إذا أُكرِهَ يُنظر كلامُ ابنِ حَجَر في بيانِ تَعريفِ الإكراهِ وشُروطه. ((فتح الباري)) (12/311). الصَّائِم على الفِطر فأفطَرَ، فلا إثمَ عليه، وصومُه صحيحٌ، سواءٌ كان الإفطارُ بغيرِ فِعلٍ منه- بأن صُبَّ في حلْقِه ماءٌ مثلًا- أو كان الإفطارُ بفِعْلِه، وهو مذهب الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/325)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/905). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/215)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/320). ، والظَّاهرية قال ابن حزم: (وأمَّا من أُكرِهَ على الفِطرِ، أو وُطِئَت امرأةٌ نائمة، أو مُكرَهةٌ أو مجنونةٌ أو مُغمًى عليها، أو صُبَّ في حلقه ماءٌ، وهو نائم- فصومُ النَّائم، والنائمة، والمُكرَه، والمُكرَهة: تامٌّ صحيحٌ لا داخلةَ فيه، ولا شيءَ عليهم... وقال سفيان الثوري: إذا جُومِعَت المرأةُ مُكرَهةً في نهارِ رمضان فصَومُها تامٌّ ولا قضاءَ عليها، وهو قول عبيد الله بن الحسن. وبه يقول أبو سليمان، وجميع أصحابنا) ((المحلى)) (4/361). وقال: (ولا يَنقُضُ الصَّومَ حِجامةٌ ولا احتلامٌ، ولا استِمناءٌ... ولا من أُكرِهَ على ما ينقُضُ الصَّومَ، ولا دخولُ حَمَّام، ولا تغطيسٌ في ماءٍ، ولا دهنُ شاربٍ) ((المحلى)) (4/335). ، وهو اختيارُ الشَّوكاني قال الشوكاني: (أمَّا من أُكرِهَ على الإفطار ولم يَقدِرْ على الدَّفعِ ولا بَقِيَ له فِعلٌ، فلا وَجهَ للحُكمِ عليه بأنَّه قد أفطرَ، بل صَومُه باقٍ، ولا قضاءَ عليه) ((السيل الجرار)) (ص: 286). وكأنَّ الشَّوكاني يرى ذلك فيما إذا كان الإفطارُ بغيرِ فِعلٍ منه. ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (وكذلك لو أُكرِهَ على الفِطرِ فأفطَرَ دفعًا للإكراهِ، فإنَّ صَومَه صَحيحٌ؛ لأنَّه غيرُ مختار، وكذلك لو احتلَمَ فأنزَلَ وهو نائِمٌ، فإنَّ صَومَه صَحيحٌ؛ لأنَّ النَّائِمَ لا قَصدَ له، وكذلك لو أَكرَهَ الرَّجُلُ زَوجَته وهي صائِمةٌ فجامَعَها، فإنَّ صَومَها صحيحٌ لأنَّها غيرُ مُختارةٍ) ((فتاوى أركان الإسلام)) (ص: 474)، وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/194). .الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ[النحل:106] فاللهُ عزَّ وجَلَّ رَفَع حُكمَ الكُفرِ عَمَّن أُكْرِهَ عليه، فما دُونَه مِن بابِ أَوْلى (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/149). . ثانيًا: أنَّه بالإكراهِ سقَطَ أثَرُ فِعلِه؛ ولهذا لا يأثَمُ بالأكلِ لأنَّه صار مأمورًا بالأكلِ لا منهيًّا عنه، فهو كالنَّاسي بل أَوْلى منه ((المجموع)) للنووي (6/325). .ثالثًا: لأنَّ مَحظوراتِ الصِّيامِ طَرَأت بغير فِعلِه، فلم يُفطِرْ بها، كغُبارِ الدَّقيقِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/420). . انظر أيضا: المبحث الأول: المِهَنُ الشَّاقة. المبحث الثاني: إرهاقُ الجوعِ والعَطَشِ. المبحث الرابع: الجهادُ في سبيلِ الله .

يجوزُ الفِطرُ للمجاهِدِ في سبيلِ اللهِ، إذا دعت الحاجة إليه، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/303)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/421). ، والمالكيَّة ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 81)، ((منَاهِجُ التَّحصِيلِ ونتائج لطائف التَّأْوِيل في شَرحِ المدَوَّنة وحَلِّ مُشكِلاتها)) للرجراجي (2/80). المالكيَّةُ لم ينصُّوا على جوازِ الفِطرِ للمُجاهِدِ مُطلقًا، وإنما نَصُّوا على السَّفَرِ للغَزوِ، قالوا: (وإن كان السَّفرُ لِغَزوٍ وقَرُبَ من لقاءِ العَدُوِّ، فالفِطرُ أفضَلُ؛ للقُوَّةِ) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 81).   ، والشافعية ((نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي)) (3/186) وينظر: ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (2/333). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/203)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/310). .الدَّليل منَ السُّنَّة:عن أبي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سافَرْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى مكَّةَ ونحن صِيامٌ، قال فنَزَلْنا منزلًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّكم قد دَنَوتُم مِن عَدُوِّكم، والفِطرُ أقوى لكم، فكانت رخصةً، فمِنَّا من صامَ ومِنَّا من أفطَرَ، ثم نَزَلْنا منزلًا آخَرَ، فقال: إنَّكم مُصَبِّحو عَدُوِّكم والفِطرُ أقوى لكم، فأفطِرُوا، فكانت عَزمةً، فأفطَرْنَا، ثم لقَد رأيتُنا نصومُ بعد ذلك مع رَسولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآلِه وسَلَّمَ في السَّفَرِ وفي الحديث دليلٌ على أنَّ الفِطرَ لِمَن كان قريبًا من العَدُوِّ أَوْلى؛ لِمَظِنَّةِ مُلاقاةِ العَدُوِّ ووصولِهم إليه؛ ولهذا كان الإفطارُ أولى ولم يتحَتَّم. وأمَّا إذا كان لقاءُ العَدُوِّ متحقِّقًا، فالإفطارُ عزيمةٌ؛ لأنَّ الصَّائِم يُضعِفُ عن منازلةِ الأعداءِ وقتالِهم. ينظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/268). )) رواه مسلم (1120). . انظر أيضا: المبحث الأول: المِهَنُ الشَّاقة. المبحث الثاني: إرهاقُ الجوعِ والعَطَشِ. المبحث الثالث: حُكم المُستكرَهِ على الإفطارِ .