشَّارِعَ أمَرَنا بالمسحِ على الخُفَّين مطلقًا، ولم يقيِّده بالخفِّ غيرِ المخرَّق ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (21/183). .ثانيًا: قد عَلِم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ من الخِفافِ والجوارب وغيرِ ذلك ممَّا يُلبَسُ على الرجلين، المخرَّقَ خرقًا فاحشًا أو غيرَ فاحشٍ، وغير المخرَّق، فما خصَّ عليه الصَّلاة والسَّلام بعضَ ذلك دون بعضٍ، ولو كان حُكم ذلك في الدِّين يختلِفُ، لَمَا أغفَلَه الله تعالى عن أن يوحِيَ به، ولا أهمَلَه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المفترَض عليه البيانُ، حاشَا له من ذلك؛ فصحَّ أنَّ حُكمَ ذلك المسحُ على كلِّ حالٍ ((المحلى)) لابن حزم (1/335). . ثالثًا: أنَّ مُعظَمَ الصَّحابةِ فُقَراءُ، وخِفافُهم لا تخلو من فُتوقٍ أو خروق، وهل كانت خِفافُ المهاجرين والأنصار إلَّا مشقَّقةً مخرَّقةً ممزَّقةً؟! فلو كان الفَتقُ أو الخرق مؤثرًا لبيَّنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الأمرَ يتعلَّق بالصَّلاةِ ((المحلى)) لابن حزم (1/336). .رابعًا: أنَّ اشتراطَ كونِ الخِفاف سليمةً من الخروقِ، منافٍ للمقصود من الرُّخصةِ؛ من حيث التخفيفُ على المكلَّفينَ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/233). . خامسًا: تَساوي الخفِّ السَّليم والمخروقِ فيما شُرِع لأجْلِه المسحُ، وهو المشقَّةُ في نَزعِهما ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/167). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الخامس: أن يَمنَع نفوذَ الماء.

اختلف العُلَماءُ في اشتراط كون الخفِّ يَمنعُ نفوذَ الماء، على قولين: القول الأوّل: يُشتَرَط أن يكون الخفُّ مانعًا لنفوذِ الماء؛ وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص 79)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/261) ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/503)، ((مغني المحتاج)) لخطيب الشربيني (1/65). ، وقولٌ عند الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/195)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/136). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الغالِبَ في الخِفاف أنَّها تمنَعُ نُفوذَ الماء، فتنصرِف إليها النُّصوصُ الدالَّة على التَّرخيصِ، ويبقى الغَسلُ واجبًا فيما عداها ((الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع)) للشربيني (1/73) .ثانيًا: أنَّ الذي يقع عليه المسحُ ينبغي أن يكون حائلًا بين الماءِ والقدَم؛ حتى لا يجتمِعَ المسحُ والغَسل؛ فالمسحُ على الخُفَّين بدلٌ عن غَسلِ الرِّجلينِ ((المجموع)) للنووي (1/503). .القول الثاني: لا يُشتَرَطُ أن يكون الخفُّ مانعًا لنفوذِ الماء، وهو مذهَبُ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/181)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/65). ، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/503). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة- وهو يرد على مَن فرَّق بين الجَوربِ إذا كان من الجِلد وغيره-: (ومَن فرَّق بكون هذا ينفُذُ الماء منه، وهذا لا ينفُذُ منه، فقد ذكَر فرقًا طرديًّا عديمَ التَّأثير). ((الفتاوى الكبرى لابن تيمية)) (1/419). وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (ومنهم مَن قال: لا يُشترَطُ ذلك كلُّه، وإنَّه يجوزُ المسح على الجَوربين الرقيقينِ ولو كان يُرى من ورائهما الجِلدُ، ولو كانَا يمكِنُ أن يمضِيَ الماءُ منهما إلى القدَم، وهذا القَولُ هو الصَّحيح؛ لأنَّه لا دليلَ على الاشتراط) ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- فتاوى نور على الدرب)). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه لا يُوجَدُ دليلٌ على اعتبارِ هذا الشَّرْطِ. ثانيًا: لوجودِ السَّتر ((المجموع)) للنووي (1/503). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق.

لا يشترطُ أن يكونَ الخفُّ مباحًا، فيصحُّ المسحُ على الخفِّ المسروقِ أو المغصوبِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة قال الحصكفي: (وجاز مسحُ خُفٍّ مغصوبٍ، خلافًا للحنابلة) ((الدر المختار)) (1/273)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/48). ، والمالكيةَّ قال القرافي: (المُحَرَّم والغاصِبُ للخُفِّ كلاهما عاصٍ باللُّبسِ، والغاصِبُ إذا مسح صَحَّت صلاتُه، بخلافِ المُحَرَّم فما الفَرقُ؟ جوابه أنَّ الغاصِبَ يُؤذَن له في الصَّلاة بالمسحِ على الخفين في الجملة، وإنما أدركه التَّحريمُ مِن جهةِ الغَصبِ فأشبه المتوضئَ بالماءِ المغصوب، والذَّابحَ بالسِّكينِ المغصوبةِ، فيأثمانِ وتَصِحُّ أفعالُهما) ((الذخيرة)) (1/327).  وقال عليش: ("وفي" أجزاءِ المَسحِ على "خفٍّ" أو جورب "غصب" من مالكِه؛ لأنَّ النَّهي عنه لم يَرِدْ على خصوصِ لُبسِه كَلُبسِ المُحَرَّم، بل على مُطلَقِ تملُّكِه والاستيلاءِ عليه، والواردُ على الخُصوصِ أشَدُّ تأثيرًا من الوارِدِ على العُمومِ وقياسًا على الوضوءِ بماءٍ مغصوبٍ، والصلاةِ في مكانٍ مَغصوبٍ، وهذا هو المعتمَدُ، وعَدَمُه لعصيانِه بلُبسِه كالمُحَرَّم) ((منح الجليل)) (1/138)، وينظر: ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/181). ، والصَّحيحُ مِن مذهب الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/510)، ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) (1/244). ، وروايةٌ عن أحمدَ قال المرداوي: (وعنه: يجوز المسحُ عليه، حكاها غيرُ واحد. قال الزركشي: وخَرَّج القاضي وابن عبدوس والشيرازي والسامري الصحَّةَ على الصَّلاةِ) ((الإنصاف)) (1/136). . وذلك للآتي:أولًا: لأنَّ معصيةَ الغصبِ أو السَّرقة لا تختصُّ باللُّبس، فلم تمنعْ صحَّةَ العبادةِ، كالصلاةِ في الدَّار المغصوبةِ ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (1/ 160). .ثانيًا: لأنَّ العبادةَ لا يؤثِّرُ فيها مقارنةُ الغَصبِ، كالصلاةِ في الدارِ المغصوبةِ، والثَّوبِ المغصوبِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/ 366). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق.

لا يصحُّ المسحُ على الخفِّ النَّجسِ العَينِ؛ نصَّ على ذلك المالكية قال خليل: (رخص لرجل وامرأة وإن مستحاضة بحضر أو سفر مسح جورب جلد ظاهره وباطنه وخف ولو على خف بلا حائل: كطين إلا المهماز ولا حد بشرط جلد طاهر) ((مختصر خليل)) (ص: 23-24)  وقال الدردير: (ثم شرع في بيان شروط المسح وهي عشرة خمسة في الممسوح وخمسة في الماسح مقدما الأولى بقوله (بشرط جلد) لا ما صنع على هيئته من لبد وقطن وكتان (طاهر) أو معفو عنه كما قدمه بقوله وخف ونعل بروث دواب إلخ لا نجس ومتنجس) ((الشرح الكبير)) (1/142)، وينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/467). ، والشَّافعيَّة قال النووي: (لا يصحُّ المسح على خفٍّ مِن جِلدِ كلب أو خِنزير، أو جِلد ميتةٍ لم يُدبَغ، وهذا لا خلاف فيه). ((المجموع)) (1/510). ، والحنابلة قال المرداويُّ: (ومنها طهارةُ عَينِه، إن لم تكن ضرورة، بلا نزاعٍ) ((الإنصاف)) (1/181). ، وذلك لأنَّ الخُفَّ بدلٌ عن الرِّجل، فلو كانت الرِّجلُ نجِسةً لم تُغسَلْ عن الوضوءِ، حتى تطهُر عن النَّجاسةِ، فكذلك لا يُمسَح على بدَلِها، وهو نَجِسُ العَينِ ((فتح العزيز)) للرافعي (2/377). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق.

مِن شرْطِ المَسحِ على الخفِّ أن يكونَ الماسحُ على طهارةٍ مائيَّة، فلا يصحُّ المسحُ على طهارة التيمُّمِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/98-99)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/10). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/176)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/320). ، والشَّافعيَّة استثنى الشافعيَّةُ ما إذا كان التيمُّمُ لا بإعوازِ الماءِ، بل بسبَبٍ آخَر، فإنَّه يمسَحُ على طهارة التيمُّم؛ لأنَّ طهارَتَه لا تتأثَّرُ بوجودِ الماء. ((المجموع)) للنووي (1/516)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/63). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/176)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/207، 208). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ رشد: (أمَّا شرْطُ المَسحِ على الخفَّينِ، فهو أن تكونَ الرِّجلانِ طاهرتَينِ بطُهرِ الوُضوءِ، وذلك شيءٌ مجمَعٌ عليه إلَّا خلافًا شاذًّا) ((بداية المجتهد)) (1/21). وقال الشِّنقيطيُّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على اشتراط الطَّهارة المائيَّة للمسح على الخفِّ، وأنَّ مَن لبسهما محِدثًا، أو بعد تيمُّم، لا يجوز له المسح عليهما). ((أضواء البيان)) (1/351). . الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن المُغيرة بن شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيه، فقال: دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهِرَتينِ، فمَسَح عليهما)) رواه البخاري (206) واللفظ له، ومسلم (274). .وجه الدَّلالة:أنَّ قولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((فإنِّي أدخلتُهما طاهِرَتينِ)) متعلِّق بالرِّجلينِ، وهذا لا يكونُ إلَّا بالطَّهارةِ المائيَّة، أمَّا طهارةُ التيمُّم، فهي متعلِّقةٌ بالوجهِ والكفَّينِ، ولا عَلاقةَ لها بالرِّجلينِ ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/195). .ثانيًا: أنَّ المتيمِّمَ لبِس الخفَّ على طهارةٍ غيرِ كاملةٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/207). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق.

اختلف أهلُ العِلمِ في اشتراط لُبسِ الخفَّين بعد كمالِ الطَّهارةِ، على قولين:القول الأوّل: يُشتَرطُ لِجوازِ المسحِ على الخفَّين أن يكونَ لَبِسَهما بعد غَسلِ الرِّجلين كِلتَيهما، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/320)، ((حاشية الدسوقي)) (1/143) ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/124)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/48). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/171-172)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/126، 127) .الدليل مِن السُّنَّةِ:عن المُغيرة بن شُعبة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفَرٍ، فأهويتُ لأنزِعَ خفَّيه، فقال: دعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهِرَتينِ، فمسَح عليهما)) رواه البخاري (206) واللفظ له، ومسلم (274). .وجه الدَّلالة: أنَّ عمومَ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((أدخلتُهما طاهرتين)) يدلُّ على اشتراطِ الطَّهارة الكاملةِ عند إدخال الخفَّين؛ لصحَّةِ المَسحِ عليهما يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/116). .القول الثاني: لا يُشتَرَطُ أن يكون لُبسُ الخفَّينِ بعد كمالِ الطَّهارةِ؛ وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/ 578)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/9)، ((شرح فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/147) ، والظَّاهريَّة قال ابن حزم: (مَن توضَّأ فلبِس أحد خفَّيه بعد أن غسَل تلك الرِّجل، ثم إنَّه غسَل الأخرى بعد لِباسه الخفَّ على المغسولةِ، ثم لبِس الخفَّ الآخَرَ، ثم أحْدث، فالمسحُ له جائزٌ، كما لو ابتدأ لباسَهما بعد غَسلِ كِلتَي رِجلَيه، وبه يقول أبو حنيفةَ وداود، وأصحابهما). ((المحلى)) (1/333). ، وروايةٌ عند الحنابلة ((المغني)) لابن قدامة (1/207)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (21/209). ، وبه قال طائفةٌ مِن السَّلَفِ قال ابن حزم: (وهو قولُ يحيى بن آدَم وأبي ثور والمُزَني). ((المحلى)) (1/333). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ولو غَسَل إحدى رِجلَيه وأدخَلَها الخفَّ، ثم فعَلَ بالأخرى مثلَ ذلك، ففيه قولان، هما روايتان عن أحمد: إحداهما: يجوز المسح... والثانية: لا يجوز... والقولُ الأوَّل هو الصَّوابُ بلا شك). ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (21/209-210). ، وابنُ القيِّم قال ابن القيِّم: (إذا توضَّأ ولبس إحدى خفَّيه قَبل غسْلِ رِجله الأخرى، ثم غسَل رِجلَه الأخرى وأدْخَلَها في الخفِّ؛ جاز له المسحُ على أصحِّ القولين). ((إعلام الموقعين)) (3/370). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن المُغيرةِ بن شُعبَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيه، فقال: ((دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمَسَح عليهما)) رواه البخاري (206)، ومسلم (274) .وجه الدَّلالة: أنَّ مَن غَسلَ إحدى رِجلَيه ثم ألبَسَها الخفَّ، ثم غسَل الثَّانية ثم ألبَسها الخفَّ، فإنَّه يصدُقُ عليه أنَّه أدخل قدَميه في الخفِّ طاهِرَتينِ قال ابنُ حزم: (كِلا القَولينِ عمدةُ أهلِه، على قولِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((دعْهما؛ فإنِّي أدخَلْتُهما طاهِرَتينِ))، فوجب النَّظرُ في أيِّ القَولينِ هو أسعدُ بهذا القَولِ، فوجدْنا مَن طهَّرَ إحدى رجلَيه ثم ألبَسَها الخفَّ، فلم يلبَسِ الخفَّين وإنَّما لَبِسَ الواحد، ولا أدخَلَ القدمين الخفَّينِ، إنما أدخل القدمَ الواحدة، فلمَّا طهَّرَ الثَّانية ثم ألبَسَها الخفَّ الثاني، صار حينئذٍ مستحقًّا لأنْ يُخبرَ عنه أنَّه أدخَلَهما طاهِرَتينِ، ولم يستحقَّ هذا الوصفَ قبل ذلك، فصحَّ أنَّ له أن يمسَحَ، ولو أراد رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما ذهب إليه مالكٌ والشافعيُّ لَما قال هذا اللَّفظَ، وإنَّما كان يقول: (دَعْهما؛ فإنِّي ابتدأتُ إدخالَهما في الخفَّينِ بَعد تمامِ طَهارَتِهما جميعًا)، فإذ لم يقُل عليه السَّلام هذا القولَ؛ فكلُّ مَن صدَّقَ الخبَرَ عنه بأنَّه أدخل قدَمَيه جميعًا في الخفَّين وهما طاهرتانِ؛ فجائزٌ له أن يمسَح إذا أحْدَثَ بعد الإدخالِ، وما عَلِمْنا خلْعَ خفٍّ وإعادَتَه في الوقتِ يُحدِثُ طهارةً لم تكُن، ولا حُكمًا في الشَّرعِ لم يكُن، فالموجِب له مُدَّعٍ بلا برهانٍ). ((المحلى)) (1/334). .ثانيًا: أنَّ المخالِفَ يأمُرُه- حتى تصحَّ طهارَتُه- أن ينزعَ خفَّه الأيمنَ، ثم يلبَسَه مرةً أخرى؛ حتى يصدُقَ عليه أنَّه لَبِسَه على طهارةٍ كاملة، وهذا عبَثٌ محضٌ يُنزَّه الشَّارِعُ عن الأمر به، ولا مصلحةَ للمكلَّفِ في القيامِ به ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/249). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق.

يجوز المسحُ على الخفَّين في الحدَث الأصغَرِ دون الحدَثِ الأكبَرِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/10)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/176)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/20-21)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/313) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/351)، ((المجموع)) للنووي (1/476) ((المغني)) لابن قدامة (1/207)، ((شرح الزركشي)) (1/112). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن صَفوانَ بن عَسَّالٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمُرنا إذا كنَّا على سفَرٍ أنْ لا نَنزعَ خِفافَنا ثلاثةَ أيَّام ولياليَهنَّ، إلَّا مِن جَنابةٍ، ولكِن مِن غائطٍ وبولٍ ونَومٍ)) رواه الترمذي (96) واللفظ له، والنسائي (127)، وابن ماجه (478)، وأحمد (4/239) (18116). حسَّنه البخاريُّ كما في ((التلخيص الحبير)) (1/247) وقال الترمذي: حسنٌ صحيح، وقال البيهقيُّ: أصحُّ ما رُوي في التوقيتِ في المسح على الخفَّين، وقال ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (2/49): ثابت، وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (1/479)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (3/9)، وابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (5/203)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1/83)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (504). .ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامة قال ابن قدامة: (قول الخِرقي: "ثم أحْدَث" يعني الحدَث الأصغَرَ؛ فإنَّ جوازَ المسحِ مُختَصٌّ به، ولا يجزئُ المسحُ في جنابةٍ، ولا غُسل ٍواجبٍ ولا مُستحَبٍّ، لا نعلمُ في هذا خلافًا). ((المغني)) (1/207) ، والنوويُّ قال النووي: (لا يجزئُ المَسحُ على الخفِّ في غُسلِ الجنابة؛ نصَّ عليه الشافعيُّ، واتَّفق عليه الأصحابُ وغَيرُهم، ولا أعلَمُ فيه خلافًا لأحدٍ مِن العلماء). ((المجموع)) (1/481). ، وابنُ حَجَر قال ابنُ حجر: (المسحُ على الخفَّين خاصٌّ بالوضوءِ، لا مَدخَلَ للغُسلِ فيه، بإجماعٍ). ((فتح الباري)) (1/310). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق.

المطلب الأوَّل: مَن توضَّأ ولبِس الخفَّ الأوَّل ثمَّ الثَّاني، ثمَّ أحْدَثمَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل ثمَّ الثَّاني، ثمَّ أحدثَ؛ فله أن يمسحَ على الأعلى وأمَّا إذا مسحَ الخفَّ الأعلى ثم خلَعه، فإنَّه يجوزُ المسحُ على الخفِّ الأسفَلِ، إذا كانا قد لُبِسا على طهارةٍ. قال ابنُ عثيمين: (فالذين يقولونَ بجوازِ المَسحِ على الخفِّ الأسفَلِ بعد خلْع الخفِّ الأعلى بعد الحدَث، قالوا: إنَّما هو بمنزلةِ الظِّهارة والبِطانةِ، فهو بمنزلة الخفِّ الواحدِ. وهذا القَولُ أيسرُ للنَّاس؛ لأنَّ كثيرًا من النَّاس يلبَسُ الخفَّينِ على الجورَبِ ويمسَحُ عليهما، فإذا أراد النَّومَ خَلعَهما، فعلى المذهَبِ: لا يمسَحُ على الجورَبِ بعد خلْع الخفَّين؛ لأنَّ زمَنَ المسحِ ينتهي بخلْعِ الممسوحِ. وعلى القول الثاني: يجوز له أن يمسَحَ على الجورَبِ، فإذا مسح ولَبِسَ خفَّيه، جاز له أن يمسَحَ عليه مرةً ثانية؛ لأنَّه لبِسَهما على طهارةٍ، ولا شكَّ أنَّ هذا أيسَرُ للنَّاس؛ والفتوى به حسنةٌ). ((الشرح الممتع)) (1/258- 259). وقال أيضًا: (إذا لبس خفًّا على خفٍّ أو جوربٍ، ومسَحَ الأعلى ثم خلَعه؛ فهل يمسَحُ بقيَّةَ المدَّةِ على الأسفل؟ لم أرَ من صرَّحَ به، لكنْ ذكر النوويُّ عن أبي العبَّاس بن سريج فيهما إذا لبِس الجُرموقَ على الخفِّ ثلاثةَ معانٍ؛ منها: أنَّهما يكونان كخفٍّ واحد، الأعلى ظِهارة، والأسفل بِطانة. قلت: وبناءً عليه يجوزُ أن يمسحَ على الأسفَلِ حتى تنتهي المدَّة من مَسحِه على الأعلى، كما لو كُشِطَت ظِهارةُ الخفِّ؛ فإنَّه يمسَحُ على بِطانَتِه). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/193)، وينظر أيضًا: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/176). قالت اللجنة الدائمة: (إذا لَبِسَ جوربين معًا على طهارةٍ، ثم أحدث وخلَع الأعلى، جاز له المسحُ على الجَوربِ الأسفل؛ لأنَّه لُبِسَ على طهارةٍ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- 2)) (4/99). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/ 604)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/155)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (1/51). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/466)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/178). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/138)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/208). ، وهو القَولُ القَديمُ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/506)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/367). ؛ وذلك لكَونِه لبِسَهما على طهارةٍ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/118). .المطلب الثَّاني: مَن توضَّأ ولبِس الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحْدَث، ثمَّ مسح عليه، ثمَّ لبِس الثَّانياختلف العلماءُ في مَن لبِس الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحْدَث، ثمَّ مسَحَ عليه، ثمَّ لبِس الخفَّ الثَّاني؛ هل يمسَحُ عليه؟ على قولين:القول الأول: لا يجوزُ المسحُ على الخفِّ الأعلى، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، وينظر: ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/35). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/504)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/66). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/35)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/208). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ حُكمَ المسحِ استقرَّ بالخُفِّ، فصار مِن أعضاءِ الوضوءِ حُكمًا ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/35). .ثانيًا: أنَّ اللُّبسَ بعد مُضيِّ بعضِ المدَّة يمنَعُ البناءَ ((الفروع)) لابن مفلح (1/198) .القول الثاني: يجوزُ المسحُ على الخفِّ الأعلى، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/141)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/178)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/330). ، والقديمُ عند الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/128). ، واختاره ابنُ باز سُئل ابنُ باز رحمه الله: ما الحُكم إذا لبسْتُ جوربًا على طهارةٍ بعد صلاةِ الفَجرِ، وعند الوضوءِ لصلاةِ الظُّهر مسحتُ عليه، وبعد الصَّلاةِ لَبِستُ عليه جوربًا آخَرَ، وأنا أيضًا على طهارةٍ؛ فهل يجوزُ لي المسحُ على الجَوربِ الفوقانيِّ؟ وهل الحُكم في انتهاءِ مدَّةِ المَسحِ للجورَبِ الفوقانيِّ أمِ التَّحتانيِّ؟ أفتُونا مأجورين. فأجاب: (لا حرَج في المَسحِ على الفوقانيِّ إذا كنتَ لبستَه على طهارةٍ، وتكون المدَّةُ في المسح حينئذٍ متعلِّقةً بالجَوربِ الفوقانيِّ؛ لكونِه لُبِسَ على طهارةٍ، كما لو لَبِسَ الخفَّين أو الجوربينِ على طهارةٍ، قد مسَح فيها على جَبيرةٍ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/118). ؛ وذلك لأنَّ المسحَ قائمٌ مقامَ غَسلِ القدَمِ في رفْعِ الحدَث، فصار لُبسُهما على طهارةٍ ((الذخيرة)) للقرافي (1/330)، ((المغني)) لابن قدامة (1/208). .المطلب الثَّالث: مَن توضَّأ ولَبِسَ الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحدث، ثمَّ لبس الثَّاني قبل أن يمسح الأوَّل مَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل، ثم أحْدَث، ثم لبِس الخفَّ الثَّاني قبل أن يمسَحَ الأوَّل؛ فليس له أن يمسَحَ على الأعلى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/ 190)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/156)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (1/171). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/466)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/178). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/504)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/66). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/35)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/208). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ قال ابن قدامة: (إذا لبِس خفَّين، ثم أحدَثَ، ثم لبِس فَوقَهما خفَّينِ أو جُرموقينِ، لم يَجُزِ المسحُ عليهما، بغير خلافٍ؛ لأنَّه لَبِسَهما على حدَثٍ). ((المغني)) (1/208). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ مِن شرْطِ جوازِ المسحِ على الخفِّ لُبسَه على طهارةٍ، وهذا قد لَبِس الخفَّ الثَّاني وهو مُحدِثٌ ((المغني)) لابن قدامة (1/208). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: هل يُشتَرَط أن يكون الممسوحُ عليه جِلدًا؟. المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه. المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه. المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق.