تَرْكُ الواجباتِ لا يَسْقُطُ بالنِّسيانِ والجهلِ والإكراهِ متى أمكَنَ تدارُكُه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/202، 203). وقال ابنُ دقيق العيد: (وفي قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((شاتُك شاةُ لحمٍ))... دليلٌ على أنَّ المأموراتِ إذا وقعت على خلافِ مقتضى الأمرِ لم يُعْذَرْ فيها بالجهلِ، وقد فرَّقوا في ذلك بين المأمورات والمنهِيَّات، فعَذَروا في المنهيَّات بالنِّسيانِ والجهل، كما جاء في حديث معاويةَ بن الحكم حين تكلَّم في الصَّلاة، وفُرِّقَ بينهما بأنَّ المقصودَ مِنَ المأموراتِ إقامةُ مصالحِها، وذلك لا يحصُلُ إلا بفِعْلِها، والمنهيَّات مزجورٌ عنها بسبب مفاسِدِها امتحانًا للمُكَلَّف بالانكفافِ عنها؛ وذلك إنما يكون بالتعمُّدِ لارتكابها، ومع النِّسيان والجهلِ لم يَقْصِدِ المكَلَّفُ ارتكابَ المنهيِّ، فعُذِرَ بالجهلِ فيه) ((إحكام الأحكام)) (2/545). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال نبيُّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نَسِيَ صلاةً أو نام عنها فكَفَّارتُها أن يُصَلِّيَها إذا ذَكَرَها)) رواه مسلم (684). .وَجْهُ الدَّلالةِ: أنَّه لم يُسْقِطْ عنه الصَّلاةَ مع النِّسيانِ، فدلَّ على أنَّ تَرْكَ الواجباتِ لا يَسْقُطُ بالنِّسيانِ، متى أمكَنَ تَدارُكُه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/202)، وينظر: ((إحكام الأحكام)) (2/545). .2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للرَّجُلِ المُسيءِ صَلاتَه: ((ارجِعْ فَصَلِّ؛ فإنِّكَ لم تُصَلِّ)) رواه البخاري (757)، ومسلم (397). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُسْقِطِ الصَّلاةَ الحاضرةَ بالجهلِ، وإنَّما أمَرَه بالإعادةِ مع أنَّه جاهِلٌ؛ لأنَّه تَرَك مأمورًا ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/202)، وينظر: ((إحكام الأحكام)) (2/545). . ثانيًا: أنَّه تَرَك مأمورًا، والمأموراتُ أمورٌ إيجابيَّة، يُمكِنُ تدارُكُها بفِعْلِها، بخلاف المنهيَّاتِ، فإنَّها مَضَتْ، ولا يمكِنُ تَدارُكُها، لكنْ إذا كان في أثناءِ المنهيِّ فيجِبُ التَّدارُكُ بقَطْعِه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/202، 203). .ثالثًا: أنَّ تارِكَ المأمورِ جاهلًا أو ناسيًا غيرُ مؤاخَذٍ بالتَّرْكِ، لكنْ عَدَمُ فِعْلِه إيَّاه يقتضي إلزامَه به متى زال العُذْرُ؛ إبراءً لِذِمَّتِه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/203). . انظر أيضا: المبحث الثَّاني: فِدْيةُ تَرْكِ الواجِبِ.

يجِبُ بِتَرْكِ الواجِبِ دَمٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/25). ، والمالِكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (2/ 21)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/302). ، والشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/530). ، والحَنابِلة ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/ 447)، ويُنظر:((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/339). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((مَن نَسِيَ مِنْ نُسُكِه شيئًا، أو تَرَكَه فلْيُهْرِقْ دمًا)) رواه مالك في ((الموطأ)) (1/419)، والدارقطني (2/244)، والبيهقي (9191). صَحَّح إسناده موقوفا على ابن عباس: النووي في ((المجموع)) (8/99)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/314)، وصححه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (17/397)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (1100). .وَجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ مِثْلَه لا يُقالُ بالرأيِ؛ فله حُكْمُ الرَّفْعِ، ولا مخالِفَ له مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وعليه انعقَدَتْ فتاوى التَّابعينَ، وعامَّةِ الأُمَّةِ قال الشنقيطي: (إذا علِمْتَ أنَّ الأثَرَ المذكور ثابتٌ بإسنادٍ صحيح، عن ابن عبَّاس، فاعلم أن وجهَ استدلالِ الفقهاء به على سائِرِ الدمِّاء التي قالوا بوجوبها غيرِ الدِّماءِ الثَّابتة بالنَّصِّ؛ أنَّه لا يخلو من أحدِ أمرينِ: الأوَّل: أن يكون له حُكْمُ الرَّفْعِ، بناءً على أنَّه تعبُّد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكالَ. والثَّاني: أنَّه لو فُرِضَ أنَّه مما للرأي فيه مجال، وأنَّه موقوف ليس له حُكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليلٍ لم يُعْلَمْ لها مخالِفٌ مِنَ الصَّحابةِ، وهم رَضِيَ الله عنهم خيرُ أُسوةٍ بعد رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((أضواء البيان)) (4/473)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/152)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/367). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تدارُكُ الواجباتِ متى ما أمكَنَ.