مَن شكَّ يُطلِق الفُقهاءُ الشَّك: بمعنى التردُّدِ بين وجود الشيء وعَدَمِه، سواء كان الطرفان في التردُّدِ سواءً، أو كان أحدهما راجحًا. أمَّا أصحاب الأصول: ففرَّقوا بينهما، فقالوا: التردُّد بين الطرفين إنْ كان على السَّواء فهو الشكُّ، وإلَّا فالراجِحُ ظنٌّ، والمرجوح وهمٌ. ((المجموع)) للنووي (1/168، 169). في نجاسة ماءٍ أو طَهارَتِه، فإنَّه يبني على الأصلِ؛ فإذا تيقَّنَ طهارةَ الماءِ وشكَّ في نجاسَتِه، جاز استخدامُه؛ إذِ الأصلُ بقاؤه على الطَّهارة، وإن تيقَّنَ نجاسَتَه وشكَّ في طهارَتِه، فلا يَستعمِله؛ إذِ الأصلُ بقاؤُه على النَّجاسةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/105) وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/73). لكن قد يقدِّمُ الحنفيَّةُ الطَّاهِرَ لقرينةٍ. انظر: ((المبسوط)) (1/83). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/246)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/361). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/167)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/77). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/93)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/46). . الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ عن عبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((شُكِيَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الرجُلُ يُخيَّلُ إليه أنَّه يجِدُ الشَّيءَ في الصَّلاةِ، قال: لا ينصَرفْ، حتى يسمَعَ صوتًا، أو يجِدَ ريِحًا قال النووي: (هذا الحديثُ أصلٌ من أصول الإسلام، وقاعدةٌ عظيمةٌ من قواعِدِ الفِقهِ؛ وهي أنَّ الأشياءَ يُحكَم ببقائها على أصولِها حتى يُتَيَقَّنَ خلافُ ذلك، ولا يضرُّ الشكُّ الطارئُ عليها) ((شرح النووي على مسلم)) (4/49)، ((المجموع)) (1/168). )) رواه البخاري (137)، ومسلم (361) واللفظ له. .وجه الدَّلالة:أنَّ استصحابَ الأصلِ، والبناءَ على اليقين؛ أصلٌ يُعتمَدُ عليه، ما لم يترجَّحْ شيءٌ آخرُ بخلافِه ((شرح النووي على مسلم)) (4/49). . ثانيًا: القياسُ يَقتضي أنَّ الشيءَ متى شُكَّ في حُكمِه رُدَّ إلى أصلِه، والأصلُ في الماءِ الطَّهارة، ولا يزول بالشكِّ، وإن تيقَّنَ نجاسَتَه وشكَّ في طهارَتِه فهو نجِسٌ؛ لأنَّه الأصلُ واليقينُ، وتطهُّرُه مشكوكٌ فيه ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/74)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/46، 47). . انظر أيضا: المبحث الثاني: مَن اشتبَهَ عليه الطَّهورُ بالنَّجس( صورته: أن تكون هناك أوانٍ فيها ماءٌ طَهورٌ، وأوانٍ فيها ماءٌ نَجِسٌ، فاختلطت عليه الأواني فلم يميِّزِ الماءَ الطَّهورَ من الماء النَّجِس، ويُتصوَّر الاشتباهُ عند من يُنجِّسُ الماءَ القليلَ بمجرَّد الملاقاةِ ولو لم يتغيَّرْ، ويُتصوَّر أيضًا عند من لا ينجِّس الماءَ إلَّا بالتغيُّر كأن يختلِطَ بعضها بترابٍ نجسٍ، وبعضها بترابٍ طاهرٍ، واشتبهت عليه هذه من تلك. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/247)، ((حاشية الدسوقي)) (1/82). ومحل الخلاف: - إذا لم يكنْ عنده ماءٌ طَهورٌ بيقينٍ. - إذا لم يُمكِنْه تطهيرُ أحدهما بالآخر. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/249)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/64). ). المبحث الثَّالث: الإخبار بنجاسة الماء. المبحث الرابع: إن اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ أو محرَّمة.

من اشتَبهَ عليه ماءٌ طَهورٌ بآخرَ نجِسٌ، فإنَّه يتحرَّى التحرِّي: هو طَلَبُ الصوابِ، والتفتيشُ عن المقصودِ. ((المجموع)) للنووي (1/169). ، ويتطهَّرُ بما يغلبُ على ظنِّه طُهوريَّته، وهذا مَذهَبُ الشافعيَّة بل ذهب الشافعيَّة إلى أكثر من ذلك، وهو جوازُ الوُضوءِ مِن الماء المشتبَه، ولو كان قادرًا على التطهُّرِ مِنَ الماء المتيقَّن كأنْ يكون على شطِّ نهرٍ، أو أن يبلغ الماءُ قُلَّتين بالخَلطِ؛ وعلَّلوا ذلك (جوازَ العُدولِ إلى المظنونِ مع وجود المتيقَّنِ) بأنَّ الصحابةَ رَضِيَ الله تعالى عنهم كان بعضُهم يَسمَعُ من بعضٍ مع قدرتِه على المتيقَّنِ، وهو سماعُه من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ((المجموع)) للنووي (1/180)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/26)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/344، 345). ، وبه قال داودُ الظاهريُّ، وأبو ثور، وسحنون المالكيُّ ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/248)، ((حاشية الدسوقي)) (1/83)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/50)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/63). ، واختاره ابن العربيِّ ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/248). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (قال الشَّافعي رحمه الله: يتحرَّى. وهو الصَّوابُ) ((الشرح الممتع)) (1/61، 62). . الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ عموم ما ورد عن عبد الله بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فليتحرَّ الصوابَ قال ابن عثيمين: (هذا دليلٌ أثريٌّ في ثبوتِ التحرِّي في المُشتبِهات) ((الشرح الممتع)) (1/61،62). )) رواه البخاري (401)، ومسلم (572)، واللفظ له. .ثانيًا: أنه طريقٌ يمكِنُ التوصُّلُ إليه بالاستدلالِ، فجاز الاجتهادُ فيه، كالاجتهادِ عند اشتباهِ القِبلةِ ((المجموع)) للنووي (1/180). .ثالثًا: أنَّ مِنَ القواعِدِ المقرَّرةِ عند أهل العلم: أنَّه إذا تعذَّر اليقينُ رُجِعَ إلى غَلَبةِ الظنِّ، وهنا تعذَّر اليقينُ فنرجِعُ إلى غلبةِ الظنِّ، وهو التحرِّي ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/62). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: مَن شكَّ في نجاسةِ ماءٍ أو طهارَتِه. المبحث الثَّالث: الإخبار بنجاسة الماء. المبحث الرابع: إن اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ أو محرَّمة.

المطلب الأوَّل: حُكمُ خَبرِ الثِّقةِ العَدلِ بنجاسةِ الماء إن بيَّن سببَ ذلكيُقبَل خَبرُ الثِّقةِ العَدلِ بنجاسةِ الماءِ، إنْ بيَّن سببَ النَّجاسةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/82)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/72)، ((المبسوط)) للشيباني (3/80). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/120)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/361). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/176)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/28). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/62)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/46). ؛ وذلك لأنَّ خبَرَ العَدلِ مقبولٌ في مِثلِ هذه الأشياءِ، وليس هو من بابِ الشَّهادةِ، وإنما هو من بابِ الخَبَر ((المجموع)) للنووي (1/176). .المطلب الثاني: حُكمُ خَبرِ الثِّقة العَدلِ بنجاسةِ الماءِ إن لم يبيِّنْ سبب ذلكإن أخبَرَ عدلٌ ثقةٌ بنجاسةِ ماءٍ، ولم يبيِّن سبَبَ النجاسة؛ لم يجب قَبولُ خَبَرِه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/120)، ((حاشية الدسوقي)) (1/47). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/176)، وينظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/24). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/46)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (1/48)، ((قواعد ابن رجب)) (ص: 369). ؛ وذلك لاحتمالِ اعتقادِ نجاسةِ الماءِ بما لا ينجِّسُه، أو بسببٍ لا يعتقِدُه المخبَرُ، كموت ذبابةٍ عند من يتبَعُ المذهَبَ الشافعيَّ مثلًا، والمُوَسوِس يعتقد نجاسَتَه بما لا ينجِّسُه، والأصلُ طَهارةُ الماءِ فلا يُخرَجُ عنه إلَّا ببرهانٍ ((حاشية الدسوقي)) (1/47)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/361)، ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (/47-49)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/46). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: مَن شكَّ في نجاسةِ ماءٍ أو طهارَتِه. المبحث الثاني: مَن اشتبَهَ عليه الطَّهورُ بالنَّجس( صورته: أن تكون هناك أوانٍ فيها ماءٌ طَهورٌ، وأوانٍ فيها ماءٌ نَجِسٌ، فاختلطت عليه الأواني فلم يميِّزِ الماءَ الطَّهورَ من الماء النَّجِس، ويُتصوَّر الاشتباهُ عند من يُنجِّسُ الماءَ القليلَ بمجرَّد الملاقاةِ ولو لم يتغيَّرْ، ويُتصوَّر أيضًا عند من لا ينجِّس الماءَ إلَّا بالتغيُّر كأن يختلِطَ بعضها بترابٍ نجسٍ، وبعضها بترابٍ طاهرٍ، واشتبهت عليه هذه من تلك. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/247)، ((حاشية الدسوقي)) (1/82). ومحل الخلاف: - إذا لم يكنْ عنده ماءٌ طَهورٌ بيقينٍ. - إذا لم يُمكِنْه تطهيرُ أحدهما بالآخر. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/249)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/64). ). المبحث الرابع: إن اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ أو محرَّمة.

إذا اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بثيابٍ نجسةٍ أو بثيابٍ محرَّمةٍ، كأن يكون الثَّوبُ مَسروقًا أو مغصوبًا؛ فإنَّه يتحرَّى التحرِّي: هو طلب الصَّواب، والتفتيش عن المقصود. ((المجموع)) للنووي (1/169). ، ويصلِّي بإحداها، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (10/165)، وينظر: ((المبسوط)) للشيباني (3/25). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/181)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/345). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/232)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/176). ، واختاره ابنُ عَقيلٍ الحنبليُّ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/67). ، وابنُ تيميَّة ((الفتاوى الكبرى)) (5/299)، ((اختيارات ابن تيميَّة)) (ص: 385). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (الصَّحيح: أنَّه يتحرَّى، وإذا غلب على ظنِّه طهارةُ أحَدِ الثِّيابِ صلَّى فيه، واللهُ لا يكلِّف نفسًا إلَّا وُسعَها، ولم يوجِبِ اللهُ على الإنسان أن يصلِّيَ الصلاة مرَّتين، فإن قلت: ألَا يحتَمِلُ مع التحرِّي أن يصلِّي بثوبٍ نجِس؟ فالجواب: بلى، ولكن هذه قُدرَتُه) ((الشرح الممتع)) (1/65-66). ، ونقله القاضي أبو الطيِّبِ عن أكثَرِ العُلَماءِ ((المجموع)) للنووي (1/181). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فليتحرَّ الصَّوابَ)) رواه البخاري (401)، ومسلم (572)، واللفظ له. .ففيه دليلٌ على ثُبوتِ التحرِّي في المُشتَبِهاتِ ((الشرح الممتع)) (1/61، 62). .ثانيًا: قياسًا على الاجتهادِ في الأحكامِ، والاجتهادِ في القِبلة، وعلى تَقويمِ المُتلَفاتِ، وإن كان قد يقع في ذلك كلِّه الخطأُ ((المجموع)) للنووي (1/181). .ثالثًا: أنَّ القاعدةَ تنصُّ على أنَّه إذا تعذَّر اليقينُ رُجِع إلى غَلَبةِ الظنِّ، وهنا تعذَّر اليقينُ فنرجِعُ إلى غلبة الظنِّ، وهو التحرِّي ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/62). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: مَن شكَّ في نجاسةِ ماءٍ أو طهارَتِه. المبحث الثاني: مَن اشتبَهَ عليه الطَّهورُ بالنَّجس( صورته: أن تكون هناك أوانٍ فيها ماءٌ طَهورٌ، وأوانٍ فيها ماءٌ نَجِسٌ، فاختلطت عليه الأواني فلم يميِّزِ الماءَ الطَّهورَ من الماء النَّجِس، ويُتصوَّر الاشتباهُ عند من يُنجِّسُ الماءَ القليلَ بمجرَّد الملاقاةِ ولو لم يتغيَّرْ، ويُتصوَّر أيضًا عند من لا ينجِّس الماءَ إلَّا بالتغيُّر كأن يختلِطَ بعضها بترابٍ نجسٍ، وبعضها بترابٍ طاهرٍ، واشتبهت عليه هذه من تلك. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/247)، ((حاشية الدسوقي)) (1/82). ومحل الخلاف: - إذا لم يكنْ عنده ماءٌ طَهورٌ بيقينٍ. - إذا لم يُمكِنْه تطهيرُ أحدهما بالآخر. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/249)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/64). ). المبحث الثَّالث: الإخبار بنجاسة الماء.