المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ الاغْتِسالِ للمُحْرِمِيُسنُّ الاغْتِسالُ للإحرامِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/344)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/143). ، والمالِكِيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/38)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/322). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/348). . وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال النووي: (اتَّفق العلماء على أنَّه يُستَحَبُّ الغُسْلُ عند إرادةِ الإحرامِ بحجٍّ أو عُمْرَةٍ أو بهما، سواءٌ كان إحرامُه من الميقاتِ الشَّرعيِّ أو غيرِه) ((المجموع)) (7/212). وقال أيضًا: (وهو مُجْمَعٌ على الأمْرِ به، لكِنْ مَذْهَبُنا ومذهب مالكٍ وأبي حنيفة والجمهورِ أنَّه مُستحَبٌّ، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجِبٌ) ((شرح النووي على مسلم)) (8/133). لكن قال ابنُ قُدامة: (وعلى كلِّ حالٍ؛ فمن أراد الإحرامَ استُحِبَّ له أن يغتَسِلَ قبلَه؛ في قول أكثر أَهْل العِلْم، منهم طاوس, والنخعي, ومالك, والثوري, والشافعي, وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 256). وقال ابنُ رشد: (واتَّفَق جمهور العلماء على أنَّ الغُسْلَ للإهلالِ سُنَّةٌ، وأنَّه من أفعالِ الْمُحْرِم) ((بداية المجتهد)) (1/336). .الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:1- عنْ جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أتينا ذا الحُلَيفةِ، فولَدَت أسماءُ بِنْتُ عُمَيسٍ محمَّدَ بنَ أبي بكرٍ، فأرسَلَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: كيف أصنَعُ؟ قال: اغتَسِلي، واستَثْفِري بثوبٍ، وأَحْرِمي)) رواه مسلم (1218). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه إذا كانت الحائِضُ أو النُّفَساءُ لا تنتَفِعُ مِن غُسْلِها في استباحَةِ العِبادَةِ كالصَّلاةِ، ومع ذلك أَمَرَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالاغتسالِ؛ فاغْتِسالُ المُحْرِم الطَّاهِرِ مِن بابِ أَوْلَى، وكان للسُّنِّيَّةِ وليس للوجوبِ؛ لأنَّ الأصْلَ هو براءَةُ الذِّمَّةِ، حتى يَثْبُتَ الوُجوبُ بأمرٍ لا مَدْفَع فيه ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/5)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/337). .2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((من السُّنَّةِ أن يغتسِلَ عند إحرامِه وعند مَدخَلِ مَكَّةَ)) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15847)، والبزار (6158)، والطبراني (13/273) (14034) قال البزار: لا نعلَمُه يُروى عن ابنِ عُمرَ مِن وجهٍ أحسَنَ مِن هذا، ووثَّقَ رِجالَه الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (3/220)، وصَحَّحه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/350)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (1/179)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (719). . المَطْلَب الثَّاني: حُكْمُ اغْتِسالِ الحائِضِ والنُّفَساءِيُسنُّ للحائِضِ والنُّفَساءِ الغُسْلُ للإحرامِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة قال ابنُ عبدِ البرِّ: (جمهورُ العلماء يستحِبُّونه ولا يُوجِبونَه، وما أعلمُ أحدًا من المتقدِّمين أوجَبَه إلا الحَسَن البصري؛ فإنَّه قال في الحائِضِ والنُّفَساء: إذا لم تغتَسِلْ عند الإهلالِ اغتسلت إذا ذَكَرَت. وبه قال أهلُ الظَّاهر؛ قالوا: الغُسْلُ واجبٌ عند الإهلالِ على كلِّ من أراد أن يُهِلَّ، وعلى كلِّ من أراد الحَجَّ طاهرًا كان أو غيرَ طاهرٍ) ((الاستذكار)) (4/5). وقال النووي: (وفيه صحَّةُ إحرامِ النُّفَساءِ والحائض، واستحبابُ اغتسالِهما للإحرامِ، وهو مُجمَعٌ على الأمْرِ به، لكنْ مذهَبُنا ومذهب مالك وأبي حنيفة، والجمهورُ أنَّه مستحَبٌّ، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجِبٌ) ((شرح النووي على مسلم)) (8/133). : الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/344)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/143). ، والمالِكِيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/38)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/322). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/348). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((... فخَرَجْنا معه، حتى أتَيْنا ذا الحُلَيفةِ، فولَدَت أسماءُ بِنْتُ عُمَيسٍ مُحمَّدَ بنَ أبي بكرٍ، فأرسَلَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: كيف أصنَعُ؟ قال: اغتَسِلي، واستَثْفِري بثوبٍ، وأَحْرِمي)) رواه مسلم (1218). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قَوْلَه: ((اغتسلي)) أمرٌ لها بأن تغتَسِلَ مع أنَّها نُفَساءُ لا تَسْتَبيحُ باغتِسالِها هذا الصَّلاةَ، ولا غَيْرَها مِمَّا تُشتَرَطُ له الطَّهارةُ ((شرح السنة)) للبغوى (7/ 43). .ثانيًا: أنَّه غُسلٌ يُراد به النُّسُكُ؛ فاستوى فيه الحائِضُ والطَّاهِرَة ((المجموع)) للنووي (7/211). .ثالثًا: لأنَّ المقصودَ مِن غُسْلِ الإحرامِ: التنظيفُ، وهما أجدَرُ بذلك ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/ 100). .المَطْلَب الثَّالِث: استحبابُ تَلبيدِ الرَّأْسِ يُستحَبُّ للمُحْرِمِ بعد غُسْلِ الإحرامِ أن يُلَبِّدَ التلبيدُ: ضَفْرُ الرَّأسِ بالصَّمْغِ أو الخَطْميِّ وشِبْهِهما مِمَّا يَضُمُّ الشَّعرَ ويَلْزَقُ بعضَه ببعضٍ بما يُسَكِّنه ويمنَعُه من الانتفاشِ والتمَعُّط. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/385)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/89، 90)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321). والخَطْمِيُّ: ضرب من النبات يُغْسَلُ به الرَّأس. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/186). رأسَه قال البغوي: (وإنَّما يفعَلُه مَنْ يطولُ مكْثُه في أعمالِ الحَجِّ وقَضاءِ مَناسكِه، دونَ المعتَمر الَّذي يتحلَّلُ بطوافٍ وسَعْيٍ). ((شرح السنة)) (7/79). ، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/220)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/479). ، وقولٌ للحَنَفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/26)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم(3/5). ، وقولٌ للمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/143) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/548، 549). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال النووي: (وقوله صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((لبَّدْتُ رأسي وقلَّدْتُ هَدْيي)) فيه استحبابُ التلبيدِ وتَقْليد الهَدْيِ، وهما سُنَّتان بالاتفاق). ((شرح النووي على مسلم)) (8/212). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يُهِلُّ مُلَبِّدًا التلبيدُ: أن يُضَفِّرَ رأسَه ويجعَلَ فيه شيئًا من صَمْغٍ وشِبْهِه؛ ليجتمِعَ ويتلبَّدَ؛ فلا يتخَلَّلَه الغبارُ، ولا يُصيبَه الشَّعَث، ولا يحصل به القَمْل. يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (11/ 111). )) رواه البخاري (1540)، ومسلم (1184). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ إهلالَ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم مُلَبِّدًا؛ دَلَّ على استحبابِ تَلبيدِ الرَّأْسِ قبل الإحرامِ ((شرح النووي على مسلم)) (8/89، 90). . 2- وعن حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أمَرَ أزواجَه أن يَحْلِلْنَ عامَ حَجَّةِ الوداعِ، قالت حفصة: فقُلْتُ: ما يمنَعُك أن تُحِلَّ؟ فقال: إنِّي لبَّدْتُ رأسي، وقَلَّدْتُ هَدْيِي، فلا أُحِلُّ حتى أنحَرَ هَدْيِي)) رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229) واللفظ له. . فيه دليلٌ على استحبابِ تلبيدِ شَعْرِ الرأسِ عند الإِحرامِ ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321). .3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال في المُحْرِمِ الذي خَرَّ مِن بَعيرِه مَيِّتًا: ((اغْسِلوه بماءِ سِدْرٍ، وكفِّنُوه في ثَوْبَيْه، ولا تُمِسُّوه بطِيبٍ، ولا تُخَمِّرُوا رأْسَه؛ فإنَّه يُبْعَثُ يومَ القيامَةِ مُلَبِّدًا)) رواه البخاري (1267)، ومسلم (1206) واللفظ له. . ثانيًا: أنَّ ذلك أرفَقُ به؛ لِكَوْنه يُسَكِّنُ شَعْرَه، ويَجْمَعُه، فلا يتولَّدُ فيه القَمْلُ، ولا يتخَلَّلُه الغُبارُ، ولا يتشَعَّثُ، ولا ينتَفِشُ في مدَّةِ الإحرامِ ((شرح السنة)) للبغوي (7/79)، ((المجموع)) للنووي (7/220). . انظر أيضا: المبحث الثَّاني: إحرامُ الرَّجُلِ في إزارٍ ورِداءٍ . المبحث الثَّالِث: التَّطَيُّبُ. المبحث الرَّابِع: الإحرامُ عَقِبَ صلاةٍ، وهل له صلاةٌ تَخُصُّه؟. المبحثُ الخامِسُ: التَّلْبِيَةُ  .

يُستحَبُّ للرجُلِ أن يُحْرِمَ في إزارٍ ورداءٍ قال الزيلعي: (لأنَّه ممنوعٌ مِن لُبْسِ المَخِيط، ولا بُدَّ مِن سَتْرِ العورة ودَفْعِ الحَرِّ والبَرْد). ((تبيين الحقائق)) (2/9). والأفضلُ أن يكونا أبيضينِ. يُنْظَر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/481)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/9)، ((المجموع)) للنووي (7/214)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/72)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/407). . الدليلُ مِنَ الإجماعِ:نقلَ الإجماعَ على ذلك النَّوَوِيُّ قال النووي: (السنَّة أن يُحرِمَ في إزارٍ ورداءٍ ونعلينِ، هذا مُجمَعٌ على استحبابِه كما سبق في كلامِ ابن المُنْذِر) ((المجموع)) (7/217). يعني به قول ابن المُنْذِر الآتي: (وكان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي ومن تبعهم يقولون: يلبَسُ الذي يريد الإحرامَ إزارًا ورداءً) ((الإشراف)) (3/184). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (والسنَّةُ أن يُحرِمَ في إزارٍ ورداءٍ، سواء كانا مَخِيطينِ أو غيرَ مَخِيطينِ باتِّفاقِ الأئمَّة) ((مجموع الفتاوى)) (26/109). .مَسْألةٌ: إذا لم يجِدِ المُحْرِمُ إزارًا أو لم يَجِدْ نَعْلًاإنْ لم يَجِدِ الْمُحْرِمُ إزارًا، لَبِسَ السَّراويلَ، وإن لم يجِدْ نَعْلينِ، لَبِسَ الخُفَّينِ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((سمعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يخطُبُ بعرفاتٍ: من لم يَجِدْ النَعْلَينِ فلْيَلْبَسِ الخفَّينِ، ومن لم يَجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سراويلَ)) رواه البخاري (1841) واللفظ له، ومسلم (1178). .2- عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((سأل رجل رسولَ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم، فقال: ما يَلبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فقال: لا يَلْبَسِ القميصَ، ولا السَّراويلَ، ولا البُرْنُسَ، ولا ثوبًا مَسَّه الزَّعفرانُ، ولا وَرْسٌ، فمَن لم يجِدِ النَّعْلينِ فلْيَلْبَسِ الخُفَّينِ)) رواه البخاري (366) واللفظ له، ومسلم (1177). . 3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((مَن لم يجِدْ نَعْلينِ فلْيَلْبَس خُفَّينِ، ومَن لم يجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سَراويلَ)) رواه مسلم (1179). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (لا نعلم خلافًا بين أَهْل العِلْم في أنَّ للمُحْرِم أن يلبَسَ السَّراويل إذا لم يجد الإزارَ، والخُفَّين إذا لم يجِدِ النَّعْلينِ) ((الإشراف)) (3/222). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (لا نعلمُ خلافًا بين أَهْل العِلْم، في أنَّ للمحرمِ أن يلبس السَّراويل، إذا لم يجِدِ الإزارَ، والخُفَّين إذا لم يجد نعلينِ) ((المغني)) (3/281). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الاغتسالُ. المبحث الثَّالِث: التَّطَيُّبُ. المبحث الرَّابِع: الإحرامُ عَقِبَ صلاةٍ، وهل له صلاةٌ تَخُصُّه؟. المبحثُ الخامِسُ: التَّلْبِيَةُ  .

المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ الطِّيبِ قَبْلَ الإحرامِيُسَنُّ التطَيُّبُ في البَدَنِ- لا في الثِّيابِ- قبل الدُّخولِ في الإحرامِ؛ استعدادًا له، ولو بَقِيَ أَثَرُه بعدَ الإحرامِ، وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/345)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 479). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/218)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/479). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/360)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/406). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال النووي: (وبه قال جمهور العلماء مِنَ السَّلَف, والخلف, والمحدِّثين, والفقهاء؛ منهم: سعد بن أبي وقاص, وابن عباس, وابن الزبير, ومعاوية, وعائشة, وأم حبيبة, وأبو حنيفة, والثوري, وأبو يوسف, وأحمد, وإسحاق, وأبو ثور, وابن المُنْذِر, وداود وغيرهم) ((المجموع)) (7/221-222)، ويُنْظَر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/258). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كنتُ أطَيِّبُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم لإحرامِه قبل أن يُحْرِمَ، ولِحِلِّه قبل أن يَطوفَ بالبَيْتِ)) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1189) واللفظ له. .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كأنِّي أنظُرُ إلى وَبيصِ الطِّيبِ وبِيصُ الطِّيبِ: أي بَرِيقُه. ((لسان العرب)) لابن منظور (7/ 104). في مفارِقِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم وهو مُحْرِمٌ)) رواه البخاري (1538)، ومسلم (1190). . 3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها)) رواه أبو داود (1830) واللفظ له، وأحمد (24546)، وأبو يعلى في ((المسند)) (4886 )، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (9052 ). حسنه النووي في ((المجموع)) (7/219) وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (2/307): ثابت، ووثق رجال إسناده الشَّوْكاني في ((السيل الجرار)) (2/181) وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1830)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1622). .ثانيًا: أنَّ الطِّيبَ معنًى يرادُ للاستدامَةِ؛ فلم يمنَعِ الإحرامُ مِنِ استدامَتِه؛ كالنِّكاحِ ((المجموع)) للنووي (7/222). .ثالثًا: أنَّ المقصودَ مِنِ اسْتِنانِه حصولُ الارتفاقِ به حالةَ المنْعِ منه كالسَّحورِ للصَّوْمِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/345). .المَطْلَب الثَّاني: التطيُّبُ في ثَوْبِ الإحرامِيُمنَعُ الْمُحْرِمُ مِن تطييبِ ثيابِ إحرامِه قبل الإحرامِ وبَعدَه، وهو مَذْهَبُ الحَنَفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/345)، ويُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/394). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/220)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/226). ، وقولٌ للشافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/71)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/270). ، وقولٌ للحَنابِلَةِ، اختاره الآجريُّ ((الفروع)) لابن مفلح (5/325)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/407). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (لا يجوز للمُحْرِم أن يضع الطِّيبَ على الرداء والإزار، وإنما السنَّة تطييبُ البدن؛ كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يُطَيِّبها عند الإحرام؛ لقوله- عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: «لا تلبسوا شيئًا من الثياب مَسَّه الزَّعفران أو الوَرْس». فالسنَّة أنَّه يتطيب في بدنه فقط، أمَّا ملابس الإحرام فلا يُطَيِّبها، وإذا طَيَّبَها لا يَلْبَسها حتى يَغْسِلَها أو يُغَيِّرَها. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/125-126). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (قال بعض العلماء: لا يجوز لُبْسُه إذا طيَّبه؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تَلْبَسوا ثوبًا مَسَّه الزعفران ولا الوَرْس))، فنهى أن نلبس الثَّوبَ المطَيَّب، وهذا هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) (7/65). . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال في المُحْرِم: ((لا يَلْبَسْ ثوبًا مَسَّه وَرْسٌ ولا زَعْفران)) رواه البخاري (366)، ومسلم (1177). .ثانيًا:أنَّ الطِّيبَ يبقى في الثَّوبِ ولا يُستَهْلَك بخلافِ البَدَنِ، فلا يُقاسُ عليه ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/172)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/65). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الاغتسالُ. المبحث الثَّاني: إحرامُ الرَّجُلِ في إزارٍ ورِداءٍ . المبحث الرَّابِع: الإحرامُ عَقِبَ صلاةٍ، وهل له صلاةٌ تَخُصُّه؟. المبحثُ الخامِسُ: التَّلْبِيَةُ  .

المَطْلَب الأوَّل: الإحرامُ عَقِبَ صلاةٍيُستَحَبُّ الإحرامُ بعد صلاةٍ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (واستحبَّ الجميعُ أن يكون ابتداءُ المُحْرِم بالتَّلبية بإِثْرِ صلاةٍ يُصَلِّيها نافلةً أو فريضةً من ميقاتِه) ((التمهيد)) (15/132). وقال ابنُ رشد: (واستحبَّ الجميعُ أن يكون ابتداءُ المُحْرِم بالتَّلبية بإثْرِ صلاةٍ يُصَلِّيها نافلةً أو فريضةً من ميقاتِه إذا كانت صلاة لا يُتَنَفَّل بعدها) ((بداية المجتهد)) (1/338). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة، الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/137)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/346)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/144). ، والمالِكِيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/364)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/147). ، والشَّافِعِيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/272) ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (2/315)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/480). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/307)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/407). .الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صلى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم الظُّهْرَ بذي الحُلَيفَةِ، ثم دعا بناقَتِه فأشْعَرَها في صَفحةِ سَنامِها الأيمَنِ، وسَلَتَ الدَّمَ، وقَلَّدَها نَعلَينِ، ثم رَكِبَ راحِلَتَه، فلمَّا استوَتْ به على البَيداءِ أَهَلَّ بالحَجِّ)) رواه مسلم (1243). .2- عن نافعٍ قال: ((كان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما إذا أراد الخروجَ إلى مَكَّةَ ادَّهَنَ بدُهْنٍ، ليس له رائحةٌ طَيِّبةٌ، ثم يأتي مسجِدَ الحُلَيفَة، فيصلِّي ثم يركَبُ، وإذا استوَتْ به راحِلَتُه قائمةً أحرَمَ، ثم قال: هكذا رأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يفعَلُ)) رواه البخاري (1541)، ومسلم (1184) واللفظ له. .3- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، كان يقول: كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يركَعُ بذي الحُلَيفة ركعتينِ، ثم إذا استوَتْ به النَّاقَةُ قائمةً عند مسجِدِ ذي الحُلَيفَة، أهَلَّ بهؤلاءِ الكلماتِ رواه مسلم (1184). .المَطْلَب الثَّاني: هل للإحرامِ صَلاةٌ تخصُّهليس للإحرامِ صلاةٌ تَخُصُّه، وهو قولُ بعضِ الشَّافِعِيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/272) وذهب إلى ذلك السبكي وتبعه الزركشي: أنَّه لم يثبُتْ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم صلَّى للإحرامِ صلاةً خاصة، وأنَّ الذي ثبت ودلَّ عليه كلام الشافعي وقوعُ الإحرامِ إِثْرَ صلاة. يُنْظَر: ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (2/315). وروايةٌ عن أحمَدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (3/307). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يُسْتَحَبُّ أن يُحْرِمَ عقيب صلاةٍ: إمَّا فرض وإمَّا تطوُّع إن كان وقتَ تطوُّع؛ في أحد القولين، وفي الآخَرِ: إن كان يصلِّي فرضًا أحرَمَ عقيبَه، وإلَّا فليس للإحرامِ صلاةٌ تخصُّه، وهذا أرجح) ((مجموع الفتاوى)) (26/108-109). قال المرداوي: (واختار الشيخ تقي الدين أنَّه يُستحَبُّ أن يُحْرِمَ عقيبَ فَرْضٍ إن كان وقْتَه، وإلا فليس للإحرامِ صلاة تخصه) ((الإنصاف)) (3/307). ، وابنُ القَيِّم قال ابنُ القيم: (ولم يُنقلْ عنه أنَّه صلى للإحرامِ ركعتين، غيرَ فَرْضِ الظُّهر). ((زاد المعاد)) (2/107) والألبانيُّ قال الألباني: (وليس للإحرام صلاةٌ تخصُّه، لكن إن أدركته الصلاةُ قبل إحرامه فصلَّى ثم أحرم عَقِبَ صلاته، كان له أسوةٌ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم؛ حيث أحرم بعد صلاة الظُّهْرِ) ((مناسك الحَجِّ والعُمْرَة)) (ص15). وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وقال بعض أَهْل العِلْم: إنَّه ليس للإحرام صلاةٌ خاصَّة، وإنما يُحْرِم الإنسان بمجرَّد أن ينتهي من الاغتسالِ والتطيُّب ولِباسِ ثيابِ الإحرامِ بدون صلاة، إلَّا إذا كان وقت صلاةٍ مشروعةٍ، مثل: أن يكون في الضحى فيُصَلِّي صلاة الضحى ويُحْرِم عقبها، أو يريد أن يصلِّي ركعتين سنة الوضوء فيُحْرِم عَقِبَها، وهذا هو الصوابُ؛ إذا كان من عادته أن يفعله- يعني: من عادته أن يصلِّي صلاة الضحى، ومن عادَتِه أن يصلِّي إذا توضأ- أمَّا إذا صلَّى وليس من عادَتِه ذلك، فمعروف أنَّه إنَّما أراد الصَّلاةَ في الإحرام) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء: 177). ؛ وذلك لأنَّه لم يَرِدْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم صلاةٌ خاصَّةٌ بالإحرامِ، وأنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم إنَّما أحرَمَ عَقِبَ الفريضةِ ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/101), ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/69). .المَطْلَب الثَّالِث: متى يكونُ الإحرامُ؟يُستحَبُّ أن يُحْرِمَ إذا استَوَتْ به راحِلَتُه قال النوويُّ: (قولُه في هذا الباب عن ابنِ عُمَرَ، قال: ((فإنِّي لم أرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حتى تنبعِثَ به راحِلَتُه))، وقال في الحديث السابق: ((ثم إذا استوت به النَّاقة قائمةً عند مسجد ذي الحُلَيفة أهَلَّ))، وفي الحديث الذي قبلَه: ((كان إذا استوَتْ به راحلَتُه قائمةً عند مسجدِ ذي الحُلَيفةِ أهَلَّ))، وفي رواية:((حين قام به بعيرُه))، وفي رواية: ((يُهِلُّ حين تستوي به راحلتُه قائمةً))، هذه الروايات كلُّها متَّفقة في المعنى، وانبعاثُها هو استواؤُها قائمةً، وفيها دليلٌ لمالك والشافعي والجمهور: أنَّ الأفضل أن يُحْرِمَ إذا انبعثت به راحِلَتُه) ((شرح النووي على مسلم)) (8/93-94)، ((المجموع)) (7/216). ، وهذا مَذْهَبُ المالِكِيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/522)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/106). ("قوله: بإِثْر صلاة" ليس على ظاهِرِه من إحرامِه بعد السَّلام بل حتى يستوي على راحلته إن كان له راحلةٌ يَرْكَبها، أو حتى يُسْرع في مشيه حالَ كونه يقول، وهذا على جهة الأولويَّة؛ إذ لو أحرم الراكبُ قبل أن يستويَ وأحرم الماشي قبل مَشْيِه كفاه ذلك. "قوله: يقول لبيك إلخ" أي في حالِ كونه قائلًا؛ أي: على جِهَة السُّنِّيَّة، وملخَّصُه أنَّ التلبِيَة في نفسها واجبةٌ ويُسَنُّ مقارَنَتُها للإحرام) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) ، والأصَحُّ عند الشَّافِعِيَّة قال النووي: (هل الأفضل أن يُحْرِم عقب صلاةِ الإحرامِ وهو جالسٌ، أم إذا انبعثت به راحلَتُه متوجهةً إلى مَقْصِده حين ابتداء السَّيْر؟ فيه قولان، وهما مشهوران ذكرهما المصنِّفُ بدليلهما: (القديم) عَقِبَ الصلاة (والأَصَحُّ) نَصه في الأم أنَّ الأفضَلَ حين تنبعِثُ به دابَّتُه إلى جهة مَكَّة إن كان راكبًا أو حين يتوجَّه إلى الطريق إن كان ماشيًا) ((المجموع)) (7/221)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/481) ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (والمذهَبُ على ما حكينا، وأنَّ المستحبَّ: أن يُحرِمَ دُبُرَ الصلاة، ومعنى قولنا: إذا استوى على راحِلَتِه: أنَّها الحال التي يريد أن يأخُذَ في المَسِير. وقد نقل عبد الله عن أبيه: أنَّه يلبَسُ ثوبين ثم يُقَلِّدُ بَدَنَتَه ثم يُشْعِرُ ثم يُحْرِمُ، هكذا الأمر، هكذا يروى عن النبيِّ- صلَّى الله عليه وسَلَّم-. وعلى هذا: يستحَبُّ الإحرام إذا ركب وأرادَ الأخْذَ في السير؛ لأنَّ تقليدَ الهَدْيِ وإشعارَه بعد الصَّلاة، وقد جَعل الإحرامَ بعده) ((شرح عمدة الفقه)) (2/421). وقال: (فهذه نصوصٌ صحيحة أنَّه إنَّما أهلَّ حين استوَتْ به راحِلَتُه واستوى عليها، ورواتُها مثل ابن عمر وجابر وأنس وابن عباس في رواية صحيحة...) ((شرح عمدة الفقه)) (2/425). ، والشِّنْقيطيِّ قال الشِّنْقيطيُّ: (أظهر أقوالِ أَهْل العِلْم فيه: أنَّه أوَّلُ الوقت الذي يرَكْبَ فيه مركوبَه عند إرادةِ ابتداء السَّيْر، لصِحَّة الأحاديث الواردة بأنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم أهلَّ حين استوت به راحلته) ((أضواء البيان)) (5/4). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (والأفضلُ أن يكون التلفُّظُ بذلك بعد استوائِه على مركوبه من دابَّة أو سيارة أو غيرهما؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم إنما أهلَّ بعد ما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقاتِ للسَّيْر، هذا هو الأصَحُّ من أقوال أَهْل العِلْم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/41). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الأقرب أنَّه يلبِّي إذا ركب السيارة) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/99). وقال: (نحن جرَّبْنا فائدةَ كَوْنِه لا يلَبِّي إلَّا إذا ركب؛ لأنَّه أحيانًا يتذكَّرُ الإنسانُ شيئًا كطِيبٍ أو شِبْهِه، فإذا قلنا: أحْرِمْ بعد الصلاةِ لم يتمكَّنْ من استعمالِ الطِّيبِ بعد الإحرامِ، لكِنْ إذا قلنا: لا تُلَبِّ ولا تُحْرِمْ إلا بعد الرُّكوبِ، حصل في ذلك فُسحَةٌ، إلَّا إذا صَحَّ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، فإنَّه يبدأُ بالتَّلبِيَة عَقِبَ الصَّلاةِ) ((الشرح الممتع)) (7/103). وقال أيضًا: (لكنَّ الأحسَنَ والأرفَقَ بالنَّاسِ ألَّا يلبي حتى يستوِيَ على ناقَتِه؛ لأنَّه قد يحتاجُ إلى شيءٍ؛ فقد يكون نَسِيَ أن يتطيَّبَ مثلًا، وقد يتأخَّر في الميقاتِ بعد أن يصلِّي الرَّكعتين، ركعتَي الوضوء، أو الصَّلاة المفروضة مثلًا، فالأرفَقُ به أن تكون تلبيَتُه إذا استوى على ناقَتِه، وإن لبَّى قبل ذلك فلا حَرَج) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/509). .الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((صلَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالمدينةِ أربعًا، وبذي الحُلَيفة ركعتينِ، ثم بات حتى أصبَحَ بذي الحُلَيفة، فلمَّا رَكِبَ راحِلَتَه واستَوَتْ به أهَلَّ)) رواه البخاري (1546) واللفظ له، ومسلم (690). .2- عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم يركَعُ بذي الحُلَيفة ركعتينِ، ثم إذا استَوَت به النَّاقةُ قائمةً عند مسجِدِ ذي الحُلَيفةِ، أهَلَّ بهؤلاءِ الكَلِماتِ رواه البخاري (1541)، ومسلم (1184) واللفظ له. .3- عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم ركِبَ راحِلَتَه بذي الحُلَيفة، ثم يُهِلُّ حين تستوي به قائمةً)) رواه البخاري (1514)، ومسلم (1187) واللفظ له. .4- عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّه سَمِعَ أباه، يقول: ((ما أهلَّ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم إلَّا مِن عِنْدِ الشَّجرةِ حين قامَ به بعيرُه)) رواه مسلم (1186). .5- عن نافعٍ قال: ((كان ابنُ عمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما إذا أراد الخروجَ إلى مَكَّةَ ادَّهَنَ بدُهْنٍ، ليس له رائحةٌ طَيِّبةٌ، ثم يأتي مسجِدَ الحُلَيفةِ، فيُصَلِّي ثم يركَبُ، وإذا استوت به راحِلَتُه قائمةً أحرَمَ، ثم قال: هكذا رأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يفعَلُ)) رواه البخاري (1554) واللفظ له، ومسلم (1187). .6- عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((وأمَّا الإهلالُ فإنِّي لم أرَ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يُهِلُّ حتى تنبعِثَ به راحِلَتُه)) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187). .المَطْلَب الرَّابِع: التلفُّظُ بالنُّسُكِ عَقِبَ الإحرامِ يُسْتَحَبُّ أن ينطِقَ بما أحرَمَ به مِن حَجٍّ أو عُمْرَةٍ قال ابنُ عُثيمين: (واعلم أنَّ النيَّةَ محلُّها القلْبُ؛ ولهذا قال الرسولُ صلَّى الله عليه وسَلَّم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى»، فليست من أعمالِ الجوارح؛ ولهذا نقول: إنَّ التلفُّظَ بها بدعةٌ، فلا يُسَنُّ للإنسانِ إذا أراد عبادةً أن يقول: اللهُمَّ إنِّي نويت كذا؛ أو أردْتُ كذا، لا جهرًا ولا سرًّا؛ لأنَّ هذا لم يُنقَلْ عن رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ولأنَّ الله تعالى يعلم ما في القلوبِ، فلا حاجة أن تَنْطِقَ بلسانك ليَعْلَمَ ما في قلبك، فهذا ليس بذِكْرٍ حتى يُنطَقَ فيه باللِّسان، وإنما هي نيَّةٌ، محلُّها القلبُ، ولا فَرْقَ في هذا بين الحَجِّ وغيره؛ حتى الحَجُّ لا يُسَنُّ للإنسانِ أن يقول: اللَّهُمَّ إنِّي نويْتُ العُمْرَةَ؛ أو نَوَيْتُ الحَجَّ، لأنَّه لم يُنقَلْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ولكن يلبِّي بما نوى، والتَّلبيةُ غيرُ الإخبارِ بالنيَّةِ؛ لأنَّ التلبِيَة تتضمَّنُ الإجابةَ لله، فهي بنَفْسِها ذِكْرٌ ليست إخبارًا عمَّا في القلب، ولهذا يقول القائِلُ: لبَّيْك عُمْرَةً أو لبَّيْكَ حجًّا) ((الشرح الممتع)) (2/291). وقالت اللَّجْنَة الدَّائِمَة: (الإحرامُ هو نيَّةُ الدُّخولِ في النُّسُك، والتلفُّظُ بالنُّسُك عند ذلك والتَّلْبِيَة ليسا بلازِمَينِ، بل هما سنَّة) ((فتاوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة- المجموعة الثَّانية)) (10/130). وهو مَذْهَبُ الحَنَفيَّةِ ((حاشية ابن عابدين)) (2/483)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/346)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/144). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/408)، ويُنظر: ((شرح عمدة الفقه)) لابن تيميَّة (2/436). ، واختارَه ابنُ تيميَّة وقال ابنُ تيميَّة: (في الحَجِّ إنما كان يستفتِحُ الإحرامَ بالتَّلبِيَة، وشَرَعَ للمسلمينَ أن يُلَبُّوا في أوَّلِ الحَجِّ، «وقال صلَّى الله عليه وسَلَّم لضباعة بنت الزبيرِ: حُجِّي واشترطي، فقولي: لبَّيكَ اللهم لبيك، ومحلِّي حيث حبَسْتَني» فأمرها أن تشتَرِطَ بعد التَّلْبِيَة. ولم يَشْرَع لأحد أن يقول قبل التَّلْبِيَة شيئًا. لا يقول: اللهمَّ إني أريد العُمْرَة والحَجَّ، ولا الحَجَّ والعُمْرَة، ولا يقول: فيَسِّرْه لي وتقبَّلْه مني، ولا يقول: نويتُهما جميعًا، ولا يقول: أحرمتُ لله، ولا غير ذلك من العبادات كلِّها. ولا يقول قبل التَّلْبِيَة شيئًا، بل جعل التَّلْبِيَة في الحَجِّ كالتكبير في الصَّلاة. وكان هو وأصحابُه يقولون: فلانٌ أهل بالحَجِّ، أهلَّ بالعُمْرَة، أو أهلَّ بهما جميعًا. كما يقال كبَّرَ للصلاةِ، والإهلالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلبِيَة، وكان يقول في تلبيته: «لبيك حجًّا وعُمْرَة» ينوي ما يريد [أن] يفعَلَه بعد التَّلْبِيَة، لا قبلها. وجميع ما أحدَثَه النَّاس من التلفُّظ بالنِّيَّة قبل التكبيرِ وقبل التَّلبية وفي الطهارة وسائِرِ العبادات؛ فهي مِن البِدَع) ((مجموع الفتاوى)) (22/222). وابنُ رَجَب وقال ابنُ رجب: (والنيَّة: هي قصْدُ القلب، ولا يجب التلفظُ بما في القلب في شيءٍ من العبادات،... ولا يُعْلَم في هذه المسائل نقلٌ خاصٌّ عن السَّلَف، ولا عن الأئمَّة إلا في الحَجِّ وحده، فإنَّ مجاهدًا قال: إذا أراد الحَجَّ يسمِّي ما يُهِلُّ به، ورُوِيَ عنه أنَّه قال: يُسَمِّيه في التَّلْبِيَة، وهذا ليس مما نحن فيه؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم كان يذكُرُ نُسُكَه في تَلْبِيَته، فيقول: لبيك عُمْرَةً وحجًّا»، وإنما كلامُنا في أنَّه يقول عند إرادَةِ عَقْدِ الإحرام: اللهمَّ إني أريد الحَجَّ أو العُمْرَةَ، كما استحَبَّ ذلك كثيرٌ من الفقهاءِ، وكلامُ مُجاهدٍ ليس صريحًا في ذلك) ((جامع العلوم والحكم)) (1/92). وابنُ باز وقال ابنُ باز: (النيَّةُ محلُّها القلب وصِفَتُها أن ينوِيَ بقَلْبِه أنَّه يحجُّ عن فلانٍ أو عن أخيه أو عن فلانِ بنِ فلانٍ هكذا تكون النِّيَّة، ويُستحَبُّ مع ذلك أن يتلفَّظَ فيقول: اللهمَّ لبَّيك حجًّا عن فلان أو لبَّيْك عُمْرَةً عن فلانٍ- عن أبيه أو عن فلان بن فلان حتى يؤكِّدَ ما في القلبِ باللَّفْظِ؛ لأنَّ الرسول- صلَّى الله عليه وسَلَّم- تلفَّظ بالحَجِّ، وتلفظ بالعُمْرَة، فدلَّ ذلك على شرعيَّة التلفُّظِ لِمَا نواه؛ تأسيًا بالنبي عليه الصَّلاةُ والسَّلام، وهكذا الصحابةُ تلفَّظوا بذلك كما علَّمَهُم نبيُّهم عليه الصَّلاةُ والسَّلام، وكانوا يرفعون أصواتَهم بذلك، هذه هي السنَّة، ولو لم يتلفَّظ واكتفى بالنيَّة كَفَت النيَّة) ((تحفة الأخوان)) (ص: 197)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/71). وبه أفتَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ جاء في فتوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة: (الإحرامُ هو نيَّة الدخول في النُّسُك، والتلفُّظ بالنُّسُك عند ذلك والتَّلْبِيَة ليسا بلازمينِ، بل هما سنة) ((فتاوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة- المجموعة الثَّانية)) (10/130). .الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:1- عن السَّائِبِ بنِ خلَّادٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال ((أتاني جبريلُ فأمرني أن آمُرَ أصحابي أن يرفَعوا أصواتَهم بالإهلالِ وبالتَّلْبِيَة)) أخرجه أبو داود (1814)، والترمذي (829) واللفظ له، والنسائي (2753)، وابن ماجه (2922)، وأحمد (16617). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (5/42): أصح رواية، وصَحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/258)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/152) والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (829)، وصَحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/225). .2- عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((أتاني الليلة آتٍ مِن رَبِّي، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المُبارَك، وقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ)) رواه البخاري (1534). . 3- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سمعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((لبَّيْكَ عُمْرَة وحجًّا)) رواه البخاري (4353، 4354)، ومسلم (1232) واللفظ له.. . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الاغتسالُ. المبحث الثَّاني: إحرامُ الرَّجُلِ في إزارٍ ورِداءٍ . المبحث الثَّالِث: التَّطَيُّبُ. المبحثُ الخامِسُ: التَّلْبِيَةُ  .

المَطْلَب الأوَّلُ: تعريفُ التَّلْبِيَةالتَّلْبِيَة لغةً: إجابةُ المنادي، وتُطْلَقُ على الإقامَةِ على الطَّاعَةِ ((لسان العرب)) لابن منظور (1/730). قال ابنُ القَيِّم: (في معنى التَّلْبِيَةِ ثمانيةُ أقوالٍ:  أحدهما: إجابةً لك بعدَ إجابةٍ؛ ولهذا المعنى كُرِّرَت التَّلْبِيَةُ إيذانًا بتكريرِ الإجابةِ.  الثَّاني: أنَّه انقيادٌ؛ مِن قَوْلِهم: لبَّبْتُ الرَّجُلَ: إذا قَبَضْتَ على تلابِيبِه، ومنه: لبَّبْتُه بردائِه. والمعنى انقَدْتُ لك وَسَعَتْ نفسي لك خاضعةً ذليلةً؛ كما يُفعَل بمن لُبِّبَ بردائِه وقُبِضَ على تلابِيبِه. الثَّالِث: أنَّه مِنْ لَبَّ بالمكانِ: إذا قام به ولَزِمَه، والمعنى: أنا مُقيمٌ على طاعَتِك، ملازِمٌ لها؛ اختاره صاحِبُ الصِّحاحِ.  الرابعُ: أنَّه مِن قَوْلِهم: داري تَلبُّ دارَك، أي: تواجِهُها وتُقابِلُها، أي مُواجَهَتُك بما تُحِبُّ مُتَوَجِّه إليك؛ حكاه في الصِّحاحِ عن الخليل.  الخامس: معناه: حبًّا لك بعد حُبٍّ؛ من قولهم: امرأة لَبَّة. إذا كانت مُحِبَّة لولَدِها.  السادس: أنَّه مأخوذٌ مِنْ لُبِّ الشَّيءِ وهو خالِصُه، ومنه لُبُّ الطَّعامِ، ولُبُّ الرجُلِ: عَقْلُه وقَلْبُه، ومعناه أخلصْتَ لي وقلبي لك، وجعلت لك لبِّي وخالصتي.  السابع: أنَّه من قولهم: فلانٌ رَخِيُّ اللَّبَب. وفي لُبٍّ رَخِيٍّ؛ أي: في حالٍ واسعةٍ مُنشَرِح الصدر، ومعناه أنا منشَرِح الصدر متَّسِع القَلْب لِقَبولِ دَعْوَتك وإجابَتِها، مُتَوَجِّه إليك بلَبَبٍ رَخِيٍّ، يوجَدُ المحبُّ إلى محبوبه لا بِكُرْه ولا تكَلُّف.  الثامن: أنَّه من الإلبابِ وهو الاقترابُ، أي: اقترابًا إليك بعد اقترابٍ، كما يتقرَّب المحِبُّ من محبوبِه) ((حاشية ابن القَيِّمِ على السنن)) (5/175). وقال ابنُ فارس: (اللام والباء أصلٌ يدلُّ على لزومٍ وثباتٍ، وعلى خلوصٍ وجودةٍ). ((معجم مقاييس اللغة)) (5/ 199) .التَّلْبِيَة اصطلاحًا: هي قولُ الْمُحْرِم: لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيكَ، لبَّيك لا شريكَ لك لبَّيك؛ إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلْك، لا شريكَ لك.فعَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ تلبيةَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيكَ، لبَّيكَ لا شريكَ لك لبَّيكَ؛ إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لك والمُلْك، لا شريكَ لك)) رواه البخاري (1549)، ومسلم (1184). ويُنظَر في معاني كلماتِ التَّلْبِيَة: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/103-110). .المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ التَّلْبِيَةالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ في الإحرامِ، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/481)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/88). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/320)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/419). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (وتُشرَع له التَّلْبِيَةُ في أثناءِ الطَّريقِ، فلو لم يُلَبِّ فلا شيء عليه؛ لأنَّ التَّلبِيَة سنَّةٌ مؤكَّدة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/76). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (التَّلْبِيَةُ سُنَّة للرِّجالِ والنِّساء، وهي: لبَّيك اللهم لبَّيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمةَ لك والمُلْك، لا شريك لك. وينبغي أن يذكُرَ نُسُكَه إن كان محرِمًا بعُمْرَةٍ أو حجٍّ، فيقول مع التلبِيَة: لبيك عُمْرَةً، إن كان محرمًا بعُمْرَةٍ، أو لبيك بحجَّةٍ، إن كان محرِمًا للحجِّ، أو لبيك عُمْرَة وحجًّا، إن كان مُحرِمًا بالقِرانِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/ 101) . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ 1- عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسَلَّم يُهِلُّ مُلَبِّدًا، يقول: لبَّيك اللَّهُمَّ لبَّيْك، لبَّيْك لا شريكَ لك لبَّيْك، إنَّ الحمْدَ والنِّعمَةَ لك والمُلْك، لا شريكَ لك. لا يزيدُ على هؤلاءِ الكَلِماتِ. وإنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِي الله عنهما كان يقول: كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يركَعُ بذي الحُلَيفة ركعتينِ، ثم إذا استوت به النَّاقَةُ قائمةً عند مسجِدِ ذي الحُلَيفة، أهلَّ بهؤلاءِ الكَلِماتِ)) رواه البخاري (5915)، ومسلم (1184) واللفظ له. .2- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال بجَمْعٍ: ((سمِعْتُ الذي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البَقَرة، ههنا يقول: لبَّيْك اللهُمَّ لبَّيْك...)) رواه مسلم (1283). .وَجْهُ الدَّلالَة مِنَ الحديثينِ:أنَّ هذا فِعْلُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، وهو يفيدُ الاستحبابَ ((المغني)) لابن قُدامة ((3/270) .ثانيًا: لأنَّ التَّلبِيَةَ ذِكْرٌ، فلم تَجِبْ في الحَجِّ والعُمْرَةِ كسائِرِ الأذكارِ فيهما ((المغني)) لابن قُدامة (3/270)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/419).  قال النووي: (اتَّفَقَ العلماءُ على استحبابِ التَّلْبية) ((المجموع)) (7/245).  وقال ابنُ عبد البرِّ: (والذِّكْرُ والدعاء في ذلك الموضِعِ وغيره من سائِرِ مواقِفِ الحَجِّ مندوبٌ إليه مستحَبٌّ؛ لِمَا فيه من الفَضْلِ ورجاءِ الإجابةِ، وليس بفَرْضٍ عند الجميع) ((التمهيد)) (2/91). .ثالثًا: لأنَّها عبادةٌ لا يجِبُ النُّطْقُ في آخِرِها؛ فلم يجِبِ النُّطْقُ في أوَّلِها كالصَّوم ((المهذب)) للشيرازي (1/375). .المَطْلَب الثَّالِثُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلبِيةِيُسنُّ للرجُلِ أن يرفَعَ صَوْتَه بالتَّلْبِيَة قال ابنُ باز: (... ولهذا شَرَع اللهُ رَفْعَ الصوت بالتَّلْبِيَة؛ ليعرفوا هذا المعنى؛ وليُحَقِّقوه؛ وليتَعَهَّدوه في قلوبِهم وألسِنَتِهم... فالسنَّة رَفْعُ الصَّوْتِ بهذه التَّلْبِيَة، حتى يعْلَمَها القاصي والداني، ويتعلَّمَها الكبيرُ والصغير، والرَّجل والمرأة، وحتى يستشعِرَ معناها ويتحقَّق معناها، وأنَّ معناها إخلاصُ العبادة لله وحده، والإيمانُ بأنَّه إلهُهم الحقُّ، خالِقُهم ورازِقُهم ومعبودُهم جلَّ وعلا، في الحَجِّ وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/205). . وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ ونصُّوا على أنَّه لا يُعْلِي صَوْتَه جدًّا بما يشُقُّ على نَفْسِه؛ خشيةَ أن يصيبَه ضَرَرٌ. مِنَ الحَنَفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 446)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 439)، ((الدر المختار)) للحصكفي (2/ 491). ، والمالِكِيَّة ((حاشية العدوي)) (1/ 660)، ويُنظر: ((كفاية الطالب الرباني)) للنفراوي (1/ 660). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/ 245)، ويُنظر: ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (4/ 140). ، والحَنابِلَة ((الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل)) للحجاوي (1/ 354)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال النووي: (قوله: خَرَجْنا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم نصرُخُ بالحَجِّ صُراخًا... فيه استحبابُ رَفْعِ الصوت بالتَّلْبِيَة، وهو متفقٌ عليه؛ بشَرْط أن يكون رفعًا مقتَصِدًا بحيث لا يؤذِي نَفْسَه... ورَفْعُ الرجلِ مندوبٌ عند العلماء كافَّةً) ((شرح النووي على مسلم)) (8/232). وذهب داود وابن حَزْم وبعض الظاهريَّة إلى الوجوب. يُنْظَر: ((المحلى)) لابن حَزْم (5/81)، ((المجموع)) للنووي (7/225). . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن السَّائِبِ بن خلَّادٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((أتاني جبريلُ صلى الله عليه وسلم فأَمَرَني أنْ آمُرَ أصحابي ومَن مَعي أن يرفَعُوا أصواتَهم بالإهلالِ، أو قال: بالتَّلْبِيَةِ؛ يريد أحدَهما)) أخرجه أبو داود (1814)، والترمذي (829) واللفظ له، والنسائي (2753)، وابن ماجه (2922)، وأحمد (16617). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (5/42): أصح رواية، وصَحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/258)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/152) والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (829)، وصَحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/225). .2- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((خَرَجْنا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم، نَصْرُخ بالحَجِّ صُراخًا)) رواه مسلم (1247). .المَطْلَب الرَّابِع: كيفيَّةُ تَلْبِيَةِ المرأةِالمرأةُ لا ترفَعُ صوتَها بالتَّلْبِيَة، وإنَّما تُلَبِّي سرًّا بالقَدْرِ الذي تُسمِعُ به نَفْسَها، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للبابرتي (4/ 273)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 514)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 421). ، والمالِكِيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/ 365)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 798)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 660). ، والشَّافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 73)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/ 474). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 421)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 305). ، وقالت به طائفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ المُنْذِر: (وقال ابنُ عمر: المرأةُ لا ترفع صَوْتَها بالتَّلْبِيَة، وبه قال عطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي. وقال سليمان بن يسار: السنَّة عندهم أنَّ المرأةَ لا ترفَعُ صَوْتَها بالإهلال) ((الإشراف)) (3/194). ويُنْظَر: ((منسك الإمام الشِّنْقيطيّ)) (2/196). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البرِّ: (وأجمع العُلَماء على أنَّ السُّنَّة في المرأة ألَّا ترفَعَ صَوْتَها، وإنما عليها أن تُسمِعَ نَفْسَها، فخرجت من جملة ظاهِرِ الحديث وخُصَّتْ بذلك) ((التمهيد)) (17/242)، ويُنْظَر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/57). وحكاه عنه ابن رشد، فقال: (وأجمع أَهْلُ العِلْم على أنَّ تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمَرَ هو أن تُسمِعَ نَفْسَها بالقول) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/337). ؛ وذلك لما يُخْشَى من رَفْعِ صَوْتِها مِنَ الفِتنةِ قال النووي: (والمرأةُ ليس لها الرفعُ؛ لأنَّه يُخافُ الفِتنةُ بِصَوْتها) ((شرح النووي على مسلم)) (8/90-91)، وانظر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/112-113). .المَطْلَب الخامس: وقتُ التَّلْبِيَةالفرع الأوَّل: ابتداءُ وقتِ التَّلْبِيَةيُسْتَحَبُّ ابتداء التَّلْبِيَة مِن حينِ الإحرامِ ويُسَنُّ أن يحمد اللهَ ويُسبِّحَه ويُكَبِّره قبل أن يُهِلَّ؛ كما في حديث أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم رَكِبَ حتى إذا استَوَتْ به على البيداءِ حَمِدَ الله وسَبَّحَ وكَبِرَ ثم أهَلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ. رواه البخاري (1551).  قال ابنُ حجر: (استحبابُ التَّسبيحِ وما ذُكِرَ معه قبل الإهلالِ؛ قَلَّ مَن تعرَّضَ لذِكْرِه مع ثُبوتِه). ((فتح الباري)) (3/412). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/346)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/137). ، والمالِكِيَّة ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (2/39)، ((حاشية العدوي)) (1/522)، ويُنظر: ((المعونة على مذهب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (1/521). ، والشَّافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/72)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/81). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/320)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/387)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/419). .الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:1- عن سالمٍ عن أبيه عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال: سمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يُهِلُّ مُلَبِّدًا، يقول: لبَّيْك اللهُمَّ، لبَّيكَ، لبَّيْك لا شريكَ لك لبَّيْك؛ إنَّ الحَمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلْك، لا شريك لك؛ لا يزيد على هؤلاءِ الكَلِماتِ، وإنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يقول: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم يركَعُ بذي الحُلَيفةِ ركعتينِ، ثم إذا استوَتْ به النَّاقَةُ قائمةً عند مسجِدِ ذي الحُلَيفَةِ، أهَلَّ بهؤلاءِ الكلماتِ رواه البخاري (5915)، ومسلم (1184) واللفظ له. .2- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((صلَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالمدينةِ أربعًا، وبذي الحُلَيفةِ رَكعتينِ، ثمَّ بات حتى أصبَحَ بذي الحُلَيفة، فلمَّا رَكِبَ راحِلَتَه واستَوَتْ به، أهلَّ)) رواه البخاري (1546) واللفظ له، ومسلم (690). .3- عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم ركِبَ راحِلَتَه بذي الحُلَيفة، ثم يُهِلُّ حين تستوي به قائمةً)) رواه البخاري (1514)، ومسلم (1187) واللفظ له. .الفرع الثَّاني: انتهاءُ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ في الحَجِّتنتهي التَّلْبِيَةُ في الحَجِّ عند ابتداءِ رَمْيِ جمرَةِ العَقَبةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ولا فَرْقَ في ذلك بين المُفْرِد، والقارِن، والمتمَتِّع لكنَّ المتمَتِّع يقطَعُ تلبِيَتَه للعُمْرَةِ عند شُروعِه في الطَّوافِ، ثم يلبِّي إذا أحرم للحَجِّ، فلا يزالُ يُلَبِّي حتى يشْرَع في رَمْيِ جَمْرةِ العَقَبةِ. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/371). ، وهذا مذهَبُ جُمْهورِ الفُقَهاءِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للشيباني (2/546)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/371). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (8/154)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/191). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/395)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/383). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَفِ منهم: ابن مسعود وابن عباس وميمونة رَضِيَ اللهُ عنهم، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري. ((المغني)) لابن قُدامة (3/383). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أردَفَ الفَضْلَ، فأخبَرَ الفَضْلَ: أنَّه لم يَزَلْ يُلَبِّي حتَّى رمى الجَمْرَةَ)) رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ نَصَّ في انتهاءِ التَّلْبِيَةِ عند رَمْيِ جَمْرَةِ العَقبَةِ، وقد جاء من روايةِ الفَضْلِ بنِ العَبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، وقد كان رديفَه يومَئذٍ، وهو أعلَمُ بحالِه مِن غَيْرِه قال الطحاوي: (قد جاءت عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم آثارٌ متواترة، بتلبِيَتِه بعد عرفةَ إلى أنْ رَمى جمرَةَ العَقَبَة) ((شرح معاني الآثار)) (2/224)، وانظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/383). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ سَخْبَرَة، قال: ((غدوتُ مع عبداللهِ بنِ مَسعودٍ مِن مِنًى إلى عرفاتٍ، فكان يلبِّي، قال: وكان عبداللهِ رجلًا آدَمَ له ضَفرانِ، عليه مِسحةُ أهلِ الباديةِ، فاجتمع عليه غوغاءُ مِن غَوغاءِ النَّاسِ، قالوا: يا أعرابيُّ إنَّ هذا ليس يومَ تلبيةٍ، إنَّما هو يومُ تَكبيرٍ، قال: فعند ذلك التفَتَ إليَّ، فقال: أجهِلَ النَّاسُ أم نَسُوا؟! والذي بعث محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بالحقِّ، لقد خرجتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فما ترَكَ التَّلبيةَ حتى رمى جَمرةَ العقبةِ، إلَّا أن يخلِطَها بتكبيرٍ أو تهليلٍ)) أخرجه أحمد (3961) واللفظ له، وابن خزيمة (2806)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4014). صححه الطحاوي، وابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/363)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (6/28) .ثانيًا:أنَّ التَّلْبِيَةَ للإحرامِ، فإذا رمى فقد شرَعَ في التحلُّلِ، فلا معنى للتَّلبِيَةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/191)، ((المجموع)) للنووي (8/154). .الفرع الثَّالِث: انتهاءُ وَقْتِ التَّلْبِيَة في العُمْرَةِتنتهي التَّلْبِيَة في العُمْرَةِ بالشُّروعِ في الطَّوافِ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/390)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/156). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (8/264)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/164). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/19). وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ المُنْذِر: (فقالت طائفةٌ: يقطع التَّلْبِيَة إذا افتَتَحَ الطوافَ، هذا قول ابن عباس، وعطاء، وعمرو، وابن مسعود، وطاووس، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وهو قولُ أكثرِ أَهْل العِلْمِ). ((الإشراف)) (3/378). وذهب إليه أكثَرُ أَهْلِ العِلْمِ ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/378)، ((شرح السنة)) للبغوي (7/186). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِعنِ ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (يلبِّي المعتَمِرُ حتى يفتتحَ الطَّوافَ) رواه الشافعي في ((الأم)) (3/529) والبيهقي (9679). جوَّدَ إسنادَه ابنُ حجر في تخريج ((مشكاة المصابيح)) (3/81). .ثانيًا: لأنَّه شَرَع في الرُّكْنِ المقصودِ، والتَّلْبِيَةُ إنَّما تكون قبل الوصولِ إلى المقصودِ، فإذا وصل إلى المقصودِ فلا حاجةَ إلى التَّلْبِيَة، فإذا شَرَعَ في الطوافِ فإنَّه يقطَعُ التَّلْبِيَةَ ويشتَغِلُ بذِكْرِ الطَّوافِ ((الشرح الممتع)) (7/279). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الاغتسالُ. المبحث الثَّاني: إحرامُ الرَّجُلِ في إزارٍ ورِداءٍ . المبحث الثَّالِث: التَّطَيُّبُ. المبحث الرَّابِع: الإحرامُ عَقِبَ صلاةٍ، وهل له صلاةٌ تَخُصُّه؟.