المطلب الأوَّل: جنس الهدي وما يُجْزِئُ مِنَهالفرع الأول: جِنسُ الهَدْيِ  يكونُ الهَديُ من: الإبلِ، والبَقرِ، والضَّأنِ، والمَعْزِ.الدليل من الإجماع:نقلَ الإجماعَ على ذلك الجصاص [2668] قال الجَصَّاص: (اتَّفق الفقهاء على أنَّ ما عدا هذه الأصنافَ الثلاثة من الإبل والبقر   والغنم، ليس من الهَدْي المراد بقولِه فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]). ((أحكام القرآن)) (1/339). ، وابن حزم [2669] قال ابنُ حزم: (وأجمَعوا أنَّ الهَدي يكون من الإبل والبَقر الثنيِّ فصاعدًا من الإبل، والبقر، والضَّأن والمعز). ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ، وابن عبد البر [2670]  قال ابن عبد البَرِّ: (إجماعُهم أنَّها لا تكون إلَّا من الأزواج الثَّمانية). ((الاستذكار)) (4/217). ، وابن رشد [2671] قال ابنُ رُشد: (فأمَّا جِنس الهَدي، فإنَّ العلماء متَّفقون على أنَّه لا يكون الهديُ إلَّا مِن الأزواج الثمانية، التي نصَّ الله عليها). ((بداية المجتهد)) (1/376). .الفرع الثاني: ما يجزئ من الهديالهَدْيُ شاةٌ، أو سُبْعُ بَدَنَةٍ، أو سُبْعُ بَقَرَةٍ، فإنْ نَحَرَ بَدَنةً، أو ذَبَحَ بقرةً، فقد زاد خيرًا، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/185)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/223). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/52)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/515). ، والحَنابِلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 407)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/421). ، وهو قولُ داودَ الظاهريِّ ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/149، 150). وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ حزم: (وأمَّا الشِّرْكُ في الدَّمِ؛ فبه يقول أبو حنيفة, والشافعي, والأوزاعي, وسفيان الثوري, وأحمد بن حنبل, وإسحاق, وأبو ثور, وأبو سليمان). ((المحلى)) (7/149، 150). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه سبحانه وتعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ اسمَ الهَدْيِ يقعُ على الشَّاةِ, والبَقَرةِ, والبَدَنةِ ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/149)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/223). .ثانيًا: مِنَ الآثارعن أبي جَمْرةَ قال: ((سألتُ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عن المُتعةِ، فأمَرَني بها، وسَأَلْتُه عن الهَدْيِ، فقال: فيها جَزُورٌ, أو بَقَرةٌ, أو شاةٌ, أو شِرْكٌ في دَمٍ)) رواه البخاري (1688) واللفظ له، ومسلم (1242) .الفرع الثالث: السِّنُّ التي تُجزِئ في الهَديِ  يُجزِئُ في الهَدْيِ الثَّنيُّ [2679] الثَّني: الذي يُلقي ثَنيَّتَه، يكون من ذوات الظَّلف (الضأن والمعز)، ومن الحافر (البقر) في السَّنة الثالثة، ومن ذوات الخُفِّ (الإبل) في السَّنة السَّادسة. ينظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/85). فما فوقَه.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُغلِّس [2680] قال ابنُ المُغلِّس: (واتَّفقوا أنَّ الثني من البَقر والغَنم والمعز يَجزي في الهَدْي والأضاحي). ((الموضح)) لابن المغلِّس نقلًا عن ((الإقناع في مسائل الإجماع)) لابن القطان (2/856). ، وابنُ حزْمٍ [2681] قال ابنُ حزم: (وأجمَعوا أنَّ الهَدي يكون من الإبل والبقر الثنيِّ فصاعدًا، من الإبل، والبقر، والضَّأن والمعز). ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ عبد البر [2682] قال ابن عبد البَرِّ: (وأجمَعوا أنَّ الثنيَّ فما فوقَه يُجزئ منها كلِّها). ((الاستذكار)) (4/250). ، وابنُ رُشْد [2683] قال ابنُ رُشد: (وأمَّا الأسنان، فإنَّهم أجمَعوا أن الثنيَّ فما فوقه يَجزي منها). ((بداية المجتهد)) (1/376). .الفرع الرابع: أيُّ الهَديِ أفضلُ؟  الإبلُ أفضلُ مِن البَقرِ، والبقرُ أفضلُ من الغنمِ في الهَدايا.الدليل من الإجماع:نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن عبد البر [2684] قال ابن عبد البَرِّ: (إجماعُهم على أنَّ أفضل الهدايا الإبل). ((الاستذكار)) (2/10). ، وابن رشد [2685] قال ابنُ رُشد: (فأمَّا جِنس الهَدي، فإنَّ العلماء متَّفقون على ...أنَّ الأفضل في الهدايا هي الإبلُ، ثمَّ البقر، ثمَّ الغنم، ثمَّ المَعْز). ((بداية المجتهد)) (1/376). ، والنووي [2686] قال النوويُّ: (وقد أجمع العلماءُ على أنَّ الإبل أفضلُ من البَقر في الهدايا). ((شرح النووي على مسلم)) (6/137). ، والمرداوي [2687] قال المَرداويُّ: (قوله: والأفضلُ فيهما الإبل، ثمَّ البقر، ثم الغَنم، يعني إذا خرج كاملًا، وهذا بلا نِزاع). ((الإنصاف)) (4/53). .المطلب الثَّاني: حُكْمُ الاشتراكِ في الهَدْيِالفرع الأول: الاشتراك في الإبل والبقر  يجوزُ الاشتراكُ في الهَدْيِ في الإبِلِ والبَقَرِ إلى حَدِّ سبعةِ أشْخاصٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/185)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/223). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/52)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/515). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 532)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/421). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ (مِن) للتَّبعيضِ، فجاز الاشتراكُ في الهَدْيِ بظاهِرِ الآيةِ ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/154). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((نَحَرْنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الحُدَيبِيَةِ البَدَنةَ عن سَبْعةٍ, والبَقَرةَ عن سَبْعةٍ)) رواه مسلم (1318) .2- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((فنَحَرَ عليه السلامُ ثلاثًا وستينَ, فأعطى عليًّا فنَحَرَ ما غَبَر, وأشرَكَه في هَدْيِه)) رواه مسلم (1218) .3- عن أبي جَمْرة قال: ((سألتُ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن المُتعةِ فأمَرَني بها، وسأَلْتُه عن الهَدْيِ، فقال: فيها جَزورٌ, أو بقَرَةٌ, أو شاةٌ, أو شِرْكٌ في دَمٍ)) رواه البخاري (1688) واللفظ له، ومسلم (1242) .ثالثًا: أنَّه وَرَدَ ذلك عن طائفةٍ كبيرةٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ منهم: عليٌّ، وابن مسعود، وعائشة، وأنس، وإليه رجع ابنُ عمر- رَضِيَ اللهُ عنهم أجمعينَ قال ابنُ حزم: (فصحَّ هذا عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو إجماعٌ مِنَ الصَّحابةِ)) ((المحلى)) (7/151). .رابعًا: القياسُ على اشتراكِ أهلِ البَيتِ في الأضْحِيَّةِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/354). .الفرع الثاني: الاشتراكُ في الشَّاةِ  لا يجوزُ الاشتراكُ في الشَّاةِ لِمَن لزِمَه دمٌ. الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن عبد البر [2697] قال ابن عبد البَرِّ: (وأجمَع العلماءُ أنَّه لا يجوزُ الاشتراكُ في الشاةٍ لِمَن لزِمه دمٌ). ((التمهيد)) (12/140). ، وأبو العبَّاس القُرْطبي [2698] قال أبو العبَّاس القرطبيُّ: (وأمَّا الغنم، فلا يجوز الاشتراكُ فيها اتفاقًا). ((المفهم)) (3/419). ، والنوويُّ [2699] قال النوويُّ: (وأجمَعوا على أنَّ الشاةَ لا يجوزُ الاشتراك فيها). ((شرح النووي على مسلم)) (9/67). .الفرعٌ الثالث: حُكْمُ التصَدُّقِ بقيمةِ الهَدْيِ لا يجوزُ أن يُستعاضَ عن ذَبْحِ الهَدْي بالتصدُّقِ بِقِيمَتِه، وهو قرارُ المَجْمَعِ الفِقهيِّ قرار هيئة كبار العُلَماء رقم (43) وتاريخ 13 \ 4 \ 1396 هـ في الدورة الدورة الثامنة. وبعد تداول الرأي تقرر بالإجماع ما يلي: 1- لا يجوزُ أن يُستعاضَ عن ذَبحِ هَدْيِ التمتُّعِ والقِرانِ بالتصدُّقِ بقيمته؛ لدلالة الكتاب والسنَّة والإجماع على منع ذلك، مع أنَّ المقصودَ الأوَّلَ مِن ذَبْحِ الهَدْي هو التقرُّبُ إلى الله تعالى بإراقةِ الدِّماءِ، كما قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (1)؛ ولأنَّ مِنَ القواعد المقرَّرة في الشريعة سدُّ الذرائع، والقولُ بإخراج القيمة يُفضِي إلى التلاعب بالشريعةِ، فيقال- مثلًا-: تُخْرِجُ نفقةَ الحجِّ بدلًا مِنَ الحجِّ؛ لصعوبته في هذا العصر، ولأنَّ المصالح ثلاثةُ أقسام: مصلحةٌ مُعتَبَرة بالإجماع، ومصلحةٌ ملغاة بالإجماع، ومصلحةٌ مُرْسَلةٌ، والقولُ بإخراجِ القيمةِ مَصلحةٌ مُلغاةٌ؛ لمعارَضَتِها للأدِلَّة، فلا يجوز اعتبارُها ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (2/308) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/213). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (ولا يجوزُ إخراجُ قيمةِ الدَّمِ نقودًا؛ لأنَّ إخراجَ النُّقودِ يخالفُ ما أمَرَ اللهُ به). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11 / 342). ، وهو قولُ ابنِ باز قال ابنُ باز: (لا يجوزُ إخراجُ قيمة الهَدْيِ، وإنما الواجِبُ ذَبْحُه، والقولُ بجوازِ إخراج القيمة تشريعٌ جديدٌ ومُنكَرٌ؛ قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18 / 24) . الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللهَ جلَّ وعلا أوجَبَ على المتمَتِّعِ الهَدْيُ في حالِ القُدرَةِ عليه، فإذا لم يَجِدْ هَدْيًا أو ثمَنَه، فإنَّه ينتقِلُ إلى الصِّيامِ، ولم يجعَلِ اللهُ واسطةً بين الهَدْيِ والصِّيامِ، ولا بدلًا عن الصِّيامِ عند العَجْزِ عنه ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/208). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ثُمَّ لْيُهِلَّ بالحَجِّ ويُهْدِي, فمَن لم يجِدْ فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ، وسَبعةً إذا رَجَعَ إلى أهلِه)) رواه البخاري (1691) واللفظ له، ومسلم (1227) .ثالثًا: أنَّ المقصودَ مِن هذه العبادةِ إراقةُ الدَّمِ، وأمَّا اللُّحومُ فهي مقصودةٌ بالقَصْدِ الثَّاني؛ قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37]، وفي الاكتفاءِ بالتصدُّقِ بالثَّمَنِ دون إراقةِ الدَّمِ إضاعةٌ للقَصْدِ الأوَّلِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/209)، ويُنْظَر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 65). .رابعًا: أنَّ النُّسُكَ عبادةٌ مبنيَّةٌ على التَّوقيتِ، فلا يجوز العُدولُ عن المَشروعِ إلَّا بدليلٍ شَرعيٍّ موجِبٍ للعُدولِ عنه, وكلُّ تَشريعٍ مَبنيٍّ على التوقيتِ فإنَّه لا يدخُلُه الاجتهادُ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/210). .المطلب الثالث: سَوْقُ الهَدْي وتَقليده الفرع الأول:  سَوْقُ الهَدْي يُستحبُّ سوقُ الهَديِ، والأفضلُ أن يَسوقَه مِن الحِلِّ.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن تيميَّة [2707] قال ابنُ تيميَّة: (ومعلومٌ أنَّ الهَدي الذي يسوقه من الحِلِّ أفضلُ باتِّفاق المسلمين ممَّا يشتريه من الحرَم). ((مجموع الفتاوى)) (26/91-92). ، والعراقيُّ [2708] قال العراقيُّ: (وقد اتَّفق العلماءُ على استحبابِ سَوقِ الهدي). ((طرح التثريب)) (5/34).                     ، والمرداويُّ [2709] قال المَرداويُّ: («سَوقُ الهَدي مسنونٌ، ولا يجب إلَّا بالنذر، ويستحبُّ أن يَقِفه بعرفة، ويجمع فيه بين الحِلِّ والحرم» بلا نزاعٍ). ((الإنصاف)) (4/73). .الفرع الثاني: تَقليدُ الهَديِ [2710]  هو أن يُجعَلَ في عُنُقِه ما يُستَدَلُّ به على أنَّه هَدْيٌ. ((طرح التثريب)) للعراقي (5/129).    يُستحبُّ تقليدُ الإبلِ والبَقرِ.الدليل من الإجماع:نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن عبد البر [2711] قال ابن عبد البَرِّ: (وجماعةُ العُلَماءِ كُلُّهم لا يختلفونَ في تقليدِ الهَديِ، ويُجزِئُ عند جميعِهم نَعلٌ واحدةٌ، والذي أجمَعوا عليه مِن تقليدِ الهَدْيِ الإبِلَ والبَقرَ). ((التمهيد)) (22/264). ، وابن بطال [2712] قال ابنُ بطَّال: (وأجمَع العلماءُ على تقليدِ الهَدي، والتَّقليدُ إنَّما هو علامةٌ للهَديِ). ((شرح صحيح البخاري)) (4/381). ، وابن رشد [2713] قال ابنُ رُشد: (وإذا كان الهديُ من الإبل والبقر، فلا خِلافَ أنه يُقلَّد نعلًا، أو نعلين، أو ما أشبه ذلك لِمَن لم يجِد النِّعال). ((بداية المجتهد)) (1/377). ، والنووي [2714] قال النووي: (وقوله صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((لبَّدْتُ رأسي وقلَّدْتُ هَدْيي)) فيه استحبابُ التلبيدِ وتَقْليد الهَدْيِ، وهما سُنَّتان بالاتفاق). ((شرح النووي على مسلم)) (8/212). ، والعراقي [2715] قال العراقيُّ: (وقد اتَّفَقَ العُلَماءُ على... استِحبابِ تقليدِ الإبِلِ والبَقَرِ). ((طرح التثريب)) (5/34). .المطلب الرابع: زَمَنُ الذَّبحِالفرع الأول: أوَّلُ زَمَنِ الذَّبحِيبتدِئُ وَقْتُ ذَبحِ الهَدْيِ يومَ النَّحْرِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة لكن يجوز عند الحنفيَّة: ذبحُ دمِ التطوُّعِ قبل يومِ النَّحر؛ لأنها هدايا، وذلك يتحقَّق بتبليغها إلى الحَرَم، وإن كان ذبحُها في أيَّامِ النَّحر أفضل؛ لأنَّ معنى القُربة في إراقةِ الدَّمِ فيها أظهَرُ. ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (4/73)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/162). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) الحطاب (4/273)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (5/243). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 414)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/245)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/456). . الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه جاء في الآيةِ الكريمةِ أنَّ الحَلْقَ لا يكونُ إلَّا بعد أن يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه، ومعلومٌ أنَّ الحَلقَ لا يكونُ إلَّا يومَ النَّحرِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/187، 195). .2- قولُه تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: 28-29].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَضاءَ التَّفَثِ يختَصُّ بيومِ النَّحرِ، وقد جاء مرتَّبًا على النَّحرِ والأكْلِ منه ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/186). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن حَفصةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((يا رسولَ اللهِ، ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت مِن عُمْرَتِك؟ فقال: إنِّي لبَّدْتُ رأسِي، وقلَّدْتُ هَدْيي، فلا أحِلُّ حتى أنحَرَ)) رواه البخاري (1566) واللفظ له، ومسلم (1229) .وَجْهُ الدَّلالةِ: أنَّه علَّقَ الحِلَّ على النَّحر، ومعلومٌ أنَّ الحِلَّ لا يكونُ إلَّا يومَ النَّحرِ وانظر أيضًا: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/187). :2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه قَدِموا في عَشْرِ ذي الحِجَّة، وقد بَقِيَتِ الغَنَمُ والإبلُ التي معهم موقوفةً حتى جاء يومُ النَّحرِ، فلو كان ذبحُها جائزًا قبل ذلك لبادَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه إليه في الأيَّامِ الأربعةِ التي أقاموها قبل خُرُوجِهم إلى عَرَفاتٍ؛ لأنَّ النَّاسَ بحاجةٍ إلى اللُّحومِ في ذلك الوقتِ، فلمَّا لم يفعَلْ ذلك دلَّ ذلك على عَدَمِ الإجزاءِ، وأنَّ الذي ذبحَ قبلَ يومِ النَّحرِ قد خالَفَ السنَّة، وأتى بشرعٍ جديدٍ؛ فلا يُجْزِئُ؛ كمن صلَّى أو صام قبل الوقتِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/516)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/192)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/29). .3- أنَّه لو كان ذبحُ الهَدْيِ جائزًا قبل يوم العيدِ؛ لفَعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينما أمَرَ أصحابَه أن يَحِلُّوا مِنَ العُمْرةِ مَنْ لم يكن معه هَدْيٌ؛ لأجلِ أن يطمئِنَّ أصحابُه في التحلُّلِ مِنَ العُمْرةِ، فدلَّ امتناعُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ذَبْحِ هَدْيِه قبل يوم النَّحرِ مع دعاءِ الحاجةِ إليه على أنَّه لا يجوزُ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/90). .ثالثًا: أنَّه دمُ نُسُكٍ، فلا يجوزُ قبل يومِ النَّحرِ، كالأضْحِيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/186)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/192). .الفرع الثاني: آخِرُ زَمَنِ الذَّبْحِاختلفَ أهلُ العِلمِ في آخِرِ زَمَنِ الذَّبحِ على أقوال، أشهَرُها قولانِ: القول الأوّل: أنَّ زَمَنَ الذَّبحِ يستمِرُّ إلى يومينِ بعد يوم النَّحرِ، فيكون مجموعُ أيَّامِ النَّحرِ ثلاثةَ أيَّامٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (4/73)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/162). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/273)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (5/243). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/63)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/245). ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (5/244). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقَولُه تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ الأيَّامَ المعلوماتِ هي يومُ النَّحرِ ويومانِ بعده، ويدلُّ على ذلك أنَّ لفظ: (المعلومات) جمعُ قلَّةٍ، والمتيقَّنُ منه الثلاثةُ، وما بعد الثَّلاثةِ غيرُ متيقَّنٍ، فلا يُعمَل به ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/436)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/201). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى أن تُؤكَلَ لُحومُ الأضاحيِّ بعدَ ثلاثٍ)) رواه البخاري (5574)، ومسلم (1970) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه أباح الأكَلَ منها في أيَّامِ الذَّبحِ، ولو كان اليومُ الرَّابِعُ منها لكان قد حَرَّمَ على من ذَبَحَ في ذلك اليومِ أن يأكُلَ مِن أضْحِيَّتِه، وليس هناك فرقٌ بين الأضْحِيَّة والهَدْيِ بالنسبةِ لزَمَن الذَّبح ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/201). .ثالثًا: أنَّه وَرَدَ عن الصحابة رَضِيَ اللهُ عنهم تخصيصُه بالعيدِ ويومينِ بعده، منهم عمر، وعلي، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، وابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا يُعرَف لهم مِنَ الصَّحابةِ مخالِفٌ, ومثلُ هذا لا يُقالُ بالرأي ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/377، 378 رقم 982)، ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (5/243). .رابعًا: أنَّه قد ثبَتَ الفَرْقُ بين أيَّامِ النَّحْرِ وأيَّامِ التَّشريقِ؛ ولو كانت أيامُ النَّحرِ أيَّامِ التَّشريقِ لَمَا كان بينهما فرقٌ، وكان ذِكْرُ أحَدِ العَدَدينِ ينوبُ عن الآخَرِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/202). .القول الثاني: أنَّ وَقتَ الذَّبحِ ينتهي بغُروبِ شَمْسِ اليومِ الثَّالثِ مِن أيَّامِ التَّشريقِ، وهذا مذهَبُ الشَّافعيِّ ((المجموع)) للنووي (8/380). ، وقولٌ للحَنابِلة ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (5/385)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/63). ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ القيم: (وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أيامُ النَّحر يومُ الأضحى، وثلاثة أيام بعده، وهو مذهبُ إمامِ أهلِ البصرة: الحَسَنِ، وإمامِ أهلِ مكَّةَ: عطاءِ بنِ أبي رَباحٍ، وإمامِ أهلِ الشامِ: الأوزاعيِّ، وإمامِ فقهاءِ أهلِ الحديثِ: الشَّافعيِّ رحمه الله، واختاره ابن المُنْذِر) ((زاد المعاد)) (2/291)، ويُنْظَر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/204). ، واختارَه ابنُ المُنْذِر ((زاد المعاد)) (2/291). ، وابنُ تيميَّة ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (5/385)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/63). ، وابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/78). ، وابنُ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/90). ، وبه صدَرَ قرارُ هيئةِ كبارِ العُلَماءِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/213). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب قولُه تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحَرَ هَدْيَه يومَ النَّحْرِ أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227) مطولًا. . وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه لَمَّا لم يَحْظُر على النَّاسِ أن ينحَرُوا بعدَ يومِ النَّحر بيومٍ أو يومينِ؛ لم نَجِدِ اليومَ الثَّالثَ مفارِقًا لليومينِ قَبْلَه؛ لأنَّه يُنْسَكُ فيه ويُرمَى، كما يُنْسَكُ ويُرمَى فيهما ((الأم)) (2/248). . 2- عن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((كلُّ مِنًى مَنحَرٌ، وكلُّ أيَّامِ التَّشريقِ ذَبْحٌ)) رواه أحمد (16797)، وابن حبان (3854)، والطبراني (2/138) (1583)، والبيهقي (10525). قال ابنُ القيِّم في ((زاد المعاد)) (2/291): رُوِيَ من وجهين مختلفينِ يَشُدُّ أحدُهما الآخَرَ، ورُوِيَ من حديثِ جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ، وفيه انقطاعٌ، ووثَّق رجاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/27)، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/211): له شاهد، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4537). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحديثَ نَصٌّ في الدَّلالةِ على أنَّ كُلَّ أيَّامِ مِنًى أيامُ نَحرٍ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/203). .ثالثًا: أنَّ الثَّلاثةَ أيَّامٍ تختَصُّ بكونها أيامَ مِنًى، وأيامَ الرَّمْيِ، وأيَّامَ التَّشريقِ، وأيَّامَ تَكبيرٍ وإفطارٍ، ويحرُمُ صيامُها؛ فهى إخْوةٌ في هذه الأحكامِ، فكيف تَفْتَرِقُ في جوازِ الذَّبحِ بغيرِ نَصٍّ ولا إجماعٍ؟! ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/204). .فرعٌ: السنَّة في وقتِ النَّحرِ أن يكون يومَ العيدِ بعد أن يُفْرَغَ مِنَ الرَّمْيِ وقبل الحَلْقِ أو التَّقْصيرِ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى سَبْعَ حَصَياتٍ مِن بطنِ الوادي، ثم انصَرَفَ إلى المَنْحَرِ فنَحَرَ)) رواه مسلم (1218). . ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البر: (وأجمعَ العُلَماءُ أنَّ هذه سنَّةُ الحاجِّ: أن يرمِيَ جَمْرةَ العَقبةِ يومَ النَّحرِ ثمَّ ينحَر هديًا إن كان معه، ثم يحْلِق رأسَه) ((الاستذكار)) (4/394). وقال أيضًا: (فلا خلافَ بين العُلَماءِ أنَّ سُنَّة الحاجِّ أن يرمِيَ جَمْرةَ العَقَبةِ يومَ النَّحرِ, ثم ينحَرَ هديًا إن كان معه ثم يحلِقَ رأسَه) ((التمهيد)) (7/267). وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رشد: (ثبت أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى في حَجَّتِه الجَمْرةَ يومَ النَّحرِ، ثمَّ نَحَرَ بُدُنَه، ثمَّ حلق رأسَه، ثم طاف طوافَ الإفاضةِ، وأجمع العُلَماءُ على أنَّ هذا سُنَّةُ الحجِّ) ((بداية المجتهد)) (1/352). ، وابنُ حَجَرٍ قال ابنُ حجر: (قد أجمع العُلَماءُ على مطلوبيَّةِ هذا الترتيب، إلَّا أنَّ ابنَ الجهْمِ المالكيَّ استثنى القارِنَ، فقال: لا يحلِق حتى يطوفَ، كأنَّه لاحَظَ أنَّه في عملِ العُمْرةِ، والعُمْرةُ يتأخَّرُ فيها الحلقُ عن الطَّواف، وردَّ عليه النوويُّ بالإجماع، ونازعه ابنُ دقيق العيد في ذلك) ((فتح الباري)) (3/571). .المطلب الخامس: مكانُ الذَّبْحِيجب أن يكونَ ذَبْحُ الهَدْيِ في الحَرَمِ، ولا يختصُّ بمِنًى، وإن كان الأفضَلُ أن يكون بمِنًى، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/186)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/224). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/187، 191)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/187). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/376)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/416). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ مَحِلَّ الهَدْيِ الحَرَمُ عند القُدرةِ على إيصالِه ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/207). .2- قال اللهُ تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 33].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ النصَّ جاء بأنَّ شعائِرَ اللهِ تعالى مَحِلُّها إلى البيتِ العَتيقِ، وهذا عامٌّ في الهدايا ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/156 رقم 836)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/207). .3- قال تعالى في جزاءِ الصَّيدِ: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه لو جاز ذَبحُه في غيرِ الحَرَمِ لم يكُنْ لذِكْرِ بلوغِه الكعبةَ معنًى، وهذا الحكمُ وإن كان في كفَّارةِ الصَّيدِ إلَّا أنَّه صار أصْلًا في دماءِ النُّسُكِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/224)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/186). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ 1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نَحَرْتُ ها هنا، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ)) رواه مسلم (1218) .وَجْهُ الدَّلالةِ:يدلُّ على أنَّه حيثما نُحِرَتِ البُدُنُ, والهَدايا- مِن فجاجِ مكَّةَ ومِنًى والحَرَمِ كُلِّه- فقد أصاب النَّاحِرُ ((المحلى)) (7/156 رقم 836). .2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحَرَ هَدْيَه في مِنًى، وقال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم)) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/226). والحديث رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. .ثالثًا: أنَّ الهَدْي اسمٌ لِمَا يُهدَى إلى مكانِ الهدايا، ومكانُ الهدايا الحَرَمُ، وإضافةُ الهدايا إلى الحرمِ ثابتةٌ بالإجماعِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/224)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/163). .رابعًا: أنَّ هذا دمٌ يجبُ للنُّسُكِ، فوجب أن يكونَ في مكانِه، وهو الحَرَمُ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/226). .المطلب السادس: التطوُّعُ في الهَدْيِيُسَنُّ التطوُّعُ بالهَدْيِ للمُفْرِد والمتمَتِّع والقارِن تقدَّمَ الكلامُ عن وجوبِ الهَدْيِ على القارِنِ والمتمَتِّعِ إذا لم يكونا مِن حاضِرِي المسجِدِ الحرام. وللحاجِّ ولغيرِ الحاجِّ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثم انصَرَفَ إلى المنحَرِ، فنَحَرَ ثلاثًا وستِّينَ بِيَدِه، ثم أعطى عليًّا، فنحر ما غَبَر، وأشْرَكَه في هَدْيِه، ثم أمَرَ مِن كُلِّ بدَنةٍ ببَضْعَةٍ، فجُعِلَتْ في قِدْرٍ، فطُبِخَتْ، فأكَلا مِن لَحْمِها وشَرِبَا مِن مَرَقِها)) رواه مسلم (1218) .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه معلومٌ أنَّ ما زاد على الواحِدةِ منها تطوُّعٌ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/197)، ويُنْظَر: ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (2/113). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أهْدَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّةً غَنمًا)) رواه البخاري (1701) واللفظ له، ومسلم (1321) .3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((فَتَلْتُ قلائِدَ هَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ أشْعَرَها وقَلَّدَها، أو قَلَّدْتُها، ثم بعَثَ بها إلى البيتِ، وأقامَ بالمدينةِ، فما حَرُمَ عليه شيءٌ كان له حِلٌّ)) رواه البخاري (1699) واللفظ له، ومسلم (1321) .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ القرافيُّ الإجماعَ على ذلك قال القرافي: (لا أعلم في التطوُّع بالهَدْيِ خلافًا، وقد بعث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالهدايا تطوعًا مع ناجية الأسلميِّ ومع غيره، وما زال السَّلَف على ذلك) ((الذخيرة)) (3/354). .المطلب السابع: الأكلُ مِنَ الهَدْيِالفرع الأوَّل: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ التطوُّعِيُسَنُّ لِمَن أهدى هدْيًا تطوُّعًا أن يأكُلَ منه إذا بلغ مَحِلَّه في الحَرَمِ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قال اللهُ عزَّ وجلَّ: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 27].2- وقال عزَّ وجلَّ: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج: 36].وَجْهُ الدَّلالة مِنَ الآيتينِ:أنَّ فيهما الأمْرَ بالأكلِ مِنَ الهَدْيِ، وأقلُّ أحوالِ الأمرِ الاستحبابُ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ((في قولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ما يُغني عن قَولِ كُلِّ قائلٍ إلَّا أنِّي أقولُ: الأكلُ مِنَ الهَدْي بالقرآنِ، ومِنَ الضَّحِيَّةِ بالسُّنَّة)) ((التمهيد)) (10/267)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/579). . ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثمَّ انصَرَف إلى المَنْحَر، فنَحَر ثلاثًا وسِتِّينَ بِيَدِه، ثم أعطى عليًّا، فنَحَر ما غَبَرَ، وأشْرَكَه في هَدْيِه، ثم أمَرَ مِن كُلِّ بَدَنةٍ ببَضْعةٍ، فجُعِلَت في قِدْرٍ، فطُبِخَتْ، فأكَلا مِن لَحْمِها وشَرِبا مِنْ مَرَقِها)) رواه مسلم (1218) .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه معلومٌ أنَّ ما زاد على الواحِدةِ منها تطوُّعٌ، وقد أكل منها وشَرِبَ مِن مَرَقِها جميعًا ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/197)، ويُنْظَر: ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (2/113). .2- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كنَّا لا نأكُلُ مِن لحوم بُدُنِنا فوق ثلاث منى فرَخَّصَ لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كُلُوا وتزَوَّدوا، فأكَلْنا وتَزَوَّدْنا)) رواه البخاري (1719) واللفظ له، ومسلم (1972) .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على جوازِ الأكْلِ مِن هَدْيِ التطوُّعِ: النوويُّ قال النووي: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ الأكلَ مِنْ هَدْي التطوُّع وأضْحِيَتِه سنَّةٌ ليس بواجبٍ) ((شرح النووي على مسلم)) (8/192). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أجمع العُلَماءُ على جوازِ الأكلِ مِنَ التطوُّعِ إذا بَلَغ مِحِلَّه) ((التمهيد)) (2/113). ، وابنُ حَجَرٍ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/556). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (الأكلُ مِن هَدْيِ التطوُّعِ لا خلافَ فيه بين العُلَماءِ بعد بُلوغِه مَحِلَّه، وإنَّما خلافُهم في استحبابِ الأكلِ منه، أو وُجوبِه) ((أضواء البيان)) (5/197). .رابعًا: أنَّه دمُ نُسُكٍ، ولا يتعَيَّن صَرْفُه إلى الفقراءِ، والقاعدةُ أنَّ ما لم يجِبْ صَرْفُه على الفُقَراءِ جاز الأكلُ منه ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/162). .الفرع الثَّاني: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ التمتُّعِ والقِرانِ يُستحَبُّ الأكلُ مِنْ هَدْيِ التمَتُّعِ والقِرانِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/186)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/161). ، والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/89)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/855). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/75)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/579). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتابقال اللهُ عزَّ وجلَّ: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 28].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه سبحانه أمَرَ بالأكلِ مِنَ الهَدْيِ، فعَمَّ ولم يخُصَّ واجبًا مِن تطوُّعٍ، وهي مِن شعائِرِ اللهِ، فلا يجبُ أن يُمتَنَع مِن أكْلِ شيءٍ منها إلَّا بدليلٍ لا مُعارِضَ له أو بإجماعٍ ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (2/113). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((فدُخِلَ علينا يومَ النَّحرِ بلَحْمِ بَقَرٍ، فقلتُ: ما هذا؟ فقيل: ذَبَحَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أزواجِه)) رواه البخاري (1709)، ومسلم (1211) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَبَحَ عنهُنَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَقرًا، ودُخِلَ عليهِنَّ بلَحْمِه وهنَّ متمَتِّعاتٌ، وعائشةُ منهُنَّ قارِنَةٌ، وقد أكَلْنَ جميعًا مِمَّا ذُبِحَ عَنهُنَّ في تمتُّعِهِنَّ وقرانهن بأمْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو نصٌّ صحيحٌ صريحٌ في جوازِ الأكلِ مِنْ هَدْيِ التمتُّعِ والقِرانِ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/197). .ثالثًا: أنَّه دمُ نُسُكٍ وشُكْرانٍ، وسَبَبُه غيرُ محظورٍ، ولم يُسَمَّ للمساكينِ، ولا مَدْخَلَ للإطعامِ فيه، فأشبَهَ هَدْيَ التطوُّعِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/465). .الفرع الثَّالث: الأكلُ مِنَ الهَدْيِ الذي وجَبَ لتَرْكِ نُسُكٍ أو تأخيرِه، أو كان بسبَبِ فَسْخِ النُّسُكِلا يجوز الأكلُ مِنَ الهَدْيِ الذي وجب لتَرْكِ نُسُكٍ أو تأخيرٍ، أو كان بسبَبِ فَسْخِ النُّسُكِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/186)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/161). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/221)، ((المجموع)) للنووي (8/417). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/75)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/579). . وذلك لأنَّه وقع الإجماعُ على أنَّ ما ألزَمَه اللهُ من ذلك فإنَّما ألزَمَه لغَيرِه، فغيرُ جائزٍ له أكْلُ ما عليه أن يتصَدَّقَ به, كما لو لَزِمَتْه زكاةٌ في مالِه لم يكُنْ له أن يأكُلَ منها, بل كان عليه أن يُعْطِيَها أهلَها الذين جَعَلَها اللهُ لهم ((تفسير الطبري)) (3/409). . الفرع الرابع: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ الكفَّاراتِلا يجوز الأكلُ مِن هَدْيِ الكفَّاراتِ الذي وجب لفعلِ محظورٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/186)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/161، 162). ، والمالِكيَّة ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/89)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/855). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/221)، ((المجموع)) للنووي (8/417).. ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/75)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لابن قُدامة (3/579). ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ منهم: عطاء، وطاووس، ومجاهد. يُنْظَر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/255)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/557). ؛ وذلك لأنَّها عِوَضٌ عنِ الترَفُّه، فالجمْعُ بين الأكلِ منها والتَّرَفُّه، كالجَمْعِ بين العِوَضِ والمُعَوَّضِ ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/89). .المطلب الثامن: مَنْ لم يقْدِرْ على الهَدْيِالفرع الأوَّل: حُكْمُ مَن لم يقدِرْ على الهَدْيِإذا لم يقدِرِ المتمَتِّعُ والقارِنُ على الهَدْيِ بأنْ لم يجِدْ هَدْيًا في السُّوقِ، أو وَجَدَه لكن لم يجِدْ معه ثَمَنَه- فإنِّه يصومُ عَشَرَةَ أيَّامٍ: ثلاثةً في الحَجِّ، وسَبْعةً إذا رَجَعَ ((مغني المحتاج)) للشربيني(1/516)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/176). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقَولُه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة: 196].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تمتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالعُمرةِ إلى الحجِّ، فكان من النَّاسِ من أهدَى فساقَ الهَدْيَ، ومنهم من لم يَهْدِ، فلمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكَّةَ، قال للنَّاسِ: من كان منكم أهدى، فإنَّه لا يَحِلُّ لشَيءٍ حَرُمَ منه حتى يقضِيَ حَجَّه، ومن لم يكُن منكم أهدى فلْيَطُفْ بالبيتِ، وبالصَّفَا والمروةِ، ولْيُقَصِّرْ، وليَحْلِلْ، ثمَّ لْيُهِلَّ بالحجِّ، فمن لم يجِدْ هدْيًا فلْيصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) رواه البخاري (1691) واللفظ له، ومسلم (1227). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ مَن أهَلَّ بعُمْرةٍ في أشهُرِ الحَجِّ مِن أهلِ الآفاقِ، وقَدِمَ مكَّة ففَرَغَ منها، فأقام بها فحَجَّ مِن عامِه أنَّه متمَتِّعٌ، وعليه الهَدْيُ إذا وجد، وإلَّا فالصِّيامُ) ((الإجماع)) (ص: 56). وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (لا نعلمُ بين أهل العِلمِ خلافًا، في أنَّ المتمتِّعَ إذا لم يجِدِ الهَدْيَ، ينتقِلُ إلى صيام ثلاثةِ أيَّامٍ في الحج، وسبعةٍ إذا رجع؛ تلك عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) ((المغني)) (3/417). .الفرع الثَّاني: وقْتُ صيامِ الأيَّامِ الثَلاثةِ في الحَجِّ لِمَنْ لم يَجِدِ الهَدْيَمَن لم يجِدِ الهَدْيَ فإنَّه يبتدئُ الصِّيامَ مِن زَمَنِ إحرامِه، سواءٌ كان بإحرامِه بالعُمْرةِ إذا كان متمتِّعًا، أو كان بإحرامِه بالحَجِّ والعُمْرةِ إذا كان قارِنًا، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/327)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/157). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/453)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/417). ، واختارَه ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/481)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/42). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقال الله تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه جَعَلَ الحجَّ ظرفًا للصَّومِ، وأفعالُ الحَجِّ لا يُصامُ فيها، وإنَّما يُصامُ في أشْهُرِها أو وَقْتِها، فعَرَفْنا أنَّ المرادَ به وَقْتُ الحَجِّ، كما قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ((المبسوط)) للسرخسي (4/327)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/418). [البقرة: 197].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((دَخَلَتِ العُمْرةُ في الحَجِّ)) رواه مسلم (1218). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه يدلُّ على جوازِ الصِّيامِ مِنَ الإحرامِ بالعُمْرةِ؛ وذلك لأنَّ العُمْرةَ دَخَلَتْ في الحجِّ إلى يومِ القيامةِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/481)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/42). . ثالثًا: أنَّه لا بدَّ مِنَ الحُكْمِ بجوازِ الصَّومِ بعد الإحرامِ بالعُمْرةِ، وقبل الشُّروعِ في الحجِّ؛ إذ لو كان لا يجوزُ إلَّا بعد إحرامِه بالحَجِّ لَمَا أمكَنَه صيامُ الثَّلاثةِ أيَّامٍ؛ لأنَّه إنَّما يُشرَع له الإحرامُ بالحَجِّ يومَ التَّرْوِيةِ، فلا يتبقَّى له ما يَسَعُ الصِّيامَ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/172). .رابعًا: أنَّ صيامَ المتمَتِّعِ قبل إحرامِه بالحَجِّ هو من بابِ تقديمِ الواجِبِ على وقتِ وُجوبِه إذا وُجِدَ سَبَبُه، وهو جائزٌ؛ كتقديمِ الكفَّارةِ على الحِنْثِ بعد اليَمينِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/418)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/453). . خامسًا: أنَّ إحرامَ العُمْرةِ أحَدُ إحرامَيِ التمتُّعِ، فجاز الصَّومُ بعده كإحرامِ الحَجِّ ((الذخيرة)) للقرافي (3/352، 352). . مسألةٌ: الأفضَلُ أن يُقَدِّمَ صيامَ الأيام الثلاثة على يومِ عَرَفة، ليكونَ يومَ عَرَفةَ مُفْطرًا، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/185)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/517). ، ورُوِيَ عن مالك ((تفسير القرطبي)) (2/399). ، وهو قولٌ للحَنابِلة ((المغني)) لابن قُدامة (3/417). ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (وروى ابن عمر، وعائشة، أن يصومهن ما بين إهلاله بالحج ويوم عَرَفة. وظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التَّرْوِية. وهو قول الشافعي). ((المغني)) (3/417). ، واختارَه ابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/88). ، وابنُ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/376). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفطَرَ بعَرَفةَ، وأرسَلَتْ إليه أمُّ الفَضْلِ بلَبَنٍ فشَرِبَ)) رواه الترمذي (750)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2815)، وأحمد (2517) قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطبري في ((مسند عمر)) (1/350)، وابن دقيق في ((الاقتراح)) (106)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (4/178)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (750) .ثانيًا: أنَّ الفِطْرَ في هذا اليومِ أقوى على العبادةِ، وأنشَطُ له على الذِّكْرِ والدُّعاءِ ((تفسير القرطبي)) (2/399)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/88). .الفرع الثَّالث: صيامُ أيَّامِ التَّشريقِ لِمَن لم يجِدِ الهَدْيَيجوزُ صَوْمُ أيَّامِ التَّشريقِ أيام التشريق: هي أيَّامُ مِنًى الثلاثةُ التي تلي يومَ النَّحرِ. قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (لا خلافَ بين العُلَماء أنَّ أيَّامَ التشريقِ هي الأيامُ المعدوداتِ، وهي أيامُ مِنًى، وهي ثلاثةُ أيَّامٍ بعد يوم النَّحر، كلُّ هذه الأسماءِ واقعةٌ على هذه الأيَّامِ، ولم يختلفوا في ذلك). ((التمهيد)) (12/129)، ويُنْظَر:((فتح الباري)) لابن حجر (4/243). لِمَن لم يجِدِ الهَدْيَ، ولم يكُنْ قد صامَها قبلَ يومِ النَّحرِ، وهذا مذهب المالِكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/346)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/558). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/249)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/111). ، وقولٌ للشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/455)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/517). ،وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ فهو قول: ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهما، والزهري، وعروة، والأوزاعي، وإسحاق. ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (12/128)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/434). ، واختاره البخاريُّ ((فتح الباري)) لابن حجر (4/242). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ في صيامِها لِمَن لم يجدِ الهَدْيَ: (وهو الأَولى؛ لأنَّها مِن أيَّامِ الحَجِّ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/347). ، وابنُ حجرٍ قال ابنُ حجر: (تعارَضَ عمومُ الآيةِ المُشْعِرُ بالإذنِ، وعُمومُ الحَديثِ المُشْعِرُ بالنَّهيِ، وفي تخصيصِ عُمومِ المتواتِر بعمومِ الآحادِ نَظَرٌ لو كان الحديثُ مرفوعًا، فكيف وفي كونِه مرفوعًا نَظَرٌ؟ فعلى هذا يترجَّحُ القَولُ بالجوازِ، وإلى هذا جنح البخاريُّ. واللهُ أعلم) ((فتح الباري)) (4/243). ، وابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/88). ، والألبانيُّ ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) للألباني (12/382 رقم 5664). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/481). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ عمومَ قَولِه: فِي الْحَجِّ يعمُّ ما قبلَ يومِ النَّحرِ وما بَعْدَه، فتدخُلُ أيَّامُ التَّشريقِ ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (3/472). . ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعنِ ابنِ عُمَرَ وعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهما قالا: ((لم يُرخَّصْ في أيَّامِ التَّشريقِ أنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَن لا يجِدُ الهَدْيَ)) رواه البخاري (1997، 1998) .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ قولَ الصَّحابيِّ: لم يُرخَّصْ أو رُخِّصَ لنا، أو ما أشبه ذلك؛ يُعتَبَر مرفوعًا حُكمًا ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/481، 7/179). .ثالثًا: أنَّ صَوْمَها في أيَّامِ التَّشريقِ صَوْمٌ لها في أيَّامِ الحَجِّ؛ لأنَّ أيَّامَ التشريقِ أيَّامٌ للحَجِّ، ففيها رميُ الجَمَراتِ في الحادِيَ عَشَر والثَّاني عَشَر، وكذلك الثَّالثَ عَشَر ((الاستذكار)) للنووي (4/414)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمن(7/179).              .الفرع الرابع: حُكْمُ مَن فاتَه الصِّيامُ في الحَجِّ مَن لم يَصُمِ ثلاثةَ الأيَّامِ في الحَجِّ؛ فإنَّه لا يَسقُطُ الصِّيامُ عنه، ويلزَمُه بعد ذلك القضاءُ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/84)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/351). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/186)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/517). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/364)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/369). ؛ وذلك استدراكًا للواجِبِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/454). . الفرع الخامس: ما يلْزَمُ مَن أخَّرَ صيامَ الأيامِ الثَّلاثةِ التي في الحَجِّ حتى انتهى حَجُّهمَن أخَّرَ صيامَ الأيَّامِ الثَّلاثةِ التي في الحَجِّ حتى انتهى حجُّه، فلا تلزَمُه الفِدْيةُ، وهو مذهَبُ المالِكيَّة ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/84)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/351). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/53)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/517). ، واختارَه ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/180). .وذلك للآتي: أوَّلًا: أنَّه لَمَّا عَدِمَ الهَدْيَ صار الصِّيامُ واجبًا في حقِّه، فإذا تأخَّرَ عن أدائِه فإنَّه يُقضَى كرمضانَ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/180). .ثانيًا: أنَّ الصَّومَ بَدَلٌ عن الهَدْيِ، فلو وجَبَ الدَّمُ لاجتمَعَ البَدَلُ والمُبدَلُ معه، وهو خلافُ الأصلِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/352). .الفرع السادس: حُكْمُ صيامِ الأيَّامِ السبْعةِ بمكَّةَ بعد فراغِه مِنَ الحَجِّيجوزُ صِيامُ الأيام السبعة بمكَّةَ بعد فراغِه مِنَ الحجِّ، وإن كان الأفضَلُ تأخيرَه إلى أن يرجِعَ إلى أهْلِه، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/155)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/173). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/270)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/85). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/454)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/418). ، وهو قولٌ للشافعي ((المجموع)) للنووي (7/187)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/54). .الأدِلَّة:أدِلَّة جوازِ الصِّيامِ بعد فراغِه مِنَ الحَجِّأولًا: مِنَ الكِتابِ  قولُه تعالى: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 197].وَجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ المرادَ مِنَ الرُّجوعِ الفَراغُ مِنَ الحجِّ؛ لأنَّ الفراغَ منه سبَبُ الرُّجوعِ إلى أهلِه، فكان الأداءُ بعد حصولِ السَّبَب، فيجوزُ ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/155). .ثانيًا: أنَّ كُلَّ صَومٍ لَزِمَه، وجاز في وَطَنِه، جاز قبل ذلك، كسائِرِ الفُروضِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/418). .ثالثًا: أنَّه صومٌ وُجِدَ مِن أهْلِه بعد وجودِ سَبَبِه، فأجزَأَه، كصومِ المُسافِرِ والمريضِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/418). . أفضليَّةُ الصِّيامِ بعد رجوعِه إلى أهلِه:الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فمَنْ لم يجِدْ هَدْيًا فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، وسَبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). .الفرع السابع: حُكْمُ التَّتابُعِ في صيامِ هذه الأيَّامِ يجوز صَوْمُ الثلاثةِ أيَّامِ في الحَجِّ، والسَّبعةِ إذا رجَعَ إلى أهلِه؛ متتابعةً ومتفَرِّقةً، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/148)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/76). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/413)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/267). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/189)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/517).       ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/365)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/336). ، وحُكِيَ في ذلك الإجماعُ قال ابنُ قُدامة: (لا يجب التتابعُ، وذلك لا يقتضي جمعًا ولا تفريقًا. وهذا قول الثوري، وإسحاق، وغيرهما. ولا نعلم فيه مخالِفًا). ((المغني)) (3/418). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] ((المبسوط)) للسرخسي (3/148). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (( فمَنْ لم يَجِدْ هَدْيًا فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). .وَجْهُ الدَّلالة مِنَ الدَّليلينِ:أنَّ الشَّارِعَ أطلَقَ الصِّيامَ ولم يَشْتَرِطْ فيه التَّتابُعَ، والواجِبُ إطلاقُ ما أطلَقَه اللهُ ورسولُه ((المبسوط)) للسرخسي (3/148)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/376). . انظر أيضا: المبحث الثَّاني: ذَبحُ الأضْحِيَّةِ.

المطلب الأوَّل: تعريفُ الأضْحِيَّةِ ومَشْروعِيَّتُها وحِكْمَةُ المشروعيَّة وفَضْلُها الفرع الأوَّل: تعريف الأضْحِيَّةالأضْحِيَّة لغةً: اسمٌ لِمَا يُضَحَّى به، أي: يُذبَحُ أيَّامَ عيدِ الأضحى، وجمعُها: الأَضاحِيُّ ((أنيس الفقهاء)) للقونوي (ص: 103). قال ابنُ فارس: (الضاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على بُروزِ الشيءِ. فالضَّحَاء: امتداد النَّهارِ، وذلك هو الوقتُ البارز المنكشف. ثمَّ يقال للطَّعام الذي يُؤكَل في ذلك الوقتِ ضَحاء... ويقال ضحِي الرَّجلُ يَضْحَى، إذا تعرَّضَ للشَّمْس، وضَحَى مثلُهُ. ويقال اضْحَ يا زيدُ، أي ابرُزْ للشَّمْس... وإِنما سُمِّيتْ بذلك لأنَّ الذَّبيحة في ذلك اليوم لا تكون إلَّا في وقت إشراق الشَّمس. ويقال ليلَةٌ إِضحيَانةٌ وضَحْيَاءُ، أي: مضيئةٌ لا غيمَ فيها) ((معجم مقاييس اللغة)) (3/391). وقال الخطيب الشربيني: (مشتقةٌ مِنَ الضَّحوة؛ وسُمِّيَت بأوَّل زمانِ فِعْلِها، وهو الضحى) ((مغني المحتاج)) (4/282). .الأضْحِيَّةُ اصطلاحًا: ما يُذبَحُ من بهيمةِ الأنعامِ في يومِ الأضحى إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ تقرُّبًا إلى اللهِ تعالى ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 505)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 282)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/530). .الفرع الثَّاني: مشروعيَّة الأضْحِيَّةالأضْحِيَّة مشروعةٌ.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقل الإجماعَ على مشروعِيَّتِها: ابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (أجمع المسلمون على مشروعيَّة الأُضْحِيَّة). ((المغني)) (9/ 435). ، وابنُ دقيق العيد قال ابنُ دقيق العيد: (لا خلاف أنَّ الأُضْحِيَّة من شعائِرِ الدِّينِ)). ((إحكام الأحكام)) (ص: 482). ، وابنُ حَجَر قال ابنُ حجر: (ولا خلاف في كونها من شرائع الدين)). ((فتح الباري)) (10/ 3). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (لا خلاف في مشروعية الأُضْحِيَّة وأنها قربة عظيمة وسنة مؤكدة). ((السيل الجرار)) (ص: 715). .الفرع الثَّالث: حِكْمةُ مَشْروعيَّتِهامِن حِكَمِ مشروعيَّةِ الأضْحِيَّة ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (5/ 76). : 1- شُكْرُ اللهِ تعالى على نِعمةِ الحياةِ.2- إحياءُ سُنَّةِ إبراهيمَ الخليلِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حين أمَرَه الله عزَّ اسمُه بذَبحِ الفِداءِ عن ولَدِه إسماعيلَ عليه الصَّلاة والسَّلامُ في يومِ النَّحرِ، وأن يتذكَّرَ المؤمِنُ أنَّ صَبرَ إبراهيمَ وإسماعيلَ- عليهما السَّلامُ- وإيثارَهما طاعةَ اللهِ ومحَبَّتَه على محبَّةِ النَّفْسِ والولدِ- كانا سبَبَ الفِداءِ ورَفْعِ البلاءِ، فإذا تذَكَّرَ المؤمِنُ ذلك اقتدى بهما في الصَّبرِ على طاعةِ الله، وتقديمِ محبَّتَه عزَّ وجلَّ على هوى النَّفْسِ وشَهْوَتِها.3- أنَّ في ذلك وسيلةٌ للتَّوسِعةِ على النَّفْسِ وأهلِ البَيتِ، وإكرامِ الجارِ والضَّيفِ، والتصَدُّقِ على الفقيرِ، وهذه كلُّها مظاهِرُ للفَرَحِ والسُّرورِ بما أنعَمَ اللهُ به على الإنسانِ، وهذا تحدُّثٌ بنعمةِ الله تعالى، كما قال عزَّ اسمُه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11].4- أنَّ في الإراقةِ مبالغةً في تصديقِ ما أخبَرَ به اللهُ عزَّ وجلَّ؛ مِن أنَّه خَلَقَ الأنعامَ لنَفْعِ الإنسانِ، وأَذِنَ في ذَبْحِها ونَحْرِها؛ لتكونَ طعامًا له.الفرع الرابع: فَضْلُ الأضْحِيَّةأوَّلًا: مِنَ الكِتابقَولُه تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32]. وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ الأضْحِيَّة مِن شعائِرِ اللهِ تعالى ومعالِمِه قال ابنُ تيميَّة: إنَّها مِن أعظَمِ شعائِرِ الإسلامِ، وهي النُّسُك العامُّ في جميعِ الأمصارِ، والنُّسُكُ مقرون بالصَّلاةِ في قوله تعالى: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ **الأنعام: 162** وقد قال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ **الكوثر: 2**. فأمر بالنَّحرِ كما أمَرَ بالصَّلاة. وقد قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ **الحج: 34** وقال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ **الحج: 36** لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ **الحج: 37** وهي مِن ملَّةِ إبراهيمَ الذي أُمِرْنا باتِّباعِ ملَّتِه، وبها يُذكَر قصَّة الذبيحِ، فكيف يجوز أنَّ المسلمينَ كُلَّهم يتركونَ هذا لا يفعَلُه أحدٌ منهم، وترْكُ المسلمين كُلِّهم هذا؛ أعظَمُ مِن تَرْكِ الحجِّ في بعض السنين. وقد قالوا: إنَّ الحجَّ كلَّ عامٍ فَرْضٌ على الكفايةِ؛ لأنَّه من شعائِرِ الإسلامِ، والضحايا في عيدِ النَّحرِ كذلك، بل هذه تُفعَل في كلِّ بلدٍ هي والصَّلاةُ، فيَظْهَرُ بها عبادةُ اللهِ وذِكْرُه، والذَّبْحُ له والنُّسُك له ما لا يظهَرُ بالحجِّ، كما يظهَرُ ذكرُ الله بالتكبيرِ في الأعيادِ. ((مجموع الفتاوى)) (23/ 162، 163). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عنه: قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن ذبَحَ قبل الصَّلاةِ فإنَّما يذبحُ لنَفْسِه، ومَن ذَبَحَ بعد الصَّلاةِ فقد تَمَّ نسُكُه وأصاب سُنَّةَ المُسْلمينَ)) رواه البخاري (5556) واللفظ له، ومسلم (1961). .ثالثًا: أنَّ الذَّبحَ لله تعالى والتقَرُّبَ إليه بالقَرابينِ؛ من أعظَمِ العباداتِ، وأجَلِّ الطاعاتِ، وقد قَرَنَ اللهُ عزَّ وجلَّ الذَّبحَ بالصَّلاةِ في عِدَّةِ مواضِعَ مِن كتابِه العظيمِ؛ لبيانِ عِظَمِه وكَبيرِ شَأنِه وعُلُوِّ مَنزِلَتِه ((مجلة البحوث الإسلامية)) (69/ 211). .المطلب الثَّاني: حكم الأضْحِيَّة، وطريقةُ تعيينهاالفرع الأوَّل: حُكْمُ الأضْحِيَّةالأضْحِيَّة سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة في المشهور ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/418)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/362)، ويُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/459). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/382)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/161). ، والحَنابِلة ((المغني)) لابن قُدامة (9/435)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/21). ، ومذهب الظَّاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (7/ 355، 358 رقم 973)، ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 110). ، وهو إحدى الرِّوايتينِ عن أبي يوسُفَ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (6/ 2)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 506). وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال الترمذي: (العملُ على هذا عند أهل العلم: أنَّ الأُضْحِيَّة ليست بواجبةٍ، ولكنها سنَّةٌ من سُنَنِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ يُستَحَبُّ أن يُعمَل بها، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك). ((سنن الترمذي)) (4/92) وقال ابنُ حزم: (صحَّ أنَّ الأُضْحِيَّة ليست واجبةً عن سعيد بن المسيب والشعبي، وأنه قال: (لَأَنْ أتصدَّقَ بثلاثةِ دراهِمَ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أضَحِّيَ)، وعن سعيد بن جبير, وعن عطاء, وعن الحسن, وعن طاووس, وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد، وروي أيضًا عن علقمة, ومحمد بن علي بن الحسين، وهو قول سفيان, وعبيد الله بن الحسن, والشافعي, وأحمد بن حنبل, وإسحاق, وأبي سليمان، وهذا ممَّا خالف فيه الحنفيُّون جمهورَ العُلَماء. ((المحلى)) (7/ 358 رقم 973). وقال ابنُ قُدامة: (رُويَ ذلك عن أبي بكرٍ وعمر، وبلال وأبي مسعود البدري- رضي الله عنهم، وبه قال سُوَيد بن غَفَلة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المُنْذِر) ((المغني)) (9/435). وقال النووي: (فقال جمهورهم: هي سُنَّةٌ في حقِّه، إنْ تَرَكَها بلا عذرٍ لم يأثَمْ ولم يلزَمْه القضاءُ، وممن قال بهذا: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف واسحاق وأبو ثور والمزنى وابن المُنْذِر وداود وغيرهم). ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 110). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَلَت العَشْرُ، وأراد أحَدُكم أن يضَحِّيَ؛ فلا يَمَسَّ مِن شَعَرِه وبَشَرِه شيئًا)) رواه مسلم (1977). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه عَلَّقَ الأضْحِيَّةَ بالإرادةِ، والواجِبُ لا يُعلَّقُ بالإرادةِ قال الشافعي: في هذا الحديثِ دَلالةٌ على أنَّ الضحِيَّة ليست بواجبةٍ؛ لقولِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فأراد أحَدُكم أن يضَحِّيَ)) ولو كانت الضَّحِيَّةُ واجبةً أشبَهَ أن يقول: فلا يَمَسَّ من شَعْرِه حتى يضَحِّيَ. ((معَرَفة السنن والآثار)) (14/ 15)، ويُنْظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/72)، ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/ 355 رقم 973)، ((المغني)) لابن قُدامة (9/ 436). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بكبشٍ أقرَنَ، يطَأُ في سوادٍ، ويَبْرُكُ في سوادٍ، وينظُرُ في سوادٍ؛ فأُتِيَ به ليُضَحِّيَ به، فقال لها: يا عائشةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ. ثم قال: اشْحَذِيها بحَجَرٍ، ففَعَلَتْ: ثمَّ أخَذَها وأخَذَ الكَبْشَ فأضجَعَه، ثم ذبَحَه، ثمَّ قال: باسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تقبَّلْ مِن محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، ومنْ أمَّةِ محمَّدٍ. ثم ضحَّى به)) رواه مسلم (1967). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ تَضْحِيَتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أمَّتِه وعن أهلِه؛ تُجْزِئُ عن كُلِّ مَن لم يُضَحِّ، سواءٌ كان متمكِّنًا مِنَ الأضْحِيَّةِ أو غيرَ متمَكِّنٍ ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/ 344)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 204). .ثانيًا: مِنَ الآثارِ1- عن حُذيفةَ بنِ أُسَيدٍ، قال: ((لقد رأيتُ أبا بكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما وما يُضَحِّيانِ عن أهلِهما؛ خَشْيَةَ أن يُسْتَنَّ بهما، فلمَّا جِئْتُ بلَدَكم هذا حَمَلَني أهلي على الجَفَاءِ بعدَ ما علِمْتُ السُّنَّةَ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (وهذا أيضًا مَحْمَلُه عند أهل العلمِ لئلَّا يُعتقَدَ فيها- للمواظَبةِ عليها- أنَّها واجبةٌ فرضًا، وكانوا أئمَّةً يَقتَدِي بهم مَن بعدَهم ممَّنْ ينظُرُ في دِينِه إليهم؛ لأنَّهم الواسِطةُ بين النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبين أُمَّتِه، فساغ لهم مِنَ الاجتهادِ في ذلك ما لا يَسوغُ اليومَ لِغَيرِهم)). ((التمهيد)) (23/ 194، 195)، ويُنْظَر: ((تفسير القرطبي)) (15/ 108). )) رواه الطبراني (3/182) (3058)، والبيهقي (19508) واللفظ له. وجوَّدَ إسنادَه ابنُ كثيرٍ في ((إرشاد الفقيه)) (1/352)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/21): رجاله رجال الصحيح، وصحَّح إسنادَه الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/355). . 2- قال عِكْرَمةُ: ((كان ابنُ عبَّاسٍ يبعَثُني يومَ الأضحى بدرهمينِ أشتري له لَحْمًا، ويقول: مَن لَقِيتَ فقل: هذه أضْحِيَّةُ ابنِ عبَّاسٍ)) رواه البيهقي في ((معَرَفة السنن والآثار)) (14/15)، وقال: قال الشافعي: (وقد كان قلَّما يمُرُّ به يومٌ إلَّا نَحَرَ فيه أو ذبَحَ بمكَّة، وإنما أراد بذلك مثلَ الذي رُوِيَ عن أبي بكرٍ وعُمَرَ، ولا يعدو القولُ في الضحايا هذا، أو أن تكونَ واجبةً، فهي على كلِّ أحدٍ، لا تجزئُ غيرُ شاةٍ عن كلِّ أحدٍ). .3- عن أبى مسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إنِّي لأَدَعُ الأضحى وإنِّي لمُوسِرٌ؛ مخافةَ أن يرى جِيراني أنَّه حَتْمٌ عليَّ) رواه البيهقي (19511)، وصحَّح إسنادَه الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/355). ثالثًا: أنَّها ذبيحةٌ لم يجِبْ تفريقُ لَحْمِها، فلم تكُنْ واجبةً، كالعقيقةِ ((المغني)) لابن قُدامة (9/ 436). .الفرع الثَّاني: حُكْمُ الأضْحِيَّةِ المَنذورةِ مَن نَذَرَ أن يُضَحِّيَ، فإنَّه يجِبُ عليه الوفاءُ بنَذْرِه، سواءٌ كان النَّذْرُ لأضْحِيَّةٍ معيَّنةٍ أو غيرِ مُعَيَّنةٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/199). ، والمالِكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (2/125)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/354). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/423)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/208)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/283). ، والحَنابِلة (مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/480)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/444). .الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:عن عائشةَ، رَضِيَ اللهُ عنها عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن نَذَرَ أن يُطيعَ اللهَ فلْيُطِعْه، ومَن نَذَرَ أن يَعْصِيَه فلا يَعْصِه)) رواه البخاري (6696). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ التَّضْحيةَ قُربةٌ لله تعالى، فتلْزَمُ بالنَّذرِ؛ كسائِرِ القُرَبِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/61)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (5/79). . الفرع الثَّالث: ما يحصُلُ به تعيينُ الأضْحِيَّةِ تَعْيِينُ الأضْحِيَّةِ يحصُلُ بشِراءِ الأضْحِيَّةِ مع النيَّةِ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة مِنَ الحنفيَّة من يخُصُّ الفقيرَ بحصولِ التَّعيينِ بالشراءِ مع النيَّة؛ لأنَّها لا تجب عليه شرعًا، فتعَيَّنَت بالشراءِ مع النيَّة، فهو كالنَّذْرِ بالتضحِيَة، ومنهم من يسوِّي في ذلك بين الغنيِّ والفقير. ((المبسوط)) للسرخسي (12/ 12)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/68)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (4/ 74)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع ((حاشية الشلبي)) (6/ 6). ، وقولٌ للحَنابِلة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/559)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/65). ، وبه قال ابنُ القاسِمِ مِنَ المالِكيَّة ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/459). ، واختاره ابنُ تيميَّة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/65). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ نص فتوى اللجنة الدائمة: (الأُضْحِيَّة تتعيَّنُ بشرائها بِنيَّةِ الأُضْحِيَّةِ أو بتعْيِينها، فإذا تعَيَّنَت فولَدَت قبل وقتِ ذَبْحِها فاذبَحْ وَلَدَها تبعًا لها). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/ 402). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى)) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .2- عن أبي حُصَينٍ: أنَّ ابنَ الزُّبيرِ رَضِيَ اللهُ عنه رأى هَدْيًا له، فيه ناقَةٌ عَوْراءُ، فقال: إنْ كان أصابَها بعدما اشْتَرَيتُموها فأَمْضُوها، وإنْ كان أصابَها قبلَ أن تَشْتَرُوها فأَبْدِلُوها أخرجه البيهقي (10546) صحَّحه النووي في ((المجموع)) (8/363). . ثانيًا: أنَّ الفِعْلَ مع النيَّةِ يقومُ مقامَ اللَّفْظِ، إذا كان الفِعْلُ يدلُّ على المقصودِ؛ كمن بنى مسجدًا، وأَذِنَ في الصَّلاةِ فيه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/559). .ثالثًا: أنَّه مأمورٌ بشِراءِ أضْحِيَّةٍ، فإذا اشتراها بالنيَّةِ وقَعَتْ عنه كالوكيلِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/559). .المطلب الثَّالث: شروط صحة الأضْحِيَّةالفرع الأوَّل: أن تكونَ مِنَ الأنعامِيُشْتَرَط أن تكونَ الأضْحِيَّةُ مِن بهيمةِ الأنعامِ؛ وهي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتاب قال تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28]ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين، أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)) رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966) واللفظ له. .2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَذْبَحوا إلَّا مُسِنَّةً المُسِنَّة: هي الثنيَّةُ مِن كلِّ شيء: مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ فما فوقَها. ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 114)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/113). إلَّا أن يَعْسُرَ عليكم، فتَذْبحوا جَذَعةً مِنَ الضَّأْنِ)) رواه مسلم (1963). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (والذي يُضَحَّى به بإجماعٍ مِنَ المسلمينَ الأزواجُ الثمانيَّة: وهي الضَّأن والمَعْزُ، والإبِلُ والبَقَرُ) ((التمهيد)) (23/188). ، وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رشد: (أجمع العُلَماء على جوازِ الضَّحايا من جميعِ بهيمةِ الأنعام، واختلفوا في الأفضَلِ من ذلك) ((بداية المجتهد)) (1/430). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (فشَرْطُ المجزئِ في الأُضْحِيَّة: أن يكونَ مِنَ الأنعامِ: وهي الإبلُ والبَقَرُ والغَنَمُ؛ سواءٌ في ذلك جميعُ أنواعِ الإبِلِ مِنَ البَخَاتيِّ والعِرابِ، وجميعُ أنواعِ البَقَرِ مِنَ الجواميسِ والعِرابِ والدَّرْبانيَّةِ، وجميعُ أنواعِ الغَنَمِ مِنَ الضَّأنِ والمَعْزِ وأنواعِهما) ((المجموع)) (8/393). ، والصنعانيُّ قال الصنعاني: (أجمع العُلَماءُ على جوازِ التَّضحيةِ مِن جميعِ بهيمةِ الأنعام) ((سبل السلام)) (4/95). . الفرع الثَّاني: أن تكونَ قد بلغَتِ السِّنَّ المُعتَبَرة شَرعًايُشْتَرَط في الأضْحِيَّةِ أن تكون قد بلغَتِ السِّنَّ المُعتَبَرة شرعًا، فلا تُجْزِئُ التَّضحيَةُ بما دون الثنيَّةِ مِن غيرِ الضَّأنِ، ولا بما دُونَ الجَذَعةِ مِنَ الضَّأنِ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَذبَحوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أنْ يَعْسُرَ عليكم، فتذبَحوا جَذَعةً مِنَ الضَّأنِ)) رواه مسلم (1963). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (لا أعلمُ خلافًا أنَّ الجَذَعَ مِنَ المَعْزِ ومِن كُلِّ شيءٍ يُضَحَّى به- غيرَ الضَّأنِ- لا يجوزُ، وإنَّما يجوز من ذلك كلِّه الثَّنِيُّ فصاعدًا، ويجوزُ الجَذَعُ مِنَ الضأنِ بالسُّنَّة المسنونةِ) ((التمهيد)) (23/188). وقال: (وأمَّا الأُضْحِيَّة بالجَذَع مِنَ الضأنِ فمُجتمَعٌ عليها عند جماعة الفقهاءِ) ((التمهيد)) (23/188). ، والنوويُّ قال النووي: (أجمعت الأمَّةُ على أنَّه لا يُجزِئُ مِنَ الإبلِ والبقَرِ والمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ، ولا مِنَ الضَّأْنِ إلَّا الجَذَعُ) ((المجموع)) (8/394). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (الأُضْحِيَّةُ لا تكون إلَّا بمُسِنَّة، وأنَّها إن تعسَّرَت فجَذَعةٌ مِنَ الضأنِ، فمَن ضحَّى بمُسِنَّة، أو بجَذَعةٍ مِنَ الضأنِ عند تعَسُّرها؛ فضَحِيَّتُه مُجْزِئةٌ إجماعًا) ((أضواء البيان)) (5/209). ، وحكاه ابْنُ حَزْمٍ في إجزاءِ الثَّنِيِّ مِنَ المَعْزِ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ الثَّنِيَّ مِنَ الضأنِ فصاعدًا إذا كان سليمًا من كلِّ عيبٍ ونقصٍ مُذْ سُمِّيَ للتضحيةِ إلى أن يتِمَّ مَوْتُه بالذَّبحِ؛ أنَّه يُجزِىُء في الأُضْحِيَّة) ((مراتب الإجماع)) (ص 153). ، والتِّرمذيُّ في إجزاءِ الجَذَعِ مِنَ الضَّأنِ قال أبو عيسى الترمذي: (العمَلُ على هذا عند أهل العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغيرِهم: أنَّ الجَذَعَ مِنَ الضأنِ يُجزِي في الأُضْحِيَّة) (سنن الترمذي) (4/87). . مسألةٌ: معنى الثَّنِيِّ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ، والجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِالثَّنِيُّ مِنَ الإبِلِ ما أتمَّ خَمْسَ سنينَ، ومِنَ البَقَرِ ما أتمَّ سَنتينِ، ومِنَ المَعْزِ ما أتمَّ سَنَةً، والجَذَعُ مِنَ الضَّأنِ ما أتمَّ سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ نصَّ على هذا التَّفصيلِ: فُقهاءُ الحَنَفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (6/ 7)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/70). ، والحَنابِلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 401)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/440). ، واختارَه ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/425). ، وأفتت به اللَّجنةُ الدَّائمةُ جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (لا يُجْزِئُ مِنَ الضأن في الأُضْحِيَّة إلَّا ما كان سِنُّه سِتَّةَ أشهُرٍ... ولا يجزئ مِنَ المَعْزِ والبَقَر والإبِلِ إلَّا ما كان مُسِنَّةً، سواء كان ذكرًا أم أنثى، وهي مِنَ المعزِ ما بلَغَتْ سنةً، ودخلَتْ في الثَّانيَة، ومِنَ البَقَرِ ما أتمَّتْ سنتينِ ودخَلَتْ في الثَّالثة، ومِنَ الإبِلِ ما أتمَّتْ خَمْسَ سنين ودخَلَتْ في السادسةِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى)) (11/414-415). .الفرع الثَّالث: السَّلامةُ مِنَ العُيوبِ المانِعةِ مِنَ الإجزاءِيُشْتَرَطُ في الأضْحِيَّةِ السَّلامةُ مِنَ العيوبِ المانعةِ مِنَ الإجزاءِ، فلا تُجْزِئُ التَّضحيَةُ بالعوراءِ البَيِّنِ عَوَرُها، والمريضَةِ البَيِّنِ مَرَضُها، والعَرْجاءِ البَيِّنِ ضَلْعُها، والعَجْفاءِ التي لا تُنقِي فائدة: قال ابنُ عثيمين: (تقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام: الأوَّل: ما دلَّتِ السنة على عدم إجزائِه، وهي أربعٌ: العوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعرجاءُ البَيِّنُ ضَلْعُها، والعجفاءُ التي لا تُنقي، فهذه منصوصٌ على عدم إجزائها، ويُقاسُ عليها ما كان مِثْلَها أو أَوْلى منها، أمَّا ما كان مثلَها فإنَّه يُقاسُ عليها قياسَ مُساواةٍ، وأما ما كان أَوْلى منها فيُقاسُ عليها قياسَ أولويَّة. الثَّاني: ما ورد النهيُ عنه دون عدمِ الإجزاءِ، وهو ما في أُذُنه أو قرْنِه عيبٌ مِن خَرْقٍ، أو شِقٍّ طولًا أو شِقٍّ عَرْضًا، أو قَطْعٌ يسيرٌ دون النِّصف، فهذه ورد النهي عنها في حديثِ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكنَّ هذا النهيَ يُحمَل على الكراهة؛ لوجود الحديث الحاصِرِ لعدم المجزئ بأربعةِ أصناف. الثَّالث: عيوبٌ لم يَرِدِ النَّهيُ عنها، ولكنها تنافي كمالَ السلامة، فهذه لا أثَرَ لها، ولا تُكرَه التضحية بها ولا تَحْرُم، وإن كانت قد تُعَدُّ عند النَّاس عيبًا، مثل العوراءِ التي عَوَرُها غيرُ بَيِّن، ومثل مكسورةِ السِّنِّ في غير الثنايا، وما أشبه ذلك، ومثل العرجاء عرَجًا يسيرًا، فهذه عيوبٌ، لكنَّها لا تمنَعُ الإجزاء، ولا تُوجِبُ الكراهةَ؛ لعدم وجود الدَّليلِ، والأصلُ البراءة). ((الشرح الممتع)) (7/440). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سمعْتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وأشار بأصابِعِه، وأصابعي أقصَرُ مِن أصابِعِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُشيرُ بأُصْبُعِه؛ يقولُ: لا يجوز مِنَ الضحايا: العوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والعَرْجاءُ البَيِّنُ عَرَجُها، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعَجفاءُ العجفاءُ: هي المَهْزولةُ مِنَ الغَنَمِ وغَيْرِها. ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 234)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (5/ 98). التي لا تُنْقِي لا تُنْقي: أي لا نِقْيَ لعظامِها- وهو المخُّ- مِنَ الضَّعفِ والهُزالِ. ((شرح السنة)) للبغوي (4/340)، ((مشكلات موطأ مالك بن أنس)) للبطليوسي (ص: 148)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 111)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/198). )) رواه أبو داود (2802)، والترمذي بعد حديث (1497)، والنسائي (4371)، وابن ماجه (3144)، وأحمد (18697)، ومالك (3/687)، والدارمي (1949)، قال الإمام أحمد كما في ((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقن (2/379): ما أحسَنَه مِن حديثٍ، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4/168)، وابن حبان في ((بلوغ المرام)) (405)، وحسنه ابن عَبْدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (20/164)، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (121)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/285). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ العوراءَ البَيِّنَ عَوَرُها، والعمياءَ البَيِّنةَ العَمى، والعرجاءَ البَيِّنةَ العَرَجِ التي لا تُدرِكُ السَّرحَ، والمريضةَ البَيِّنةَ المرَضِ، والعجفاءَ التي لا مُخَّ لها؛ أنَّها لا تُجْزئ في الأضاحيِّ) ((مراتب الإجماع)) (ص 153). وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أمَّا العيوبُ الأربعةُ المذكورةُ في هذا الحديثِ؛ فمجتَمَعٌ عليها، لا أعلَمُ خلافًا بين العُلَماءِ فيها، ومعلومٌ أنَّ ما كان في معناها داخِلٌ فيها، ولا سيما إذا كانت العِلَّةُ فيها أبيَنَ) ((التمهيد)) (20/168). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (أجمع العُلَماءُ على اجتنابِ العَرجاءِ البَيِّنِ عَرَجُها في الضَّحايا، والمريضةِ البَيِّنِ مَرَضُها، والعجفاءِ التي لا تُنقِي) ((بداية المجتهد)) (1/430). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (أمَّا العيوبُ الأربعةُ الأُوَل، فلا نعلَمُ بين أهلِ العلم خلافًا في أنَّها تمنع الإجزاءَ) ((المغني)) (9/441). ، والنوويُّ قال النووي: (أجمعوا على أنَّ العمياءَ لا تُجزئُ، وكذا العوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والعَرجاءُ البَيِّنُ عَرَجُها، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعجفاءُ) ((المجموع)) (8/404). . الفرع الرابع: أن تكونَ التَّضحِيةُ في وقتِ الذَّبحِ(يُنظَر: أوَّلُ وقتِ التَّضحيةِ، وآخِرُ وَقْتِها)الفرع الخامس: نيَّةُ التَّضحيةِيُشْتَرَط على المضَحِّي أن ينوِيَ بها التَّضحيةَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (5/ 291)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/71). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/252). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/405)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/200). والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/61). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّياتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى)) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنيَّة). . ثانيًا: أنَّ الذَّبحَ قد يكون لِلَّحمِ، وقد يكون للقُرْبَةِ، والفعلُ لا يقَعُ قُرْبَةً بدونِ النيَّةِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/71). .المطلب الرابع: وقتُ الأضْحِيَّةالفرع الأوَّل: أوَّلُ وقْتِ التَّضحيةِالمسألة الأولى: ذَبْحُ الأضْحِيَّةِ قبل طُلوعِ الفَجرِ يومَ النَّحرِلا يجوزُ ذَبحُ الأضْحِيَّةِ قبل طُلوعِ الفَجرِ في يومِ النَّحرِ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: ((إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ)) رواه البخاري (5560) واللفظ له، ومسلم (1961). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ الضَّحايا لا يجوز ذبحُها قبل طلوعِ الفجرِ مِن يومِ النَّحرِ) ((الإجماع)) (1/60). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أجمعوا على أنَّه لا يكون أضحى قبل طلوعِ الفجرِ مِن يومِ النَّحرِ، لا لحَضَريٍّ ولا لبدويٍّ) ((التمهيد)) (23/196). ، والقرطبيُّ قال القرطبي: (لا خلافَ أنَّه لا يُجْزي ذبحُ الأُضْحِيَّة قبل طلوعِ الفَجرِ مِن يومِ النَّحر) ((تفسير القرطبي)) (12/43). . المسألة الثَّانيَة: ذبحُ الأضْحِيَّةِ قبل الصَّلاةِلا يجوزُ ذَبحُ الأضْحِيَّةِ قبل صلاةِ العيدِ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: ((إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ)) رواه البخاري (5560) واللفظ له، ومسلم (1961). .2- عن جُنْدَبَ بنِ سُفيانَ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ضَحَّيْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أضْحِيَّةً ذاتَ يومٍ، فإذا أُناسٌ قد ذبحوا ضحاياهم قبلَ الصَّلاةِ، فلما انصَرَفَ رآهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم قد ذبَحوا قبل الصَّلاةِ، فقال: من ذَبَحَ قبل الصَّلاةِ فلْيَذْبَحْ مكانَها أخرى، ومَن كان لم يَذْبَحْ حتى صَلَّيْنا فلْيَذْبَحْ على اسْمِ اللهِ)) رواه البخاري (5500) واللفظ له، ومسلم (1960). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أجمعوا على أنَّ الذبحَ لأهل الحَضَر لا يجوزُ قبل الصَّلاة) ((الاستذكار)) (5/224). والنوويُّ قال النووي: (وأمَّا وقت الأُضْحِيَّةِ فينبغى أن يذبَحَها بعد صلاتِه مع الإمامِ، وحينئذٍ تُجزيه بالإجماع) ((شرح النووي على مسلم)) (13/110). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (اتَّفقوا على أنَّ الذبحَ قبل الصَّلاة لا يجوزُ؛ لثبوتِ قولِه عليه الصَّلاة والسلام: مَن ذَبَحَ قبل الصَّلاةِ، فإنَّما هي شاةُ لَحْمٍ) ((بداية المجتهد)) (1/435). . الفرع الثاني: ابتداءُ وَقتِ ذَبحِ الأضْحِيَّةِيبدأُ وقتُ الأضْحِيَّةِ بعد صلاةِ العيدِ، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (6/ 4)، ويُنظر: ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (4/ 174). ، والحَنابِلة ((الفروع)) للابن مفلح (6/ 92)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/452)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/552،554). ، واختارَه الطَّحاوي ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (4/ 174). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (ووَقْتُها بعد صلاةِ النَّحرِ إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ) ((الدراري المضية)) (2/343). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/459). . الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ: 1- عَنِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: ((إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ)) رواه البخاري (5560) واللفظ له، ومسلم (1961). .2- عن جُنْدَبَ بنِ سُفيانَ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ضَحَّيْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أضْحِيَّةً ذاتَ يومٍ، فإذا أُناسٌ قد ذبحوا ضحاياهم قبلَ الصَّلاةِ، فلما انصَرَفَ رآهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم قد ذبَحوا قبل الصَّلاةِ، فقال: من ذَبَحَ قبل الصَّلاةِ فلْيَذْبَحْ مكانَها أخرى، ومَن كان لم يَذْبَحْ حتى صَلَّيْنا فلْيَذْبَحْ على اسْمِ اللهِ)) رواه البخاري (5500)، ومسلم (1960). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحديثَ يدُلُّ على أنَّ مَن ذَبَح بعد الصَّلاةِ، فله نُسُكٌ، سواءٌ انتهت الخُطبةُ أم لم تَنْتَهِ، وسواءٌ ذبَحَ الإمامُ أم لم يذبَحْ، وأنَّ مَن ذبَحَ قبل الصَّلاةِ، فعليه أن يذبَحَ أخرى مكانَها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/459). .3- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنْ ذَبَحَ قبل الصَّلاةِ فلْيُعِدْ)) رواه البخاري (5549)، ومسلم (1962). .الفرع الثالث: وقتُ الأضْحِيَّةِ في غيرِ أهْلِ الأمصارِيَبدأُ وقْتُ الأضْحِيَّةِ لِمَن كان بمَحَلٍّ لا تُصلَّى فيها صلاةُ العيدِ كأهلِ البوادي: بَعدَ قَدْرِ فِعْلِ صلاةِ العيدِ بعدَ طلوعِ الشَّمسِ قِيدَ رُمْحٍ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلةِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/605)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 9). ، واختارَه ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 459). ؛ وذلك لأنَّه لا صلاةَ في حقِّهم تُعتَبَر، فوجب الاعتبارُ بِقَدْرِها ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/9). .الفرع الرابع: زَمَن التَّضحيةِ وحُكْمُ التَّضحيةِ ليلًا المسألة الأولى: زَمَنُ التَّضحيةِ اختلف الفقهاءُ في زَمَنِ التَّضحيةِ على قولينِ: القول الأوّل: أيَّامُ التَّضحيةِ ثلاثةٌ: يومُ العيدِ واليومانِ الأوَّلانِ مِن أيَّامِ التَّشريقِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (8/200)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/65). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/273)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/86). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/530)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/384). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى أن تُؤكَلَ لُحومُ الأضاحيِّ بعد ثلاثٍ)) رواه البخاري (5574)، ومسلم (1970) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّه- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- نهى عن أكْلِ لُحومِ الأضاحيِّ فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ، ولو كان اليومُ الرابعُ يومَ ذبحٍ، لكان الذبحُ مشروعًا في وقتٍ يَحرُمُ فيه الأكلُ، ثُمَّ نُسِخَ بعد ذلك تحريمُ الأكلِ، وبَقِيَ وقتُ الذَّبحِ بحالِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/385)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/201). .ثانيًا: أنَّه وَرَدَ عن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم تخصيصُه بالعيدِ ويومينِ بعده: منهم عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عبَّاسٍ، وأبو هريرة، وأنس، رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا يُعرَف لهم مِنَ الصَّحابةِ مخالِفٌ, ومِثْلُ هذا لا يُقالُ بالرأي قال ابنُ قُدامة: (وهذ قول عمر وعلي وابن عمر وابن عبَّاس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم) ((المغني)) (9/ 453)، ويُنْظَر: ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/ 377، 378 رقم 982)، ((الاستذكار)) (5/ 243). .ثالثًا: أنَّه قد ثبت الفَرْقُ بين أيَّامِ النَّحر وأيَّامِ التَّشريقِ؛ ولو كانت أيَّامُ النَّحرِ أيَّامَ التَّشريقِ لَمَا كان بينهما فَرْقٌ، وكان ذِكْرُ أحدِ العَدَدينِ يَنوبُ عن الآخَرِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 202). . القول الثاني: يبقى وَقتُ التَّضْحِيةِ إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/387)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/200). ، وقولٌ للحَنابِلة ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (5/385). ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيامُ النَّحرِ يوم الضحى، وثلاثةُ أيَّام بعده. وبه قال الحسن، وعطاء، والأوزاعي... وابن المُنْذِر) ((المغني)) (3/385). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وآخِرُ وقتِ ذَبحِ الأُضْحِيَّة آخِرُ أيَّامِ التشريق) ((الفتاوى الكبرى)) (5/385). ، وابنُ القَيِّم ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/319). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (ووقتها بعد صلاة النَّحر إلى آخر أيام التشريق) (الدراري المضية)) (2/343). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (ووَقْتُها يومُ النَّحرِ وأيامَ التَّشريق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/38). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (أصح الأقوال: أنَّ أيام الذبح أربعةٌ، يومُ العيد، وثلاثةُ أيَّامٍ بعده) ((الشرح الممتع)) (7/460). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((كلُّ مِنًى منحَرٌ، وكلُّ أيَّامِ التَّشريقِ ذَبْحٌ)) رواه أحمد (16797)، وابن حبان (3854)، والطبراني (2/138) (1583)، والبيهقي (10525) واللفظ له. قال ابنُ القيِّم في ((زاد المعاد)) (2/291): رُوِيَ من وجهين مختلفينِ يَشُدُّ أحدُهما الآخَرَ، ورُوِيَ من حديثِ جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ، وفيه انقطاعٌ، ووثق رجاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/27)، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/211): له شاهد، وصحَّحه في ((صحيح الجامع)) (4537). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحديثَ نَصٌّ في الدَّلالةِ على أنَّ كُلَّ أيَّامِ مِنًى أيامُ نَحرٍ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 203). .2- عن نُبَيْشةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيَّامُ التَّشريقِ أيَّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرٍ للهِ عَزَّ وجَلَّ)) رواه مسلم (1141). . ثانيًا: أنَّ الثَّلاثةَ أيَّامٍ تختَصُّ بكونها أيامَ مِنًى، وأيامَ الرَّمْيِ، وأيَّامَ التَّشريقِ، وأيَّامَ تَكبيرٍ وإفطارٍ، ويحرُمُ صيامُها؛ فهى إخْوةٌ في هذه الأحكامِ، فكيف تَفْتَرِقُ في جوازِ الذَّبحِ بغيرِ نَصٍّ ولا إجماعٍ؟! قال الشافعي: (فلما لم يحظر على النَّاس أن ينحروا بعد يوم النَّحر بيوم أو يومين لم نجِدِ اليومَ الثَّالثَ مفارقًا لليومين قبله؛ لأنه يُنسَك فيه ويُرمَى كما يُنسَك ويُرمَى فيهما). ((الأم)) (2/248). ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/555)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 204)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/461). .المسألة الثَّانيَة: حُكْمُ التَّضحيةِ في ليالي أيَّامِ النَّحرِ التَّضحيةَ في اللَّيلِ تُجزئُ، وهو مذهَبُ: الحَنَفيَّة وعندهم تجزيء مع الكراهة، انظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، و((حاشية الشلبي)) (6/ 5)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/174-175)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 513). ، والشَّافعيَّة قال الشافعي: ويذبَحُ في الليلِ والنهارِ، وإنَّما أكرَهُ ذبحَ الليلِ لئَّلا يُخطِئَ رجلٌ في الذَّبحِ أو لا يوجد مساكينُ حاضرون، فأما إذا أصاب الذَّبحَ ووجد مساكينَ فسواءٌ. ((الأم)) للشافعي (2/239). ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (8/388)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 200). ، وقول للحَنابِلة ((المغني)) لابن قُدامة (9/454)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 10). ، واختيارُ ابْنِ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (والتضحيةُ ليلًا ونهارًا جائزٌ) ((المحلى)) (7/377). وقال أيضًا: (ما نَعْلَمُ أحدًا مِنَ السلف قبل مالكٍ مَنَعَ مِنَ التضحيةِ ليلًا). ((المحلى)) (7/ 379). ، والصنعانيِّ قال الصنعاني: (لا حظْرَ في الذَّبحِ، بل قد أباح اللهُ ذبْحَ الحيوانِ في أيِّ وقتٍ) ((سبل السلام)) (4/93). ، والشوكانيِّ قال الشوكاني: (لا يخفى أنَّ القولَ بعَدَمِ الإجزاءِ وبالكراهِية يحتاجُ إلى دليلٍ، ومجرَّد ذِكْرِ الأيام في حديث البابِ وإن دل على إخراجِ اللَّيالي بمفهومِ اللَّقَبِ، لكنَّ التعبيرَ بالأيَّامِ عن مجموعِ الأيامِ والليالي، والعكسُ مشهورٌ متداوَلٌ بين أهل اللغةِ لا يكادُ يَتبادَرُ غيرُه عند الإطلاق) ((نيل الأوطار)) (5/126). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الصواب أنَّ الذَّبحَ في ليلَتِهما لا يُكرَه إلَّا أن يُخِلَّ ذلك بما ينبغي في الأُضْحِيَّة، فيُكْرَه من هذه الناحِيَة، لا مِن كونِه ذبحًا في اللَّيلِ) ((الشرح الممتع)) (7/464). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتابقولُ الله تعالى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28].وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ الأيَّامَ تُطلَقُ لغةً على ما يشمَلُ اللياليَ ((أضواء البيان)) للشنقيطي(5/120). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كلُّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبْحٌ)) رواه أحمد (16797)، وابن حبان (3854)، والطبراني (2/138) (1583)، والبيهقي (10525) واللفظ له. قال ابنُ القيِّم في ((زاد المعاد)) (2/291): رُوِيَ من وجهين مختلفينِ يَشُدُّ أحدُهما الآخَرَ، ورُوِيَ من حديثِ جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ، وفيه انقطاعٌ، ووثق رجاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/27)، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/211): له شاهد، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4537). .وَجْهُ الدَّلالةِ:ذِكْرُ الأيَّامِ في الحديثِ وإنْ دلَّ على إخراجِ اللَّيالي بمفهومِ اللَّقَبِ، لكِنَّ التعبيرَ بالأيَّامِ عن مجموعِ الأيامِ واللَّيالي، والعَكْسُ مشهورٌ متداوَلٌ بين أهْلِ اللُّغةِ، لا يكادُ يتبادَرُ غيرُه عند الإطلاقِ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/126). .ثالثًا: أنَّ الليلَ زَمَنٌ يَصِحُّ فيه الرَّميُ، وداخِلٌ في مدَّةِ الذَّبحِ، فجاز فيه كالأيَّامِ ((المغني)) لابن قُدامة (9/454)، ((كشاف القناع)) للنووي (3/ 10). . رابعًا: أنَّ اللهَ قد أباح ذَبْحَ الحيوانِ في أيِّ وقتٍ ((سبل السلام)) للصنعاني (4/93). .خامسًا: أنَّ القول بالكراهة يحتاج إلى دليل ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/126). .الفرع الخامس: المُبادَرةُ إلى التَّضحِيَةِيُستحَبُّ المبادرَةُ في ذبْحِ الأضْحِيَّةِ بعد دخولِ وَقْتِها، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (12/ 29)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/80). ، والمالِكيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/ 67)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/150)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/850). ، والشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 288). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 9). .وذلك للآتي:أوَّلًا: ما فيه مِنَ المبادَرَةِ إلى الخيرِ، والخروجِ مِنَ الخلافِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 9). .ثانيًا: أنَّ اللهَ جَلَّ شأنُه أضافَ عبادَه في هذه الأيامِ بلُحومِ القَرابينِ، فكانت التَّضحِيَةُ في أوَّلِ الوَقتِ مِن بابِ سُرعةِ الإجابةِ إلى ضيافَةِ اللهِ جَلَّ شأنُه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/80). .المطلب الخامس: من آدابِ التَّضحِيَة وسُنَنِهاالفرع الأوَّل: حُكْمُ حَلْقِ الشَّعر وتقليمِ الأظفار لِمَن أراد أن يضَحِّيَاختلفَ الفُقهاءُ في حُكْمِ حَلْقِ الشَّعْرِ وتقليمِ الأظفارِ لمَنْ أراد أن يضَحِّي، بعد رؤيةِ هلالِ ذِي الحِجَّة، على أقوالٍ، أقواها قولان: القول الأوّل: يَحْرُمُ على مَن أراد أن يضَحِّي- إذا رأى هلالَ ذي الحِجَّة- أن يحلِقَ شَعْرَه أو أن يُقَلِّمَ أظفارَه، حتى يضَحِّيَ، وهو مذهَبُ الحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/79)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/23)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/436). ، ووجهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/ 391-392). ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال البغوي: (وإليه ذهب سعيد بن المسيب، وبه قال ربيعة، وأحمد، وإسحاق) ((شرح السنة)) (4/348). ، واختارَه ابْنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (من أراد أن يضَحِّيَ ففَرْضٌ عليه إذا أهلَّ هلالُ ذي الحِجَّة ألَّا يأخُذَ مِن شَعْرِه، ولا من أظفارِه شيئًا حتى يضحِّيَ, لا بحَلْقٍ, ولا بقَصٍّ، ولا بِنَوْرَةٍ، ولا بغيرِ ذلك, ومَن لم يُرِدْ أن يضَحِّيَ لم يَلْزَمْه ذلك). ((المحلى)) (7/ 355 رقم 973). ، وابنُ القَيِّم قال ابنُ القَيِّم في مَعْرِضِ رَدِّه على مَنِ استدَلَّ بحديثِ عائشةَ رَضِيَ الله عنها وقال بعدم التحريم: (وأسعَدُ النَّاسِ بهذا الحديث- يعني حديثَ أمِّ سَلَمة- من قال بظاهِرِه؛ لصِحَّتِه وعدمِ ما يعارِضُه) ((عون المعبود – مع حاشية ابن القيم)) (7/491). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (لا يجوزُ لِمَن أراد أن يضَحِّيَ أن يأخُذَ مِن شَعْرِه ولا من أظفارِه ولا مِن بَشَرتِه شيئًا، بعد دخول شهرِ ذي الحِجَّة حتى يضَحِّيَ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/39). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الذي يظهَرُ أنَّ التحريمَ أقرَبُ؛ لأنَّه الأصلُ في النَّهْيِ لا سيما فيما يظهَرُ فيه التعبُّدُ، ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكَّدَ النَّهيَ بقولِه: «فلا يَأْخُذَنَّ»، والنونُ هذه للتوكيدِ) ((الشرح الممتع)) (7/486). .الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن كان عِندَه ذبْحٌ يُريدُ أن يذبَحَه فرأى هلالَ ذي الحِجَّةِ؛ فلا يَمَسَّ مِن شَعْرِه، ولا مِن أظفارِه، حتى يضَحِّيَ)) رواه مسلم (1977). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ مُقتضى النَّهْيِ التَّحريمُ، وهو خاصٌّ يجِبُ تقديمُه على عمومِ غَيرِه ((المغني)) لابن قُدامة (9/ 437). .القول الثاني: يُكرَه لِمَن أراد أن يضَحِّيَ أن يحلِقَ شَعْرَه أو أن يقَلِّمَ أظفارَه حتى يضَحِّيَ، وهذا مذهبُ المالِكيَّة ((التاج والإكليل)) (4/380)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/141). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/391)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/74). وهو قولٌ للحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/79)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/436). .الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:1- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن كان عِندَه ذبْحٌ يُريدُ أن يذبَحَه فرأى هلالَ ذي الحِجَّةِ؛ فلا يَمَسَّ مِن شَعْرِه، ولا مِن أظفارِه، حتى يضَحِّيَ)) رواه مسلم (1977). .2- حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالت: ((أنا فَتَلْتُ قلائِدَ هَدْيِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدَيَّ ثمَّ قَلَّدَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدِه ثمَّ بعثَ بها مع أبي، فلم يَحْرُمْ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَيءٌ مِمَّا أحَلَّهُ اللهُ حتى نَحَرَ الهَدْيَ)) رواه البخاري (1700) واللفظ له، ومسلم (1321). . وَجْهُ الدَّلالةِ:1- أنَّه لم يَحْرُمْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيءٌ بِبَعْثِه بِهَدْيِه، والبَعْثُ بالهَدْيِ أكثَرُ من إرادةِ التَّضحيةِ، ولم يكنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيفعَلَ ما نَهى عنه ((المجموع)) للنووي (8/392)، ((المغني)) لابن قُدامة (9/ 437). .2- أنَّ النَّهْيَ محمولٌ على الكراهَةِ جمعًا بين النصوصِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 372). . مسألةٌ: حُكْمُ الفِدْيةِ لِمَن أرادَ أن يُضَحِّيَ فأخَذَ مِن شَعَرِه أو قَلَّمَ أظفارَهلا فِدْيةَ على مَن أراد أن يُضحِّيَ، وحَلَقَ شَعْرَه أو قَلَّمَ أظْفارَه. الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:  نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (فإن فعَلَ استغفَرَ اللهَ تعالى، ولا فِدْية فيه إجماعًا، سواءٌ فَعَلَه عمدًا أو نسيانًا). ((المغني)) (9/437). ، والمرداوي قال المرداوي: (لو خالف وفَعَلَ فليس عليه إلَّا التَّوبةُ، ولا فِدْيةَ عليه إجماعًا). ((الإنصاف)) (4/80). . الفرع الثَّاني: أن يذبَحَ بنَفْسِه إذا استطاعَيُستحَبُّ أن يذبَحَ بنَفْسِه إذا استطاعَ.الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ضحَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَبشينِ أملحَينِ أقْرَنينِ، ذبَحَهما بيَدِه، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَه على صِفاحِهما)) رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك النوويُّ قال النووي: (وفيه إجزاءُ الذَّكَرِ في الأُضْحِيَّة، وأنَّ الأفضَلَ أن يذبَحَها بنَفْسِه، وهما مُجمَعٌ عليهما) ((شرح النووي على مسلم)) (13/116). .ثالثًا: أنَّها قُربةٌ، وفِعْلُ القُربةِ أَوْلى مِنِ استنابَتِه فيها قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (مِنَ الفِقْه أن يتولَّى الرَّجُلُ نَحْرَ هَدْيِه بيده، وذلك عند أهل العلم مستحَبٌّ مُستحسَنٌ؛ لفِعْلِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك بيَدِه، ولأنَّها قُربةٌ إلى الله عزَّ وجَلَّ، فمباشَرَتُها أولَى وجائِزٌ أن ينحَرَ الهَدْيَ [غيرُ] صاحِبِها، ألا ترى أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه نحَرَ بعْضَ هَدْيِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أمرٌ لا خلافَ بين العُلَماءِ في إجازَتِه) ((التمهيد)) (2/107)، ويُنْظَر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (4/ 308). .الفرع الثالث: الأكلُ والإطعامُ والادِّخارُ مِنَ الأضْحِيَّةيجوزُ للمُضَحِّي أن يأكُلَ من أضحِيَّتِه ويَطعَمَ ويدَّخِرَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/203)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/79). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي)) (1/ 746)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (8/203)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/53). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/419)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/75). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/22)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/448). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتاب قَولُه تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 27].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه نهى عن أكْلِ لُحومِ الضَّحايا بعد ثلاثٍ، ثم قال بعدُ: كُلُوا، وتَزَوَّدوا، وادَّخِروا)) رواه مسلم (1972). .2- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا ضحَّى أحَدُكم فلْيَأْكُلْ مِنْ أُضْحِيَّتِه)) رواه أحمد (9067)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (2/314)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (7/34). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/28): رجاله رجال الصحيح، ووثق رجاله ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (10/29) وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3563): الأحاديث بمعناه كثيرة، من أجل ذلك أودعته في "الصحيحة". .المطلب السادس: الاستِنابةُ في ذَبْحِ الأضْحِيَّةيجوز للمُضَحِّي أن يستنيبَ في ذَبْحِ أُضْحِيَّتِه، إذا كان النَّائِبُ مُسلِمًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/203)، ويُنظر: (بدائع الصنائع)) للكاساني (5/79). ، والمالِكيَّة إلَّا أنَّ المالكيَّةَ يرون الكراهة. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/121)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/373). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/405). . والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي(3/8)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/455). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (جائزٌ أن ينحَرَ الهَدْيَ [غيرُ] صاحِبِها، ألا ترى أنَّ عليَّ بنَ أبي طالب رَضِيَ الله عنه نَحَرَ بعضَ هَدْيِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أمر لا خلاف بين العُلَماء في إجازَتِه) ((التمهيد)) (2/107)، ويُنْظَر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (4/ 308). . الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحَرَ ثلاثًا وسِتِّينَ بيده، ثم أعطى عليًّا فنَحَرَ ما غَبَرَ)) جزء من حديث رواه مسلم (1218). .المطلب السابع: أيُّهما أفضَلُ: ذبحُ الأضْحِيَّةِ أو التصَدُّقُ بثَمَنِها؟ذبحُ الأضْحِيَّةِ أفضَلُ مِنَ التصَدُّقِ بثَمَنِها؛ نصَّ على هذا فُقهاءُ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/200). ، والمالِكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (2/121)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/244). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/77)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/582). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (ذبحُها أفضل مِنَ الصدقة بثمنها). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/41). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (ذبحُ الأُضْحِيَّةِ أفضَلُ مِنَ الصدقة بثَمَنِها، حتى إنَّك لو ملأتَ جِلْدَها بالدَّراهم وتصدَّقْتَ بهذه الدراهم، لكان ذبْحُها أفضَلَ من ذلك، وليس الحكمةُ مِنَ الأُضْحِيَّة حصولَ اللَّحم وأكْلَ اللحم، ولكنَّ الحكمةَ التقرُّبُ إلى الله تعالى بذَبْحِها؛ قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ **الحج: 37**، فظنَّ بعضُ النَّاسِ أنَّ المقصودَ من ذلك الأكلُ، والانتفاعُ باللحم، وهذا فَهْمٌ قاصِرٌ، فالأهَمُّ أن تتعَبَّدَ لله عزَّ وجَلَّ بذَبْحِها). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/194، 195). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ إيثارَ الصَّدَقةِ على الأضْحِيَّةِ يُفضِي إلى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/582). .ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضحَّى والخلفاءُ بعده، ولو عَلِمُوا أنَّ الصَّدَقةَ أفضَلُ لعَدَلُوا إليها ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/582). .ثالثًا: أنَّ الأضاحِيَّ واجبةٌ عند طائفةٍ مِنَ الفقهاء، أمَّا التصَدُّقُ بثَمَنِها فهو تطوُّعٌ محضٌ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (6/ 5). .رابعًا: أنَّ الأضاحيَّ تفوتُ بفَواتِ وَقْتِها بخلافِ الصَّدَقةِ بثَمَنِها، فإنَّه لا يفوتُ، نظيرُ الطَّوافِ للآفاقيِّ، فإنَّه أفضَلُ له مِنَ الصَّلاةِ؛ لأنَّ الطَّوافَ في حَقِّه يفوتُ بخلافِ المكِّيِّ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (6/ 5). .خامسًا: أنَّ فيها جمعًا بين التقَرُّبِ إلى الله تعالى بإراقةِ الدَّمِ والتصَدُّقِ، ولا شكَّ أنَّ الجمعَ بين القُرْبَتينِ أفضَلُ ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (9/ 513). .المطلب الثامن: إعطاءُ الجَزَّارِ مِنَ الأضْحِيَّة ثمنًا لذَبْحِهلا يجوزُ إعطاءُ الذَّابحِ مِنَ الأضْحِيَّة ثمنًا لذَبحِه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/203)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/79). ، والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/124). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/ 419)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/120). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 13)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/450). . الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أمَرَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أقومَ على بُدُنِه، وأن أتصَدَّقَ بلَحْمِها وجُلُودِها وأَجِلَّتِها، وأنْ لا أعطِيَ الجزَّارَ منها، قال: نحنُ نُعطيه مِن عِندِنا)) رواه البخاري (1716)، ومسلم (1317) واللفظ له. .ثانيًا: أنَّ ما يدفَعُه إلى الجزَّارِ أجرةُ عِوَضٍ عن عَمَلِه وجِزارَتِه، ولا تجوزُ المعاوَضةُ بشيءٍ منها ((المغني)) لابن قُدامة (9/450). .المطلب التاسع: الأضْحِيَّةُ عن المَيِّتِ استقلالًالا تُشْرَعُ الأضْحِيَّةُ عن الميِّتِ استقلالًا، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة إلَّا أن تكونَ بإذْنِه كوَصِيَّةٍ. ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/292)، ((نهاية المحتاج)) للرملي(8/144). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (لم يَرِدْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عن الصَّحابةِ- فيما أعلمُ- أنَّهم ضَحَّوْا عن الأمواتِ استقلالًا؛ فإنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مات له أولادٌ مِن بنينَ أو بناتٍ في حياته، ومات له زوجاتٌ وأقارِبُ يُحِبُّهم، ولم يُضَحِّ عن واحدٍ منهم، فلم يُضَحِّ عن عَمِّه حمزةَ ولا عن زوجته خديجةَ، ولا عن زوجَتِه زينبَ بنتِ خزيمةَ، ولا عن بناتِه الثلاثِ، ولا عن أولادِه- رضي الله عنهم- ولو كان هذا مِنَ الأمور المشروعةِ لبَيَّنَه الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سُنَّتِه قولًا أو فعلًا، وإنَّما يُضَحِّي الإنسانُ عنه وعن أهلِ بيته) ((الشرح الممتع)) (7/423). ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (17/171). ، وكَرِهَها المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/377)، ((حاشية الدسوقي)) (2/122-123). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتاب قَولُه تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39].ثانيًا: لم يَرِدْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عن الصَّحابةِ ولا عن أحدٍ مِنَ السَّلَفِ أنَّهم ضَحَّوْا عن الأمواتِ استقلالًا ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 377)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/423). .ثالثًا: أنهَّا عبادةٌ، والأصلُ أنْ لا تُفعَلَ عن الغيرِ إلَّا ما خَرَجَ بدليلٍ، لا سيَّما مع عَدَمِ الإذنِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 292). .رابعًا: أنَّ المقصودَ بذلك غالبًا المباهاةُ والمُفاخَرةُ ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 377). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: ذبحُ الهَدْي.