المَطْلَب الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِتشمل محظوراتُ الترفُّهِ خَمسةَ محظوراتٍ: المحظورُ الأوَّل: حَلْقُ الشَّعْرالمحظورُ الثَّاني: تقليمُ الأظْفارِالمحظورُ الثَّالِث: الطِّيبُالمحظورُ الرَّابِع: تغطيةُ الرَّأسِالمحظور الخامس: لُبْسُ المَخيطِالمَطْلَب الثَّاني: ما يجبُ على من ارتكَبَ شيئًا مِن محظوراتِ الترفُّهِمَن حَلَق أو قلَّم أظفارَه أو غطَّى رأسَه أو تطَيَّبَ أو لَبِسَ مَخِيطًا، فإنَّه يجب عليه في كلِّ ذلك فِدْيَةُ الأذى، فيُخيَّرُ بين: صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامِ سِتَّةِ مساكينَ- لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ- أو ذَبْحِ شاةٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة من: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/56). ، والمالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/389). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/368)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/227). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/360). ، وبه قال أكثرُ الفُقَهاء قال ابنُ عبدِ البرِّ: (لم يختلفِ الفقهاء أنَّ الإطعامَ لسِتَّة مساكين، وأنَّ الصيامَ ثلاثةُ أيَّامٍ، وأنَّ النُّسُكَ شاةٌ، على ما في حديثِ كَعْبَ بنِ عُجرَة) ((الاستذكار)) (4/385). وقال ابنُ حزم: (رُوِّيَنا عن ابن عباس, وعلقمة, ومجاهد, وإبراهيم النخعي, وقتادة, وطاووس, وعطاء, كلُّهم قال في فدية الأذى: صيامُ ثلاثة أيام, أو نَسْكُ شاةٍ, أو إطعامُ سِتَّةِ مساكينَ؛ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ) ((المحلى)) (7/212)، وانظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/40). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ قال الشِّنْقيطيُّ: (هذه النصوصُ الصحيحةُ الصريحةُ مُبَيِّنةٌ غايةَ البيانِ آيةَ الفِدْية، موضِّحةٌ أنَّ الصيامَ المذكور في الآية ثلاثةَ أيامٍ، وأنَّ الصدقةَ فيها ثلاثَةُ آصُعٍ بينَ سِتَّةِ مساكينَ؛ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ، وأنَّ النُّسُك فيها ما تيسَّرَ؛ شاةٌ فما فَوْقَها، وأنَّ ذلك على سبيل التخييرِ بين الثَّلاثة، كما هو نصُّ الآيةِ، والأحاديثِ المذكورة، وهذا لا ينبغي العدولُ عنه; لدلالةِ القرآنِ والسُّنة الصحيحة عليه) ((أضواء البيان)) (5/40). [ البقرة:196].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن عبدِ اللهِ بنِ مَعْقِل، قال: جلسْتُ إلى كعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فسألتُه عن الفِدْيَة، فقال: ((نزلت فيَّ خاصَّةً، وهي لكم عامَّةٌ؛ حُمِلتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: ما كنتُ أُرَى الوجَعَ بَلَغَ بك ما أَرَى- أو ما كنتُ أُرى الجَهْدَ بلغَ بك ما أَرَى- تَجِدُ شاةً؟ فقُلْتُ: لا، فقال: فصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعِمْ سِتَّةَ مساكينَ؛ لكُلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ)) رواه البخاري (1816) واللفظ له، ومسلم (1201). .المَطْلَب الثَّالِث: توزيعُ صَدَقَةِ فِدْيةِ الأذى على مساكينِ الحَرَمِيُشْتَرَط أن توزَّعَ صدقةُ فِدْيَةِ الأذى على مساكينِ الحَرَمِ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/156). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/452،46). ، واختاره الشِّنْقيطيُّ قال الشِّنْقيطيُّ: (التحقيقُ أنَّ الهدْيَ والإطعامَ يختصُّ بهما فقراءُ الحرَمِ المكي) ((أضواء البيان)) (5/173). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (يُوزَّع الهدْيُ على الفقراء والمساكين المقيمين في الحرَمِ من أهل مَكَّةَ وغَيْرِهم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/156). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وأما الهدْيُ فهو: ما يُهدَى إلى الحرم، من الإبِلِ والبَقَر والغَنَم، بمعنى أن يَبْعَثَ الإنسانُ بشيءٍ من الإبل، أو البقر، أو الغنم؛ تُذبحُ في مَكَّة، وتُوزَّع على فقراء الحَرَم، أو يَبْعَثَ بدراهِمَ ويُوَكِّلَ من يشتري بها هَدْيًا من إبلٍ أو بقرٍ أو غنم، ويُذبَح في مَكَّةَ ويُوزَّع على الفقراء) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (25/9). .الدَّليلُ مِنَ الكِتابِ:قولُه تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ في حُكْمِ الهَدْيِ ما كان بدلًا عنه من الإطعامِ، فيجب أن يكون كذلك بالِغَ الكعبةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/460). .المَطْلَب الرَّابِع: موضِعُ صيامِ فِدْيَةِ الأذى وصِفَتُه الفرع الأول: موضِعُ صيامِ فِدْيَةِ الأذىيجوز صيامُ فِدْيَةِ الأذى في أيِّ موضعٍ. الأدلة:أولًا: من الإجماعنقلَ الإجماعَ على ذلك: ابن جرير قال ابنُ جرير: (وأجمَعوا على أنَّ الصِّيام مجزئٌ عن الحالِقِ رأسَه من أذًى، حيثُ صامَ من البِلاد) ((تفسير ابن جرير)) (3/83). ، والعيني قال العينيُّ: (وقد اتَّفق العلماءُ في الصوم أنَّ له أن يفعلَه حيث شاء، لا يختصُّ ذلك بمكَّةَ ولا بالحرَم) ((عمدة القاري)) (10/154). ، والشنقيطي قال الشِّنْقيطيُّ: (ولا خلاف بين أَهْل العِلْم أنَّ صيامَ الفِدْيةِ له أن يصومَه حيث شاء) ((منسك الإمام الشِّنْقيطيِّ)) (2/277). .الفرع الثاني: صيام فدية الأذى مفرَّقًا ومتتابعًايجوز صيامُ فِدْيَةِ الأذى مُفرَّقًا ومُتتابِعًا، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 453). (ويجوز في الصيام التتابع والتفرق لإطلاق اسم الصوم في النص) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/187). ، والمالكية (فيجوز له فعل ما يزيل ضرورته من تغطية رأسه أو حلقه. "ثم يفتدي بصيام ثلاثة أيام": ولو متفرقة؛ لأن الضرورة إنما تسقط الإثم. "أو إطعام ستة مساكين") ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/51). ، والشافعية (لانه صوم نزل به القرآن مطلقا فجاز متفرقا ومتتابعا كالصوم في فدية الاذى) ((المجموع)) (18/120). ("قوله: أو صوم ثلاثة أيام" أي: ولو متفرقة اهـ. برماوي) ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (2/537). ، والحنابلة قال المرداوي: (لا يجب التتابع في هذا الصيام بلا نزاع أعلمه للآية) ((الإنصاف)) (3/362). (قوله: "أو يصوم... إلخ" ولا يجب تتابعه هنا) ((حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات)) (2/347). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]وجه الدلالة:أنه أطلق اسْم الصَّوْمِ فِي النَّصِّ فدل على جواز التَّتَابُعُ وَالتَّفَرُّقُ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/141). .ثانيًا: أن الأصل عدم التتابع فالله تعالى لما أراد التتابع قال: فصيام شهرين متتابعين [المجادلة: 4]، ولما أراد الإطلاق قال: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/168). .ثالثًا: أنَّ الصيامَ لا يتعدَّى نفعُه لأحدٍ؛ لذا لا يُقتَصَر على مكانٍ بِعَينِه ((الروض المربع)) للبهوتي (1/ 182). .المَطْلَب الخامِسُ: ارتكابُ محظوراتِ فِدْيةِ الأذى عَمْدًالا فَرْقَ في التخييرِ في فِديَة الأذى بين من ارتَكَبَ المحظورَ بعُذرٍ، أو كان عَمْدًا، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/389). ، والشَّافِعِيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/227). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/360). ؛ وذلك لأنَّ الله تعالى أوجَبَ الفِدْيةَ على من حَلَقَ رأسَه لأذًى به وهو معذورٌ، فكان ذلك تنبيهًا على وُجوبِها على غيرِ المعذورِ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/42). . المَطْلَب السَّادِسُ: فِعْلُ المحظوراتِ نِسْيانًا أو جَهْلًا أو إكراهًامَن فَعَلَ شيئًا من محظوراتِ الإحرامِ ناسيًا أو جاهلًا أو مُكرَهًا فلا شيءَ عليه، سواءٌ كان صيدًا أو جِماعًا أو غَيْرَهما، وسواء كان فيه إتلافٌ أو لم يكُنْ، وهو مَذْهَبُ الظَّاهِريَّةِ ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93)، ((المحلى)) لابن حَزْم (7/189، 214، 255 رقم 855، 876، 895). ، وطائفةٍ مِنَ السَّلَف ((المحلى)) لابن حَزْم (7/215)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/263)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93). ، واختارَه ابنُ المُنْذِر ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/227). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الصحيحُ أنَّ جميعها تسقُطُ، وأنَّ المعذورَ بجهلٍ أو نسيانٍ أو إكراهٍ لا يترتَّبُ على فعْلِه شيءٌ إطلاقًا، لا في الجماعِ، ولا في الصيدِ، ولا في التقليمِ، ولا في لُبْس المَخِيط، ولا في أيِّ شيءٍ) ((الشرح الممتع)) (7/198- 200). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قَوْلُه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]، فقال الله: ((قد فعلْتُ)) رواه مسلم (126) من حديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهما. .2- قَوْلُه تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب: 5].3- قَوْلُه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل: 106].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الكُفْرَ إذا كان يسقُطُ مُوجِبُه بالإكراهِ، فما دونه من بابِ أَوْلى ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/194). .4- قَوْلُه تعالى في قَتْلِ الصَّيدِ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قوله: مُتَعَمِّدًا وصفٌ مناسبٌ للحُكْمِ، فوجب أن يكون معتَبَرًا؛ لأنَّ الأوصافَ التي عُلِّقَتْ بها الأحكامُ إذا تبَيَّنَ مناسَبَتُها لها، صارت علةً موجِبةً، يوجد الحُكْمُ بوجودِها، وينتفي بانتفائِها، وإلَّا لم يكن للوَصْفِ فائدةٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/196). . ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((أين الذي سأل عن العُمْرَةِ؟ فأُتِيَ برجل، فقال: اغسِلِ الطِّيبَ الذي بك ثلاثَ مرَّاتٍ، وانزِعْ عنك الجُبَّة، واصنَعْ في عُمْرَتِك كما تصنَعُ في حجَّتِك، قلتُ لعطاءٍ: أراد الإنقاءَ حين أمره أن يغْسِلَ ثلاثَ مرَّاتٍ؟ قال: نعم)) رواه البخاري (1536). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه لم يأمُرِ الرجُلَ الذي لَبِسَ الجبَّة وتضمَّخَ بالطِّيبِ بالكفَّارة؛ وذلك بسبَبِ جَهْلِه بالحُكْم، واكتفى بأمْرِه أن ينزِعَ الجبَّة، وأن يغسِلَ عنه أثَرَ الطِّيبِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (4/ 206)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (4/197). .2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((إنَّ اللهَ وضع عن أمَّتي الخطَأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليه)) أخرجه ابن ماجه (2045) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8273). حسَّنه النووي في ((المجموع)) (6/521)، وابن تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (7/685)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/510)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/90): رجاله على شرط الصحيحين، وله شاهد من القرآن، ومن طرق أخر، وقال ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (25/267): ثابت على شرط الشيخين. .ثالثًا: مِنَ الآثارِعن قَبيصَةَ بن جابرٍ الأَسديِّ: (أنَّه سمِعَ عُمَرَ بنَ الخطَّاب, ومعه عبدُ الرَّحمن بنُ عوفٍ, وعُمَرُ يسأل رجلًا قتلَ ظبْيًا وهو مُحْرِمٌ، فقال له عمر: أعَمْدًا قتلْتَه أم خطأً؟ قال الرجلُ: لقد تعمَّدْتُ رمْيَه، وما أردْتُ قَتْلَه, فقال عُمَرُ: ما أَراك إلَّا قد أشرَكْتَ بين العَمْدِ والخطأِ; اعمِدْ إلى شاةٍ فاذْبَحْها، وتصَدَّقْ بلَحْمِها وأسْقِ أي: أعْطِ جِلْدَها مَن يتَّخِذُه سِقاءً. ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 381). إهابَها) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (8240)، والطبري في ((تفسيره)) (12588) واللفظ له، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (6804). صَحَّح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/733). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه لو كان العمْدُ والخطأُ في ذلك سواءً عند عمر؛ لَما سأَلَه (أعَمْدًا قتلْتَه أم خطأً؟)، وكان ذلك فضولًا من السُّؤالِ لا معنى له ((المحلى)) لابن حَزْم (7/214). .رابعًا: أنَّ الكفَّارة إنَّما تَجِبُ إذا وقعت الجنايةُ بارتكابِ المحظورِ؛ لفداءِ النَّفْسِ من المخالَفَةِ وللتَّكفيرِ عن الذَّنْبِ، ومع الجَهْلِ أو النسيانِ أو الإكراهِ لا جنايةَ؛ لأنَّهم لم يتعمَّدوا المخالَفةَ فلا معنى للكفَّارة ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/198- 200). .خامسًا: أنَّ ما سِوى هذا القَولِ ظاهِرُ الفسادِ والتَّناقُضِ، فما يُرَخِّصُ به أحدُهم في حالٍ، يمنَعُه الآخَرُ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/256). .المَطْلَب السابع: تَكرارُ المحظورِ الفرع الأوَّل: تَكرارُ محظورٍ مِن جنسٍ واحدٍإذا كرَّرَ محظورًا مِن جنسٍ واحدٍ، كلُبْسِ قَميصٍ، ولُبْسِ سراويلَ، ولم يَفْدِ فإنَّه يفدي مرةً واحدةً، أمَّا إنْ فدى عن الأَوَّلِ فعليه للثَّاني فِدْيَةٌ، وهو مَذْهَبُ الحَنابِلَة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/116)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/342). ، وبه قال محمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيبانيُّ من الحَنَفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/32) ((حاشية ابن عابدين)) (2/545) ، وهو قَوْلُ الشَّافعي في القديمِ ((المجموع)) للنووي (7/382). وعند الشَّافِعِيَّة في الأصح: إن فعل ذلك المحظورَ متواليًا من غير تخلُّلِ تكفيرٍ؛ كفاه فديةٌ واحدةٌ، إذا لم يرتكِبِ المحظورَ في مكانين، أو كان في مكانٍ واحدٍ وتخلَّلَ زمان، فإن تخلَّلَ التكفيرُ وجب للثَّاني فديةٌ، وإلَّا فقولان: في الأصَحِّ الجديد تتعدَّد الفِدْية، وفي القديم تتداخَلُ. يُنْظَر: ((المجموع)) (7/382)، ((العزيز شرح الوجيز)) (3/ 490). ، واختارَه ابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/167). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (إذا كرَّرَ الإنسانُ المحظور من جنسٍ واحدٍ، ففَعَلَه أكثرَ مِن مرَّةٍ ولم يَفْدِ، فإنَّه يفدي مرةً واحدةً، لكن بشرطِ ألَّا يؤخِّرَ الفِدْيةَ؛ لئلا تتكرَّرَ عليه، بحيث يفعَلُ المحظورَ مرةً أخرى، فيعاقَب بنقيضِ قَصْدِه، لئلا يتحَيَّل على إسقاطِ الواجب، مثاله: أن يُقَلِّمَ مرتين، أو يَلْبَس مَخِيطًا مرتين، أو يَحْلِق مرَّتين، أو يباشِرَ مرَّتين أو أكثر، وهو من جنسٍ واحدٍ، فإنَّ عليه فديةً واحدة إذا لم يَفْدِ؛ قياسًا على ما إذا تعدَّدَتْ أحداثٌ من جنسٍ واحد فيكفيه وضوءٌ واحدٌ) ((الشرح الممتع)) (7/190). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ اللهَ تعالى أوجَبَ لحَلْقِ الرَّأسِ فديةً واحدةً، ولم يُفَرِّقْ بين ما وقع في دَفعةٍ أو دفعاتٍ، ثمَّ إنَّ الحَلْقَ لا يكون إلَّا شيئًا بعد شيءٍ، فهو ارتكابُ محظوراتٍ متتاليةٍ من جنسٍ واحدٍ، ومع ذلك لم يُوجِبْ فيه إلَّا فديةً واحدةً ((الفروع)) لابن مفلح (5/536)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/556). .ثانيًا: أنَّ ما تداخَلَ متتابعًا، كحَلقِ شَعَراتٍ، تداخَلَ متَفَرِّقًا، كالأحداثِ والحُدودِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/116). .فإنْ كَفَّرَ عن الأوَّلِ ثمَّ ارتكبَ المحظورَ فإنَّه يلزَمُه فديةٌ أخرى؛ للآتي:أوَّلًا: أنَّه بالمحظورِ الثَّاني صادف إحرامًا؛ فوجَبَتْ فيه الفِدْيةُ، كما وجَبَت على المحظورِ الأوَّلِ، وقياسًا على الحدودِ والأيمانِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/116). .ثانيًا: أنَّه لَمَّا كفَّرَ للأَوَّلِ فقد التحقَ المحظورُ الأوَّلُ بالعَدَم؛ فيُعتَبَر الثَّاني محظورًا آخَرَ مُبتدَأً، كما إذا جامَعَ في يومينِ مِن شَهرِ رَمضانَ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/189). .الفرع الثَّاني: تَكرارُ محظورٍ مِن أجناسٍ مُختلفةٍإذا كرَّر محظورًا من أجناسٍ مختلفة؛ كطِيبٍ، ولُبسِ مَخِيطٍ، فإنَّه يَفْدي لكلِّ محظورٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/244)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/194). ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/168)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/408). ، والشَّافِعِيَّة يُستَثنى حالةٌ واحدة فقط، وهي ما إذا لَبِسَ ثوبًا مطيَّبًا، ففيه وجهان عندهم، الصحيحُ المنصوص أنَّ فيه فديةٌ واحدة. ((المجموع)) للنووي (7/382)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/172). ، والحَنابِلَة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/116)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/342). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّها محظوراتٌ مختلفةُ الأجناسِ، فلم تتداخَلْ أجزاؤُها؛ كالحدودِ المختلفةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/117)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/557). .ثانيًا: أنَّ السَّببَ الموجِبَ للكفَّارة الثَّانية غيرُ عَيْنِ السَّبَبِ الموجِبِ للكفَّارةِ الأولى، أشْبَه ما لو حَلَف ثم حَنِثَ وكفَّر، ثم حلَفَ وحَنِثَ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/458). .الفرع الثَّالِث: أن يكونَ المحظورُ صَيدًاإذا كان المحظورُ صَيدًا، فإنَّ الفِديةَ تتعَدَّدُ بتعدُّدِ الصَّيدِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/342)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/116). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة الواجب عند الحَنَفيَّة في جزاءِ الصَّيدِ هو القِيمَة؛ ولذا فإنَّ تعدُّدَ الكفَّارة يظهر أثرُه عندهم على القيمة، ففي الصَّيْدين قيمَتُهما، وهكذا. ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/81)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/69). ، والمالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/394)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/408). ، والشَّافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/170)، ((المجموع)) للنووي (7/382). ، والحَنابِلَة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/117)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/342). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ مَن قتل صيدًا لَزِمَه مِثْلُه, ومَن قَتلَ أكثَرَ لَزِمَه مِثلُ ذلك ((الفروع)) لابن مفلح (5/537). .ثانيًا: أنَّه لو قَتلَ أكثَرَ معًا تعدَّدَ الجزاءُ, فمُتَفَرِّقًا أَوْلى؛ لأنَّ حالَ التفريقِ ليس أنقَصَ كسائِرِ المحظوراتِ ((الفروع)) لابن مفلح (5/537). .ثالثًا: أنَّها كفَّارةُ قَتْلٍ, كقَتْلِ الآدميِّ, أو بدَل مُتْلَفٍ, كبَدلِ مالِ الآدميِّ؛ فتتعَدَّد ((الفروع)) لابن مفلح (5/537). . انظر أيضا: المبحث الثَّاني: حَلْقُ الشَّعْر. المبحث الثَّالِث: تقليمُ الأظْفارِ. المبحث الرَّابِع: الطِّيبُ. المبحث الخامس: تغطيةُ الرَّأسِ للذَّكَرِ.

المَطْلَب الأوَّل: حَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِالفرع الأوَّل: حُكْمُ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأسِ للمُحرِمحَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِ من محظوراتِ الإحرامِ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، رَضِي اللَّه عنه، قال: ((أتى عليَّ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم زمنَ الحُدَيبِيَةِ والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي فقال: أيُؤْذيك هوامُّ رَأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعِمْ سِتَّةَ مساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً)) أخرجه البخاري (4190) واللفظ له، ومسلم (1201). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه رتَّبَ فديةَ الأذى على حَلْقِ الرَّأسِ ((فتح الباري)) لابن حجر (4/14). .ثالثا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ المحْرِمَ ممنوعٌ مِن حَلْق رأسِه، وجَزِّه، وإتلافِه بجَزِّه، أو نَوْرةٍ، وغير ذلك) ((الإجماع)) (ص: 52). , والنَّوَوِيُّ قال النووي: (أجمع المسلمونَ علي تحريمِ حلْقِ شَعْرِ الرَّأس، وسواءٌ في تحريمه الرجلُ والمرأةُ) ((المجموع)) (7/247). .الفرع الثَّاني: حُكْمُ أَخْذِ شَعَراتٍ مِنَ الرَّأسِ إذا أخذ شعَراتٍ مِن رأَسْه فإنَّه يَحْرُمُ عليه؛ لأنَّ الْمُحْرِمَ نُهِيَ عن حَلْقِ شَعْر رأسِه، وهو يشمَلُ القليلَ والكثيرَ، والقاعدةُ أنَّ امتثالَ الأمرِ لا يتِمُّ إلا بفِعلِ جَميعِه، وامتثالَ النَّهْيِ لا يتِمُّ إلَّا بتَرْكِ جميعِه، لكِنَّ الفِدْيةَ لا تجِبُ إلَّا بحَلقِ ما يحصُلُ به الترفُّهُ وزَوالُ الأذى ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/264)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/120). .المَطْلَب الثَّاني: حَلْقُ شَعْرِ غَيرِ الرَّأسِالفرع الأوَّل: حُكْمُ حَلْقِ شَعْرٍ غَيرِ شَعْرِ الرَّأسِاختلف أَهْل العِلْم في حَلْقِ شَعْرٍ غيرِ شَعْرِ الرَّأسِ إذا خرج في عينيه شَعْرٌ، أو استرسل شعْرُ حاجبيه على عينيه فغطَّاهما، فله إزالَتُه، وكذلك إن قطع جلدةً عليها شعْرٌ لم يكن عليه فديةٌ؛ لأنَّه زال تبَعًا لغيره، والتَّابِعُ لا يُضمَن، كما لو قلع أشعارَ عَيْني إنسانٍ فإنَّه لا يَضْمَن أهدابَهما ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/267، 268). هل هو من محظوراتِ الإحرامِ أو لا على قولين:القول الأوّل: أنَّه محظورٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/162). ، والمالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/389). ، والشَّافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/135). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/421)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/267). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (لا خلاف بين العلماء أنَّه لا يجوز للمُحرِم أخْذُ شيءٍ من شَعْر رأسِه وجسدِه [إلا] لضرورةٍ ما دام مُحْرمًا). ((الاستذكار)) (4/160). . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحَجُّ: 29]: (التَّفَثُ: الرَّمْيُ، والذَّبْح، والحَلْق والتَّقصير، والأخذُ مِنَ الشَّارب، والأظفارِ، واللِّحْيَة) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15917). .ثانيًا: قياسًا لشعْرِ الجَسَد على شعْرِ الرأس؛ بجامعِ أنَّ الكُلَّ يحصُلُ بحَلْقِه الترفُّه، والتنظُّف، وهو ينافي الإحرامَ؛ لكون المُحْرِم أشعَثَ أغبَرَ ((الذخيرة)) للقرافي (3/308)، ((المجموع)) للنووي (7/247)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/267)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/421)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/46) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/116). .القول الثاني: أنَّه لا يُحظَرُ حَلْقُ غيرِ شَعرِ الرَّأسِ، وهذا مَذْهَبُ أهلِ الظَّاهِرِ قال ابنُ حزم: (جائزٌ للمُحْرِم... قصُّ أظفارِه وشارِبِه, ونتْفُ إبِطِه, والتَّنَوُّر, ولا حَرَجَ في شيءٍ من ذلك, ولا شيءَ عليه فيه; لأنَّه لم يأتِ في مَنعِه من كلِّ ما ذكَرْنا قرآنٌ ولا سُنَّة) ((المحلى)) (7/ 246). وقال أيضًا: (إنَّما نُهِينا عن حلْقِ الرَّأْسِ في الإحرامِ، والقفا ليس رأسًا، ولا هو من الرَّأْس) ((المحلى)) (7/257)، ويُنْظَر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/308)، ((المجموع)) للنووي (7/248)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/267)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/116). ، وقوَّاه ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/116). .الأدلَّة:أوَّلًا: أنَّ النصَّ جاءَ بتحريمِ حَلْقِ الرأس فقط، ولا يصِحُّ قياسُ غيرِه عليه؛ لأنَّ حَلْقَ الرَّأسِ يتعلَّقُ به نُسُكٌ، وهو الحَلْقُ أو التَّقصيرُ، فإنَّ المُحْرِمَ إذا حلَقَ رأسَه فإنَّه يُسقِطُ به نُسُكًا مشروعًا، وغيرُه لا يساويه في ذلك ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/116). .ثانيًا: أنَّ الأصلَ الحِلُّ، فلا يُمنَع أحدٌ مِن أخْذِ شيءٍ مِن شَعْرِه إلَّا بدليلٍ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/ 116). .ثالثًا: أنَّ المُحْرِمَ ليس ممنوعًا من الترفُّه في الأكلِ؛ فله أن يأكُلَ مِنَ الطَّيِّباتِ ما شاء، ولا من الترفُّه في اللِّباسِ؛ فله أن يَلْبَسَ من الثيابِ التي تجوزُ في الإحرامِ ما يشاءُ، ولا من الترفُّه بإزالة الأوساخِ؛ فله أن يغتَسِلَ ويُزيلَ الأوساخَ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/116). .المَطْلَب الثَّالِث: ما يجبُ مِنَ الفِديَةِ في حَلْقِ شَعْرِ الرَّأسِيجبُ في حَلْقِ شعْرِ الرَّأسِ فديةُ الأذى: ذبحُ شاةٍ، أو صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامُ ستَّةِ مساكينَ. الأدلَّةأوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن كعْبِ بنِ عُجْرَة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم زَمَنَ الحُدَيْبِيَة والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: أيؤذيكَ هوامُّ رأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطْعِمْ سِتَّةَ مَساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً)) رواه البخاري (4190) واللفظ له، ومسلم (1201). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعَ أَهْلُ العِلْم على وجوبِ الفِدْيةِ على من حلَقَ وهو مُحرِمٌ لغيرِ عِلَّةٍ) ((الإجماع)) (ص: 52)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/263). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (لم يختلفِ الفقهاءُ أنَّ الإطعامَ لستَّةِ مساكينَ، وأنَّ الصيامَ ثلاثةُ أيَّامٍ، وأنَّ النُّسُك شاةٌ؛ على ما في حديث كعْبِ بن عُجْرَة) ((الاستذكار)) (4/385). . المَطْلَب الرَّابِعُ: متى تجِبُ الفِدْيةُ في حَلْقِ الشَّعْرِ؟ تجبُ الفِدْيةُ في حلْقِ الشَّعْرِ إذا حلَقَ ما يحصُلُ به إماطةُ الأذى ضابِطُه: أن يحصُلَ بحَلْقِه الترفُّه، وزوالُ الأذى، كأنْ يقُصَّ أكثَرَه، أو يُقَصِّرَه، ولا يدخُل فيه حلْقُ بعض الشَّعَرات مما لا يُعَدُّ حلقًا أو تقصيرًا، وضابطُه عند ابن حَزْم: أن يحلِقَ ما يسمَّى به حالقًا. ((التاج والإكليل)) للمواق (3/164)، ((المحلى)) لابن حَزْم (7/208،211). ، وهو مَذْهَبُ المالِكِيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (3/308، 309). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (لو قطَعَ مِن شَعْرِ رأسِه ما لا يسمَّى به حالقًا بعضَ رأسِه؛ فلا شيءً عليه؛ لا إثمَ، ولا كفَّارةَ بأي وجهٍ قَطَعَه, أو نَزَعَه) ((المحلى)) (7/208،211). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (قولُ مالكٍ أصوَبُ؛ لأنَّ الحدودَ في الشريعةِ لا تصِحُّ إلا بتوقيفٍ ممن يجِبُ التَّسليمُ له) ((الاستذكار)) (4/160). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (أقربُ الأقوالِ إلى ظاهر القرآن هو... إذا حلق ما به إماطةُ الأذى، أي: يكون ظاهرًا على كلِّ الرَّأسِ، وهو مذهبُ مالك، أي: إذا حلق حلقًا يكاد يكون كاملًا يسْلَمُ به الرَّأس من الأذى؛ لأنَّه هو الذي يُماطُ به الأذى) ((الشرح الممتع)) (7/118،119). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]. وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ حلْقَ شَعْرِ الرَّأسِ مِن أذًى به، لا يكونُ إلَّا بمقدارِ ما يُماطُ به الأذى ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/264)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/119). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن كعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم زَمَنَ الحُدَيْبِيَة والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: أيؤذيكَ هوامُّ رأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطْعِمْ سِتَّةَ مَساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً)) رواه البخاري (4190) واللفظ له، ومسلم (1201) .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الكفَّارة إنما تجِبُ في حَلْقِ الرَّأسِ في مِثلِ ما أوجَبَه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم على كعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وهو حلْقُ ما يُماطُ به الأذى قال ابنُ عبدِ البرِّ: (الكفَّارةُ ما أوجَبَه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم على كعْبِ بنِ عُجْرَة) ((الاستذكار)) (4/160). .2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسَلَّم احتجَمَ- وهو مُحْرِمٌ- في رأسِه)) رواه البخاري (5701) واللفظ له، ومسلم (1202).                          .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحِجَامةَ في الرَّأْسِ من ضرورتِها أن يُحلَقَ الشَّعْرُ من مكانِ المَحاجِم، ولا يُمكِنُ سِوى ذلك، ولم يُنقَلْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه افتدى؛ لأنَّ الشَّعْرَ الذي يُزالُ من أجْلِ المَحاجِم لا يُماطُ به الأذى، فهو قليلٌ بالنِّسبةِ لبَقِيَّةِ الشَّعْرِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/119). .المَطْلَب الخامسُ: غَسْلُ رأسِ المُحْرِمِ وتَخْليلُهلا بأْسَ أن يَغْسِلَ المُحْرِم رأسَه، ويُخَلِّلَه ويَحُكُّه برِفْقٍ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (لا خلافَ بين العلماءِ في أنَّ للمُحْرِم أنْ يحُكَّ جَسدَه وأنْ يحُكَّ رأسَه حكًّا رقيقًا؛ لئلَّا يقتُلَ قَملةً أو يقطَعَ شَعْرَةً) ((الاستذكار)) (4/160). ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/9). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/248)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/522). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/423). ، والظَّاهِريَّة ((المحلى)) لابن حَزْم (7/246،247 رقم 891). ، وقولٌ للمالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/387). ، وهو قَوْلُ جماعةٍ مِنَ السَّلَف ذكر ابنُ حَزْم عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: ((رأى عمرُ بنُ الخطَّاب بعضَ بنيه، أحْسَبُه قال عاصِم بن عمر، وعبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب, وهو جالسٌ على ضفَّةِ البحر, وهما يتماقلانِ وهم مُحْرِمون: يُغَيِّبُ هذا رأسَ هذا، ويُغَيِّبُ هذا رأس هذا؛ فلم يَعِبْ عليهما)) ((المحلى)) (7/246). وذَكَرَ أيضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كنتُ أطاوِلُ عُمَرَ بنَ الخطَّاب النَّفَسَ ونحن مُحْرِمان في الحِياضِ))، وفي رواية: ((لقد رأيتُني أُماقِلُ [المماقلة: التغطيسُ في الماء] عُمَرَ بن الخطاب بالجُحْفةِ ونحن محرمان)) ((المحلى)) (7/247). وعن أبي مِجْلَز قال: ((رأيتُ ابنَ عُمَرَ يَحُكُّ رأسَه وهو مُحرِمٌ، ففَطِنْتُ له، فإذا هو يحُكُّ بأطرافِ أنامِلِه)) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/835)، والبيهقي (5/64) (9407).  قال ابنُ المُنْذِر: (رخَّصَ في حَكِّ المحْرِمِ رأسَه: جابر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، وكان ابنُ عمرَ يحُكُّ بأنامِلِه، ورخَّص فيه الشافعيُّ، وأصحابُ الرأي، وإسحاق، وقالا بقول ابن عمر، وقال الثوري: ارْفُقْ برأسِك إذا حكَكْتَه، وكذلك قال أصحاب الرأي) ((الإشراف)) (3/265)، وينظر ((المحلى)) لابن حَزْم (7/247)، ((المجموع)) للنووي (7/248). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن عبدِ اللهِ بنِ حُنينٍ: ((أنَّ عبدَ اللهِ بنَ العبَّاسِ والْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمةَ اختلفا بالأبواءِ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رأسَه، وقال الْمِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رأسَه، فأرسَلَني عبدُ اللهِ بنُ العبَّاسِ إلى أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ، فوجَدْتُه يغتَسِلُ بين القَرْنينِ وهو يُسْتَرُ بثوبٍ، فسَلَّمْتُ عليه، فقال: مَنْ هذا؟ فقُلْتُ: أنا عبدُ اللهِ بنُ حُنَينٍ، أرسلَني إليك عبدُ اللهِ بنُ العبَّاسِ أسألُك: كيف كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يغْسِلُ رأسَه وهو مُحْرِمٌ؟ فوضع أبو أيُّوبَ يَدَه على الثَّوْبِ فطأطأَه حتى بدا لي رأسُه، ثم قال لإنسانٍ يَصُبُّ عليه: اصْبُبْ، فصَبَّ على رأْسِه، ثم حَرَّكَ رأسَه بِيَدَيْه، فأقبَلَ بهما وأدبَرَ، وقال: هكذا رأيتُه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يفعَلُ)) رواه البخاري (1840)، ومسلم (1205). .2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّها حاضت ولم تطْهُرْ حتى دخلَتْ ليلةُ عرفةَ، فقالت: يا رَسولَ الله، هذه ليلةُ عَرَفةَ، وإنَّما كنتُ تمتَّعْتُ بعُمْرَةٍ، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: انقُضي رأسَكِ، وامتَشِطي، وأَمْسِكي عن عُمْرَتِكِ)) رواه البخاري (316)، ومسلم (1211). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم أمَرَها بأن تنقُضَ رأسَها، وتمتَشِطَ وهي مُحرِمةٌ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/247). .ثانيًا: مِنَ الآثارِ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المُحْرِمُ يدخُلُ الحمَّامَ، ويَنْزِعُ ضِرسَه، ويشم الريحان، وإذا انكسر ظُفْرُه طَرَحه، ويقول: أميطوا عنكم الأذى؛ فإنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بأذاكم شيئًا) روى أوَّلَه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (1840)، ورواه موصولًا الدارقطنيُّ (2/232)، والبيهقي (9392) واللفظ له.  حسن إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/382)، وصحح إسناده الألباني في ((حَجَّة النبي)) (28). .- أنَّه قولُ ابنِ عباسٍ، وأبي أيوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، كما تقدَّمَ ذِكْرُ ذلك عنهم في القِصَّة التي جرت بينهم في الأبواءِ. انظر أيضا: المبحث الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ، وما يجبُ فيها. المبحث الثَّالِث: تقليمُ الأظْفارِ. المبحث الرَّابِع: الطِّيبُ. المبحث الخامس: تغطيةُ الرَّأسِ للذَّكَرِ.

المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ إزالةِ الأظفارِ للمُحْرِمالمُحْرِمَ ممنوعٌ من إزالةِ أظفارِه إزالةُ الظُّفْرِ كإزالة الشَّعْر، سواءٌ قَلَّمَه أَوْ كَسَرَه، أَوْ قَطَعَه، وكلُّ ذلك حرامٌ موجِبٌ للفديةِ. يُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (7/247، 248)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/135). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/163)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/12). ، والمالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/388)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/312).. ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/247،248). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 355)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ المحْرِمَ ممنوعٌ مِن أخْذِ أظفارِه) ((الإجماع)) (ص: 52). وقال الشِّنْقيطيُّ: (لم يعتَبِرِ ابنُ المُنْذِر في حكايته الإجماعَ قولَ داودَ الظَّاهريِّ: إنَّ المُحْرِمَ له أن يقُصَّ أظفارَه، ولا شيء عليه؛ لعدمِ النَّصِّ، وفي اعتبار داودَ في الإجماعِ خلافٌ معروفٌ، والأظهر عند الأصوليِّينَ اعتباره في الإجماعِ، واللهُ تعالى أعلم) ((أضواء البيان)) (5/47). قال ابنُ قُدامة: (أجمع أَهْلُ العِلْم على أنَّ المُحْرم ممنوعٌ من قَلْمِ أظفارِه إلَّا مِن عُذرٍ) ((المغني)) (3/ 296). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحَجُّ: 29].ثالثًا: مِنَ الآثارِعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في تفسيرِ آيةِ الحَجِّ: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: (التَّفَثُ: الرَّمْيُ، والذَّبْحُ، والحَلْق والتَّقصيرُ، والأخْذُ من الشارِبِ، والأظفارِ، واللِّحيةِ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15917). .وجهُ الدَّلالَة مِنَ الآيةِ والأثَرِ:أنَّ قَلْمَ الأظفارِ مِن قضاءِ التَّفَثِ كما جاء عنِ ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه مِنَ السَّلَفِ، وقد رتَّبَ اللهُ تعالى قضاءَ التَّفَثِ على الذَّبْحِ؛ لأنَّه ذَكَرَه بكلمةٍ موضوعةٍ للتَّرتيبِ مع التَّراخي؛ مِمَّا يدُلُّ على كَوْنِ قَصِّ الأظفارِ ونحوه ينبغي أن يكونَ بعد النَّحْرِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/194). . رابعا: أنَّه إزالةُ جزءٍ ينمو مِن بَدَنِه، يقضي به تَفَثَه، ويَتَرَفَّهُ بإزالَتِه، أشْبَهَ الشَّعْرَ ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/163)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). وقد سوَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بين أخْذِ الشَّعْرِ والظُّفْر، فعن أمِّ سلَمةَ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: (إذا رأيتُم هلالَ ذي الحِجَّةِ، وأراد أحدُكم أن يضَحِّيَ، فلْيُمْسِكْ عن شَعرِه وأظفارِه)). رواه مسلم (1977). .المَطْلَب الثَّالِث: ما يجِبُ من الفِدْيةِ في تقليمِ الأظفارِ:يجبُ في تقليمِ الأظفارِ فِديةُ الأذى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/12). ، والمالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/389). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/247، 248). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 355)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262) ، وبه قال أكثرُ أَهْلِ العِلْمِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/265). ؛ وذلك لأنَّه أزال ما مُنِعَ إزالَتُه لأجلِ الترفُّهِ، فوجبت عليه الفِدْيةُ؛ كحَلْقِ الشَّعْر، وعدمُ النَّصِّ لا يمنَعُ قياسَه على المنصوصِ؛ كشَعْرِ البَدَنِ مع شَعْرِ الرَّأْسِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/265). .المَطْلَب الرَّابِع: قَصُّ ما انكسَرَ مِنَ الظُّفْرِإنِ انكسَرَ ظُفْرُه فله قَصُّ ما انكسَرَ منه، ولا شيءَ عليه.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقولُه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].وانكسارُ الظُّفْرِ يَغْلِبُ في الأسفارِ، وهذا يوجِبُ الرُّخْصةَ فيه ((الذخيرة)) للقرافي (3/313). .ثانيًا: مِنَ الآثارِعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المُحْرِمُ يدخُلُ الحمَّامَ، ويَنْزِعُ ضِرسَه، ويَشَمُّ الرَّيحانِ، وإذا انكسر ظُفُرُه طَرَحه، ويقول: أميطُوا عنكم الأذى؛ فإنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بأذاكم شيئًا) روى أوَّلَه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (1840)، ورواه موصولًا الدارقطنيُّ (2/232)، والبيهقي (9392) واللفظ له. حسن إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/382)، وصحح إسناده الألباني في ((حَجَّة النبي)) (28). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه قولُ صحابيٍّ، ولا يُعرَفُ له مخالِفٌ من الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم ((المحلى)) لابن حَزْم (7/248). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أَهْل العِلْم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر) ((الإجماع)) (ص: 52)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (أجمعَ أَهْل العِلْم على أنَّ المُحْرِمَ ممنوعٌ مِن قَلْمِ أظفارِه، إلَّا مِن عُذْرٍ) ((المغني)) (3/ 296). وذكر ابنُ عَبْدِ البَرِّ أثَرَ محمَّدِ بنِ عبد الله بن أبي مريمَ أنَّه سأل سعيدَ بنَ المسيِّب عن ظُفْرٍ له انكسر، وهو محرِمٌ، فقال سعيد: اقطَعْه. قال ابنُ عبدِ البرِّ: (هذا أيضًا لا بأسَ به عند العلماء) ((الاستذكار)) (4/137). . رابعًا: أنَّ بقاءَه يُؤلِمُه، أشْبَهَ الشَّعْرَ النَّابِتَ في عَينِه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/267،268). .خامسًا: أنَّه إزالةٌ لأذاه، فلم يكُنْ عليه فِدْيةٌ؛ كقَتْلِ الصَّيدِ الصَّائِلِ ((التاج والإكليل)) للمواق (3/143)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/262). . سادسًا: أنَّه بعد الكَسْرِ لا ينمو، فهو كحَطَبِ شَجَرِ الحَرَمِ قال الشِّنْقيطيُّ: (لا ينبغي أن يُختلَفَ في أنَّ الظُّفْرَ إذا انكسر جاز أخْذُه، ولا شيءَ فيه; لأنَّه بعد الكَسْرِ لا ينمو فهو كحَطَبِ شَجَرِ الحَرَم) ((أضواء البيان)) (5/46). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ، وما يجبُ فيها. المبحث الثَّاني: حَلْقُ الشَّعْر. المبحث الرَّابِع: الطِّيبُ. المبحث الخامس: تغطيةُ الرَّأسِ للذَّكَرِ.

المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ الطِّيبِ للمُحْرِمالطِّيبُ مِن محظوراتِ الإحرامِ في البَدَنِ والثَّوْبِ. الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال فيما يجتَنِبُه المُحْرِمُ: ((ولا ثوبًا مَسَّه الزعفرانٌ ولا وَرْسٌ الوَرْس: نباتٌ يكون باليمنِ، صبغتُه ما بين الصُّفرة والحُمْرة، ورائحَتُه طَيِّبةٌ. ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/19). )) رواه البخاري (366) واللفظ له، ومسلم (1177). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه نهى المُحْرِمَ عن الزَّعفرانِ، والزَّعفرانُ فيه تنبيهٌ على الكافورِ والمِسْكِ وما في معناهما مِنَ الطِّيبِ؛ لأنَّه إذا مَنَعَ مِن أَدْوَنِ الطِّيبِ، فأعلاه بالمَنْعِ أَوْلى ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/99). . 2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما بينا رجُلٌ واقِفٌ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرفةَ، إذ وقَعَ عن راحِلَتِه فوَقَصَتْه- أو قال: فأوقَصَتْه- فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اغسِلُوه بماءٍ وسِدرٍ، وكفِّنوه في ثَوبينِ، ولا تُمِسُّوه طيبًا، ولا تُخَمِّروا رأسَه، ولا تحَنِّطوه؛ فإنَّ الله يبعَثُه يومَ القيامةِ مُلَبِّيًا)) رواه البخاري (1850) واللفظ له، ومسلم (1206). وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه لَمَّا مُنِعَ الميتُ مِنَ الطِّيبِ لإحرامِه؛ فالحيُّ أَوْلى ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/275). . 3- عن يَعْلى بنِ أمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالجِعْرانَةِ الجِعْرانَة: موضعٌ قريبٌ من مَكَّةَ، وهي في الحِلِّ، وميقاتٌ للإحرامِ، وهي بتسكينِ العينِ والتخفيفِ، وقد تُكْسَرُ العين، وتُشَدَّدُ الراءُ. ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 276). ، ومعه نفَرٌ من أصحابِه، جاءه رجلٌ، فقال: يا رَسولَ الله، كيف ترى في رجلٍ أحرمَ بعُمْرَةٍ، وهو مُتَضَمِّخٌ التضمُّخ: التلطُّخُ بالطِّيبِ وغَيْرِه، والإِكثارُ منه حتى كأنَّما يقطُرُ. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 36). بطيبٍ؟ فسكت النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم ساعةً، فجاءه الوحيُ، فأشار عمَرُ رَضِيَ الله عنه إلى يَعلَى، فجاء يَعلَى، وعلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ثوبٌ قد أظَلَّ به فأدخَلَ رأسَه، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ مُحمَرُّ الوَجهِ وهو يغُطُّ، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سألَ عن العُمْرَةِ؟ فأُتِي برجُلٍ، فقال: اغسِلِ الطِّيبَ الذي بك ثلاثَ مرَّاتٍ، وانزِعْ عنك الجُبَّة، واصْنَعْ في عُمْرَتِك كما تصنَعُ في حَجَّتِك)) رواه البخاري (1536)، ومسلم (1180). قلتُ لعطاءٍ: أراد الإنقاءَ حين أمَرَه أن يَغسِلَ ثلاثَ مرَّاتٍ؟ قال: نعم.ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ المُحْرِمَ ممنوعٌ من: الجماعِ، وقتلِ الصَّيدِ، والطِّيبِ) ((الإجماع)) (ص: 52). ، وابنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (اتفقوا أنَّه يجتنبُ استعمالَ الطِّيب والزَّعفران والوَرْس والثِّياب المَوَرَّسة والمُزَعْفَرة) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (الثوبُ المصبوغُ بالوَرْسِ والزَّعفرانِ؛ فلا خلاف بين العلماء أنَّ لباسَ ذلك لا يجوزُ للمُحْرِم) ((الاستذكار)) (4/19). ، وابنُ قُدامة قال شمس الدين ابن قُدامة: (أجمعَ أَهْلُ العِلْم على أنَّ المُحْرِمَ ممنوعٌ من الطِّيبِ) ((الشرح الكبير)) (3/279). ، والنَّوَوِيُّ قال النووي: (يَحرُم على الرَّجلُ والمرأة استعمالُ الطِّيبِ، وهذا مُجمَعٌ عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (8/75)، ويُنْظَر: ((المجموع)) (7/270). .المَطْلَب الثَّاني: الحِكْمةُ مِن تحريمِ الطِّيبِ على المُحْرِممِن حِكَمِ تحريمِ الطِّيبِ على المُحْرِم ((شرح النووي على مسلم)) (8/74)، ((إعلام الموقعين)) لابن القَيِّمِ (3/170)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/138). :1- أنَّه يُبعِدُ المُحْرِمَ عن الترفُّهِ وزينةِ الدُّنيا وملاذِّها، ويجتمِعُ همُّه لمقاصِدِ الآخرةِ. 2- أنَّ الطِّيبَ مِن دواعي الوَطْءِ وأسبابِ تحريكِ الشَّهوةِ، فتحريمُه من بابِ سدِّ الذريعةِ؛ واللهُ تعالى يقول: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].المَطْلَب الثَّالِث: الفِدْيةُ في الطِّيبِإذا تطيَّبَ المحْرِمُ عمدًا فعليه الفِدْيةُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/544). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 228)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/311). ، والشَّافِعِيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/532). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/332). ؛ وذلك قياسًا على الفِدْيةِ في حَلْقِ الرأسِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/171). .المَطْلَب الرَّابِع: هل يُشتَرَطُ في الفِدْية تطييبُ العُضوِ كاملًا؟ لا يُشتَرَط في لزومِ الفِدْية بالطِّيبِ أن يُطَيَّبَ العُضوُ كامِلًا، وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكِيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (3/311). ، والشَّافِعِيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/520). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/429). .الأدلَّة:أوَّلًا: عمومُ الأدلَّة في الفِدْيةِ، التي لم تُفَرِّقْ بين القليلِ والكثيرِ، ولا بين تطييبِ العُضْوِ كاملًا أو بَعضِه ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (4/ 212). .ثانيًا: أنَّه معنًى حصل به الاستمتاعُ بالمحظورِ، فاعتُبِرَ بمجَرَّدِ الفِعلِ كالوَطءِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/344). . ثالثًا: أنَّ التطَيُّبَ عادةً لا يكونُ لعُضوٍ كاملٍ ((الذخيرة)) للقرافي (3/311)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/344). .المَطْلَب الرَّابِع: حُكْمُ استعمالِ البَخورِحُكْمُ البَخورِ هو حُكْمُ استعمالِ الطِّيبِ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/220). ، والشَّافِعِيَّة قال النووي: (ومذهَبُنا أنَّه لا فَرْقَ بين أن يتبخَّر أو يجعَلَه في بَدَنِه أو ثوبِه، وسواءٌ كان الثوبُ مِمَّا ينفُضُ الطِّيبَ أم لم يكن، قال العبدري: وبه قال أكثرُ العلماء) ((المجموع)) (7/281). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/429)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/280). ؛ وذلك لأنَّه يَصْدُقُ على من تبخَّرَ أنَّه تطيَّبَ؛ فالعودُ الذي يُتبخَّرُ به طِيبٌ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/280)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/ 508). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ، وما يجبُ فيها. المبحث الثَّاني: حَلْقُ الشَّعْر. المبحث الثَّالِث: تقليمُ الأظْفارِ. المبحث الخامس: تغطيةُ الرَّأسِ للذَّكَرِ.

المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ تغطيةِ الرَّأسِ للذَّكَرتغطيةُ الرَّأسِ للذَّكَر مِن محظوراتِ الإحرامِ، سواءٌ تغطِيَتُه بالطَّاقيَّة، أو الغُتْرَة، أو العِمامةِ، وما أشبهَ ذلك.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما بينا رجُلٌ واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته - أو قال: فأوقصته - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيبا، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا)) رواه البخاري (1850) واللفظ له، ومسلم (1206). وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه علَّل مَنْعَ تخميرِ رأسْهِ ببقائِه على إحرامِه، فعُلِمَ أنَّ المُحْرِم ممنوعٌ منه؛ فإنَّ المُحْرِمَّ الحيَّ أَوْلى مِنَ المُحْرِم الميِّتِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/268)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/275). .2- عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، ما يلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: لا تَلْبَسوا القُمُصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّراويلاتِ، ولا البَرانِسَ، ولا الخِفافَ...)) رواه البخاري (5803) واللفظ له، ومسلم (1177). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ ذِكْرَ العِمامةِ بعد ذِكْر البَرانِسَ دليلٌ على أنَّه لا يجوزُ تغطيةُ الرَّأسِ لا بِمُعتادِ اللِّباسِ، ولا بنادِرِه ((شرح السنة)) للبغوي (7/240). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ المُحْرِم ممنوعٌ من تخمير رأسه) ((الإجماع)) (ص: 53)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/268). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (أجمعوا أن إحرام الرجل في رأسه، وأنَّه ليس له أن يغطي رأسه بنهي رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم عن لُبْسِ البرانس والعمائم) ((الاستذكار)) (4/14، 4/16). ، وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رشد: (اختلفوا في تخمير المُحْرِم وجهَه بعد إجماعِهم على أنَّه لا يُخَمِّرُ رأسَه) ((بداية المجتهد)) (1/327). ، وابنُ القَيِّمِ قال ابنُ القيم: (المُحْرِم ممنوعٌ من تغطية رأسِه، والمراتب فيه ثلاث: ممنوعٌ منه بالاتفاق، وجائزٌ بالاتفاق، ومختلَفٌ فيه، فالأوَّلُ كلُّ متَّصِلٍ ملامِس يراد لسَتْرِ الرَّأس كالعمامة والقبَّعة والطاقيَّة والخَوذة وغيرها) ((زاد المعاد)) (2/225). .المَطْلَب الثَّاني: سَتْر الرَّأسِ بما يُحْمَل عليهإذا حَمَلَ المُحْرِمُ على رأسِه شيئًا فسَتَرَ رأسَه؛ فإنَّه لا يلزَمُه شيءٌ [1125] يجوز للمُحْرِم أن يلَبِّدَ شَعْرَ رأسِه ولا يُعَدُّ ذلك مِن سَتْر الرَّأس المحظور، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: رأيتُ رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يُهِلُّ ملبِّدًا. رواه البخاري (1540)، ومسلم (1184). والتلبيد: ضَفْرُ الرَّأس بالصَّمْغِ أو الخَطْمي وشِبْههما، مِمَّا يَضُمُّ الشَّعْرَ ويَلْزَق بعضَه ببعضٍ، بما يُسَكِّنه ويمنَعُه من الانتفاشِ والتمعُّط. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/385). ، إذا لم يقْصِدْ به التغطِيةَ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّة [1126] ((المبسوط)) للسرخسي (4/231). ، والمالكيَّة [1127] استثنى المالكيَّةُ ما لو حمَله لغيرِه، فإنَّ فيه الفِديةَ، سواء حمله بأجْرٍ أو بغير أجْر. ((حاشية الدسوقي)) (2/ 57)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/308). ، والشَّافِعِيَّة [1128] ((روضة الطالبين)) للنووي (3/125). ، والحَنابِلَة [1129] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/ 327)،  ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/27). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه لا يُقصَد به السَّترُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/124). .ثانيًا: أنَّه لا يُسْتَرُ بمثلِه عادةً ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/124). . المَطْلَب الثَّالِث: الاستظلالُ وأنواعُهالفرع الأوَّل: الاستظلالُ بمُنْفَصِلٍ غيرِ تابعٍ يجوز أن يَستَظِلَّ بمنفصِلٍ عنه (ثابت)، غيرِ تابعٍ، كالاستظلالِ بخَيمةٍ، أو شَجَرةٍ. الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة:عن جابرٍ رَضِيَ الله عنه: ((لَمَّا كان يومُ التَّرويةِ تَوجَّهوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بالحَجِّ، وركِبَ رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فصلى بها الظُّهرَ والعَصرَ والمغرِبَ والعِشاءَ والفَجرَ، ثم مكثَ قليلًا حتى طلَعَت الشَّمسُ، وأمر بقُبَّةٍ مِن شَعرٍ تُضرَبُ له بنَمِرةَ، فسار رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا تَشُكُّ قُريشٌ إلَّا أنَّه واقِفٌ عند المشعَرِ الحرامِ، كما كانت قريشٌ تَصنعُ في الجاهليَّةِ، فأجاز رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتى عَرَفةَ، فوجد القُبَّةَ قد ضُرِبَت له بنَمِرةَ، فنزَلَ بها. حتى إذا زاغَتِ الشَّمسُ أمَرَ بالقَصواءِ، فرُحِلَت له)) أخرجه مسلم (1218). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك :ابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (وأجمعوا أنَّ للمُحْرِم أن يدخُلَ الخِباءَ والفُسطاط وإن نزل تحت شجرةٍ أن يرميَ عليها ثوبًا) ((التمهيد)) (15/111). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (ولا بأس أن يستظِلَّ بالسقف والحائط والشجرة والخِباء، وإن نزل تحت شجرةٍ، فلا بأس أن يطرَحَ عليها ثوبًا يستظِلُّ به، عند جميع أَهْل العِلْم) ((المغني)) (3/287). ، والنَّوَوِيُّ قال النووي: (وأجمعوا على أنَّه لو قعد تحت خيمةٍ أو سقفٍ جازَ) ((المجموع)) (7/267). .الفرع الثَّاني: الاستظلالُ بمنفصِلٍ تابعٍ له يجوز أن يستظلَّ بتابعٍ له منفصِلٍ، كالشَّمسيَّة والسَّيارة، ومحمَلِ البَعيرِ، وما أشبهه، وهو مَذْهَبُ الحنفيَّة [1136] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/349). ، والشَّافِعِيَّة [1137] ((المجموع)) للنووي (7/267)، ، وروايةٌ عن أحمَدَ [1138] ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/244). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلفِ [1139] ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (15/111). ، واختارَه ابنُ المُنْذِر [1140])) الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/222) ، وابنُ القيِّم [1141] ((((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/257) ، والشَّوْكانيُّ [1142] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/8). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة:عن أم الحصين رضي الله عنها قالت: ((حَججتُ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم حَجَّةَ الوَداعِ، فرأيتُ أُسامةَ وبلالًا، وأحدُهما آخِذٌ بخِطامِ ناقةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، والآخَرُ رافعٌ ثوبَه يستُرُه من الحرِّ، حتَّى رمَى جمرَةَ العَقبةِ)) [1143] رواه مسلم (1298). .ثانيًا: قياسًا على الاستظلالِ بالحائِطِ؛ إذ لا يُقصَدُ بذلك الاستدامةُ، فلم يكن به بأسٌ [1144] ((المغني((لابن قُدامة (3/288). .ثالثًا:استصحابًا للأصل؛ فما يحلُّ للحلالِ يَحِلُّ للمُحْرِم، إلَّا ما قام على تحريمِه دليلٌ [1145] ((المغني((لابن قُدامة (3/287). .المَطْلَب الثَّاني: الفِدْيةُ في تغطيةِ الرَّأسِتجب في تغطيةِ الرَّأسِ الفِدْيةُ بذبحِ شاةٍ، أو صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامِ ستَّة مساكينَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة مِنَ الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 485) ، والمالِكِيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (2/ 513)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/307). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/252). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/326)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/424). ؛ وذلك قياسًا على الفِدْيةِ في حلْقِ الرَّأس، بجامِعِ أنَّه استمتاعٌ مَحْضٌ، وترفُّهٌ باستعمالِ محظورٍ ((المجموع)) للنووي (7/249). .المَطْلَب الثَّالِث: مقدارُ تغطية الرَّأسِ الذي تجبُ فيه الفِدْيةُلا يُشتَرَط لوجوبِ الفِدْيةِ سَتْرُ جميعِ الرَّأس، وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكِيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (2/ 513)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/307). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/253). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/326)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/424). . وذلك للآتي:أوَّلًا: عمومُ الأدلَّة في الفِدْية، التي لم تُفَرِّقْ بين القليلِ والكثيرِ، ولا بين سَتْرِ جميعِ الرَّأس أو بعضِه ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) لللعمراني (4/ 212). .ثانيًا: أنَّه معنًى حصل به الاستمتاعُ بالمحظورِ، فاعتُبِرَ بمجرَّدِ الفِعْلِ؛كالوَطْء ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/ 344). .ثالثًا: أنَّ الانتفاعَ بتغطيةِ الرَّأس يحصُلُ في البعضِ، فتجب الفِدْيةُ بذلك ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 307). .رابعًا: القياسُ على عدم اشتراطِ حَلْقِ جَميعِ شَعْرِ الرَّأسِ لوجوب الفِدْية ((الذخيرة)) للقرافي (3/307، 311)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/344). .المَطْلَب الرَّابِع: حُكْمُ تغطيةِ الوَجْهِ للمُحْرِمِتغطيةُ الوجهِ للمُحْرِم مباحٌ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((شرح السنة)) للبغوي (7/240)، ((المجموع)) للنووي (7/250، 268). والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 417)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/271)، ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/244). ، وبه قال طائفة مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ القيم: (وبإباحَتِه قال ستَّةٌ من الصَّحابة: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وجابر رَضِيَ اللهُ عنهم) ((زاد المعاد)) (2/244). وينظر ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/225)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/328). , وابنُ حَزْم قال ابنُ حزم: (لا بأس أن يغطِّيَ الرجلُ وَجْهَه بما هو ملتحِفٌ به أو بغيرِ ذلك، ولا كراهةَ في ذلك) ((المحلى)) (7/91). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (القولُ الرَّاجِحُ جوازُ تغطيَتِه وجهَه؛ لأنَّ لفظةَ: (ولا وَجْهَه) في قصَّة الذي مات مختلَفٌ في صحَّتِها، وفيها نوعُ اضطراب، ولذلك أعرض الفقهاءُ عنها، وقالوا: إنَّ تغطية المُحْرِم وجْهَه لا بأس به، ويحتاجُه المُحْرِم كثيرًا، فقد ينام مثلًا ويضَعُ على وجهه منديلًا أو نحوه عن الذُّباب، أو عن العَرَق، أو ما أشبه ذلك) ((الشرح الممتع)) (7/165). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((ولا تُخَمِّروا رأسَه؛ فإنَّ اللهَ يبعَثُه يومَ القيامة مُلَبِّيًا)) رواه البخاري (1266)، ومسلم (1206). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النَّصَّ خَصَّ الرَّأسَ بالنهيِ عن التغطيةِ، فمفهومُه يقتضي جوازَ تغطيةِ غيرِه ((المجموع)) للنووي (7/250)، ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/244). . ثانيًا: مِنَ الآثارِ1- عن عبدِ الرحمن بن القاسم، عن أبيه: ((أنَّ عُثمانَ بنَ عفَّانَ وزيدَ بنَ ثابتٍ ومَرْوانَ بنِ الحَكَمِ كانوا يُخَمِّرونَ وُجوهَهم وهُم حُرُمٌ)) رواه الشافعي في ((الأم)) (7/241)، والبيهقي (8870). وصَحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/268). . 2- عن عبدِ اللهِ بنِ عامرِ بنِ ربيعةَ قال: ((رأيتُ عُثمانَ بالعَرْجِ العَرْج: قريةٌ جامعةٌ مِن عَمَل الفُرُع قريبةٌ من الأبواءِ؛ على نحو ثمانيةٍ وسبعين مِيلًا من المدينة. ((شرح النووي على مسلم)) (15/15)، ((أحكام القرآن)) (4/56). وهو مُحْرِمٌ في يومٍ صائفٍ، قد غطَّى وجْهَه بقطيفةِ أُرْجُوانٍ الأُرْجُوان: الشديدُ الحُمْرة. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/60). )) رواه مالك في ((الموطأ)) (1/354)، والشافعي في ((الأم)) (8/674)، والبيهقي (9353). صَحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (7/268)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/398). .ولا يعرف لهؤلاء الصَّحابَة مخالف منهم قال شمس الدين ابن قُدامة: (لا نعرف لهم مخالفًا في عَصْرِهم، فكان إجماعًا) ((الشرح الكبير)) (3/271). .ثالثا: أنَّ الأصل هو الإباحة ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/244). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ، وما يجبُ فيها. المبحث الثَّاني: حَلْقُ الشَّعْر. المبحث الثَّالِث: تقليمُ الأظْفارِ. المبحث الرَّابِع: الطِّيبُ.

تمهيدٌ: تعريفُ المَخِيطِالمَخِيطُ: هو المفصَّلُ على قَدْرِ البَدَن أو العُضْوِ، بحيث يُحيطُ به، ويستمْسِكُ عليه بنَفْسِه، سواءٌ كان بخياطةٍ أو غيرِها، مثل: القميص، والسَّراويل، ونحو ذلك ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/348)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/489)، ((المجموع)) للنووي (7/255)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/67). .المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ لُبْسِ المَخِيطِ للذَّكَرلُبْسُ المَخِيطِ للذَّكَرِ مِن محظوراتِ الإحرامِ من أحرم بالمَخِيطِ أو لَبِسَه بعد إحرامه ليَدْخُلَ به مَكَّةَ، لعدم حَمْلِه تصريحًا بالحَجِّ، فحَجُّه صحيحٌ، لكنَّه يأثم بارتدائِه المَخِيط، وتَجِبُ عليه الفِدْية. ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (21/ 356، 357) (23/448، 450). وقال النوويُّ فيمن يتعمَّدُ ارتكابَ محظورٍ من محظوراتِ الإحرامِ: (وربَّما ارتكبَ بعضُ العامَّةِ شيئًا من هذه المُحَرَّماتِ وقال: أنا أفتدي متوهِّمًا أنَّه بالتزامِ الفِدْية يتخلَّصُ من وبالِ المعصِيَة، وذلك خطأٌ صريحٌ، وجهلٌ قبيحٌ، فإنَّه يَحْرُم عليه الفِعْلُ، وإذا خالف أثِمَ ووجبت الفِدْيةُ، وليست الفِدْية مبيحةً للإقدامِ على فِعْلِ المُحَرَّمِ، وجهالةُ هذا الفاعِل كجهالةِ من يقول: أنا أشرب الخَمْرَ وأزني والحَدُّ يُطَهِّرني، ومن فعل شيئًا مما يُحْكَمُ بتحريمه فقد أخرج حَجَّهً عن أن يكون مَبرورًا) (الإيضاح في مناسك الحَجِّ)) (ص: 211). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن يَعْلى بنِ أمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالجِعْرانَةِ الجِعْرانَة: موضعٌ قريبٌ من مَكَّةَ، وهي في الحِلِّ، وميقاتٌ للإحرامِ، وهي بتسكينِ العينِ والتخفيفِ، وقد تُكْسَرُ العين، وتُشَدَّدُ الراءُ. ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 276). ، ومعه نفَرٌ من أصحابِه، جاءه رجلٌ، فقال: يا رَسولَ الله، كيف ترى في رجلٍ أحرمَ بعُمْرَةٍ، وهو مُتَضَمِّخٌ التضمُّخ: التلطُّخُ بالطِّيبِ وغَيْرِه، والإِكثارُ منه حتى كأنَّما يقطُرُ. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 36). بطيبٍ؟ فسكت النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم ساعةً، فجاءه الوحيُ، فأشار عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه إلي يَعلَى، فجاء يَعلَى، وعلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَوبٌ قد أظَلَّ به، فأدخَلَ رأسَه، فإذا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ مُحمَرُّ الوَجهِ وهو يغُطُّ، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سألَ عن العُمْرَةِ؟ فأُتِي برجُلٍ، فقال: اغسِلِ الطِّيبَ الذي بك ثلاثَ مرَّاتٍ، وانزِعْ عنك الجُبَّة، واصْنَعْ في عُمْرَتِك كما تصنَعُ في حَجَّتِك)) رواه البخاري (1536) واللفظ له، ومسلم (1180). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قَوْلَه: ((وانزِعْ عنك الجُبَّة)) دلَّ على عدم جوازِ لُبْسِ المَخِيط للمُحْرِم، ومن ذلك لُبْسُ الجبَّة ((عمدة القاري)) للعيني (16/122). . 2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رجلًا سأل رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ما يلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: لا تَلْبَسوا القُمُصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّراويلاتِ، ولا البَرانِسَ، ولا الخِفافَ)) رواه البخاري (5803)، ومسلم (1177) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نهى عن خمسةِ أنواعٍ مِنَ اللِّباسِ تشملُ جميعَ ما يَحْرُم، وذلك أنَّ اللِّباسَ إمَّا أن يُصنَع للبَدَن فقط: فهو القَميصُ وما في معناه، أو للرَّأسِ فقط: وهو العِمامةُ وما في معناها، أوْ لَهما: وهو البُرْنُسُ وما في معناه، أو للفَخِذَينِ والسَّاق: وهو السَّراويلُ وما في معناها، أو للرِّجلينِ: وهو الخُفُّ ونحوه (الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/127، 130، 131). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أَهْل العِلْم على أنَّ المُحْرِم ممنوعٌ مِن لُبس القُمُصِ، والعمائم، والسراويلات، والخِفاف، والبرانس، وأجمعوا على أنَّ للمرأة المُحْرِمة: لُبْسَ القميص، والدُّروع، والسراويل، والخُمُر، والخِفاف) ((الإجماع)) (ص: 53)، ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (7/254). ، وابنُ حَزْم قال ابنُ حزم: (أجمعوا أَن الرجلَ المُحْرِمَ يجتنب لِباسَ العمائم والقلانِس والجِباب والقُمُص والمَخِيط والسراويل التي لا تسمَّى ثيابًا إن وَجَدَ إزارًا) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (لا يجوز لِباسُ شيءٍ من المَخِيط عند جميعِ أَهْل العِلْم) ((الاستذكار)) (4/14)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/272). ، وابنُ رشدٍ قال ابنُ رشد: (اتفق العلماء على أنَّه لا يلبس المُحْرِم قميصًا ولا شيئًا مما ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مَخِيط الثياب وأن هذا مخصوص بالرجال أعني تحريم لبس المَخِيط وأنَّه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع والسراويل والخفاف والخمر) انظر: ((بداية المجتهد)) (1/326، 327). . المسألةُ الثَّانيةُ: لُبْسُ المرأةِ المَخِيطَ لغيرِ الوَجْهِ والكَفَّينِيجوزُ للمرأةِ المُحْرِمةِ أن تَلْبَسَ المَخِيطَ لغيرِ الوَجْهِ والكَفَّينِ.الدليلُ مِنَ الإجماعِ:نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أَهْل العِلْم على أن للمرأة المُحْرِمة لبس القميص، والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف) ((الإشراف)) (3/220). وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (أجمعوا على أنَّ المراد بهذا، الذكور دون النساء، وأنَّه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف) ((الاستذكار)) (4/14)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/272). وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رشد: (اتَّفقَ العلماء على أنَّه لا يلبس المُحْرِم قميصًا ولا شيئًا مما ذكر في هذا الحديث، ولا ما كان في معناه من مَخِيط الثيابِ، وأن هذا مخصوصٌ بالرجال- أعني تحريمَ لبس المَخِيط- وأنَّه لا بأس للمرأةِ بلُبس القميص والدِّرع والسراويل والخِفاف والخُمُر). ((بداية المجتهد)) (1/326، 327). .المسألة الثَّالِثة: لُبْسُ الخِفافِ للمُحْرِمِ الذَّكَرِلُبْسُ الخُفِّ الخُفُّ: ما يُلبَسُ على الرِّجْلِ مِن جِلْدٍ، أو نحوه. حرامٌ على الرجُلِ المُحْرِم، سواءٌ كان الخُفُّ صحيحًا أو مُخَرَّقًا، إلَّا لِمَن لم يجِدِ النَّعلينِ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((إلَّا أحَدٌ لا يجِدُ النَّعلينِ فلْيَلْبَسِ الخُفَّينِ، ولْيَقْطَعْهما أسفَلَ مِنَ الكعبينِ)) رواه البخاري (134)، ومسلم (1177) واللفظ له. .2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبي صلَّى الله عليه وسَلَّم يَخْطُبُ بعَرَفَاتٍ: ((مَن لم يجِدْ النَّعْلينِ فلْيَلْبَسْ الخُفَّينِ، ومَن لم يجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سَراويلَ)) رواه البخاري (1841) واللفظ له، ومسلم (1178). .3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((مَن لم يَجِدْ نَعْلينِ فلْيَلْبَسْ خُفَّينِ، ومَن لم يَجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سَراويلَ)) رواه مسلم (1179). . ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وأجمعوا على أنَّ المُحْرِم ممنوعٌ مِن لُبس القميص والعمامة والسراويل والخفاف والبرانس) ((الإجماع)) (ص: 107). ، والنَّوَوِيُّ قال النووي: (... وأجمع العلماءُ على أنَّه لا يجوز للمُحْرِم لُبسُ شيءٍ من هذه المذكورات) ((شرح النووي على مسلم)) (8/73). .المسألة الرَّابِعةُ: حُكْمُ قَطْعِ الخُفَّينِ لِمَن لم يَجِدْ نَعْلينِمَن لم يَجِدْ نَعْلينِ فلَبِسَ خُفَّينِ، لا يجِبُ عليه قَطْعُهما، وهو مَذْهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/329)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ قُدامة: (ويُروَى ذلك عن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه، وبه قال عطاء، وعكرمة، وسعيد بن سالم القداح) ((المغني)) (3/281). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (... فله أن يَلْبَسَ الخُفَّ ولا يقطعه، وكذلك إذا لم يجد إزارًا فإنَّه يلبَسُ السَّراويلَ ولا يفْتُقه، هذا أصحُّ قوليِ العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/110). ، وابنُ القَيِّمِ ((تهذيب سنن أبي داود)) لابن القَيِّمِ (5/278-279). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (وكذا من لم يجِدْ نعلينِ جاز له لُبْس الخُفَّين من غيرِ قطعٍ...) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/53). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/130-131). . الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يخطُبُ بعَرَفاتٍ: ((مَن لم يَجِدِ النَّعلينِ فلْيَلْبَسِ الخُفَّينِ، ومن لم يجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسِ السَّراويلَ)) رواه البخاري (1841) واللفظ له، ومسلم (1178). .2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((مَن لم يجِدْ نَعْلينِ فلْيَلْبَسْ خُفَّينِ، ومن لم يجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سَراويلَ)) رواه مسلم (1179). .وَجْهُ الدَّلالَة مِنَ الحَديثينِ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أذِنَ في لُبْسِ الخُفَّينِ عند فَقْدِ النَّعلينِ، ولم يأمُرْ بقَطْعِهما، وتأخيرُ البيانِ عَن وقْتِ الحاجَةِ غيرُ جائزٍ، فلو كان القطْعُ واجبًا لبَيَّنَه صلَّى الله عليه وسَلَّم ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/54). . المَطْلَب الثَّاني: لُبْسُ المُحْرِمِ للخاتَمِيجوز للمُحْرِم لُبْسُ الخاتَمِ ويجوز للمُحْرِم لُبس الساعة، والنظَّارة، وسمَّاعة الأذن، وتركيبةُ الأسنان، وذلك لأنها كلَّها ليست في معنى ما نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم المُحْرِمَ عن لُبْسه من أنواع الألبسة. يُنْظَر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/132). ، وذلك مذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي(2/14)، ويُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/444). والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/255)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/518). والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/449). وهو قولٌ عند المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/432)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/141). الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: لا بأسَ بالخاتَمِ للمُحْرِمِ رواه الدارقطني (2/233)، والبيهقي (9455). جوَّد إسناده ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (11/99)، . ثانيًا: أنَّه لا دليلَ يمنَعُ المُحْرِمَ مِنْ لُبْسِ الخاتَمِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/ 107). . المَطْلَب الرَّابِع: لُبْسُ الهِمْيانِ (وعاءُ النَّفَقةِ)يجوز للمُحْرِمِ لُبْسُ الهِمْيانِ قال ابنُ حجر: (أي تكَّةُ اللِّباسِ، ويُطلَقُ على ما يوضَعُ فيه النفقةُ في الوَسَطِ) ((فتح الباري)) (1/202). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/139). ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 141)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/470). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/254، 255). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/427)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/427). ، وهو مَذْهَبُ الظَّاهِريَّة ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/22) ، وبه قال أكثرُ العُلَماءِ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (أجاز ذلك جماعةُ فقهاءِ الأمصارِ متقدِّموهم ومتأخِّروهم، وعن جماعةٍ من التابعين بالحِجَاز والعراقِ مثل ذلك). ((التمهيد)) (15/118). وقال أيضًا: (قد قال إسحاق بن راهويه: ليس للمُحْرِمِ أن يعقِدَ- يعني المِنْطَقة- ولكن له أن يُدخِلَ السُّيورَ بَعْضَها في بعض. وقول إسحاقَ لا يُعَدُّ خلافًا على الجميع، وليس له أيضًا حَظٌّ من النظر، ولا له أصلٌ؛ لأنَّ النهي عن لباس المَخِيط، وليس هذا منه، فارتفع أن يكون له حُكْمُه) ((التمهيد)) (15/118)، ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/22). ، وطائفةٌ مِنَ السَّلَف ورَدَ عن طائفةٍ من الصحابة، كعائشة، وابن عباس، وابن عمر رَضِيَ اللهُ عنهم، وسعيد بن المسيب، وعطاء ومجاهد، وطاوس، والقاسم، والنخعي، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. يُنْظَر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/22)، ((المغني)) لابن قُدامة(3/284). ، وحُكي في ذلك الإجماعُ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (قال ابنُ عُلَيَّة: قد أجمعوا على أنَّ للمُحْرِمِ أن يعقد الهْمِيانَ والمِئْزرَ على مِئْزَره وبالمِنْطَقة كذلك) ((الاستذكار)) (4/22). وقال النووي: (إنَّه قولُ العلماءِ كافةً إلَّا ابنَ عُمَرَ ومولاه) ((المجموع)) (7/254، 255). .الأدلَّة:أَوَّلًا: مِنَ الآثارِعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها سُئِلَتْ عن الهِمْيانِ للمُحْرِم، فقالت: وما بأسٌ؛ لِيَسْتَوثِق مِن نَفَقَتِه رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15686)، والبيهقي (9453) واللفظ له. صَحَّح إسناده ابن حجر في ((الكافي الشاف)) (174)، والألباني في ((حَجَّة النبي)) (30). .ثانيًا: أنَّ الهِمْيانَ لا يدخُلُ في المنهيِّ عنه لا بالنَّصِّ ولا بالمعنى ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/ 107). .ثالثًا: أنَّ شَدَّ الهِمْيانِ في الوَسَطِ هو ضرورةُ حِفْظِ النَّفقةِ، ومِمَّا تدعو الحاجةُ إليه؛ فجاز كعَقْدِ الإزارِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/306)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/277). .مَسْألةٌ: عَقْدُ الرِّداءِيجوزُ عَقْدُ الرِّداءِ عند الحاجةِ، وهو قولُ بعض الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/255،256). ، اختاره الجُوَينيُّ، والغزاليُّ ((المجموع)) للنووي (7/255،256). ، وهو قول ابنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (وللمُحْرِم أن يشُدَّ المِنْطَقة على إزاره إن شاء أو على جِلْده ويحتزِمَ بما شاء, ويحمِل خُرْجَه على رأسِه, ويعقِدَ إزارَه عليه ورداءَه إن شاء) ((المحلى)) (7/258). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يجوز عقْدُ الرداء في الإحرام، ولا فديةَ عليه فيه) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (لو أنَّ الرجلَ عقد الرداءَ على صدرِه، فليس حرامًا) ((الشرح الممتع)) (7/132). وقال أيضًا: (ويجوز لُبْسُ السبتة، وساعة اليد، ونظارة العين، وعَقْدُ ردائه وزَرُّه بمشْبَكٍ ونحوه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/392-393). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِسُئِلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم عمَّا يَلْبَسُ المُحْرِمَ، فقال: ((لا يلبَسِ القمصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّراويلاتِ، ولا البرانِسَ، ولا الخِفافَ)) رواه البخاري (1542)، ومسلم (1177). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ إجابَتَه صلَّى الله عليه وسَلَّم بما لا يُلْبَسُ عن السُّؤالِ عمَّا يُلْبَسُ؛ دليلٌ على أنَّ كُلَّ ما عدا هذه المذكوراتِ مِمَّا يلْبَسُه المُحْرِمُ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/392-393). وقال ابنُ تيميَّة: (النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم لم يذكُرْ فيما يَحْرُم على المُحْرِم، وما ينهى عنه، لفظًا عامًّا يتناول عقد الرداءِ، بل سُئِلَ صلَّى الله عليه وسَلَّم عما يلبس المُحْرِم من الثيابِ، فقال: لا يلبس القميص، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا الخفاف، إلَّا من لم يجِدْ نَعْلينِ) ((الفتاوى الكبرى)) (1/333). .ثانيًا: أنَّه لم يَرِدْ في ذلك منعٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، وليس هو في معنى المنصوصِ على مَنْعِه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/ 280). .ثالثًا: أنَّ الرداءَ وإن عُقِدَ، لا يخرُجُ عن كونِه رداءً ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/132). .مَسْألةٌ: عَقْدُ الإزارِ للمُحْرِمِيجوز عَقْدُ الإزارِ للمُحْرِم إذا لم يَثْبُتْ ويستمْسِكْ إلَّا بذلك قال ابنُ عُثيمين: (لو شبَّك رداءه بمشبك فإنَّه لا يُعَدُّ لُبسًا، بل هو رداءٌ مُشَبَّك، لكن بعض الناس توسَّعوا في هذه المسألة، وصار الرجل يُشَبِّك رداءه من رَقَبَتِه إلى عانَتِه، فيبقى كأنَّه قميصٌ ليس له أكمامٌ، وهذا لا ينبغي) ((الشرح الممتع)) (7/130،131). ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/249،255). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/331). ، واختارَه ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (ويعقِدُ إزاره عليه ورداءَه إن شاء) ((المحلى)) (7/258). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وله أن يعقدَ ما يحتاج إلى عقده كالإزارِ) ((مجموع الفتاوى)) (26/111). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (ويجوز له عَقْدُ الإزارِ وربطُه بخيط ونحوه؛ لعدمِ الدَّليلِ المقتضي للمنع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/54). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِسُئِلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم عما يلبَسُ المُحْرِمَ، فقال: ((لا يلبَسِ القمصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّراويلات، ولا البرانِسَ، ولا الخِفافَ)) رواه البخاري (1542)، ومسلم (1177). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ إجابَتَه صلَّى الله عليه وسَلَّم بما لا يُلْبَسُ عن السُّؤالِ عمَّا يُلْبَسُ؛ دليلٌ على أنَّ كُلَّ ما عدا هذه المذكوراتِ مِمَّا يلْبَسُه المُحْرِمُ ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (1/333)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/392-393). .ثانيًا: أنَّه لم يَرِدْ في ذلك منعٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، وليس هو في معنى المنصوصِ على مَنْعِه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/ 280). .ثالثًا: أنَّ فيه مصلحةً له، وهو أن يَثْبُت عليه ((المجموع)) للنووي (7/249،255)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/201). .رابعًا: أنَّه يُحتاجُ إليه لسَتْرِ العورةِ، فيباحُ، كاللِّباسِ للمرأةِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/284). .المَطْلَب الخامس: سَتْرُ المُحْرِمةِ وَجْهَهاالفرع الأوَّل: سَتْرُ المُحْرِمةِ وَجْهَها بالنِّقابِأَوَّلًا: تعريفُ النِّقابِالنِّقابُ هو: لباسُ الوَجْهِ؛ وهو أن تَسْتُرَ المرأةُ وَجْهَها، وتفتَحَ لِعَيْنَيها بقَدْرِ ما تنظُرُ منه ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 768)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/134). .ثانيًا: حُكْمُ النِّقابِ للمُحْرِمةِلُبْسُ النِّقابِ من محظوراتِ الإحرامِ على المرأة، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة [1241] ((حاشية ابن عابدين)) (2 / 488)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1 / 421). والمذهب عندهم حظر تغطية المرأة وجهها سواء بالنقاب أو غيره. يُنْظَر: ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (1/280) ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/141)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/15). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (3/167). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 551)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/323)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/134). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ المُنْذِر: (قال ابنُ عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأةُ ولا تلبسِ القُفَّازين، وقال الأسود، وعلقمة: لا تنتقِب المرأةُ، وقال الحكم، وحماد: لا تلبَسِ البرقعَ، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وكان مالك يكره القفَّازين، والنقاب، وقال الثوري: لا تتبرقَعْ، ولا تلتَثِم) ((الإشراف)) (3/220). قال ابنُ عبدِ البرِّ: (وعلى كراهةِ النِّقاب للمرأة جمهورُ علماء المسلمين من الصَّحابة والتابعين ومَن بَعْدَهم من فقهاء الأمصارِ) ((الاستذكار)) (4/15). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((ولا تنتَقِبِ المرأةُ المُحْرِمةُ، ولا تَلْبَسِ القُفَّازينِ)) رواه البخاري (1838). .ثانيًا: أنَّه قولٌ ثابتٌ عن طائفةٍ من الصَّحابَة رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا مخالِفَ لهم قال ابنُ المُنْذِر: (كراهيةُ البُرقُع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة رَضِيَ اللهُ عنهم ولا نعلَمُ أحدًا خالَفَ فيه) ((الإشراف)) (3/220)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/323). .الفرع الثَّاني: سَتْرُ المُحْرِمةِ وَجْهَها بغيرِ النِّقاب اختلف أَهْلُ العِلْمِ في تغطيةِ المُحْرِمةِ وَجْهَها بغيرِ النِّقابِ على قولينِ:القول الأوّل: لا يجوزُ تغطيةُ المُحْرِمةِ وَجْهَها إلَّا لحاجةٍ، كمرورِ الأجانبِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/152)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/214). ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/141)، ويُنظر:((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/825). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/250،261). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/527). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَف قال ابنُ قُدامة: (روي ذلك عن عثمان، وعائشة، وبه قال عطاء، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن) ((المغني)) (3/ 301). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبدِ البرِّ: (أجمعوا أنَّ إحرامَ المرأةِ في وجهها، وأنَّ لها أن تسدلَ الثَّوبَ على وجهها من فوق رأسِها سدلًا خفيفًا تستَتِر به عن نظرِ الرجُلِ إليها) ((الاستذكار)) (4/164)، ((التمهيد)) (9/124، 15/104). قال ابنُ قُدامة: (المرأةُ يَحْرُم عليها تغطيةُ وَجْهِها في إحرامها، كما يحرُمُ على الرجل تغطيةُ رأسِه، لا نعلم في هذا خلافًا، إلَّا ما روي عن أسماءَ، أنها كانت تغطِّي وَجْهَها وهي مُحْرِمةٌ، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسَّدْل عند الحاجة، فلا يكون اختلافًا) ((المغني)) (3/301) قال ابنُ رشد: (أجمعوا على أنَّ إحرامَ المرأةِ في وَجْهِها... وأنَّ لها أن تسدلَ ثوبَها على وجهها من فوقِ رَأْسِها سَدْلًا خفيفًا تَسْتَتِرُ به عن نظَرِ الرجال إليها) ((بداية المجتهد)) (1/327). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((ولا تتنقِبِ المُحْرِمةُ)) رواه البخاري (1838) . وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ قَوْلَه: ((لا تتنقِبِ المُحْرِمةُ)) معناه: لا تَسْتُر وَجْهَها ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 54) فتُمنَع المرأةُ من البُرقُعِ والنِّقاب ونحوهما مِمَّا يُعَدُّ لسَتْرِ الوَجْه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324). . ثانيًا: مِنَ الآثارِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((إحرامُ المرأةِ في وَجْهِها، وإحرامُ الرَّجُلِ في رأسِه)) رواه الدارقطني (260)، والبيهقي (9314). صحح إسناده ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/323) .ثالثًا: أنَّ الوجهَ مِنَ المرأةِ يَجِبُ كَشْفُه، كالرَّأسِ من الرَّجُلِ ((المجموع)) للنووي (7/250). .القول الثاني: يجوز للمُحْرِمة تغطيةُ وَجْهِها مطلقًا بدون نقابٍ، وهو قولٌ في مذهَبِ الحَنابِلَة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (22/120). ، وهو قولُ ابنِ حَزْمٍ قال ابنُ حزمٍ: (لا بأس أن تَسْدِلَ المرأةُ الثَّوْبَ مِن على رأسِها على وَجْهِها) ((المحلى)) (7/91). ، وابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وجهُ المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: إنَّه كرأسِ الرجل فلا يُغطَّى، وقيل: إنَّه كيديه فلا تُغطَّى بالنقابِ والبُرقع ونحو ذلك مما صُنِعَ على قدره، وهذا هو الصَّحيحُ؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم لم يَنْهَ إلا عن القفَّازين والنقاب، وكنَّ النِّساءُ يُدنينَ على وجوههنَّ ما يسترها من الرجالِ من غير وضْعِ ما يجافيها عن الوَجْهِ فعُلِمَ أنَّ وَجْهَها كيَدَيِ الرجلِ ويَدَيها؛ وذلك أنَّ المرأةَ كُلَّها عورةٌ كما تقدَّمَ، فلها أن تغطِّيَ وَجْهَها ويَدَيْها، لكن بغيرِ اللِّباسِ المصنوعِ بِقَدْرِ العُضْوِ كما أنَّ الرَّجُلَ لا يلبسُ السَّراويلَ ويلبَسُ الإزارَ) ((مجموع الفتاوى)) (22/120) ويُنْظَر: (26/112). ، وابنِ القَيِّمِ قال ابنُ القيم: (النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((لا تنتقِبِ المرأةُ ولا تلبَسِ القُفَّازين))، يعني في الإحرامِ، فسوَّى بين يديها ووجْهِها في النَّهْيِ عما صُنِعَ على قَدْرِ العُضْوِ، ولم يمنَعْها من تغطيةِ وَجْهِها ولا أَمَرَها بكَشْفِه البتَّةَ ونساؤُه صلَّى الله عليه وسَلَّم أعلَمُ الأُمَّة بهذه المسألةِ، وقد كُنَّ يَسْدلْنَ على وجوهِهِنَّ إذا حاذاهُنَّ الرُّكْبانُ، فإذا جاوزوهُنَّ كَشَفْنَ وُجوهَهُنَّ) ((إعلام الموقعين)) (1/222). ، والصنعانيِّ قال الصنعاني: (المرأةُ المُحْرِمةُ تَسْتُرُ وَجْهَها بغيرِ ما ذُكِرَ، كالخِمارِ والثَّوْبِ، ومن قال: إنَّ وَجْهَها كرأسِ الرَّجُلِ المُحْرِم لا يُغَطَّى بشيءٍ، فلا دليلَ معه) ((سبل السلام)) (2/191)، وينظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/233). ، والشَّوْكانيِّ قال الشَّوْكاني: (ليس في المنع من تغطيةِ وَجْهِ المرأة ما يُتَمَسَّكُ به، والأصلُ الجوازُ، حتى يَرِدَ الدَّليلُ الدَّالُّ على المنعِ) ((السيل الجرار)) (ص: 316). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (معنى ((لا تنتقِبِ المرأةُ ولا تلبَسِ القُفَّازينِ)) أي: لا تَلْبَس ما فُصِّلَ وقُطِعَ وخِيطَ لأجلِ الوَجْهِ كالنِّقاب، ولأجلِ اليدينِ كالقُفَّازين, لا أنَّ المرادَ أنَّها لا تغطي وَجْهَها وكفَّيْها، كما توهَّمه البعضُ؛ فإنَّه يجب سَتْرُهما، لكن بغيرِ النِّقاب والقُفَّازين، هذا ما فسَّرَه به الفقهاءُ والعُلماء، ومنهم العلَّامة الصنعانيُّ رحمه الله تعالى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/232). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (لم يَرِدْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه حَرَّمَ على المُحْرِمة تغطيةَ وَجْهِها، وإنَّما حَرَّم عليها النِّقابَ فقط؛ لأنَّه لِباسُ الوَجْهِ، وفَرْقٌ بين النقابِ وبين تغطيةِ الوَجهِ، فلو أنَّ المرأة المُحْرِمة غطَّتْ وَجْهَها، لقلنا: هذا لا بأسَ به، ولكن الأفضَلُ أن تكشِفَه ما لم يكن حولَها رجالٌ أجانبُ، فيجب عليها أن تَسْتُرَ وَجْهَها عنهم) ((الشرح الممتع)) (7/134) وينظر ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/185). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ1- عن مُعاذَةَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((المُحْرِمةُ تَلْبَسُ من الثيابِ ما شاءتْ إلَّا ثوبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أو زعفرانٌ، ولا تتبَرْقَعُ ولا تَلَثَّمُ، وتَسْدُلُ الثَّوبَ على وَجْهِها إن شاءَت)) رواه البيهقي (9316) وصَحَّح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212) .قال ابنُ القَيِّمِ: نساؤُه صلَّى الله عليه وسَلَّم أعلَمُ الأُمَّةِ بهذه المسألَةِ ((إعلام الموقعين)) لابن القَيِّمِ (1/265). . 2- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: ((كنَّا نُغَطِّي وُجوهَنا مِنَ الرِّجالِ، وكُنَّا نَمْتَشِطُ قبل ذلك في الإحرامِ)) رواه ابن خزيمة (2690)، والحاكم (1668). صَحَّحه على شرط الشيخين والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212) .3- عن فاطمةَ بنتِ المُنْذِرِ أنَّها قالت: ((كنا نُخَمِّرُ وُجوهَنا ونحن مُحْرِماتٌ، مع أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ)) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/474) واللفظ له، وإسحق بن راهويه في ((مسنده)) (2255) صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212). .ثانيًا: أنَّه لم يَرِد عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه حرَّم على المُحْرِمةِ تغطيةَ وَجْهِها، وإنَّما هذا قولُ بعضِ السَّلَف ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/112)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/185). .ثالثًا: أنَّه كما يجوز تغطيةُ الكَفِّ مِن غيرِ لُبْسِ القُفَّازينِ، فيجوز كذلك تغطيةُ الوَجهِ مِن غيرِ لُبْسِ النِّقابِ، وقد قرن النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بينهما، وهما كبَدَنِ الرَّجُلِ، يجوز تغطِيتُه، ولا يجوز لُبْسُ شيءٍ مُفَصَّلٍ عليه ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (22/120) ويُنْظَر: (26/112). . رابعًا: أنَّ بالمرأةِ حاجةً إلى سَتْرِ وَجْهِها، فلم يَحْرُمْ عليها سَتْرُه على الإطلاقِ، كالعَورةِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324). .خامسًا: أنَّ النَّهيَ إنما جاء عن النِّقاب فقط، والنِّقابُ أخَصُّ من تغطيَةِ الوجهِ، والنهيُ عن الأخصِّ لا يقتضي النَّهيَ عن الأعمِّ؛ وإنَّما جاء النهيُ عن النقابِ؛ لأنَّه لُبْسٌ مُفَصَّلٌ على العضوِ، صُنِعَ لِسَتْرِ الوجه، كالقُفَّاز المصنوعِ لسَتْرِ اليد، والقميصِ المصنوعِ لسَتْرِ البَدَنِ، وقد اتَّفقَ الأئمةُ على أنَّ للمُحْرِمِ أن يستُرَ يديه ورِجْلَيه مع أنَّه نُهِيَ عن لُبْسِ القميصِ والخُفِّ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/113). .الفرع الثَّالِث: حُكْمُ تغطيةِ المُحْرِمةِ وَجْهَها بما يَمَسُّهلا تُكَلَّفُ المرأةُ أن تجافِيَ سُتْرَتَها عن الوَجْهِ؛ لا بعودٍ ولا بِيَدٍ ولا غيرِ ذلك، فيجوز أن تَسْتُرَ وَجْهَها للحاجةِ؛ كالسَّتْرِ عن أعيُنِ النَّاسِ، بثوبٍ تَسْدُله من فوقِ رَأْسِها، وهذا مَذْهَبُ المالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/388)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/14)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/345). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/529)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/356)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/447). ، واختارَه ابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (ذكر القاضي أنَّ الثوب يكون متجافيًا عن وَجْهِها، بحيث لا يصيب البَشَرَة، فإن أصابَها، ثم زال أو أزالته بسرعةٍ، فلا شيءَ عليها، كما لو أطارت الرِّيحُ الثوبَ عن عورةِ المُصَلِّي، ثم عاد بسرعةٍ، لا تَبطُلُ الصَّلاةُ، وإن لم ترفَعْه مع القدرة؛ افتَدَتْ؛ لأنها استدامت السَّتْرَ، ولم أرَ هذا الشرط عن أحمد، ولا هو في الخَبَر، مع أنَّ الظاهر خلافُه، فإنَّ الثوبَ المسدولَ لا يكاد يسْلَمُ من إصابة البَشَرة، فلو كان هذا شرطًا لبُيِّنَ، وإنما مُنِعَتِ المرأة من البُرقُعِ والنقاب ونحوهما، مما يُعَدُّ لسَتْرِ الوجه. قال أحمد: إنما لها أن تَسْدُل على وجهها من فوق، وليس لها أن تَرْفَعَ الثوب من أسفَلَ، كأنَّه يقول: إنَّ النِّقابَ مِن أسفَلَ على وَجْهِها). ((المغني)) (3/301، 302، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/529). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لو غطَّتِ المرأةُ وَجْهَها بشيءٍ لا يَمَسُّ الوجهَ جاز بالاتِّفاقِ، وإن كان يمَسُّه فالصحيحُ أنَّه يجوز أيضًا، ولا تُكَلَّفُ المرأةُ أن تجافِيَ سُتْرَتَها عن الوجه لا بعودٍ ولا بيدٍ ولا غير ذلك؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم سوَّى بين وجهها ويديها، وكلاهما كبدن الرَّجُل لا كرأسِه، وأزواجُه صلَّى الله عليه وسَلَّم كنَّ يَسْدُلنَ على وجوههنَّ من غير مراعاةِ المجافاة، ولم يَنْقُل أحدٌ من أَهْل العِلْم عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((إحرامُ المرأةِ في وَجْهِها)) وإنما هذا قولُ بعض السَّلَفِ، لكنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نهاها أن تنتقِبَ أو تلبَسَ القُفَّازين) ((مجموع الفتاوى)) (26/112). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ 1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((المُحْرِمةُ تلبَسُ مِنَ الثِّيابِ ما شاءت إلَّا ثوبًا مَسَّه ورْسٌ أو زعفرانٌ، ولا تَتَبرقَعُ ولا تَلَثَّمُ، وتَسْدُلُ الثَّوبَ على وَجْهِها إن شاءت)) رواه البيهقي (5/47) (9316)، وصَحَّح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212). وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/719) عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((تلبس المُحْرِمة ما شاءت من الثياب إلا البرقعَ والقُفَّازينِ ولا تنقِب)). .2- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: ((كنَّا نُغَطِّي وُجوهَنا مِنَ الرِّجالِ، وكُنَّا نَمْتَشِطُ قبل ذلك في الإحرامِ)) رواه ابن خزيمة (2690)، والحاكم (1668). صَحَّحه على شرط الشيخين والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212) .3- عن فاطمةَ بنتِ المُنْذِرِ أنَّها قالت: ((كنا نُخَمِّرُ وُجوهَنا ونحن مُحْرِماتٌ، مع أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ)) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/474) واللفظ له، وإسحق بن راهويه في ((مسنده)) (2255) صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ أزواجَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ونساءَ الصَّحابَة رَضِيَ اللهُ عنهنَّ؛ كنَّ يَسْدُلْنَ على وجوهِهنَّ مِن غيرِ مراعاةِ المجافاةِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/112). .ثانيًا: أنَّ الثَّوبَ المسدولَ لا يكادُ يَسْلَمُ من إصابة البَشَرةِ، فلو كان هذا شرطًا لبُيِّنَ، وإنَّما مُنِعَتِ المرأةُ مِنَ البُرقُعِ والنِّقاب ونحوهما، مِمَّا يُعدُّ لسَتْرِ الوجهِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324). .المَطْلَب السادس: لُبْسُ القُفَّازينِ للمُحْرِمةِتمهيدٌ: تعريفُ القُفَّازينِالقفَّازانِ: شيءٌ يُعمَلُ لليدينِ، يغَطِّي الأصابِعَ مع الكَفِّ ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 396). .الفرع الأوَّل: حُكْمُ لُبْسِ القُفَّازينِ للمُحْرِمة يَحْرُمُ على المُحْرِمةِ لُبْسُ القفَّازينِ، وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 202)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/16)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/304). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/269). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/357). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ المُنْذِر: (قال ابنُ عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القُفَّازين... وكان مالك يكره القُفَّازين، والنقاب) ((الإشراف)) (3/220). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((لا تنتقِبِ المرأةُ المُحْرِمةُ، ولا تلبَسِ القُفَّازينِ)) رواه البخاري (1838). .الفرع الثَّاني: حُكْمُ لُبْسِ القُفَّازينِ للرجُلِيَحْرُمُ على الرَّجلِ لُبْسُ القُفَّازينِ.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:نقلَ الإجماعَ على ذلك النَّوَوِيُّ قال النووي: (يحرم على الرجل لبس القُفَّازين بلا خلاف) ((المجموع)) (7/257)، ويُنْظَر: ((روضة الطالبين)) للنووي (3/127). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (ألحق بها أَهْلُ العِلْمِ ما في معناها مثل الجبَّة والدراعة والثياب وأشباه ذلك؛ فليس للمُحْرِم سَتْرُ بدنه بما عُمِلَ على قَدْرِه ولا سَتْرُ عُضْو من أعضائه بما عُمِلَ على قَدْرِه؛ كالقميصِ للبَدَنِ، والسَّراويل لبعض البدَنِ، والقُفَّازين لليدينِ، والخُفَّين للرِّجْلين، ونحو ذلك، وليس في هذا كلِّه اختلاف) ((المغني)) (3/ 281). ، والشِّنْقيطيُّ قال الشِّنْقيطيُّ: (أمَّا لُبْسُ الرجل القُفَّازينِ، فلم يخالِفْ في مَنْعِه أحدٌ) ((منسك الشِّنْقيطيِّ)) (2/297). .المَطْلَب السَّابع: الفِدْيةُ في لُبْسِ المَخِيطِيجِبُ في لُبْسِ المُحْرِم المَخِيطَ فديةُ الأذى: ذبحُ شاةٍ، أو صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامُ ستَّةِ مساكينَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/547). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 202)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/304)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93). ، والشَّافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/125). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426). ؛ وذلك قياسًا على الفِدْيةِ في حَلْقِ الرَّأس، بجامِعِ أنَّه زينةٌ وترَفُّهٌ باستعمالِ محظورٍ ((المجموع)) للنووي (7/ 376). . المَطْلَب الثَّامِنُ: متى تجِبُ الفِدْيةُ بلُبْسِ المَخِيطِ؟ تجب الفِدْيةُ بمجَرَّدِ اللُّبْسِ، ولو لم يستَمِرَّ زمنًا، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/259)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/519). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426). ؛ وذلك لأنَّه استمتاعٌ يحصُلُ بمجَرَّدِ الفِعْلِ؛ كالوَطْء في الفَرْجِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426). .المطلب التاسع: ما فِدْيتُه الجزاءُ بمِثلِه: وهو الصَّيدِسيأتي في بابِ الصَّيدِ. انظر أيضا: المبحث الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ، وما يجبُ فيها. المبحث الثَّاني: حَلْقُ الشَّعْر. المبحث الثَّالِث: تقليمُ الأظْفارِ. المبحث الرَّابِع: الطِّيبُ.