المطلب الأول: تناولُ الطَّعامِ والشَّرابِ عَمْدًا الفرع الأول: حُكمُ تناوُلِ الطَّعامِ والشَّرابِ للصَّائِمِمَن أكلَ أو شَرِبَ ممَّا يُتغَذَّى به متعمِّدًا، وهو ذاكرٌ لصَومِه؛ فإنَّ صَومَه يَبطُلُ.الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ[البقرة: 187].وجه الدلالةأنَّ الله أباح الأكلَ والشُّربَ إلى طُلوعِ الفَجرِ، ثم أمَرَ بالإمساكِ عنهما إلى اللَّيلِ ((المغني)) لابن قدامة (3/119)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/570). . ثانيًا: مِن السُّنَّةِما جاء عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال فيما يرويه عن ربِّه: ((يترُكُ طَعامَه وشَرابَه وشَهْوتَه مِن أجلي)) رواه البخاري (1894) واللفظ له، ومسلم (1151). .ثالثًا: من الإجماعنقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ الأكلَ لِمَا يُغذي مِن الطعام ممَّا يُستأنَفُ إدخالُه في الفَمِ، والشُّربَ والوَطءَ؛ حرامٌ مِن حينِ طُلوعِ الشَّمسِ إلى غُروبِها) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص 39)، ولم يتعقَّبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (وأجمَعَ العُلَماءُ على الفِطرِ بالأكلِ والشُّربِ بما يُتغَذَّى به) ((المغني)) (3/119). . الفرع الثاني: ما يترتَّبُ على الإفطارِ عَمدًا بطعامٍ أو شرابٍ1- القَضاءُيلزَمُ مَن أفطَرَ متعمِّدًا بتناوُلِ الطَّعامِ أو الشَّرابِ؛ القضاءُ، وعلى هذا عامَّةُ أهلِ العِلمِ ((المجموع)) للنووي (6/329). ،أمَّا الكفَّارةُ، فلا تَجِبُ عليه، وهو مذهَبُ الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/329)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/96)، ((الإشراف)) لابن المنذر (3/128). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 309)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/130). ، ورجَّحه ابنُ المُنذِر قال ابنُ المنذر: (واختلفوا فيما يجِبُ على من أكل أو شَرِبَ في نهار رمضان عامدًا. فقال سعيد بن جُبَير والنخعي وابن سيرين وحماد بن أبي سليمان والشَّافعي وأحمد: عليه القضاءُ وليس عليه الكفَّارةُ......قال أبو بكر- أي ابن المنذر-: بالقَولِ الأوَّلِ أقولُ). ((الإشراف)) (3/128). ، واختاره ابنُ عُثيمين ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/261)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/411). .وذلك للآتي:أما القضاءُ فقياسًا على المريضِ والمُسافِرِ اللَّذينِ أوجَبَ اللهُ عليهما القضاءَ مع وجودِ العُذرِ؛ فلَأنْ يَجِبَ مع عدَمِ العُذرِ أَوْلى (( المجموع)) للنووي (6/328). . دليلُ عدمِ وُجوبِ الكفَّارة:1- عدمُ ورودِ نَصٍّ مِن الكتابِ أو السنَّةِ، يوجِبُ ذلك، والأصلُ بَراءةُ الذِّمَّة (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/411). . 2- عدمُ صِحَّةِ القياسِ على الجِماع في نهارِ رَمضانَ؛ فقد ورد النصُّ في الجِماع، وما سِواه ليس في مَعناه؛ لأنَّ الجِماع أغلَظُ (( تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/447). . 2- الإمساكُيلزَمُ مَن أفطَرَ بالأكلِ والشُّربِ متعمِّدًا؛ الإمساكُ بقيَّةَ يومِه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/408)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/363). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/525)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/523). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/339). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/309)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/145). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (من تعمَّدَ الفِطرَ عاصيًا، فهو مُفتَرَضٌ عليه- بلا خلافٍ- صَومُ ذلك اليومِ, ومُحَرَّمٌ عليه فيه كلُّ ما يَحرُمُ على الصَّائِم، ولم يأت نصٌّ ولا إجماعٌ بإباحةِ الفِطرِ له إذا عصى بتعمُّدِ الفِطرِ, فهو باقٍ على ما كان حرامًا عليه, وهو مُتزَيِّدٌ من المعصيةِ متى ما تزَيَّدَ فِطرًا, ولا صَومَ له مع ذلك. ورُوِّينا عن عمرِو بنِ دينار نحو هذا. وعن الحسن وعطاء: أنَّ له أن يُفطِرَ) ((المحلى)) (6/243). ؛ وذلك لأنَّه أفطَرَ بدونِ عُذرٍ، فلَزِمَه إمساكُ بقيَّةِ النَّهارِ، وفِطرُهُ عَمْدًا لم يُسقِطْ عنه ما وجَبَ عليه من إتمامِ الإمساكِ (( أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/423). . المطلب الثاني: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ نِسيانًامَن أكَلَ أو شَرِبَ ناسيًا؛ فلا شَيءَ عليه، ويُتِمُّ صَومَه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/61), وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/327). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/335)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (7/70). قال النووي: (وبه قال الحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر) ((المجموع)) (6/335) ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/215)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/131). قال ابنُ القيم: (قاعدةُ الشَّريعة أنَّ مَن فعَلَ محظورًا ناسيًا فلا إثمَ عليه، كما دلَّ عليه قولُه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا وثبت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الله سبحانَه استجابَ هذا الدُّعاءَ، وقال: (قد فعلْتُ) وإذا ثبت أنَّه غيرُ آثمٍ، فلم يَفعَلْ في صَومِه محرَّمًا، فلم يَبطُلْ صَومُه، وهذا محضُ القياسِ؛ فإنَّ العبادةَ إنَّما تبطُلُ بفِعلِ مَحظورٍ أو تَرْكِ مأمورٍ) ((إعلام الموقعين)) (2/54). .الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابعنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((... فأنزَلَ الله تعالى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] قال- أي الله سبحانه وتعالى-: قد فَعَلْتُ)) رواه مسلم (126). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من نَسِيَ وهو صائِمٌ، فأكلَ أو شَرِبَ- فلْيُتِمَّ صَومَه؛ فإنَّما أطعَمَه اللهُ وسقاه)) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1155)، قال النووي: (فيه دلالةٌ لمذهبِ الأكثرينَ؛ أنَّ الصَّائِم إذا أكل أو شَرِبَ أو جامع ناسيًا، لا يُفطِرُ) ((شرح النووي على مسلم)) (8/35). المطلب الثالث: ما يَدخُل الجوفَ من غيرِ قَصْدٍما يَدخُل جوفَ الصَّائِم بلا اختيارٍ منه، كغُبارِ الطَّريق، لا يُفطِّره في الجُملة.الدَّليل من الإجماعِ:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذر قال ابنُ المُنذر: (وقد رُوِّينا عن عباس والحسَنِ البصري، أنَّهما قالَا في الصَّائِم يدخُل الذُّبابُ حَلقَه: لا شيءَ عليه، وبه قال مالكٌ، والشَّافعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا يُحفَظ عن غيرهم خِلافُهم). ((الإشراف)) (3/131). ، وابنُ حزم قال ابنُ حزم: (وقد رُوِّينا من طريق وكيع، عن أبي مالك، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس في الذُّباب يدخُل حَلقَ الصَّائِم، قال: لا يُفطِّر. وعن وكيع، عن الرَّبيع، عن الحسن في الذُّباب يدخُل حَلْق الصَّائِم، قال: لا يُفطِّر. وعن الشَّعبيِّ مثلُه. وما نعلم لابن عبَّاس في هذا مخالِفًا من الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، إلَّا تلك الرِّواية الضعيفة عنه). ((المحلى)) (4/350). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (المفسِدُ للصومِ من هذا كلِّه ما كان عن عَمْد وقصدٍ، فأمَّا ما حصَل منه عن غير قصْد، كالغُبارِ الذي يدخُل حَلقَه من الطريق، ونخْلِ الدَّقيق، والذُّبابةِ التي تدخل حَلقَه، أو يُرشُّ عليه الماءُ فيدخُل مسامِعَه، أو أنفَه أو حَلقَه، أو يُلقى في ماء فيصِل إلى جوفه، أو يَسبِق إلى حلْقه من ماء المضمضة، أو يُصبُّ في حلقِه أو أنفِه شيءٌ كُرهًا، أو تُداوى مأمومتُه أو جائفتُه بغير اختيارِه، أو يُحجم كُرهًا، أو تُقبِّله امرأةٌ بغير اختيارِه فيُنزِل، أو ما أشبَهَ هذا- فلا يَفسُد صومُه، لا نَعلم فيه خلافًا). ((المغني)) (3/130). ، والنوويُّ قال النووي: (اتَّفق أصحابنا على أنَّه لو طارت ذُبابة، فدخلت جوفَه، أو وصَل إليه غُبار الطريقِ، أو غربلةُ الدَّقيق، بغير تعمُّد- لم يُفطِر). ((المجموع)) (6/327). ، والخَرشيُّ قال الخرشي: (وغُبار طريق (ش) يعني: أنَّ غبارَ الطريقِ إذا دخَل في حلْقِ الصَّائِم، فلا قضاءَ عليه فيه؛ للمشقَّة، ولا خِلافَ في ذلك). ((شرح مختصر خليل)) (2/258). ووقَع خِلاف في دخول الذُّبابة إلى حَلْق الصَّائِم؛ قال برهان الدين ابنُ مُفلح: ("وإن طار إلى حَلْقه ذباب" لم يُفطر، خلافًا للحسن بن صالح). ((المبدع)) (2/430). وقال ابنُ حجر: (ونقَل ابن المُنذر الاتِّفاقَ على أنَّ مَن دخل في حلقه الذُّبابُ وهو صائم، أنْ لا شيءَ عليه، لكن نقَل غيرُه عن أشهبَ أنَّه قال: أَحَبُّ إليَّ أن يقضِيَ، حكاه ابنُ التين). ((فتح الباري)) (4/155). . المطلب الرابع: حُكم ابتلاعُ الصَّائِم رِيقَهابتلاعُ الرِّيقِ لا يُفطِّر، ما دام لم يفارقِ الفمَ، ولم يَجمعْه.الدَّليل من الإجماعِ:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ الرِّيقَ ما لم يُفارِق الفمَ لا يُفطِّر). ((مراتب الإجماع)) (ص: 40). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (ابتلاعُ الرِّيق لا يُفطِّر بالإجماع، إذا كان على العادةِ؛ لأنَّه يَعسُر الاحترازُ منه). ((المجموع)) (6/317). ، وابنُ مُفلح قال برهان الدين ابنُ مُفلح: ("يُكره للصائم أن يجمع رِيقَه فيبلعَه"؛ لأنَّه اختُلف في الفطر به، وأقل أحواله أن يكون مكروهًا، وظاهرُه ولو قصدًا، وبأنَّه إذا ابتلعه من غير جمْع أنَّه لا يُكره، بغير خلاف؛ لأنَّه لا يمكن التحرُّز منه كغُبار الطريق). ((المبدع)) (2/442). . المطلب الخامس: حُكمُ من ابتلَعَ ما بين أسنانِه وهو صائِمٌ الفرع الأول: ابتلاعُ الصَّائِم ما بين أسنانِه مِمَّا لا يمكِنُ لَفْظُهمَن ابتلَعَ ما بين أسنانِه وهو صائِمٌ، وكان يسيرًا لا يمكِنُ لفظُه، مِمَّا يجري مع الرِّيقِ؛ فصومُه صحيحٌ. الأدِلَّة:أوَّلًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر قال ابنُ المُنذر: (أجمع أهلُ العِلم على أنْ لا شيءَ على الصَّائِم فيما يَزدرِدُه ممَّا يَجري مع الرِّيق، ممَّا بين أسنانه، ممَّا لا يقدِر على الامتناع منه). ((الإشراف)) (3/134 – 135). . ثانيًا: لأنَّه لا يُمكِنُ التحرُّزُ منه، فأشبَهَ الرِّيقَ ((المغني)) لابن قدامة (3/126). . الفرع الثاني: ابتلاعُ الصَّائِم ما بين أسنانِه مِمَّا يُمكِنُ لَفظُهمَن ابتَلَعَ ما بين أسنانِه وهو صائِمٌ، وكان يُمكِنُه لَفظُه؛ فإنَّه يُفطِرُ، وهو مذهبُ الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/323). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/321)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/126). ، وقولٌ للمالكيَّة ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 80). ؛ وذلك لأنَّه بلَع طعامًا يُمكِنُه لفظُه باختيارِه، ذاكرًا لِصَومِه، فأفطَرَ به، كما لو ابتدأَ الأكْلَ ((المجموع)) للنووي (6/317). . المطلب السادس:: حُكمُ ابتلاعِ الصَّائِم ما لا يؤكَلُ في العادةإذا ابتلعَ الصَّائِم ما لا يُؤكَلُ في العادة كدرهمٍ أو حصاةٍ أو حشيشٍ أو حديدٍ أو خيطٍ أو غير ذلك؛ أفطَرَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/124)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/93). ، والمالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/136)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/249) ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/317). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/481). وهو مَذهَبُ جماهيرِ العُلَماءِ مِنَ السَّلَفِ والخَلفِ ((المجموع)) للنووي (6/317). . الأدِلَّة:أولًا: من الآثارقولُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: الفِطرُ ممَّا دخل، وليس ممَّا خرَجَ رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (9411)، وأورده البخاري في صحيحه (باب الحجامة والقيء للصائم) معلقًا بصيغة الجزم بلفظ: (الصوم مما دخل)، ووصله البيهقي في ((السنن الكبرى)) (579). وقال البيهقي في ((الخلافيات)) (2/357): ثابت، وقال النووي في ((المجموع)) (6/317): إسناده حسن أو صحيح، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/79): إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. .ثانيًا: لأنَّه في حكمِ الأكلِ؛ فإنه يقال: أكَلَ حَصاةً (( بدائع الصنائع)) للكساني (2/93). . ثالثًا: لأنَّه ابتلع ما يُمكنه الاحترازُ منه ممَّا لا حاجةَ به إليه، فأشبَهَ ما إذا قَلَع ما بين أسنانِه وابْتلَعَه ((المجموع)) للنووي (6/315). . المطلب السابع: حُكمُ شُربِ الدُّخَانِ أثناءَ الصَّومِشُرْبُ الدُّخَانِ المعروفِ (التَّبْغ) أثناء الصَّومِ؛ يُفسِدُ الصِّيامَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/395). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/525). ، والشَّافعيَّة ((حواشي الشرواني والعبادي على تحفة المحتاج)) (3/400). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/320-321). ؛ وذلك لأنَّ الدُّخَانَ له جِرمٌ ينفُذُ إلى الجَوف،ِ فهو جسمٌ يدخُلُ إلى الجَوفِ، فيكونُ مُفطِّرًا كالماء؛ ولأنَّه يسمَّى شُربًا عُرفًا، وصاحِبُه يتعَمَّدُ إدخالَه في جَوفِه مِن مَنفَذِ الأكلِ والشُّربِ، فيكونُ مُفطِرًا (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/223). . المطلب الثامن: من أفطر ظانًّا أنَّ الشمسَ قد غرَبت الفرع الأول: الإمساكُ في حَقِّ مَن أفطَرَ ظانًّا أنَّ الشَّمسَ قد غرَبَتْ إذا أفطَرَ الصَّائِم في صومٍ واجبٍ؛ ظانًا أنَّ الشَّمسَ قد غَرَبَتْ، ثم تبيَّنَ له أنَّها لم تغرُبْ؛ فإنَّه يلزَمُه الإمساكُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/372)، وينظر:  ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/372). ، والمالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/134)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/133). ، والشَّافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/433). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/309)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/145). ، وحُكي فيه الإجماعُ قال ابنُ قدامة: ( وكلُّ من أفطَرَ والصَّومُ لازمٌ له؛ كالمُفطِر بغيرِ عُذرٍ، والمُفطِرِ يظُنُّ أنَّ الفَجرَ لم يطلُعْ وقد كان طلَعَ، أو يظنُّ أنَّ الشَّمسَ قد غابت ولم تَغِبْ، أو النَّاسي لنيَّةِ الصَّومِ، ونحوِهم- يلزَمُهم الإمساكُ. لا نعلم بينهم فيه اختلافًا. إلا أنَّه يخرج على قولِ عطاءٍ في المعذورِ في الفِطرِ: إباحةُ فِطرِ بَقيَّةِ يَومِه، قياسًا على قولِه فيما إذا قامَتِ البيِّنةُ بالرُّؤية. وهو قول شاذٌّ، لم يعرِّجْ عليه أهلُ العِلمِ) ((المغني)) (3/ 145). ، وذلك قضاءً لحقِّ الوقتِ بالقَدْرِ المُمكِن، أو نفيًا للتُّهمةِ ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/372). . الفرع الثاني: من أفطَرَ ظانًّا أنَّ الشَّمسَ قد غرَبتْ هل يلزَمُه قضاءٌ أو لا؟اختلف أهلُ العِلمِ في وجوبِ القَضاءِ على مَن أفطَرَ ظانًّا أنَّ الشَّمسَ قد غرَبت على قولينِ:القول الأوّل: من أفطر ظانًّا أنَّ الشَّمسَ قد غرَبت، يلزَمُه القضاءُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/129)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/372). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/453). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/307). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/309)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/148). . الدَّليل من الكتاب:عموم قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ البقرة: 187.وجه الدلالة:أنَّ الصَّائِم مأمورٌ بإتمامِ صَومِه إلى اللَّيلِ، والصَّائِم في هذه المسألة قد أكَل في النَّهارِ ((المجموع)) للنووي (6/310). .القول الثاني: من أفطر ظانًّا أنَّ الشمسَ قد غرَبت، فلا قضاءَ عليه، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلف ((التمهيد)) لابن عبد البر (21/98). ، واختاره ابن تيميَّة، وابن القيِّم، وابن عُثيمين ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/572 - 573)، ((تهذيب سنن أبي داود)) لابن القيم (6/212)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/396). .الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابعمومُ قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا البقرة: 286.وجه الدلالة:أنَّ هذا مِن الخطأِ الذي قد عفا اللهُ عنه؛ ولا قضاءَ على من أفطر مُخطِئًا ((تهذيب سنن أبي داود)) لابن القيم (6/212). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: ((أفطَرْنا على عهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في يومِ غَيمٍ، ثم طلَعتِ الشَّمسُ)) رواه البخاري (1959). .وجه الدلالة:أنه لم يُنقَلْ أنَّ الصحابةَ أُمِرُوا بالقضاءِ، ولو كان واجبًا لنُقِلَ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/398). . المطلب التاسع: أكَلَ شاكًّا في غروبِ الشَّمسِمن أكل شاكًّا في غروبِ الشَّمسِ ولم يتبَيَّنْ له بعد ذلك هل غربَتْ أم لا، أو تبيَّنَ أنَّها لم تغرُبْ؛ فإنَّه يأثَمُ، ويجِبُ عليه القضاءُ في الحالتينِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الأربعةِ: الحنفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/129)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/106). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/526). ، والشَّافعيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/158). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/310). .الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187].وجه الدلالة:أنَّه لا بُدَّ أن يُتِمَّ الصَّائِم صَومَه إلى اللَّيلِ، أي: إلى غروبِ الشَّمسِ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/396). . ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أقبَلَ اللَّيلُ مِن هاهنا، وأدبَرَ النَّهارُ مِن هاهنا، وغرَبَتِ الشَّمسُ؛ فقد أفطَرَ الصَّائِم)) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100). . وجه الدلالة:أنه لم تغرُبِ الشَّمسُ، والأصلُ بقاءُ النَّهارِ حتى يُتيَقَّنَ، أو يَغلِبَ على الظَّنِّ غروبُ الشَّمسِ، فمن أكلَ وهو شاكٌّ، فقد تجاوَزَ حَدَّه، وفعَلَ ما لم يُؤذَنْ له فيه.المطلب العاشر: مَن تسحَّر بعد طُلوعِ الفَجرِ خطأًمن تسحَّرَ معتقدًا أنَّه ليلٌ، فتبيَّنَ له أنَّ الفَجرَ قد دخَلَ وقتُه؛ فقد اختلَفَ أهْلُ العِلمِ في وجوبِ القضاءِ عليه، على قولين: القول الأول: صَومُه صَحيحٌ، ولا قضاءَ عليه، وهو قَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ قال ابنُ قدامة: (وحكي عن عروة, ومجاهد والحسن, وإسحاق: لا قضاءَ عليهم) ((المغني)) (3/147). : واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (وإن شكَّ: هل طلعَ الفَجرُ؟ أو لم يطلُعْ؟ فله أن يأكُلَ ويشرَبَ حتى يتبيَّنَ الطُّلوعَ. ولو عَلِمَ بعد ذلك أنَّه أكَلَ بعد طلوعِ الفَجرِ، ففي وجوبِ القَضاءِ نِزاعٌ. والأظهَرُ أنَّه لا قضاءَ عليه، وهو الثَّابِتُ عن عمر، وقال به طائفةٌ مِن السَّلَفِ والخَلَف). ((مجموع الفتاوى)) (25/216). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/394 - 395، 398)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (19/292 - 294). . الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب1- قَولُ الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187].وجه الدلالة:أنَّ الأصلَ بقاءُ اللَّيلِ حتى يتبيَّنَ دخولُ الفَجرِ, وضِدُّ التبيُّنِ: الشَّكُّ والظَّنُّ، ومن القواعِدِ الفِقهيَّةِ المُقرَّرةِ أنَّ اليقينَ لا يزولُ بالشَّكِّ، فما دُمنا لم نتبيَّن الفَجرَ، فلنا أن نأكُلَ ونَشرَبَ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/394). . 2- قولُه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] وجه الدلالة:أنَّ مَن أكَلَ أو شَرِبَ جاهلًا بدُخولِ وَقتِ الفَجرِ؛ فهو مُخطِئٌ، والخطأُ معفوٌّ عنه.ثانيًا: مِن السُّنَّةِحديثُ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، حيث قالت: ((أفطَرْنا على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ غَيمٍ، ثمَّ طلعَتِ الشَّمسُ)) رواه البخاري (1959). . وجه الدَّلالة:أنَّه لم يُنقَل أنَّهم أُمِرُوا بالقَضاءِ، وإذا كان هذا في آخِرِ النَّهارِ، فأوَّلُه مِن بابِ أَوْلى؛ لأنَّ أَوَّلَه مأذونٌ له بالأكلِ والشُّربِ فيه، حتى يتبيَّنَ له الفَجرُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/333 - 394). . القول الثاني: عليه القَضاءُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/129)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/322). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/526)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/266)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/704). ، والشَّافِعيَّة قال النووي: (ولو أكل ظانًّا غروبَ الشَّمسِ فبانت طالعةً أو ظانًّا أنَّ الفَجرَ لم يطلُع فبان طالعًا- صار مُفطِرًا. هذا هو الصَّحيحُ الذى نصَّ عليه الشَّافعي، وقطع به المصنِّفُ والجمهور) ((المجموع)) (6/313). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/310) قال أبو داود: قلت لأحمد: (إذا تسحَّرَ وهو يرى أنَّ عليه ليلًا وقد أصبح؟ قال: يقضي) ((مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني)) (ص 93). .الدَّليل:قولُ الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187].وجه الدلالة:تبيُّنُ طلوعِ الفَجرِ قد حصلَ في هذه الحالةِ، فلَزِمَه القضاءُ قال البابرتي: (أمَّا فساد صومِه، فلانتفاءِ رُكنِه بغَلطٍ يُمكِنُ الاحترازُ عنه في الجملةِ، بخلاف النِّسيانِ. وأمَّا إمساكُ البقيَّةِ فلِقَضاءِ حَقِّ الوَقتِ بالقَدْرِ المُمكِن..، آنفًا أو لِنَفيِ التُّهمة؛ فإنَّه إذا أكل ولا عُذرَ به، اتَّهَمه الناسُ بالفِسقِ، والتحرُّزُ عن مواضِعِ التُّهَم واجبٌ. وأما القضاءُ، فلأنَّه حقٌّ مَضمونٌ بالمِثلِ شَرعًا، فإذا فوَّته قضاه، كالمريض والمسافر. وأما عدمُ الكفَّارة، فلأنَّ الجنايةَ قاصرةٌ؛ لِعَدمِ القَصدِ) ((العناية شرح الهداية)) (2/372)، ويُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (1/129). . انظر أيضا: المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الرابع: الاستِقاءُ. المبحث الخامس: خروجُ دَمِ الحَيضِ والنِّفاسِ.

المطلب الأول: حُكم صومِ مَن جامع متعمِّدًا في نهار رمضانَمن جامعَ متعمِّدًا في نهارِ رمضانَ، فسَدَ صَومُه.الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187].وجه الدلالة: أنَّ الشَّارِعَ علَّقَ حِلَّ الرَّفَثِ إلى النِّساءِ- وهو الجِماع- إلى تبيُّنِ الخَيطِ الأبيضِ من الأسوَدِ مِن الفَجرِ، وهو وقتُ بدايةِ الصِّيامِ، ثمَّ يجِبُ إتمامُ الصِّيامِ والإمساكُ عن ذلك إلى اللَّيلِ، فإذا وُجِدَ الجِماع قبل اللَّيلِ فإنَّ الصيامَ حينئذٍ لم يتِمَّ، فيكونُ باطلًا ((الإحكام شرح أصول الأحكام)) لابن قاسم (2/ 242، 243). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جاء إليه رجلٌ فقال: هلكْتُ يا رسولَ الله. قال: وما أهلَكَك؟ قال: وقعْتُ على امرأتي في رمضانَ، فقال: هل تجِدُ ما تُعتِقُ؟ قال: لا. قال: هل تستطيعُ أن تصومَ شَهرينِ مُتَتابعينِ؟ قال: لا. قال: فهل تجِدُ إطعامَ سِتِّينَ مِسكينًا؟ قال: لا. قال: فمكث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيها تَمرٌ- والعَرَقُ: الْمِكتَلُ- قال: أين السَّائِلُ؟ فقال: أنا. قال: خذْ هذا فتصَدَّقْ به. فقال الرجُلُ: على أفقَرَ مني يا رسولَ اللهِ؟ فواللهِ ما بين لابَتَيْها- يريدُ الحَرَّتَينِ- أهلُ بَيتٍ أفقَرُ مِن أهل بيتي. فضَحِكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ أنيابُه، ثم قال: أطعِمْه أهلَك)) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له. ثالثًا: الإجماع:نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنذِر قال ابنُ المنذر: (لم يختلف أهلُ العِلمِ أنَّ الله عزَّ وجلَّ حَرَّمَ على الصَّائِم في نهارِ الصَّومِ الرَّفَثُ، وهو الجِماع) ((الإشراف)) (3/120). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ...الجِماع في الفَرجِ للمرأة، إذا كان ذلك نهارًا بعَمْدٍ، وهو ذاكرٌ لِصيامِه؛ فإنَّ صيامَه ينتقِضُ). ((مراتب الإجماع)) (ص 39). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (لا نعلم بين أهلِ العلم خلافًا في أنَّ من جامَعَ في الفرجِ، فأنزَلَ أو لم يُنزِل, أو دونَ الفَرجِ فأنزَلَ؛ أنه يَفسُدُ صَومُه إذا كان عامدًا) ((المغني)) (3/134). ، وابن تيميَّة قال ابنُ تيمية: (ومعلومٌ أنَّ النصَّ والإجماعَ أثبتا الفِطرَ بالأكلِ والشُّربِ والجِماع والحَيضِ) ((مجموع الفتاوى)) (25/244). . المطلب الثاني: ما يترتَّبُ على الجِماع في نهارِ رمضانَيترتَّبُ على الجِماع في نهارِ رَمضانَ الأمورُ التالية:أوَّلًا: الكفَّارةُتجب الكفَّارةُ على المُجامِعِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/327)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/98). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/342). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/344). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/325)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/140)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/249). .الدَّليل منَ السُّنَّة:حديثُ أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للمُواقِعِ أهلَه في رمضانَ: هل تجِدُ ما تُعتِقُ؟ قال: لا. قال: هل تستطيعُ أن تصومَ شَهرينِ مُتَتابعَينِ؟ قال: لا. قال: فهل تجِدُ إطعامَ ستِّينَ مِسكينًا؟ قال: لا)) رواه البخاري (6711)، ومسلم (1111). .مسألة: الترتيبُ في الكفَّارةِ كفَّارةُ من جامَعَ في نهارِ رَمَضانَ تكونُ على التَّرتيبِ فيُعتِقُ رَقبةً، فإنْ لم يجِدْ فيصومُ شهرينِ متتابعيِن، فإن لم يستطِعْ فيُطعمُ ستينَ مِسكينًا. وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/125)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/328). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/345)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/442). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (5/54)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/228). ، والظاهرية ((المحلى)) لابن حزم (6/197). . الدَّليل منَ السُّنَّة:عن أبي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، جاء إليه رجُلٌ، فقال: هلكتُ يا رسولَ الله، قال: وما أهلَكَك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضانَ، فقال: هل تجِد ما تُعتِقُ؟ قال: لا، قال: هل تستطيعُ أن تصومَ شَهرينِ مُتَتابِعَينِ؟ قال: لا، قال: فهل تجِد إطعامَ ستِّين مسكينًا؟ قال: لا، قال: فمكَث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينا نحن على ذلك، أُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيها تمرٌ- والعَرَقُ: المِكتَلُ- قال: أين السَّائلُ؟ فقال: أنا، قال: خُذْ هذا فتصدَّقْ به، فقال الرجُلُ: على أفقرَ مني يا رسولَ الله؟ فواللهِ ما بين لابَتَيها- يريدُ الحرَّتينِ- أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهلِ بيتي، فضحِك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ أنيابُه، ثم قال: أطعِمْه أهلَك)) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له. .ثانيًا: القَضاءُ المجامِع في نهارِ رَمَضان يَقضي ذلك اليومَ الذي أفسَدَه بالجِماع، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة قال السرخسي: (وإن جامَعَها متعمِّدًا، فعليه أن يُتِمَّ صَومَ ذلكَ اليومِ بالإمساك؛ تشبُّهًا بِالصَّائِمين، وعليه قضاءُ ذلكَ اليومِ، والكفَّارةُ، أما وجوبُ القَضاءِ فَقولُ جُمهورِ العُلَماء) ((المبسوط)) (3/66). وقال الكمال ابن الهمام: (فعليه القضاءُ؛ استدراكًا للمصلحةِ الفائتةِ، والكفَّارةُ) ((فتح القدير)) (2/336). ، والمالكيَّة ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/284، 285)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/342). والشَّافِعيَّة قال النووي: (يجب على المُكَفِّرِ مع الكفَّارةِ قَضاءُ اليومِ الذي جامع فيه. هذا هو المشهورُ مِن مَذهَبِنا) ((المجموع)) (6/344). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/325). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه أفسَدَ صَومَه الواجِبَ، فلَزِمَه القضاءُ، كالصَّلاةِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/400). . ثانيًا: لأنَّه إذا وجبَ القَضاءُ على المُفطِر بعُذرٍ، فعلى المتعَمِّدِ من بابِ أَوْلى ((الكافي)) لابن قدامة (1/ 444). . المطلب الثالث: ما يلزَمُ المرأةَ إذا جُومِعَت في نهار رمضانَ طائعةًإذا جومِعَت المرأةُ في نهار رمضانَ طائعةً، يلزَمُها القضاءُ، والكفَّارةُ، وهو مذهَبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/327)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/98). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/433)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/268، 285). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/325)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/137)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/57). ، وقولٌ عند الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/331). . - أما القضاءُ: فـلأنَّه فاتها الصيامُ بلا عُذرٍ، فوجب عليها القضاءُ ((الكافي)) لابن قدامة (1/ 444). . - وأما الكفَّارة: فقياسًا على الرجُلِ؛ لأنَّ الأحكامَ الشرعيَّةَ تستوي فيها المرأةُ مع الرجُلِ، ما لم يدُلَّ دليلٌ على خلافِه، والمرأةُ هتكَت صَومَ رَمضانَ بالجِماع، فوجَبَت عليها الكفَّارةُ كالرَّجُلِ ((المغني)) لابن قدامة (3/137). .- ولأنَّ الكفَّاراتِ لا يُتشارَكُ فيها، فكلٌّ منهما حصل منه ما يُنافي الصِّيامَ من الجِماع، فكان على كلٍّ منهما كفَّارةٌ ((المغني)) لابن قدامة (3/137). . المطلب الرابع: حكمُ من جامَعَ ناسيًامن جامع ناسيًا، فصَومُه صحيحٌ، ولا يلزَمُه شيءٌ، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/61)، وينظر: (فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/338). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/324)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/374)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/109). ، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلَف نقل ابنُ المنذر هذا القولَ عن مجاهد والحسن البصري والثوري والشَّافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. يُنظر: ((الإشراف)) (3/109). ، واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية (والمُجامِعُ الناسي فيه ثلاثةُ أقوالٍ فى مذهب أحمد وغيرِه، ويُذكَر ثلاث روايات عنه: إحداهما: لا قضاءَ عليه ولا كفَّارة، وهو قول الشَّافعي وأبي حنيفة والأكثرينَ. والثانية: عليه القضاءُ بلا كفَّارةٍ، وهو قول مالك. والثالثة: عليه الأمران، وهو المشهور عن أحمد, والأوَّلُ أظهَرُ) ((مجموع الفتاوى)) (25/226). ، وابنُ القيِّمِ قال ابنُ القيم: (وطَرْدُه أيضًا: أنَّ من جامع في إحرامِه أو صيامِه ناسيًا، لم يَبطُلْ صِيامُه ولا إحرامُه) ((إعلام الموقعين)) (2/54). ، والصنعاني قال الصنعاني: (.... الحديث دليلٌ على أنَّ من أكل أو شَرِبَ أو جامع ناسيًا لِصَومِه؛ فإنَّه لا يُفَطِّره ذلك؛ لدَلالةِ قَولِه: ((فَليُتِمَّ صَومَه)) على أنَّه صائِمٌ حقيقةً). ((سبل السلام)) (2/160). ، والشَّوكاني قال الشوكاني: (واعلمْ أنَّ من فعل شيئًا من المفَطِّرات- كالجِماع ناسيًا- فله حُكمُ من أكلَ أو شَرِبَ ناسيًا، ولا فَرْقَ بين مُفَطِّرٍ ومُفَطِّرٍ) ((السيل الجرار)) (1/285). ، وابنُ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/147). .  الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ1- عن أبي هُريرةَ مرفوعًا بلفظ: ((من أفطَرَ في شهرِ رَمضانَ ناسيًا؛ فلا قضاءَ عليه ولا كفَّارةَ)). رواه ابن خزيمة (1990)، وابن حبان (3521)، والدارقطني (2243)، والحاكم في ((المستدرك)) (1569)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8074)  قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال النووي في ((المجموع)) (6/324): إسناده صحيح أو حسن، وصحح إسناده الشوكاني في ((الدراري المضية)) (173)، وحسن إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/87)، وصحح الحديث ابن عثيمين في ((شرح بلوغ المرام)) (3/224). وجه الدلالة:أنَّ الفِطرَ هنا أعَمُّ مِن أن يكونَ بأكلٍ أو شُربٍ، فيشمَلُ الجِماع ((سبل السلام)) للصنعاني (2/160)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 437). . 2- الأحاديثُ الواردةُ في الكفَّارة في الجِماع، في بعضِها ((هلكْتُ))، وفي بعضها ((احترَقْتُ احتَرَقْتُ))، وهذا لا يكونُ إلَّا في عامدٍ، فإنَّ النَّاسيَ لا إثمَ عليه بالإجماعِ ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 225). .ثانيًا: قياسًا على الأكلِ والشُّربِ ناسيًا، فالحديثُ صَحَّ أنَّ أكلَ الناسي لا يُفطِّرُ، والجِماع في معناه، وإنَّما خَصَّ الأكلَ والشُّربَ بالذِّكرِ؛ لِكَونِهما أغلَبَ وقوعًا، ولعَدَمِ الاستغناءِ عنهما غالبًا ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 156). . المطلب الخامس: من تكرَّرَ منه الجِماع في يوم واحد    الفرع الأول: حُكم مَن تكرَّر منه الجِماع في يومٍ واحدمن تكرَّر منه الجِماعُ في يومٍ واحدٍ، تكفيه كفَّارةٌ واحدةٌ إذا لم يكفِّرْ.الدَّليل من الإجماعِ:نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وأجمعوا على أنَّ من وَطِئَ في يومٍ واحدٍ مرَّتين أو أكثَرَ، أنَّه ليس عليه إلَّا كفَّارةٌ واحدة) ((التمهيد)) (7/181). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قدامة: (فإن كان في يومٍ واحد [يعني الجِماعَ ثانيًا قبل التكفيرِ عن الأوَّلِ] فكفَّارةٌ واحدةٌ تُجزِئه، بغير خلافٍ بين أهل العِلمِ) ((المغني)) (3/144). . الفرع الثاني: حكمُ من تكرَّر منه الجِماعُ في يوم واحدٍ وكفَّر عن الأوَّلاختلف أهلُ العِلمِ في من تكَرَّر منه الجِماعُ في يومٍ واحد وكفَّرَ عن الأوَّل هل تلزَمُه كفَّارةٌ ثانية أم لا؛ على قولينِ:القول الأول: من جامَعَ في نهارِ رمضانَ، وتكرَّر منه الجِماعُ في يومٍ واحدٍ وكفَّر عن الأوَّلِ، فلا تلزَمُه كفَّارةٌ ثانيةٌ، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/456)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/252)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 721). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/336، 337)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/108). ، وهو اختيارُ ابن عُثيمين [831] قال ابنُ عُثيمين عن: (رجلٌ جامعَ في أوَّلِ النَّهار بعد طلوع الشمسِ بربعِ ساعة، ثم كفَّرَ بِعِتقِ رقبةٍ، ثم جامع بعد الظُّهرِ، فعلى المذهب يلزَمُه كفَّارةٌ ثانية؛ لأنَّه كفَّرَ عن الأولى، وهو الآن، وإن كان ليس صائمًا صومًا شرعيًّا، لكنه يلزَمُه الإمساكُ. وعلى القول الثاني: لا تلزَمُه الكفَّارة؛ لأن الجِماعَ لم يَرِدْ على صومٍ صَحيحٍ، وإنما ورد على إمساكٍ فقط، وإذا تأمَّلْتَ المسألةَ وجدت أنَّ القول الثانيَ أرجحُ، وأنَّه لا يلزَمُه بعد أن أفسَدَ صَومَه كفَّارةٌ؛ لأنَّه ليس صائمًا الآن، أمَّا الإمساك فيلزَمُه الإمساكُ؛ لأنَّ كلَّ من أفطَرَ لغَيرِ عُذرٍ، حَرُمَ عليه أن يستمِرَّ في فِطرِه. ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 407) ؛ وذلك لأنَّه لم يُصادِفْ صومًا منعَقِدًا، فلم يُوجِبْ شيئًا، بخلافِ المرَّةِ الأولى، فالجِماعُ الثاني ورد على صومٍ غيرِ صَحيحٍ، فهو لا يُسمَّى صائمًا ((المجموع)) للنووي (6/337). . القول الثاني: من جامع في نهارِ رَمضانَ ثمَّ جامَعَ مرَّةً ثانيةً، تلزَمُه كفَّارةٌ ثانيةٌ إذا كفَّر عن الأوَّلِ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (2/413)، وينظر:  ((بدائع الصنائع)) (2 / 102)، ((فتح القدير)) (2/ 337) (3 / 38)، ((مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر)) (1 / 354). ، والحَنابِلة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 486)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 144). . وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّ الجِنايةَ الأولى انجبَرَت بالكفَّارة الأُولى، فصادف جِماعُه الثَّاني حُرمةً أخرى كاملةً، فلَزِمَه لأجْلِها الكفَّارةُ ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/ 141). .ثانيًا: لأنَّه إذا جامعَ فكَفَّرَ، ثم جامَعَ؛ عُلِمَ أنَّ الزَّجرَ لم يحصُلْ بالكفَّارة الأُولى ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/101). . المطلب السادس: حُكمُ من تكرَّرَ منه الجِماعُ في يومينِ فأكثَرَمن تكرَّرَ منه الجِماعُ في يومينِ فأكثَرَ، تلزَمُه كفَّارةٌ لكُلِّ يومٍ جامعَ فيه، سواءٌ كَفَّرَ عن الجِماعِ الأول أم لا، وهو مذهَبُ الجمهورِ: المالكيَّة (حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/456)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/252)، ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/285)، ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (7/181). ، والشَّافِعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/444)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/108). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/326). ؛ وذلك لأنَّ صَومَ كُلِّ يَومٍ عِبادةٌ مُنفرِدةٌ، فإذا وجبَتِ الكفَّارةُ بإفسادِه، لم تتداخَلْ كفَّاراتُها ((المجموع)) للنووي (6/336)، ((المغني)) لابن قدامة (3/144)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/203). . المطلب السابع: حكمُ صَومِ مَن وَطِئَ في الدُّبرِمن وَطِئَ في الدُّبُرِ فَسَدَ صَومُه، وعليه القَضاءُ والكفَّارةُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/73)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/338). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/342)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/343). والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/341)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/101). والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/323). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه وَطءٌ؛ فأفسَدَ صَومَ رمضانَ، وأوجَبَ الكفَّارة ((المجموع)) للنووي (6/341). . ثانيًا: ولأنَّه يُوجِبُ الحَدَّ كالجِماع, فكذلك يُفسِدُ الصَّومَ ويُوجبُ الكفَّارةَ ((المجموع)) للنووي (6/341). .ثالثًا: لأنَّه محَلٌّ مُشتهًى, فتجِبُ فيه الكفَّارةُ، كالوطءِ في القُبُلِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/327). . الفرع الثامن: حكمُ من جامع في قضاءِ رَمضانَ عامدًامن جامَعَ في قضاءِ رمضانَ عامِدًا، فلا كفَّارةَ عليه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/329). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/433)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/344). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/345). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) (1/486)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/139،138). وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البر: (أجمعوا على أنَّ المُجامِعَ في قضاءِ رَمَضانَ عامدًا، لا كفَّارةَ عليه، حاشا قتادةَ وَحدَه) ((التمهيد)) لابن عبد البر (7/181)، خالف في ذلك قتادةُ، وقال: عليه الكفَّارةُ. ينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/124). ؛ وذلك لانعداِم حُرمةِ الشَّهرِ؛ ولأنَّ النَّصَّ بوجوبِ الكفَّارة ورد فيمن جامَعَ في نهارِ رَمضانَ، فلا يتعَدَّاه ((المغني)) لابن قدامة (3/139). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الرابع: الاستِقاءُ. المبحث الخامس: خروجُ دَمِ الحَيضِ والنِّفاسِ.

المطلب الأول: حكمُ من استمنى فى نهارِ رَمضانَمَنِ استَمْنى الاستمناء: إخراجُ المنيِّ استدعاءً لشهوةٍ، بغيرِ جِماعٍ. ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/430). في نهارِ رَمضانَ، فقد فسَدَ صَومُه، وعليه القَضاءُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (2/399)، وينظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/358). ، والمالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/253). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/322). ، والحَنابِلة ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (2/23)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/128). . الأدِلَّة: أوَّلًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يقولُ الله عزَّ وجَلَّ: الصَّومُ لي وأنا أجزي به؛ يدَعُ شَهوتَه وأكْلَه وشُربَه مِن أجلي)) رواه البخاري (7492) واللفظ له، ومسلم (1151). . وجه الدلالة:أنَّ الاستمناءَ مِن الشَّهوةِ التي لا يكونُ الصَّومُ إلا باجتنابِها ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/ 282)، وينظر: ((عمدة القاري)) للعيني (10/259). . ثالثًا: لا كفَّارةَ فيه؛ لأنَّ النَّصَّ إنما ورد في الجِماعِ، والاستمناءُ ليس مِثلَه ((المجموع)) للنووي (6/328). . المطلب الثاني: حُكمُ من باشَرَ أو قبَّلَ أو لمَسَ فأنزَلَالفرع الأول: القضاءُ على من باشَرَ أو قبَّلَ أو لمَسَ فأنزَلَمَن أنزَلَ المنيَّ بمباشرَةٍ دون الفرْجِ، أو بتقبيلٍ أو لَمْسٍ؛ فإنه يُفطِرُ بذلك، وعليه القَضاءُ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/44)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/93). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/529)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/52)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/295). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/322)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/435). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (5/9)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/127). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قدامة: (الحالُ الثاني: أنْ يُمنِيَ: فيُفطِرُ بغيرِ خلافٍ نَعلَمُه؛ لِمَا ذَكَرْناه من إيماءِ الخبرينِ، ولأنَّه إنزالٌ بمباشَرةٍ فأشبَهَ الإنزالَ بالجِماع دون الفَرجِ). ((المغني)) (3/127). وقال الماوردي: ( أمَّا إنْ وَطِئَ دونَ الفَرجِ أو قبَّلَ أو باشَرَ فلم يُنزِل؛ فهو على صَومِه لا قضاءَ عليه، ولا كفَّارةَ، وإن أنزَلَ فقد أفطر، ولَزِمَه القضاءُ إجماعًا) ((الحاوي الكبير)) (3/ 435). . وذلك للآتي:أوَّلًا: لِمُشابهةِ الإمناءِ للجِماعِ؛ لأنَّه إنزالٌ مُباشرةً ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/481). .ثانيًا: لأنَّ خُروجَ المنيِّ تتِمُّ به الشَّهوةُ، وفي الحديثِ: ((يترُكُ طعامَه وشَرابَه وشَهْوتَه مِن أجلي)) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 374). . الفرع الثاني: هل على من أنزَلَ بمباشرةٍ أو تقبيلٍ ونحوِهما كفَّارةٌ؟  من أنزَلَ بمباشرةٍ، أو تقبيلٍ ونحو ذلكِ- بلا جِماعٍ- فلا كفَّارةَ عليه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/123)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/93). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/328)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/945). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/225). ؛ وذلك لأنَّ النص إنَّما ورد في الجِماع فقط، وما سواه ليس في معناه؛ لأنَّ الجِماعَ أغلَظُ ((المجموع)) للنووي (6/328). . المطلب الثالث: حُكمُ من كرَّرَ النَّظَرَ حتى أنزَلَمَن كرَّر النَّظَر فأنزَلَ وهو صائِمٌ، هل يُفطِرُ أم لا؟ اختلف العُلَماءُ فيه على قولين: القول الأول: مَن كرَّرَ النَّظَرَ حتى أنزَلَ؛ فإنَّه يُفطِرُ؛ وهو مذهبُ المالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/460)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/253)، مذهب المالكيَّةِ: عليه الكفَّارةُ، إلَّا من كانت عادَتُه عدَمُ الإمناءِ فأمنى، ففيها قولان، واستظهَرَ اللَّخميُّ منهما عدَمَ لُزومِ الكفَّارةِ. ، والحَنابِلَة ((المغني)) لابن قدامة (3/129). ، وهو قول طائفةٍ مِن السَّلف ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/481)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/129). ، واختاره ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/377). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ قالت اللجنة الدائمة: (النَّظرُ إلى المرأة الأجنبيَّةِ لا يجوز، لا في رمضانَ ولا في غيره؛ لأنَّه يسبِّبُ الفتنةَ، ويجُرُّ إلى فِعْلِ الفاحِشةِ، وقد قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وإذا كان ذلك في رمضانَ، فالإثمُ أشَدُّ؛ لأنَّه يؤثِّرُ على الصِّيامِ، لكنَّه لا يُبطِلُه إلَّا إذا كرَّرَه وخرَجَ منه منيٌّ، فإنه يستمِرُّ في صيامِه، ويقضي ذلك اليومَ مع التوبةِ إلى الله سبحانه) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (17/21). . وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ تَكرارِ النَّظَرِ فيه استدعاءَ المنيِّ، فيكونُ حُكمُه حُكمَ الاستِمناءِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/376). . ثانيًا: أنَّه إنزالٌ بفعلٍ يُتَلذَّذُ به، ويُمكِنُ التحَرُّزُ منه، فأفسَدَ الصَّومَ، كالإنزالِ باللَّمسِ ((المغني)) لابن قدامة (3/129). .ثالثًا: لا كفَّارةَ فيه؛ لأن النصَّ إنما ورد في الجِماعِ، وتَكرارُ النَّظرِ ليس مِثلَه ((المغني)) لابن قدامة (3/130). .القول الثاني: من كرَّر النَّظرَ حتى أنزل، فإنَّه لا يُفطِر، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (4/39)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/329). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/322)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/441). ، وقولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ قال النووي: (إذا نظر إلى امرأة ونحوِها وتلذَّذَ فأنزل بذلك؛ لم يُفطِرْ، سواءٌ كرَّرَ النَّظرَ أم لا، وهذا لا خلاف فيه عندنا إلَّا وجهًا شاذًّا حكاه السرخسي في الأمالي؛ أنَّه إذا كرر النظَرَ فأنزل، بطَلَ صَومُه. والمذهَبُ: الأوَّلُ، وبه قال أبو الشَّعثاء جابر بن زيد التابعي، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة وأبو يوسف، وأبو ثور) ((المجموع)) (6/322). . وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه إنزالٌ من غير مُبَاشَرةٍ، فأشبَهَ الاحتلامَ ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (3/201). .ثانيًا: لأنَّه لم يُوجَدْ في النَّظَرِ صُورةُ الجِماعِ ولا معناه ((البناية)) للعيني (4/39). . المطلب الرابع: حكمُ من أنزَلَ بتفكيرٍ مُجَرَّدٍ عن العَمَلِمَن أنزَلَ بتفكيرٍ مجرَّدٍ عن العملِ؛ فلا يُفطِرُ، سواءٌ كان تفكيرًا مُستدامًا أو غيرَ مُستدامٍ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/66). ، والشَّافِعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/361). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/218)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/21). وقال ابنُ تيمية: (لو غلبَه الفكرُ حتى أنزل، لم يَفسُدْ صومُه باتِّفاقِ الأئمَّةِ) ((جامع المسائل)) (4/352). ، وحُكي الإجماعُ على عدمِ فَسادِ صَومِ مَن فكَّرَ فأنزَلَ قال الماوردي: (أمَّا إن فكَّرَ بقَلْبِه فأنزل، فلا قضاءَ عليه ولا كفَّارةَ، إجماعًا) ((الحاوي الكبير)) (3/440). وقال ابنُ تيمية: (لو غلبَه الفكرُ حتى أنزل لم يَفسُد صومُه باتِّفاقِ الأئمة) ((جامع المسائل)) (4/352). وخالف في ذلك المالكيَّة: قال القرافي: (فلو نظر من غير قَصدٍ فأمذى، قال مالكٌ: عليه القضاءُ، وأسقطه ابنُ حبيب إذا التَذَّ، وأوجَبَه إذا أمذى، ولو تذكَّرَ فأمذى، فعليه القَضاءُ عند ابن القاسم، وفي الجواهر: إذا لم يُدِمِ الفِكرَ والنَّظَرَ، فلا شَيءَ عليه، ويُكرَهُ الإقدامُ عليه) ((الذخيرة)) (2/505). وقال في الشرح الصغير: ((وإخراج منيٍّ) بمباشرةٍ أو غيرها، (وإنْ بإدامةِ فِكرٍ أو نظرٍ) إن كان عادَتُه الإنزالَ مِن استدامَتِهما ولو في بعض الأحيان..) ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/707). وقال الصاوي في الحاشية: (قوله: [وقيل: عليه الكفَّارة مُطلقًا]: اعلم أنَّ في مُقَدِّمات الجِماع المكروهةِ إذا أنزل ثلاثةَ أقوالٍ حكاها في التَّوضيحِ، وابن عرفة عن البيان: الأول: لِمالك- في المُدوَّنة- وهو القَضاءُ والكَفَّارةُ مُطلقًا. والثاني: لأشهَبَ، القَضاءُ فقط إلَّا أن يُتابِعَ. والثالث: لابن القاسم- في المُدَوَّنةِ- القَضاءُ والكَفَّارةُ إلَّا أن يُنزِلَ عن نظَرٍ أو فكرٍ غَيرِ مُستَدامَينِ) ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/708). وقال في الدر الثمين: (وظاهِرُ قول الناظم: (ولو بِفكرٍ) وجوبُ الكفَّارةِ، استدامَ الفِكرَ أم لا. وفي ابن الحاجبِ: (فإنْ أمْنَى ابتداءً قضى، إلَّا أن يَكثُرَ) التوضيح: أي: فإن أمنى مع أوَّلِ الفِكرِ أو أوَّلِ النَّظرِ مِن غَيرِ استدامةٍ، فعليه القَضاءُ بلا كفَّارةٍ، إلا أن يَكثُرَ ذلك، فيَسقُطُ القَضاءُ أيضًا للمَشقَّةِ، وهذا مذهَبُ المُدَوَّنة، وقال ابنُ القاسم: إنْ نظَرَ نَظرةً واحدةً متعمِّدًا فأنزَلَ، كفَّرَ) ((الدر الثمين)) لمحمد ميارة (1/476). . الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ تجاوَزَ لأمَّتي عما وَسْوَسَتْ أو حَدَّثَت به أنفُسَها، ما لم تَعمَلْ به أو تَكَلَّمْ)) رواه البخاري (6664) واللفظ له، ومسلم (127). . وجه الدلالة:أنَّ الفِكرَ مِن حَديثِ النَّفسِ، فيكونُ مِن المعفوِّ عنه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/282). . ثانيًا: لأنَّه لا نصَّ في الفِطْرِ به، ولا إجماعَ، ولا يُمكِنُ قياسُه على المباشَرةِ، ولا تَكرارِ النَّظَرِ؛ لأنَّه دُونَهما في استدعاءِ الشَّهوةِ، وإفضائِه إلى الإنزالِ ((المغني)) لابن قدامة (3/ 129). . ثالثًا: لأنَّه إنزالٌ مِن غَيرِ مُباشرةٍ، فأشبَهَ الاحتلامَ ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 173). . المطلب الخامس: حُكمُ من نام فاحتَلَم في نهارِ رَمَضانَمَن نام فاحتلَمَ في نهار رَمَضانَ فصومُه صحيحٌ.الأدِلَّة:أوَّلًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: الماوَرديُّ قال الماورديُّ: (لو احتلم نهارًا، كان على صَومِه، باتِّفاق العُلماء). ((الحاوي الكبير)) (3/414). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (وأمَّا الاحتلام: فلا خلافَ في أنَّه لا يَنقُض الصومَ، إلَّا ممَّن لا يُعتدُّ به). ((المحلى)) (4/337). ، وابنُ عبدِ البَرِّ ((التمهيد)) لابن عبد البر (17/425). ، وابنُ رُشد قال ابنُ رشد: (ومِن الحُجَّة لهما الإجماعُ على أنَّ الاحتلامَ بالنَّهار لا يُفسِدُ الصَّومَ). ((بداية المجتهد)) (2/56). ، والنَّووي قال النووي: (إذا احتلم، فلا يُفطِرُ بالإجماع؛ لأنَّه مغلوبٌ، كمَن طارت ذبابةٌ فوقعتْ في جوفِه بغَيرِ اختياره، فهذا هو المعتمَد في دليلِ المسألة).((المجموع)) (6/322). ، وابنُ تيمية قال ابنُ تيمية: (ومن احتلَمَ بغيرِ اختيارِه- كالنائم- لم يُفطِرْ باتِّفاقِ النَّاسِ) ((مجموع الفتاوى)) (25/224). ، وابنُ حَجَر قال ابنُ حجر: (فقد يَحتَلِمُ بالنَّهارِ، فيجب عليه الغُسلُ، ولا يحرُم عليه، بل يُتمُّ صومَه إجماعًا). ((فتح الباري)) (4/148). . ثانيًا: لأنَّه مغلوبٌ ولا اختيارَ له، أشبَهَ مَن طارت ذُبابةٌ فوقَعَت في حَلْقِه دونَ اختِيارِه ((المجموع)) للنووي (6/ 322). . المطلب السادس: حكمُ خُروجِ المَذْيِ من الصَّائِم خروجُ المَذْيِ من الصَّائِم لا ينقُضُ صَومَه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 446)، وينظر: (((المبسوط)) للشيباني (2/238)، ((الإشراف)) لابن المنذر (3/123). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/323). ، وهي إحدى الرِّوايتَينِ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (3/214). ، واختاره ابنُ المُنذِر قال ابنُ المنذر: (اختلفوا في الصَّائِم يَلمَسُ فيُمذِي، فقالت طائفةٌ: لا شيءَ عليه مِن قضاءٍ ولا غَيرِه...... قال أبو بكر- أي ابنُ المُنذِر-: لا شيءَ عليه) ((الإشراف)) (3/123). والصَّنعاني ((سبل السلام)) للصنعاني (2/158). ؛ وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/378). ، وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه خارِجٌ لا يُوجِبُ الغُسلَ، فأشبَهَ البَولَ ((المجموع)) للنووي (6/ 323). . ثانيًا: لِعَدمِ وُرودِ النَّصِّ على كَونِه مُفطِرًا، والأصلُ صِحَّةُ الصومِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/376). .ثالثًا: لأنَّه دونَ المنيِّ، ويُخالِفُه في أمورٍ كثيرةٍ، فلا يُمكِنُ أن يلحَقَ به ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/376). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الرابع: الاستِقاءُ. المبحث الخامس: خروجُ دَمِ الحَيضِ والنِّفاسِ.

المطلب الأول: مَنِ استَقاءَ مُتعَمِّدًا مَن استقاءَ متعمِّدًا؛ فقد أفطَرَ، ويلزَمُه القضاءُ، ولا كفَّارةَ عليه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/325)، ((العناية)) للبابرتي (3/390)، الأحناف قالوا: يُفطِرُ بِشَرطِ ملْء الفَمِ. ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/447)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/507)، ((المدونة)) لسحنون (1/271). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/319)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/356). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/481)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/132). ، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ حكَى ابنُ المنذر الإجماعَ على ذلك، وخِلافَ الحسنِ البصري، انظر: ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 49)، و((المغني)) لابن قدامة (3/132). . الأدِلَّة:أوَّلًا: من الآثارعن ابنِ عمرَ أنَّه كان يقولُ: (مَنِ استَقاءَ وهو صائمٌ، فعليه القَضاءُ، ومَن ذَرَعَه القَيءُ، فليس عليه القَضاءُ) رواه مالك في الموطأ (47)، وعبد الرزاق (4/215)، وابن أبي شيبة (3/38) (7551)، والبيهقي (4/219). صححه ابن الأثير في ((شرح مسند الشَّافعي)) (3/187)، وذكر العيني في ((نخب الافكار)) (8/529): أنه ورد من طريقين صحيحين. قال ابنُ تيمية: (ثم لو لم يكُن في الباب حديثٌ مرفوع, وتعارَضَت أقوالُ الصحابة؛ لكان قولُ مَن فطَّرَه أَوْلى بالاتِّباعِ؛ لأنَّ التَّفطيرَ بالاستقاءِ لا يُدرَكُ بالقِياسِ على الأكلِ والشُّربِ. فمن نفى الفِطْرَ به، بناه على ما ظهَرَ مِن أنَّ الفِطرَ إنَّما هو ممَّا دخل, ومَن أوجَبَ الفِطرَ به، فقد اطَّلَعَ مَزيدَ عِلمٍ وسُنَّةٍ خَفِيَتْ على غيره). ((شرح العمدة - كتاب الصيام)) (1/ 403). . ثانيًا: لا كفَّارةَ عليه؛ لأنَّ الكفَّارة لم يرِدْ بها الشَّرعُ إلَّا في الجِماعِ، وليس غيرُه في معناه؛ لأنَّه أغلَظُ ((الكافي)) لابن قدامة (1/444). . المطلب الثاني: مَن غلبَه القَيءُمَن غلبَه القيءُ، لا يُفطِرُ، ولا شَيءَ عليه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) (1/325)، للزيلعي، ((العناية)) للبابرتي (3/390). ، والمالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/354)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/507)، ((الثمر الداني)) (1/299). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/319)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/356). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/483)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/132). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ المنذر: (وأجمعوا على أنَّه لا شيءَ على الصَّائِم إذا ذرَعَه القَيءُ، وانفَرَد الحسن البصري، فقال: عليه، ووافَقَ في أُخرى). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 49)، وقال ابنُ قدامة: (ومن ذرعه فلا شيءَ عليه؛ وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ. قال الخطابي: لا أعلَمُ بين أهلِ العِلمِ فيه اختلافًا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 132). .الدليلُ من الأثَر:عن ابنِ عمرَ أنَّه كان يقولُ: ((مَن استقاءَ وهو صائمٌ، فعليه القضاءُ، ومَن ذرَعَه القَيءُ، فليس عليه القَضاءُ)) رواه مالك في الموطأ (47)، وعبد الرزاق (4/215)، وابن أبي شيبة (3/38) (7551)، والبيهقي (4/219). صححه ابن الأثير في ((شرح مسند الشَّافعي)) (3/187)، وذكر العيني في ((نخب الافكار)) (8/529): أنه ورد من طريقين صحيحين. قال ابنُ تيمية: (ثم لو لم يكُن في الباب حديثٌ مرفوع, وتعارَضَت أقوالُ الصحابة؛ لكان قولُ مَن فطَّرَه أَوْلى بالاتِّباعِ؛ لأنَّ التَّفطيرَ بالاستقاءِ لا يُدرَكُ بالقِياسِ على الأكلِ والشُّربِ. فمن نفى الفِطْرَ به، بناه على ما ظهَرَ مِن أنَّ الفِطرَ إنَّما هو ممَّا دخل, ومَن أوجَبَ الفِطرَ به، فقد اطَّلَعَ مَزيدَ عِلمٍ وسُنَّةٍ خَفِيَتْ على غيره). ((شرح العمدة - كتاب الصيام)) (1/ 403). . المطلب الثالث: خُروج القَلَسِ والدَّمِ من أسنانِ الصَّائِمالقَلَسُ القَلَس- بفَتْح اللَّام، وقيل بسكونها-: (ما خرَج من الحَلْقِ مِلءَ الفَمِ، أو دُونَه، وليس بقَيْءٍ، فإنْ عاد فهو القَيءُ). ((الصحاح)) للجوهري (3/965)، ((النهاية)) لابن الأثير (4/100). والدَّمُ الخارِجُ من أسنانِ الصَّائِم، لا يُفطِّرُه، طالَمَا لم يَرجعْ إلى حَلْقِه.الدَّليل من الإجماعِ:نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم ((المحلى)) لابن حزم (4/348). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الخامس: خروجُ دَمِ الحَيضِ والنِّفاسِ.

المطلب الأول: حُكمُ صومِ مَن حاضَتَ أو نَفِسَتْ أثناءَ نهارِ رَمَضانَمَن حاضَت أو نَفِسَتْ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ؛ فقد فسدَ صَومُها، ويلزَمُها قضاؤه قال ابنُ عُثيمين: (فإن قيل: ما الحكمةُ أنها تقضي الصَّومَ، ولا تقضي الصلاة؟ قلنا: الحكمةُ قَولُ الرَّسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... واستنبَطَ العُلَماءُ- رحمهم الله- لذلك حكمةً، فقالوا: إنَّ الصَّومَ لا يأتي في السَّنةِ إلا مرَّةً واحدة، والصَّلاةُ تتكَرَّر كثيرًا، فإيجابُ الصومِ عليها أسهَلُ؛ ولأنَّها لو لم تقْضِ ما حصل لها صَومٌ. وأمَّا الصَّلاةُ فتتكَرَّرُ عليها كثيرًا، فلو ألزَمْناها بقضائِها، لكان ذلك عليها شاقًّا؛ ولأنها لن تعدِمَ الصَّلاةَ لِتَكَرُّرِها، فإذا لم تحصُلْ لها أوَّلَ الشَّهرِ حصَلَت لها آخِرَه) ((الشرح الممتع)) (1/476). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ1- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... أليس إذا حاضَتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ)) رواه البخاري (304) واللفظ له، ومسلم (80). .2- قول عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها لَمَّا سُئِلَت: ((ما بالُ الحائضِ تقضي الصَّومَ، ولا تقضي الصَّلاةَ؟ قالت: كان يُصيبُنا ذلك على عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنُؤمَرُ بقَضاءِ الصَّومِ، ولا نُؤمَرُ بقَضاءِ الصَّلاةِ)) رواه البخاري (321)، ومسلم (335) واللفظ له. .ثانيًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص 40). ((المجموع)) للنووي (2/355)، وقال النووي: (قولها ( فنُؤمَرُ بقضاءِ الصَّومِ، ولا نؤمَرُ بقَضاءِ الصَّلاة) هذا الحُكمُ مُتَّفَقٌ عليه؛ أجمع المسلمونَ على أنَّ الحائِضَ والنُّفَساءَ لا تجِبُ عليهما الصَّلاةُ ولا الصَّومُ في الحالِ، وأجمعوا على أنَّه لا يجِبُ عليهما قضاءُ الصَّلاةِ، وأجمعوا على أنَّه يجِبُ عليهما قضاءُ الصَّومِ) ((شرح النووي على مسلم)) (4/26). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (واتَّفق المسلمونَ على أنَّ الحيضَ يمنَعُ أربعةَ أشياءَ: أحدها: فِعلُ الصلاة ووجوبُها، أعني: أنَّه ليس يجِبُ على الحائِضِ قَضاؤها، بخِلافِ الصَّومِ. والثاني: أنَّه يمنَعُ فِعلَ الصَّومِ، لا قضاءَه..). ((بداية المجتهد)) (1/56). ، والنَّوويُّ ((المجموع)) (2/355)، وقال النووي: (قولها ( فنُؤمَرُ بقضاءِ الصَّومِ، ولا نؤمَرُ بقَضاءِ الصَّلاة) هذا الحُكمُ مُتَّفَقٌ عليه؛ أجمع المسلمونَ على أنَّ الحائِضَ والنُّفَساءَ لا تجِبُ عليهما الصَّلاةُ ولا الصَّومُ في الحالِ، وأجمعوا على أنَّه لا يجِبُ عليهما قضاءُ الصَّلاةِ، وأجمعوا على أنَّه يجِبُ عليهما قضاءُ الصَّومِ) ((شرح النووي على مسلم)) (4/26). ، وابنُ تيمية قال ابنُ تيميَّة: (ثبَت بالسُّنة واتِّفاقِ المُسلِمينَ أنَّ دمَ الحَيضِ يُنافي الصَّومَ، فلا تصومُ الحائِضُ، لكِنْ تَقضي الصِّيامَ). ((مجموع الفتاوى)) (25/220). وقال أيضًا: (خروجُ دَمِ الحَيضِ والنِّفاسِ يُفطِّرُ باتِّفاقِ العُلَماءِ). ((مجموع الفتاوى)) (25/267). وقال أيضًا: (كما يحرُمُ على الحائِضِ الصَّلاةُ والصِّيامُ، بالنَّصِّ والإجماعِ). ((مجموع الفتاوى)) (26/176). وقال أيضًا: (ولا يجوزُ صيام أيَّامِ الحَيضِ، باتِّفاق المُسلِمين). ((مجموع الفتاوى)) (33/123). . المطلب الثاني: حُكمُ إمساكِ بقيَّةِ اليومِ لِمَن فسدَ صومُها بخروجِ دَمِ الحَيضِ أو النِّفاسِمَن فَسد صومُها بخروجِ دمِ الحَيضِ أو النِّفاس؛ فإنَّه لا يلزَمُها إمساكُ باقي اليومِ، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/100)، وينظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/232). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/327،411)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) (1/276). ، والشَّافِعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/371). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّها ليست بأهلٍ للصَّومِ، والتشبُّهُ بأهلِ العِبادةِ لا يصِحُّ مِن غَيرِ الأهلِ ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/ 365). .ثانيًا: لأن الحَيضَ لو كان موجودًا في أوَّلِ النَّهارِ لم تُؤمَرْ بالصِّيامِ ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/232). . المطلب الثالث: الحَيضُ لا يَقطَع التتابُعإذا كان على المرأةِ صيامُ شَهرينِ متتابعَينِ، فلا يَقطعُ التَّتابُعَ حدوثُ الحَيضِ.الدَّليل:نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر، وابنُ تيميَّة ((الإشراف)) لابن المنذر (3/150)، ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 50)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/139)، (26/209)، (34/170). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الرابع: الاستِقاءُ.

الفرع الأول: حُكمُ مَن نام في نهارِ رَمَضانَ واستيقَظَ لحظةًإذا استيقظَ الصَّائِمُ لحظةً مِنَ النَّهارِ، ونام باقيَه، فصومُه صحيحٌ.الأدِلَّة:أوَّلًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ ((المجموع)) للنووي (6/346). .ثانيًا: لأنَّه عادةٌ، ولا يُزيلُ الإحساسَ بالكليَّة؛ ولأنَّه إذا نُبِّه انتَبَه، فهو كذاهلٍ وساهٍ ((المجموع)) للنووي (6/345)، ((الفروع)) لابن مفلح (4/435)، ((الروض المربع)) للبهوتي (ص: 229). . الفرع الثاني: حُكمُ مَن نام في نهارِ رَمَضانَ ولم يستيقِظْمن نامَ في نهارِ رَمَضانَ ولم يستيقِظْ إلَّا بعد الغُروبِ؛ فصَومُه صحيحٌ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/130)، وينظر:  ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/723،724)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/494). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/346)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/366). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (4/435)، وينظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/435). ؛ وذلك لأنَّه مِن أهلِ التَّكليفِ، ولم يُوجَدْ ما يُبطِلُ صَومَه ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/353). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الرابع: الاستِقاءُ.

المطلب الأول: حُكمُ الحِجامةِ للصَّائِمِمَن احتجمَ وهو صائِمٌ؛ فقد اختلف فيه أهلُ العِلمِ على قولين:القول الأول: أنَّ صَومَه لا يَفسُدُ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/122)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/107)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/330). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/441)، وينظر: ((المدونة)) لسحنون (1/270). قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وهو قول الثوري... وقال أبو ثور: أحبُّ إليَّ ألَّا يحتجِمَ أحدٌ صائمًا، فإنْ فعَلَ لم يُفطِرْ، وهو باقٍ على صَومِه) ((الاستذكار)) (10/129). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/349)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/106). .الأدِلَّة منَ السُّنَّة:1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه احتجَمَ وهو صائِمٌ)) رواه البخاري (1938) واللفظ له، ومسلم (1202). 2- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سُئِل: ((هل كُنتُم تَكرهونَ الحِجامةَ؟ فقال: لا، إلَّا مِن أجلِ الضَّعفِ)) رواه البخاري (1940). .3- عن بعضِ أصحابِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن المُواصَلةِ والحِجامةِ للصَّائِمِ، ولم يُحَرِّمْهما؛ إبقاءً على أصحابِه) [954] أخرجه أبو داود (2374)، وأحمد (18822)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8266). صحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (286/1)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (4/210)، والعيني في ((عمدة القاري)) (11/101)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2374). .القول الثاني: من احتجَمَ وهو صائِمٌ، يَفسُد صَومُه وبناءً على هذا القَولِ، فلا يجوزُ للصَّائِمِ التبرُّعُ بالدَّم الكثيرِ الذي يؤثِّرُ في البَدن تأثيرَ الحِجامة. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/272)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/351)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (9/179). ، وهو مِن مُفرداتِ مذهب الحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/214)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/40). ، وبه قال ابنُ تيمية قال ابنُ تيمية: (والقولُ بأنَّ الحِجامةَ تُفَطِّرُ: مَذهَبُ أكثر فُقَهاءِ الحديث، كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم. وأهلُ الحديث الفقهاءُ فيه العامِلونَ به، أخصُّ النَّاسِ باتِّباعِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((مجموع الفتاوى)) (25/252). ، وابن باز قال ابنُ باز: (لا يضر الصَّائِمَ خُروجُ الدَّمِ إلَّا الحِجامة، فإذا احتجَمَ فالصَّحيحُ أنه يُفطِرُ بالحِجامة، وفيها خلافٌ بين العلماءِ، لكنَّ الصَّحيحَ أنَّه يُفطِرُ بذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/271). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (إذا احتجم الصَّائِمُ وظهر منه الدَّمُ، فإنَّه يُفطِرُ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/145). . الأدِلَّة:أوَّلًا: منَ السُّنَّةعن شدَّادِ بنِ أوسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أفطَرَ الحاجِمُ والمَحجومُ)) رواه أبو داود (2/308) (2369), والنسائي في ((الكبرى)) (3126), وابن ماجه (1681)،و أحمد (4/122) الحديث صححه البخاري في ((العلل الكبير )) (121)، فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس وثوبان كلاهما عندي صحيح، وصححه علي بن المديني وإسحاق بن راهويه والإمام أحمد، كما في ((تنقيح التحقيق)) للذهبي ( 2/319)، والدارمي كما في ((السنن الكبرى)) (4/265)، وابن القيم في (( تهذيب السنن((6/495)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2369). .ثانيًا: لأنَّه يَحصُلُ بالحِجامةِ ضَعفٌ شديدٌ، يحتاجُ معه الصَّائِمُ إلى تغذيةٍ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/528). . المطلب الثاني: حكمُ الفَصدِ للصَّائِمِاختلَف أهلُ العلم في إفسادِ الفَصْد الفَصْد: قطعُ العِرق لإسالة الدَّم. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/21). للصَّومِ؛ على قولين: القول الأول: الفَصدُ لا يُفسِدُ الصَّومَ؛ وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/109)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/107). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/441). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/349). ؛ لأنَّ الفَصدَ في معنى الحِجامةِ ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 174). . القول الثاني: الفصدُ يُفسِدُ الصَّومَ، وهو أحَدُ الوَجهينِ في مذهَبِ الحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/215). ، واختاره ابنُ تيميةَ قال ابنُ تيمية: (وقد بيَّنَّا أنَّ الفِطرَ بالحِجامة على وَفقِ الأُصولِ والقِياسِ، وأنَّه من جنس الفِطرِ بِدَمِ الحَيضِ والاستقاءةِ وبالاستمناءِ، وإذا كان كذلك فبأيِّ وجهٍ أراد إخراجَ الدَّمِ أفطَرَ، كما أنَّه بأيِّ وَجهٍ أخرج القيءَ أفطَرَ، سواءٌ جذَبَ القَيءَ بإدخالِ يَدِه أو بِشَمِّ ما يُقِيئه أو وضَعَ يدَه تحت بطنِه واستخرَجَ القَيءَ، فتلك طُرقٌ لإخراجِ القيءِ، وهذه طُرقٌ لإخراجِ الدمَّ) ((مجموع الفتاوى)) (25/257). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (والصَّحيحُ أنَّ ما كان بمعناها- أي الحِجامة- يأخذُ حُكمَها) (الشرح الممتع)) (6/351). وقال أيضًا: (وفي معنى إخراج الدمِ بالحِجامة إخراجُه بالفَصدِ ونَحوِه مما يُؤَثِّر على البَدنِ، كتأثيرِ الحِجامةِ, وعلى هذا فلا يجوزُ للصَّائِمِ صومًا واجبًا أن يتبرَّعَ بإخراجِ دَمِه الكثيرِ الذي يؤثِّرُ على البدن تأثيرَ الحِجامةِ، إلَّا أن يُوجَدَ مُضَطرٌّ له لا تندفِعُ ضَرورتُه إلَّا به، ولا ضرر على الصَّائِم بسَحبِ الدَّمِ منه، فيجوز للضَّرورةِ، ويُفطِرُ ذلك اليومَ ويقضي، وأمَّا خروجُ الدم بالرُّعافِ أو السُّعال، أو الباسور أو قلع السِّنِّ، أو شَقِّ الجُرح أو تحليلِ الدَّم، أو غَرزِ الإبرة ونحوِها- فلا يُفطِّر؛ لأنه ليس بحِجامةٍ ولا بمعناها، إذ لا يؤثِّرُ في البدن كتأثيرِ الحِجامة) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/285). وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/285)، و (19/251). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/257)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين))، (20/285)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (9/179). ؛ وذلك قياسًا على الحِجامة ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/108)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/383). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الرابع: الاستِقاءُ.

مَن احتقَنَ وهو صائِمٌ بحُقنةٍ في الشَّرْجِ؛ فقد اختلف فيه أهلُ العِلم على قولينِ: القول الأوّل: أنَّ صومَه يَفسُد، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/62). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/425)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/258). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/320). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/318)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/121). ؛ وذلك لأنَّ المادَّةَ التي يُحقَنُ بها واصلةٌ إلى جَوفِه باختيارِه، فأشبَهَ الأكْلَ ((المغني)) لابن قدامة (3/121). .القول الثاني: أنَّه لا يَفسُدُ صَومُه، وقد ذهب إلى ذلك أهلُ الظَّاهِرِ ((المحلى)) لابن حزم (6/203). ، وهو قولُ طائفةٍ من المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (2/505)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/346). ، والقاضي حُسين من الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/313). ، وبه قال الحسنُ بنُ صالحٍ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/456)، ((المجموع)) للنووي (6/313، 320). ، واختاره ابنُ عبد البرِّ ((الكافي)) لابن عبد البر (1/345). ، وابنُ تيميَّةَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/245). ، وابنُ باز سُئِلَ ابنُ باز عن حكمِ أخذِ الحُقنةِ الشَّرْجيَّة للصَّائم فأجاب: (حكمُها عدَمُ الحَرَج في ذلك إذا احتاجَ إليها المريضُ في أصحِّ قَولَي العُلَماء، وهو اختيارُ شَيخِ الإسلام ابن تيميَّةَ- رحمه الله- وجمعٍ كثيرٍ مِن أهل العلم؛ لعَدَمِ مشابهَتِها للأكلِ والشُّربِ) ((تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام)) (ص: 182). وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (إنَّ الحُقنةَ لا تُفَطِّرُ مُطلقًا، ولو كان الجِسمُ يتغَذَّى بها عن طريقِ الأمعاءِ الدَّقيقة، فيكون القولُ الراجِحُ في هذه المسألةِ قَولَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ مُطلقًا، ولا التفاتَ إلى ما قاله بعضُ المعاصرين. ومِن الحُقَن المعروفةِ الآن ما يوضَعُ في الدبُرِ عند شِدَّةِ الحمَّى، ومنها أيضًا ما يدخُلُ في الدبُرِ مِن أجلِ العِلمِ بحرارةِ المريضِ، وما أشبه ذلك، فكلُّ هذا لا يُفَطِّرُ) ((الشرح الممتع)) (6/369). وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الحُقنةَ لا تُغَذِّي، بل تَستفرِغُ ما في البَدنِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/ 245). .ثانيًا: لأنَّ الصِّيامَ أحدُ أركانِ الإسلام، ويحتاجُ إلى مَعرِفَتِه المُسلمون، فلو كانت هذه الأمورُ مِن المُفَطِّراتِ، لذَكَرَها الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو ذكر ذلك لَعَلِمَه الصَّحابةُ، ونُقِلَ إلينا ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/ 234). . ثالثًا: أنَّ الأصلَ صِحَّةُ الصِّيامِ، حتى يقومَ دليلٌ على فَسادِه ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/245). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الرابع: الاستِقاءُ.

اختلف العُلَماءُ في استخدامِ قَطرةِ الأنفِ في نهارِ رَمَضانَ على قولينِ:القول الأول: استعمالُ القطرةِ في الأنفِ في نهار رَمَضانَ أو السَّعُوطِ دواء يوضع في الأنف. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 277). يُفسِدُ الصَّومَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/63)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/402). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/345)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/269). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/321). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/212)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/318). ؛ وذلك لأنَّ الأنفَ مَنفَذٌ إلى الحَلقِ ثم المَعِدة، كما هو معلومٌ بِدَلالةِ السنَّةِ، والواقِعِ، والطِّبِّ الحديثِ. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/261). . القول الثاني: قطرةُ الأنفِ إذا اجتنَبَ ابتلاعَ ما نَفَذَ إلى الحَلْقِ؛ فإنَّها لا تُفَطِّر، وبه قال ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ولا ينقُضُ الصَّومَ حِجامةٌ ولا احتلامٌ، ولا استِمناءٌ، ولا مُباشرةُ الرَّجُلِ امرأتَه أو أمَتَه المباحةَ له فيما دون الفَرجِ، تعمَّدَ الإمناءَ أم لم يُمْنِ، أمْذَى أمْ لم يُمْذِ، ولا قُبلةً كذلك فيهما، ولا قَيءٌ غالِبٌ، ولا قَلَسٌ خارِجٌ من الحلق، ما لم يتعمَّدْ رَدَّه بعد حصولِه في فَمِه وقُدرَتِه على رَمْيه، ولا دمٌ خارجٌ مِن الأسنانِ أو الجَوفِ، ما لم يتعمَّدْ بَلْعَه، ولا حُقنةٌ ولا سَعوطٌ ولا تقطيرٌ في أُذُنٍ، أو في إحليلٍ، أو في أنفٍ، ولا استنشاقٌ وإن بلغ الحَلقَ) ((المحلى)) (4/335). ، واستظهَرَه ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (وأما الكُحلُ والحُقنةُ وما يُقطرُ في إحليلِه، ومُداواة المأمومةِ والجائفةِ؛ فهذا مما تنازعَ فيه أهلُ العِلمِ؛ فمنهم من لم يُفَطِّرْ بِشَيءٍ من ذلك، ومنهم من فطَّرَ بالجميع لا بالكُحلِ، ومنهم من فطَّرَ بالجَميعِ لا بالتقطيرِ، ومنهم من لم يُفطِّرْ بالكُحلِ ولا بالتَّقطيرِ ويُفطِّرُ بما سوى ذلك. والأظهَرُ أنه لا يُفطِرُ بِشَيءٍ من ذلك) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (25/234). وأقرَّه مَجمَعُ الفِقهِ الإسلامي جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: (الأمور الآتية لا تُعتبَرُ من المفطِّراتِ: قَطرةُ العينِ، أو قطرةُ الأذُنِ، أو غَسُولُ الأذُنِ، أو قطرةُ الأنفِ، أو بخاخُ الأنف، إذا اجتنَبَ ابتلاعَ ما نفَذَ إلى الحَلقِ...) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم: (99/ 1/ د 10). وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ  [1000] جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (9/198): (إذا اضطُرَّ الصَّائِمُ إلى استعمالِ القَطرةِ في أنفِه؛ فإنَّه لا حرَجَ عليه في ذلك، وصَومُه صحيحٌ، إلَّا أن يجِدَ طَعمَ القطرةِ في حَلقِه، فإنَّه يَفسُدُ صَومُه، ويلزَمُه قضاءُ ذلك اليومِ، إن كان واجبًا). ، وهو قولُ ابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (قطرةُ الأنفِ إذا وصلَتْ إلى المَعِدةِ، فإنَّها تُفطِّرُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في حديث لقيط بن صبرة: ((بالِغْ في الاستنشاقِ، إلَّا أن تكونَ صائِمًا)) فلا يجوزُ للصَّائم أن يُقطِّرَ في أنفِه ما يصِلُ إلى مَعِدتِه، وأمَّا ما لا يصِلُ إلى ذلك مِن قَطرةِ الأنفِ فإنَّها لا تُفَطِّر) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/206). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الصِّيامَ مِن دِينِ المُسلمين الذي يحتاجُ إلى مَعرفَتِه الخاصُّ والعامُّ، فلو كانت هذه الأمورُ ممَّا حَرَّمها اللهُ ورَسُولُه في الصِّيامِ، ويَفسُدُ الصَّومُ بها؛ لكان هذا ممَّا يجِبُ على الرَّسولِ بَيانُه ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (25/234). .ثانيًا: لو كانت القَطرةُ في الأنفِ تُبطِلُ الصَّومَ، لعَلِمَه الصَّحابةُ وبَلَّغوه الأمَّةَ، كما بلَّغوا سائِرَ شَرْعِه، فلمَّا لم ينقُلْ أحَدٌ مِن أهلِ العِلمِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مُسندًا ولا مُرسلًا، عُلِمَ أنَّه لم يَذكُرْ شَيئًا من ذلك ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (25/234). . انظر أيضا: المبحث الأول: تناوُلُ الطَّعامِ والشَّرابِ. المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا. المبحث الثالث: خروج المني. المبحث الرابع: الاستِقاءُ.