المَطْلَب الأوَّل: اشتراطُ الاستطاعَةِ في وُجوبِ الحَجِّالاستطاعَةُ شرطٌ في وجوبِ الحَجِّ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ:1- قال اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/386). [آل عمران: 97].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ اللهَ تعالى خصَّ المستطيعَ بالإيجابِ عليه، فيختَصُّ بالوجوبِ، وغيرُ المُستطيعِ لا يَجِبُ عليه ((المغني)) لابن قُدامة (3/214)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/33). .2- قال اللهُ تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]. ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ الحرَّ المسلم, العاقل, البالغ, الصحيح الجسم, واليدين, والبصر, والرِّجْلين, الذي يجد زادًا وراحلةً وشيئًا يتخلَّف لأهله مدةَ مُضِيِّه وليس في طريقه بحرٌ ولا خوفٌ، ولا منعه أبواه أو أحدهما؛ فإنَّ الحَجَّ عليه فرْض). ((مراتب الإجماع)) (ص: 41). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (أجمعت الأمَّةُ على وجوب الحَجِّ على المستطيعِ في العمر مرةً واحدةً). ((المغني)) (3/213). وقال أيضًا: (جملةُ ذلك أنَّ الحَجَّ إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعَة، لا نعلمُ في هذا كلِّه اختلافًا). ((المغني)) (3/213). ، والقُرطبيُّ قال القرطبي: (الحَجُّ إنما فَرْضُه على المستطيع إجماعًا)، ((تفسير القرطبي)) (4/150). ، والنَّوَوِيُّ قال النووي: (الاستطاعةُ شَرْطٌ لوجوبِ الحَجِّ بإجماعِ المسلمين). ((المجموع)) (7/63). .ثالثًا: انتفاءُ تكليفِ ما لا يُطاقُ شَرْعًا وعَقْلًا ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/386). .المَطْلَب الثَّاني: هل الاستطاعَةُ شَرْطُ إجزاءٍ في الحَجِّ؟الاستطاعة ليسَتْ شَرْطَ إجزاءٍ في الحَجِّ، فإذا تجشَّمَ غيرُ المستطيعِ المشَقَّة، فحجَّ بغيرِ زادٍ ولا راحلةٍ، فإنَّ حَجَّه يقعُ صحيحًا مُجْزئًا عن حَجِّ الفريضةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/335)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/459). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/447، 448)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/5). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/20). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 512)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/214). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ خَلْقًا من الصَّحابَة رَضِيَ اللهُ عنهم حَجُّوا ولا شيءَ لهم، ولم يُؤْمَرْ أحدٌ منهم بالإعادَةِ ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/33). .ثانيًا: أنَّ الاستطاعَةَ إنَّما شُرِطَتْ للوصولِ إلى الحَجِّ، فإذا وَصَل وفَعَل أجزَأَه ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/33). .ثالثًا: أنَّ سُقوطَ الوُجوبِ عن غَيْرِ المستطيعِ إنَّما كان لدَفْعِ الحَرَجِ، فإذا تحمَّلَه وقع عن حَجَّةِ الإِسْلامِ، كما لو تكَلَّفَ القيامَ في الصَّلاةِ والصيامِ مَنْ يسقُطُ عنه، وكما لو تكَلَّفَ المريضُ حضورَ الجُمُعةِ، أو الغنيُّ خطَرَ الطَّريقِ، وحَجَّ، فإنَّه يُجْزِئُ عنهم جميعًا ((المغني)) لابن قُدامة (3/214)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/391). .المَطْلَبُ الثَّالِث: إِذْنُ الوَالِدَيْنِ في حَجِّ الفَريضَةِليس للوالدينِ مَنْعُ الولَدِ المُكَلَّف من الحَجِّ الواجِبِ، ولا تحليلُه من إحرامِه، وليس للوَلَدِ طاعَتُهما في تَرْكِه، وإن كان يُستَحَبُّ له استئذانُهما؛ نصَّ على هذا فُقَهاءُ الحَنَفيَّةِ ((حاشية ابن عابدين)) (2/456)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 220) واشترطوا عدم حاجة أحد الوالدين إلى خدمة الولد. , والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (8/349)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/537). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/386)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/459). ، وهو أحَدُ القَوْلينِ للمالِكِيَّة نص المالِكِيَّة أن للأبوين منع الولد من تعجيل الفرض. ((الذخيرة)) للقرافي (3/183)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94). . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: 15].وجه الدَّلالَةِ: دلَّ قَوْلُه: فَلَا تُطِعْهُمَا على أنَّ طاعَةَ الوَالِدَينِ لازِمَةٌ ما لم يكُنْ فيها تَرْكُ طاعَةِ اللهِ ((تفسير الرازي)) (25/120). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: ((لا طاعَةَ في مَعْصِيَةِ اللهِ, إنَّما الطَّاعَةُ في المعروفِ)) رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سألْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ العَمَلِ أفضَلُ؟ قال: الصَّلاةُ على مِيقاتِها، قُلْتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قال: ثُمَّ بِرُّ الوالدَينِ، قُلْتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قال: الجهادُ في سبيلِ اللهِ)) رواه البخاري (2782) واللفظ له، ومسلم (85). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ فيه تقديمَ الصَّلاةِ على ميقاتِها على بِرِّ الوالِدَينِ، فدلَّ على أنَّ فرائِضَ الأعيانِ التي هي من حقوقِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ تُقَدَّمُ على فروضِ الأعيانِ التي هي من حقوقِ العِبادِ، فيُقَدَّمُ حَجُّ الفريضةِ على بِرِّ الوالدَينِ ((فتح الباري)) لابن رجب (3/46، 47). . ثالثًا: أنها قربة لا مخالفة عليه فيها فلا يجوز لهما منعه أو تحليله منها كالصوم ((المجموع)) للنووي (8/348). .رابعًا: أنها فرض عين فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/385). .خامسًا: أنَّ طاعَةَ الوالِدَينِ إنَّما تَلْزَمُ في غير المعصِيَةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/386). .المَطْلَبُ الرَّابِعُ: إذْنُ الوالِدَينِ في حَجِّ النَّافِلَةللأبوينِ مَنْعُ وَلَدَيْهما مِن حَجِّ التطَوُّعِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/332)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/456). ، والمالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/357)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/183)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (8/348)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/537). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/284)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/459). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه يلزَمُ طاعَةُ الوالدَينِ في غيرِ معصيَةٍ, ولو كانا فاسقَيْنِ؛ لعمومِ الأوامِرِ بِبِرِّهِما والإحسانِ إليهما ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/386). .ثانيًا: أنَّ للوالدينِ مَنْعَه من الجهادِ، وهو مِن فُروضِ الكِفاياتِ، فالتَّطَوُّعُ أَوْلى ((المغني)) لابن قُدامة (3/459). .المَطْلَبُ الخامِسُ: إذْنُ صاحِبِ العَمَلِمن أراد حَجَّ الفريضَةِ وكان بينه وبين غَيْرِه عَقْدٌ يُلْزِمُه بالعَمَلِ في أيَّامِ الحَجِّ أو بَعْضِها، فإنَّه يستأذِنُ منه, فإنْ أَذِنَ له وإلَّا وجب عليه الوَفاءُ بالعَقْدِ، وهذه فتوى ابنِ باز قال ابنُ باز جوابًا على سؤالٍ: (إذا كنتَ عاملًا ولم يأذَنوا لك فلا تُحْرِمْ، أمَّا إذا سمحوا لك بالإحرامِ فلا بأس، أما إذا كنت عاملًا عند أحدٍ تشتغِلُ عنده فليس لك الحَجُّ بغير إِذْنِهم؛ لأنَّك مربوطٌ بعَمَلِهم مستأجَرٌ, فعليك أن تُكْمِلَ ما بينك وبينهم, فالمسلمونَ على شروطهم... أمَّا كونُك تحُجُّ وهم ما أذنوا لك فهذا يُعتَبَر معصِيَةً، وإن كنت حَجَجْتَ صَحَّ الحَجُّ، لكنَّك عَصَيْتَ ربَّك في هذا؛ لأنَّك ضَيَّعْتَ بعضَ حَقِّهِم) ((فتاوى ابن باز)) (17/122-123). , وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين جوابًا على سؤالٍ: (لا يجوز الحَجُّ إلا بإِذْنِ مَرْجِعِك, فإنَّ الإنسانَ الموَظَّفَ ملتَزِمٌ بأداء وظيفته حسَبَما يُوجَّه إليه... فالعقد الذي جرى بين الموَظَّف وموظِّفِه عهدٌ يجب الوفاء به حسَبَما يقتضي العقدُ. أمَّا أن يتغيَّبَ الموظَّفُ ويؤدي الفريضةَ، وهو مطالَبٌ بالعمل ليس عنده إجازةٌ، فإنَّ هذا مُحَرَّمٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (21/60)، ويُنْظَر: (21/61). ، واللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ جاء في فتوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة في جوابها على أحَدِ السَّائلينَ: (إذا كان الواقِعُ ما ذُكِرَ فلا يجوز لك أن تسافِرَ عن المكان الذي وُكِّلَ إليك العَمَلُ فيه لحجٍّ أو عُمْرَةٍ أو غيرهما إلَّا بإِذْنِ مَرْجِعِك، وأنت والحالُ ما ذَكَرْتَ معذورٌ في تأخيرِ ذلك حتى تَجِدَ الفُرْصَةَ) ((فتاوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة- المجموعة الأولى)) (11/117). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قَوْلُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].2- قَوْلُه تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا [الإسراء: 34].ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِقوله صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((المُسْلِمونَ على شُروطِهم)) أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (2274)، وأخرجه موصولًا أبو داود (3594)، والحاكم (2309) واللَّفْظُ لهما من حديثِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. قال النووي في ((المجموع)) (9/367): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيح، وحسن إسناده ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/69)، وذكر ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (3/281) أنَّ فيه كثير بن زيد أسلمي: حديثُه حسَنٌ في الجملة. وقد اعتضد بمجيئه من طريقٍ أخرى، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594): حسنٌ صحيحٌ. .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ العقْدَ الذي جرى بين الموَظَّف ومُوَظِّفِه عَهْدٌ يجِبُ الوفاءُ بِشُروطِه حَسَبَما يقتضي العَقْدُ ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (21/60)، ((فتاوى ابن باز)) (17/122- 123). . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الاسْتِطاعَةِ. المبحثُ الثَّالِث: أقسامُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الرَّابِعُ: شروطُ الاستطاعَةِ . المبْحَثُ الخامِسُ: الاستطاعَةُ البَدَنِيَّةُ .

أقسامُ الاستطاعَةِ في الحَجِّ والعُمْرَةِ أربعةٌ:القِسْمُ الأوَّلُ: أن يكون قادرًا ببَدَنِه ومالِه: فهذا يلزَمُه الحَجُّ والعُمْرَةُ بنفسِه بإجماعِ أَهْلِ العِلْمِ ((مراتب الإجماع)) لابن حَزْم (ص 41)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/213)، ((المجموع)) للنووي (7/63). .القِسْم الثَّاني: أن يكونَ عاجزًا بمالِه وبَدَنِه: فهذا يسقُطُ عنه الحَجُّ والعُمْرَةُ بإِجْماعِ أَهْلِ العِلْمِ المراجع السابقة. .القِسْم الثَّالِث: أن يكون قادرًا ببَدَنِه عاجزًا بمالِه: فلا يلزَمُه الحَجُّ والعُمْرَة بلا خلافٍ قال ابنُ قُدامة: (إن لم يجدْ مالًا يستنيب به فلا حَجَّ عليه بغيرِ خلافٍ؛ لأنَّ الصَّحيحَ لو لم يجد ما يحُجُّ به لم يجِبْ عليه؛ فالمريضُ أولى). ((المغني)) (3/222). , إلَّا إذا كان لا يتوقَّفُ أداؤُهما على المالِ؛ مثل: أن يكونَ مِن أهْلِ مكَّةَ لا يشُقُّ عليه الخروجُ إلى المشاعِرِ ((سبل السلام)) للصنعاني (2/180)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/11). .القِسْم الرَّابِع:.أن يكون قادرًا بمالِه عاجزًا ببَدَنِه عجزًا لا يُرجى زَوالُه: فيجب عليه الحَجُّ والعُمْرَةُ بالإنابةِ وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة والحَنابِلَة كما سيأتي. . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الاسْتِطاعَةِ. المبحث الثَّاني: حُكْمُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الرَّابِعُ: شروطُ الاستطاعَةِ . المبْحَثُ الخامِسُ: الاستطاعَةُ البَدَنِيَّةُ .

المطلب الأول: من لا يستطيعُ أن يَثبُتَ على الآلةِ أو الرَّاحلة مَن كان مريضًا لا يَستمِسكُ على الرَّاحلةِ، أو مَعضوبًا المَعضوب: الضَّعيف والزَّمِن الذي لا حَراكَ به، كأنَّ الزَّمانةَ عَضبتْه ومنعتْه الحَركةَ. ينظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/184)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/414). ؛ فلا يلزمُه المسيرُ إلى الحجِّ. الأدلة:أولًا: من الكتابقال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].وجه الدلالة:أنَّ من لا يستطيعُ أن يَثبُتَ على الرَّاحلةِ أو يستَمسِكَ بها، فهو غيرُ مُستطيعٍ, فلا يجبُ عليه الحَجُّ بنَفسِه؛ لأنَّه إنما وجبَ على من استطاع إليه سَبيلًا ((المبسوط)) للسرخسي (4/275). .  ثانيًا: من السنةعن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه جاءَتْه امرأةٌ مِن خَثعَم تستفتيه، قالت: يا رسولَ الله، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحجِّ، أدرَكَت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أن يثبُتَ على الرَّاحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: نعم)) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334). ، وفي رواية: ((قالت: يا رسولَ الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ، عليه فريضةُ اللهِ في الحَجِّ، وهو لا يستطيعُ أن يستوِيَ على ظَهرِ بَعيرِه، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: فحُجِّي عنه)) رواه مسلم (1335). .ثالثًا: من الإجماعنقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ العَرَبيِّ قال ابنُ العربيِّ: (إنْ كان مريضًا، أو مَعضوبًا، لم يتوجَّه عليه المسيرُ إلى الحجِّ بإجماع من الأمَّة؛ فإنَّ الحج إنما فَرضَه الله على المستطيع إجماعًا؛ والمريض والمعضوب لا استطاعةَ لهما). ((أحكام القرآن لابن العربي)) (1/378). ، والقرطبيُّ قال القرطبيُّ: (مَن انتهى إلى ألَّا يقدِر أن يستمسكَ على الرَّاحلة ولا يثبُت عليها، بمنزلة مَن قُطِعت أعضاؤه؛ إذْ لا يقدِر على شيءٍ، وقد اختلف العلماءُ في حُكمهما بعد إجماعهم أنَّه لا يلزمهما المسيرُ إلى الحجِّ؛ لأنَّ الحج إنما فَرضُه على المستطيع إجماعًا، والمريضُ والمعضوبُ لا استطاعةَ لهما). ((تفسير القرطبي)) (4/150). ، وابنُ تيميَّة  قال ابنُ تيميَّة: (وكذلك الحجُّ: فإنَّهم أجمعوا على أنه لا يجبُ على العاجز عنه). ((مجموع الفتاوى)) (8/439). .المَطْلَب الثَّاني: مَن فَقَد الاستطاعَةَ البَدنيَّةَ هل يلزَمُه أن يُنِيبَ عنه؟من كان قادرًا بمالِه عاجزًا ببَدَنِه؛ فإنَّه يجب عليه الحَجُّ، بإرسالِ من ينوب عنه، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/469). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 519)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/222)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/31). ، وهو قولٌ للحَنَفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/416). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (من لا مالَ له، ولا قوَّةَ جسمٍ إلَّا أنَّه يجِدُ من يحجُّ عنه بلا أجرةٍ أو بأجرةٍ يَقْدِرُ عليها; فوجدنا اللُّغةَ التي بها نزَلَ القرآن وبها خاطَبَنا اللهُ تعالى في كلِّ ما ألزَمَنا إيَّاه؛ لا خلافَ بين أحدٍ مِن أهْلِها في أنَّه يقال: الخليفةُ مستطيعٌ لفَتْحِ بلد كذا, ولنَصْبِ المنجنيقِ عليه، وإن كان مريضًا مُثْبَتًا؛ لأنَّه مستطيعٌ لذلك بأمْرِه وطاعَةِ النَّاسِ له, وكان ذلك داخلًا في نصِّ الآيَةِ). ((المحلى)) (7/56). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (إن كان الإنسانُ قادرًا بماله دون بدنه، فإنَّه يُنيبُ من يحُجُّ عنه؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ امرأةً خثعميَّةً سألت النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، فقالت: يا رَسولَ الله، إنَّ أبي أدركَتْه فريضةُ الله على عباده في الحَجِّ، شيخًا كبيرًا لا يَثْبُت على الرَّاحِلَة، أفأحجُّ عنه؟ قال: نعم))، وذلك في حَجَّة الوداعِ، ففي قولها: أدرَكَتْه فريضة اللهِ على عباده في الحَجِّ، وإقرارُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم ذلك؛ دليلٌ على أنَّ من كان قادرًا بمالِه دون بدنه، فإنَّه يجب عليه أن يُقيمَ من يَحُجُّ عنه). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (21/15). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابقال اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ عُمومَ قَولِه: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يشمَلُ من استطاعَ الحَجَّ بمالِه، فيُنيبُ من يؤدِّي عنه الحَجَّ ((المجموع)) للنووي (7/101), ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 122). . ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن عَبْدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((أنَّه جاءَتْه امرأةٌ من خَثْعَم تستفتيه، قالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فريضَةَ اللهِ على عبادِه في الحَجِّ أدرَكَتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أن يَثْبُتَ على الرَّاحِلَةِ، أفأَحُجُّ عنه؟ قال: نَعَم)) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334) . وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أقرَّ المرأةَ على وَصْفِ الحَجِّ على أبيها بأنَّه فريضةٌ، مع عَجْزِه عنه ببَدَنِه، ولو لم يجِبْ عليه لم يُقِرَّها الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسَلَّم؛ لأنَّه لا يُمكِنُ أن يُقِرَّ على خطأٍ؛ فدلَّ على أنَّ العاجِزَ ببَدَنِه القادِرَ بمالِه؛ يجبُ عليه أن يُنيبَ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/57)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/11). .ثالثًا: لأنَّ هذه عبادةٌ تجب بإفسادِها الكَفَّارة، فجاز أن يقومَ غيرُ فِعْلِه فيها مقامَ فِعْلِه؛ كالصَّوْمِ إذا عجز عنه افتدى ((المغني)) لابن قُدامة (3/222). . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الاسْتِطاعَةِ. المبحث الثَّاني: حُكْمُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الثَّالِث: أقسامُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الرَّابِعُ: شروطُ الاستطاعَةِ .

المَطْلَب الأوَّل: اشتراطُ الزَّادِ والرَّاحِلَةِ: يُشْتَرَطُ في وجوبِ الحَجِّ القُدرةُ على نفقَةِ الزَّادِ والرَّاحِلَة المقصود بالرَّاحِلَة: آلةُ الركوب، والأصلُ فيها المَرْكَب من الإبِلِ ذكَرًا كان أو أنثى. ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 222). ، فاضلًا عن دَينِه، ونفقَتِه، وحوائِجِه الأصليَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/417، 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/464)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/25). ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق))للزيلعي, و((حاشية الشلبي)) (2/4)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/409). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/75)، ((نهاية المحتاج)) الرملي (3/242، 243). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 517)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/215). ، وهو قَوْل سحنون, وابنِ حبيبٍ من المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/448). ، وبه قال أكثَرُ الفُقَهاءِ قال الصنعاني: (قد ذهب إلى هذا التفسيرِ أكثرُ الأمَّةِ؛ فالزَّادُ شرطٌ مطلقًا، والرَّاحِلَةُ لِمَن دارُه على مسافةٍ). ((سبل السلام)) (2/180). وهو قول الضحاك بن مزاحم, والحسن البصري, ومجاهد, وسعيد بن جبير, ومحمد بن علي بن الحسين, وأيوب السختياني وأحد قولي عطاء. ((المحلى)) لابن حَزْم (7/54). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قال اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لَمَّا قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا عَلِمْنَا أنَّها استطاعَةٌ غيرُ القُوَّةِ بالجِسْمِ; إذ لو كان تعالى أراد قُوَّةَ الجِسْمِ لَمَا احتاج إلى ذِكْرِها; لأنَّنا قد عَلِمْنا أنَّ الله تعالى لا يُكَلِّفُ نفسًا إلَّا وُسْعَها ((المحلى)) لابن حَزْم (7/54)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/180). .2- قال اللهُ تعالى: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل: 7].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الآيةَ تُفيدُ أنَّ الرِّحْلَة لا تبلُغُ إلَّا بِشِقِّ الأنفُسِ بالضَّرورة، ولا يُكَلِّفُنا اللهُ تعالى ذلك؛ لِقَوْله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحَجُّ: 78] ((المحلى)) لابن حَزْم (7/54). ، فتعيَّنَ اشتراطَ الزَّادِ والرَّاحِلَة؛ لتحقيقِ الاستطاعَةِ في الحَجِّ.3- قال اللهُ تعالى: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى البقرة: 197[.]عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كان أهلُ اليَمَنِ يحجُّونَ ولا يتَزَوَّدون، ويقولون: نحن المتوَكِّلون، فإذا قَدِموا مَكَّةَ، سألوا النَّاسَ، فأنزل اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)) رواه البخاري (1523) . المَطْلَب الثَّاني: من يُشتَرَطُ في حَقِّه الرَّاحِلَةُ اشتراطُ الرَّاحِلَةِ خاصٌّ بالبعيدِ عن مكَّةَ الذي بينه وبينها مسافَةُ قَصْرٍ، أمَّا القريبُ الذي يُمكِنُه المشيُ، فلا يُعتَبَر وجودُ الرَّاحِلَة في حَقِّه، إلَّا مع عجزٍ؛ كشيخٍ كبيرٍ لا يُمكِنُه المشيُ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/418)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، و((حاشية الشلبي)) (2/4). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/89)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/464). ، والحَنابِلَة ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/34)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/216). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّها مسافةٌ قريبةٌ يمكِنُه المشيُ إليها، فلَزِمَه؛ كالسَّعْيِ إلى الجمعةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و((حاشية الشلبي)) (2/4)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/216). .ثانيًا: أنَّه لا تلحَقُهم مشقَّةٌ زائدةٌ في الأداءِ مشيًا على الأقدامِ، فلم تُشْتَرَطِ الرَّاحِلَة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/418). .المَطْلَب الثَّالِث: الحاجاتُ الأصليَّةُ التي يُشتَرَط أن تَفْضُلَ عن الزَّاد والرَّاحِلَة: الحاجة الأُولى: نفقَةُ عيالِه ومَن تَلْزَمُه نفقَتُهم، مدَّةَ ذَهابِه وإيابِه.الحاجة الثَّانية: ما يحتاجُ إليه هو وأهلُه مِن مَسْكَنٍ، ومِمَّا لا بدَّ لِمِثْلِه؛ كالخادِمِ، وأثاثِ البَيْتِ، وثيابِه؛ بقَدْرِ الاعتدالِ المناسِبِ له في ذلك.الحاجة الثَّالِثة: قضاءُ الدَّينِ الذي عليه، لأنَّ الدَّينَ من حقوقِ العِبادِ، وهو من حوائِجِه الأصليَّة، فهو آكَدُ، وسواءٌ كان الدَّينُ لآدميٍّ أو لحقِّ اللهِ تعالى؛ كزكاةٍ في ذِمَّتِه، أو كفَّارات ونحوِها ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/417، 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/464)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/25). .المَطْلَب الرَّابِع: هل يُقَدِّمُ الحَجَّ أو الزَّواجَ؟ مَن وجَب عليه الحَجُّ وأراد أن يتزوَّجَ، وليس عنده من المالِ إلَّا ما يكفي لأحدِهما، فإنْ تاقت نفْسُه إلى الزَّواجِ وخاف مِنَ الزِّنا؛ قدَّمَ الزواجَ على الحَجِّ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/462)، ويُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/383). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/465)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/790). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/389)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/217). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال شيخي زاده: (وإن أريد النكاح حال التوقان فهو مقدم على الحج اتفاقا) ((مجمع الأنهر)) (1/383)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/462). وقال الماوردي: (وحكاه المجد إجماعا لكن نوزع في ادعاء الإجماع) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/286). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ مَنِ اشتدَّت حاجَتُه إلى الزواجِ وجَبَتْ عليه المبادَرَةُ به قبل الحَجِّ؛ لأنَّه في هذه الحالِ لا يُسمَّى مُستطيعًا ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/359،360). . ثانيًا: أنَّ في التزويجِ تحصينَ النَّفْسِ الواجِبَ، ولا غِنَى به عنه؛ كنَفَقَتِه، والاشتغالُ بالحَجِّ يُفَوِّتُه ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/383)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/217). .ثالثا: أنَّ في تَرْكِه النِّكاحَ أمرَينِ: تَرْكَ الفَرْضِ، وهو النِّكاحُ الواجِبُ، والوقوعَ في المُحَرَّمِ، وهو الزِّنا ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/384). . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الاسْتِطاعَةِ. المبحث الثَّاني: حُكْمُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الثَّالِث: أقسامُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الرَّابِعُ: شروطُ الاستطاعَةِ .

المَطْلَبُ الأوَّلُ: المرادُ بأَمْنِ الطَّريقِالمقصودُ بأمْنِ الطَّريقِ أن يكون الغالِبُ في طريقِه السَّلامَةَ؛ آمنًا على نفسِه ومالِه، من وَقْتِ خروجِ النَّاسِ للحَجِّ، إلى رُجوعِه إلى بَلَدِه؛ لأنَّ الاستطاعَةَ لا تَثْبُت دونَه ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/465)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/34). .المَطْلَب الثَّاني: هل يُشتَرَطُ أمْنُ الطريقِ لوُجوبِ الحَجِّمَنِ استوفى شروطَ الحَجِّ ولم يأمَنِ الطَّريقَ؛ فإنَّه لا يجب عليه الحَجُّ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفِيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و((حاشية الشلبي)) (2/4)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/463). ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للعبدري (2/491)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/450). ، والشَّافِعِيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/465، 466)، ((المجموع)) للنووي (7/82). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/240)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/292)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/392). . الأدلَّة مِنَ الكِتابِ:قال اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الوصولَ إلى البيتِ بدونِه لا يُتَصَوَّر إلَّا بمشَقَّةٍ عظيمةٍ، فصار من جملةِ الاستطاعَةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، و((حاشية الشلبي)) (2/4). .لقَوْلِه تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الاسْتِطاعَةِ. المبحث الثَّاني: حُكْمُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الثَّالِث: أقسامُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الرَّابِعُ: شروطُ الاستطاعَةِ .

المَطْلَب الأوَّلُ: المُرادُ بالمَحْرَمِ مَحْرَمُ المرأةِ هو زَوْجُها أو من يَحْرُم عليها بالتَّأبيدِ؛ بسبب قرابةٍ، أو رَضاعٍ، أو صهْرِيَّة، ويكون مُسْلِمًا بالغًا عاقلًا ثِقَةً مأمونًا؛ فإنَّ المقصودَ من الْمَحْرَم حمايةُ المرأةِ وصيانَتُها والقيامُ بِشَأْنِها ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/339)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/467)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/518)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/493)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين(7/41)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (21/179، 221)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/37). .المَطْلَب الثَّاني:اشتراطُ المَحْرَمِ في حَجِّ الفريضَةِ: يُشْتَرَطُ لوجوبِ أداءِ الفريضَةِ للمرأةِ رُفْقَةُ الْمَحْرَمِ، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/5)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/100). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/385). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (لا يجب عليها الحَجُّ ولا العُمْرَة إلَّا عند وجودِ الْمَحْرَم، ولا يجوز لها السَّفَر إلَّا بذلك، وهو شَرْطٌ للوجوبِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/379). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (من القدرة: أن تجِدَ المرأةُ مَحْرَمًا لها، فإنْ لم تجِدْ مَحْرَمًا، فإنَّ الحَجَّ لا يجب عليها). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (21/16). ، وبه صدرَتْ فتوى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ في فتاوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة: (المرأةُ التي لا مَحْرَمَ لها لا يجب عليها الحَجُّ؛ لأنَّ الْمَحْرَم بالنسبة لها من السَّبيل، واستطاعَةُ السبيلِ شَرطٌ في وجوب الحَجِّ؛ قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا **البقرة: 97** ولا يجوز لها أن تسافِرَ للحجِّ أو غيره إلا ومعها زوجٌ أو مَحْرَمٌ لها). ((فتاوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة- المجموعة الأولى)) (11/90). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((لا يحِلُّ لامرأةٍ تؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخَرِ، تُسافِرُ مَسيرَةَ ثَلاثِ ليالٍ، إلَّا ومعها ذو مَحْرَمٍ)) رواه البخاري (1086)، ومسلم (1338) واللفظ له. .2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سمعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يخطُبُ، يقول: ((لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَّا ومعها ذو مَحْرَمٍ، ولا تسافِرِ المرأةُ إلَّا مع ذي مَحْرَمٍ، فقام رجلٌ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ امرَأتي خرجت حاجَّةً، وإنِّي اكْتُتِبْتُ في غزوةِ كذا وكذا، قال: انطَلِقْ فحُجَّ مع امرأَتِك)) رواه البخاري (5233)، ومسلم (1341) واللفظ له. .ثانيًا:أنَّ المرأةَ يُخافُ عليها من السَّفَرِ وَحْدَها الفِتْنَةُ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، و((حاشية الشلبي)) (2/5). . المطلب الثالث: اشتراط إذن الزوج في حج النفلليس للمرأة الإحرام نفلًا إلا بإذن زوجها ونُقل الإجماعُ على أنَّ للزوجِ منع زوجتِه من الخروجِ إلى حجِّ النافلة. قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ للرجُلِ مَنْعَ زَوْجَتِه من الخروج ِإلى حجِّ التطَوُّع). ((الإجماع)) (ص: 51). قال ابنُ قُدامة: (له منعها من الخروج إلى حَجِّ التطوُّعِ والإحرامِ به، بغير خلاف). ((المغني)) (3/458). ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة الحنفية ((الفتاوى الهندية)) (1/ 219)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 422). ، والمالكية ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 521) (3/ 205)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 394). ، والشافعية ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 251)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 468)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/ 527). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 337)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 383)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/ 274). .وذلك للآتي:أولًا: لأنَّه تطَوُّعٌ يُفَوِّتُ حَقَّ زَوْجِها ((المغني)) لابن قُدامة (3/459)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/383). فكان لابد من اسئذانه.ثانيًا: أنَّ طاعَةَ الزَّوجِ فَرْضٌ عليها فيما لا معصيَةَ لله تعالى فيه, وليس في تَرْكِ حَجِّ التطَوُّعِ معصيةٌ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/52). .المَطْلَب الرَّابِع: حُكْمُ مَنْعِ الزَّوجِ امرأتَه مِن حَجِّ الفريضَةِ إذا وَجَدَتْ مَحْرَمًا ليس للزَّوجِ مَنْعُ امرأَتِه مِن حَجِّ الفَرْضِ إذا استكمَلَتْ شُروطَ الحَجِّ، ووجدت مَحْرَمًا، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/101) ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/205)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/97). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/283)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/457، 458). ، وقولٌ للشافِعِيَّةِ ((روضة الطالبين)) للنووي (3/179)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/468). ، وهو قولُ أكثَرِ أَهْلِ العِلْم ((المغني)) لابن قُدامة (3/457). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: ((لا طاعَةَ في معصِيَةِ اللهِ، إنَّما الطَّاعَةُ في المعروفِ)) رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840) واللفظ له. .ثانيًا: أنَّ حَقَّ الزَّوجِ لا يُقَدَّمُ على فرائِضِ العَينِ؛ كالصَّلاةِ المفروضَةِ، وصَوْمِ رمضانَ، فليس للزَّوجِ مَنْعُ زوجَتِه منه؛ لأنَّه فَرْضُ عينٍ عليها ((المغني)) لابن قُدامة (3/231). .ثالثًا: أنَّ حَقَّ الزَّوجِ مُستَمِرٌّ على الدوام، فلو ملك مَنْعَها في هذا العامِ لَمَلَكَه في كلِّ عامٍ، فيُفْضي إلى إسقاطِ أَحَدِ أركانِ الإِسْلامِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/458)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/42). . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الاسْتِطاعَةِ. المبحث الثَّاني: حُكْمُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الثَّالِث: أقسامُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الرَّابِعُ: شروطُ الاستطاعَةِ .

يُشتَرَطُ لوجوبِ الحَجِّ على المرأةِ ألَّا تكونَ المرأةُ مُعتَدَّةً في مدَّةِ إمكانِ السَّيرِ للحَجِّ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة عمَّم الحَنَفيَّة هذا الشَّرْطَ لكل معتدَّةٍ: سواءٌ كانت عِدَّتُها من طلاقٍ بائنٍ أو رجعيٍّ، أو وفاةٍ، أو فسخِ نكاحٍ. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/4)، ((الفتاوى الهندية)) (1/219). ، والمالِكِيَّة لا فَرْقَ عند المالِكِيَّة: بين عِدَّةِ الوَفاةِ أو الطلاقِ. ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/545، 2/486)، ((التاج والإكليل)) للمواق(4/163). ، والشَّافِعِيَّة لا فرْق عند الشَّافِعِيَّة: بين عدَّةِ الوفاةِ أو الطَّلاقِ. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (11/263)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/417). ، والحَنابِلَة خصَّ الحَنابِلَة العِدَّة المانعة من وجوب الحَجِّ على المرأة بعِدَّةِ الوَفاةِ دون عِدَّةِ الطَّلاقِ. ((المغني)) لابن قُدامة (8/167، 168)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/385). ، وقال به طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ رُوِيَ ذلك عن عمر، وعثمان رَضِيَ اللهُ عنهما، وبه قال سعيد بن المسيِّب، والقاسم، وأبو عبيد والثوري. ((المغني)) لابن قُدامة (8/167). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتاب1- قَوْلُه تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة: 234].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ المتَوَفَّى عنها زوجُها لا يجوزُ لها أن تخرُجَ مِن بَيْتِها وتسافِرَ للحَجِّ، حتى تَقْضيَ العِدَّةَ؛ لأنَّها في هذه الحالِ غيرُ مُستطيعةٍ؛ لأنَّه يجب عليها أن تترَبَّصَ في البيتِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (21/214). .2- قَوْلُه تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [الطلاق: 1].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الله تعالى نهى المعْتَدَّاتِ عن الخروجِ مِن بُيُوتهِنَّ قال القرطبي: (والرجعيَّةُ والْمَبتوتةُ في هذا سواءٌ). ((تفسير القرطبي)) (18/154). .ثانيًا: مِنَ الآثارِ عن سعيدِ بنِ المسَيِّبِ: ((أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كان يَرُدُّ المتوفَّى عنهنَّ أزواجُهنَّ مِنَ البَيْداءِ؛ يَمْنَعُهنَّ الحَجَّ)) رواه الإمام مالك في ((الموطأ)) (2/591) واللفظ له، وابن أبي شيبة (19184) والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4592) قال الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (7/207): إسنادُه رجالُه ثقاتٌ على الخلافِ في سماعِ سعيدٍ من عمر. .ثالثًا: أنَّ العدَّةَ في المنزل تَفُوتُ، ولا بَدَلَ لها، والحَجُّ يُمكِنُ الإتيانُ به في غيرِ هذا العامِ، فلا يَفُوتُ بالتَّأخيرِ، فلا تُلْزَمُ بأدائِه، وهي في العِدَّةِ ((المغني)) لابن قُدامة (8/168)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/385). . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ الاسْتِطاعَةِ. المبحث الثَّاني: حُكْمُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الثَّالِث: أقسامُ الاستطاعَةِ. المبحثُ الرَّابِعُ: شروطُ الاستطاعَةِ .