تمهيديُشتَرَطُ الإسلامُ في وجوبِ الصَّومِ، وصِحَّتِه؛ فلا يجبُ الصَّومُ على الكافِرِ، ولا يصحُّ منه إنْ أتَى به؛ نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ صيامَ نَهارِ رَمَضانَ على: الصَّحيحِ، المُقيمِ، العاقِلِ، البالِغِ الذي يعلَمُ أنَّه رمضانُ، وقد بلَغَه وجوبُ صِيامِه، وهو مُسلِمٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، وانظر ((المحلى)) لابن حزم (6/160)، ولم يتعقَّبه ابن تيميَّة في ((نقد مراتب الإجماع)). وقال: (فمِن الفَرضِ صيامُ شَهرِ رَمَضانَ، الذي بين شعبان، وشوَّال؛ فهو فَرضٌ على كلِّ مسلمٍ، عاقلٍ، بالغٍ، صحيحٍ، مقيمٍ، حرًّا كان أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى، إلَّا الحائِضَ والنُّفَساء، فلا يصومان أيامَ حَيضِهما ألبتةَ، ولا أيامَ نِفَاسِهما، ويقضيانِ صيامَ تلك الأيَّامِ، وهذا كلُّه فرضٌ متيقَّنٌ مِن جميعِ أهلِ الإسلامِ). ((المحلى بالآثار)) (4/285). ، والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ: (فمنها الإسلامُ، فلا يجِبُ الصَّومُ على الكافِرِ في حقِّ أحكامِ الدنيا، بلا خلافٍ، حتى لا يُخاطَبَ بالقضاءِ بعدَ الإسلامِ). ((بدائع الصنائع)) (2/87). ، والزيلعيُّ قال الزيلعيُّ: (وجودُ الإيمانِ شرْطٌ لصحَّةِ سائِرِ العباداتِ، بلا خلافٍ). ((تبيين الحقائق)) (2/5). ، ومحمَّدُ ابنُ مُفلح قال ابنُ مفلح: (صومُ رَمَضانَ فرضٌ على كلِّ مسلم بالِغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مقيمٍ "ع" [إجماع]). ((الفروع)) (4/428). ، وإبراهيمُ ابنُ مُفلح قال برهان الدين ابن مُفلح: (ولا يجِبُ الصَّومُ إلَّا على المسلِمِ البالِغِ، العاقِلِ، القادِرِ على الصَّومِ، إجماعًا). ((المبدع)) (2/414). ، وابنُ حَجر الهيتميُّ قال ابنُ حجر الهيتميُّ: ("شَرْط" صحَّةِ (الصَّوم) من حيث الزَّمنُ قابليةُ الوَقتِ، ومن حيث الفاعلُ (الإسلام)، فلا يصحُّ صومُ كافرٍ بأيِّ كفرٍ كان، إجماعًا). ((تحفة المحتاج)) (3/413). .المطلب الأول: إسلامُ الكافِرِ الأصليِّ (غيرِ المُرتَدِّ) الفرع الأول: حُكْمُ قَضاءِ الكافِرِ الأصليِّ- إذا أسلَمَ- ما فاتَه مِنَ الصِّيامِ الواجِبِ زَمَنَ كُفرِهإذا أسلَمَ الكافِرُ الأصليُّ (أي غيرُ المرتَدِّ)، فلا يلزَمُه قضاءُ ما فاتَه مِنَ الصِّيامِ الواجِبِ زَمَنَ كُفرِه، وذلك في الجُملةِ. الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابقولُه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ قال النوويُّ: (فإن أسلَمَ لم يجِبْ عليه القضاءُ؛ لقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ؛ ولأنَّ في إيجابِ قَضاءِ ما فات في حالِ الكُفرِ تنفيرًا عن الإسلامِ) ((المجموع)) (6/252). [الأنفال: 38]ثانيًا: منَ السُّنَّة1- عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((فلَمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي، أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: ابسُطْ يمينَك فَلْأبايِعْك، فبَسَطَ يمينَه. قال عمرٌو: فقبَضْتُ يدي. قال: ما لكَ يا عمرُو؟ قلت: أردْتُ أن أشتَرِطَ. قال: تشتَرِطُ بماذا؟ قلتُ: أن يُغفَرَ لي. قال: أمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قَبلَه؟)) رواه مسلم (121). . 2- وقد تواتَرَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان لا يأمُرُ مَن أسلَمَ بقَضاءِ ما فاتَه مِن الواجباتِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/322). . ثالثًا: من الإجماعِنقَل الإجماعَ ووقَع الخلافُ فيما لو أسلم أثناءَ الشَّهر كما سيأتي. على ذلك: ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لا يَقضي الكافِرُ إذا أسلم، ما تَرك حالَ الكُفرِ باتِّفاق العُلَماء). ((مجموع الفتاوى)) (22/46). ، وابنُ حجرٍ الهيتميُّ قال ابنُ حجر الهيتميُّ: ("ويجِبُ قضاء ما فات" مِن رمضانَ (بالإغماء)؛ لأنَّه نوعُ مرضٍ، وفارَق الصلاةَ بمشقَّة تكرُّرها، (والردَّة)؛ لأنَّه التزم الوجوبَ بالإسلامِ (دون الكُفر الأصلي)، إجماعًا، وترغيبًا في الإسلام). ((تحفة المحتاج)) (3/432). ، والشِّربينيُّ قال الشربيني: ("والرِّدَّة"، أي: يجب قضاءُ ما فات بها إذا عاد إلى الإسلامِ؛ لأنَّه التزم الوجوبَ بالإسلامِ، وقدَر على الأداءِ، فهو كالمُحدِث يجِبُ عليه أن يتطهَّرَ ويصلِّيَ، وكذا يجب على السَّكران قضاءُ ما فات به (دون الكُفْرِ الأصلي) بالإجماع؛ لِمَا في وجوبه مِن التنفيرِ عن الإسلام). ((مغني المحتاج)) (1/437). . الفرع الثاني: حُكْمُ قضاءِ الكافِرِ ما فاتَه مِن شَهرِ رَمضانَ إذا أسلَمَ أثناءَ الشَّهرِإذا أسلَمَ الكافِرُ أثناءَ شَهرِ رمَضانَ؛ فلا يلزَمُه قضاءُ الأيَّامِ الماضِيَةِ مِن رمضانَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ قال القرطبي: (وقد اختلف العُلَماءُ في الكافِرِ يُسلِمُ في آخِرِ يومٍ مِن رَمَضانَ، هل يجِبُ عليه قضاءُ رمضانَ كُلَّه أو لا؟ وهل يجِبُ عليه قضاءُ اليَومِ الذي أسلَمَ فيه؟ فقال الإمام مالكٌ والجمهور: ليس عليه قضاءُ ما مضى، لأنَّه إنَّما شَهِدَ الشَّهرَ مِن حين إسلامِه) ((تفسير القرطبي)) (2/300). وقال المرداوي: (لو أسلم الكافِرُ الأصليُّ في أثناءِ الشَّهرِ لم يلزَمْه قضاءُ ما سبق منه، بلا خلافٍ عند الأئمَّةِ الأربعةِ) ((الإنصاف)) (3/282). : الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/74)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/127- 128). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/413)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/495). والأصحِّ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/252). ، ومذهَب الحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (4/429)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/162). قال ابنُ قدامة: (وبهذا قال الشعبيُّ وقتادةُ، ومالكٌ والأوزاعيُّ، والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ، وأصحابُ الرأي) ((المغني)) (3/ 162). ، وقالت به طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ نقلَ ابنُ المنذِرِ هذا القَولَ عن: الشعبيِّ وقتادةَ، ومالكٍ والشَّافعيِّ وأبي ثورٍ، وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (3/137). . الأدلَّةُ:أولًا مِنَ الكتابقولُه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38].ثانيًا: لأنَّه لا يُوجَّهُ إليه الأمرُ بالصِّيامِ حِينَها، فلم يكُنْ مِن أهلِ وُجوبِ الصِّيامِ، وعليه فلا يلزَمُه قضاؤه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/ 97). .ثالثًا: أنها عبادة انقضت في حال كفره، فلم يجب قضاؤه، كالرمضان الماضي ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 15). . الفرع الثالث: صومُ الكافِرِ لِما بَقِيَ مِن أيَّامِ شَهرِ رَمضانَ إذا أسلَمَ أثناءَهإذا أسلَمَ الكافِرُ في أثناءِ شَهرِ رَمَضانَ، فعليه أن يصومَ ما بَقِيَ مِنَ الشَّهرِ الدَّليل من الإجماعِ:نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قدامةَ قال ابنُ قُدامة: (وإذا أسلَمَ الكافرُ في شَهرِ رمضان، صام ما يَستقبِلُ مِن بقيَّةِ شَهرِه، أمَّا صومُ ما يَستقبِلُه مِن بقيَّةِ شَهرِه، فلا خلافَ فيه). ((المغني)) (3/162). ، والشَّوكانيُّ قال الشَّوكاني: (وجوبُ الصِّيامِ على مَن أسلَمَ في رمضانَ، ولا أعلَمُ فيه خلافًا). ((نيل الأوطار)) (4/237). . الفرع الرابع: حُكْمُ إمساكِ الكافِرِ في باقي اليومِ الذي يُسلِمُ فيه وقَضائِه المسألة الأولى: حُكْمُ إمساكِ الكافِرِ في باقي اليومِ الذي يُسلِمُ فيهإذا أسلمَ الكافِرُ أثناءَ يَومٍ مِنْ رَمَضانَ؛ فإنَّه يلزَمُه إمساكُ بقيَّةِ اليَومِ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/74)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/339). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/162). ، وقول للمالكية ((المنتقى)) للباجي (2/67)، ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) (2/390)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/327). ، ووجه للشافعية ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (6/437)، (((نهاية المحتاج)) للرملي (3/188). ، وهو اختيار ابنِ تيميَّةَ ((مجموع الفتاوى)) (25/109)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200). ، والشوكاني قال الشوكاني: (والحديث الثاني: فيه دليلٌ على أنَّه يجِبُ الإمساكُ على من أسلَمَ في نهار رمضانَ، ويَلحَقُ به من تكلَّفَ أو أفاق مِن الُجنون أو زال عنه عُذرُه المانِعُ مِن الصَّومِ) ((نيل الأوطار)) (4/237). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (يلزَمُه أن يُمسِكَ بقيَّةَ اليومِ الذي أسلَمَ فيه؛ لأنَّه صار الآن مِن أهل الوجوبِ فلَزِمَه، وهذا بخلافِ ارتفاعِ المانِعِ؛ فإنه إذا ارتفَعَ المانِعُ، لم يلزَمْ إمساكُ بقيَّةِ اليوم، مثل أن تطهُرَ المرأةُ مِن حَيضِها في أثناءِ النَّهارِ؛ فإنَّه لا يلزَمُها أن تُمسِكَ بقيَّة النهار، وكذلك لو برأ المريضُ المُفطِرُ مِن مَرَضِه في أثناء النهار، فإنَّه لا يلزَمُه الإمساكُ؛ لأنَّ هذا اليوم قد أبيحَ له فِطرُه، مع كونِه من أهل الالتزامِ، أي مسلمًا، بخلاف الذي طرأ إسلامُه في أثناءِ النَّهارِ؛ فإنَّه يلزَمُه الإمساكُ، ولا يلزَمُه القضاءُ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/97). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتابِعمومُ قَولِه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185].وجهُ الدَّلالةِ: أن الكافِرَ بإسلامِه صار مِن أهلِ الشَّهادةِ للشَّهرِ، فوجَبَ عليه الإمساكُ ينظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (2/447)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/462).   .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن سلمَةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا مِن أسلَمَ أنْ أذِّنْ في النَّاسِ أنَّ مَن كان أكَلَ فلْيَصُمْ بقيَّةَ يَومِه، ومَن لم يكُنْ أكَلَ فلْيَصُمْ؛ فإنَّ اليَومَ يومُ عاشوراءَ)) رواه البخاري (2007)، ومسلم (1135). . وجه الدلالة:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ الصَّحابةَ رضِيَ اللهُ عنهم بالإمساكِ نهارًا، ولم يأمُرْهم بالقضاءِ، وذلك لَمَّا أوجَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ صَومَ يَومِ عاشوراءَ في أوَّلِ الأمرِ.ثالثًا: لَزِمَه الإمساكُ بقيَّةَ اليَومِ؛ لأنَّه صار من أهلِ الوُجوبِ حينَ إسلامِه فلَزِمَه الصَّومُ، فيُمسِك تشبُّهًا بالصَّائِمينَ، قضاءً لحَقِّ الوقتِ بالتشَبُّه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/97)، وينظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/144)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/127). .رابعًا: أنَّه أدرَكَ جُزءًا من وقتِ العبادةِ فلَزِمَتْه، كما لو أدرَكَ جزءًا مِن وقتِ الصَّلاةِ ((المغني)) لابن قدامة (3/162). . المسألة الثانية: حُكْمُ قضاء الكافِرِ لليومِ الذي يُسلِمُ فيهإذا أسلمَ الكافِرُ أثناءَ يَومٍ مِنْ رَمَضانَ؛ فلا يجِبُ عليه قضاؤُه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/74)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/339). ، والمالكية ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/327)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/242). إلا أن المالكية يستحب عندهم القضاء. ، والصَّحيحُ من مذهب الشَّافعية ((روضة الطالبين)) للنووي (2/373)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/438). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (3/162). واختاره ابنُ المنذر قال ابن المنذر: (واختلفوا في قضاءِ اليوم الذي يُسلِمُ فيه الكافرُ، فكان مالك، وأبو ثور، لا يوجِبانِ عليه قضاءً، ويستحبَّانِ لو فعَلَ ذلك. وقال الماجشون: يَكُفُّ عن الأكلِ في ذلك اليومِ ويَقضيه. وقال أحمد، وإسحاق: مِثله. قال أبو بكر: ليس عليه أن يقضِيَ ما مضى من الشَّهرِ، ولا ذلك اليومَ) ((الإشراف)) (3/138). ، وابنُ حزم قال ابن حزم: (ومن أسلَمَ بعدما تبيَّنَ الفَجرُ له، أو بلَغَ كذلك... ولا قضاءَ على مَن أسلم، أو بلغ؛ وتقضي الحائِضُ، والمُفيقُ، والقادِمُ، والنُّفَساءُ... وأمَّا من رأى القضاءَ في ذلك [اليوم] على من أسلم؟ فقولٌ لا دليلَ على صحَّتِه، ولقد كان يلزَمُ مَن رأى نيَّةً واحدةً تُجزئُ للشَّهرِ كلِّه في الصَّومِ أن يقول بهذا القَولِ، وإلَّا فهم مُتناقِضونَ) ((المحلى)) (4/383). ، وابنُ تيميَّةَ ((مجموع الفتاوى)) (25/109)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200). ، وابنُ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/97). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعن سلمَةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا مِن أسلَمَ أنْ أذِّنْ في النَّاسِ أنَّ مَن كان أكَلَ فلْيَصُمْ بقيَّةَ يَومِه، ومَن لم يكُنْ أكَلَ فلْيَصُمْ؛ فإنَّ اليَومَ يومُ عاشوراءَ)) رواه البخاري (2007)، ومسلم (1135). . وجه الدلالة:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ الصَّحابةَ رضِيَ اللهُ عنهم بالإمساكِ نهارًا، ولم يأمُرْهم بالقضاءِ، وذلك لَمَّا أوجَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ صَومَ يَومِ عاشوراءَ في أوَّلِ الأمرِ.ثانيًا: لم يجِبْ عليه قضاؤُه؛ لانعدامِ أهليَّةِ العِبادةِ في أوَّلِ النَّهار؛ حيث لم يكُن من أهلِ الوجوبِ؛ ولأنَّ الصَّومَ لا يتجَزَّأ، فإذا لم يجِبِ البَعضُ لم يجِبِ الباقي، فما دام أنَّه في أوَّلِ النَّهارِ ليس أهلًا للوُجوبِ، فليس أهلًا للوُجوبِ في آخِرِه، فلا يجِبُ عليه القَضاءُ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/339)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 162). . المطلب الثاني: إسلامُ الكافِرِ المُرتَدِّ الفرع الأوَّلُ: حُكمُ قَضاءِ المُرتَدِّ للصَومِ الفائِتِ زَمَنَ رِدَّتِه إذا أسَلَمإذا أسلَمَ المرتَدُّ، فليس عليه قضاءُ ما ترَكَه من الصَّومِ زَمَنَ رِدَّتِه، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/137)، ((الفتاوى الهندية)) (1/121). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1090). ، والحَنابِلة قال المرداوي: (وإن كان مرتدًّا فالصحيحُ مِنَ المذهَبِ أنَّه يقضي ما تركَه قبل رِدَّتِه ولا يقضي ما فاتَه زَمَن رِدَّتِه) ((الإنصاف)) (1/391). . الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتابقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38].فإنَّ الآيةَ تتناوَلُ كُلَّ كافِرٍ، سواءٌ كان أصليًّا أم مرتدًّا قال ابنُ تيمية: (قولُه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ يتناوَلُ كلَّ كافرٍ) ((الفتاوى الكبرى)) (2/23). . ثانيًا: مِن السُّنَّةِ1- عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ الله عنه قال: ((فلَمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي، أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: ابسُطْ يمينَك فَلْأبايِعْك، فبَسَطَ يمينَه. قال عمرو: فقبَضْتُ يدي. قال: ما لكَ يا عمرُو؟ قلت: أردْتُ أن أشتَرِطَ. قال: تشتَرِطُ بماذا؟ قلتُ: أن يُغفَرَ لي. قال: أمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قَبلَه؟)) رواه مسلم (121). .ثالثًا: فِعلُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهمفالصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم لم يأمُرُوا مَن أسلَمَ مِنَ المُرتدِّينَ في زمَنِ أبي بكرٍ الصِّديقِ رَضِيَ الله عنه، بقضاءِ ما تركوا مِنَ الصَّومِ، وهم أعلَمُ النَّاسِ بشريعةِ اللهِ بعد نَبِيِّهم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/223). . رابعًا: لأنَّ في إلزامِه بقضاءِ ما ترك تنفيرًا له مِنَ العودةِ إلى الإسلامِ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/223). .خامسًا: لأنَّه لا يجِبُ عليه شيءٌ مِنَ العباداتِ؛ لِعَدَمِ خطابِ الكُفَّارِ بالشَّرائِعِ، فلا يقضي ما فاتَه زَمَنَ رِدَّتِه بعد إسلامِه ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/137). . الفرع الثاني: قضاءُ المُرتَدِّ ما عليه مِنَ الصَّومِ قبلَ رِدَّتِه إذا أسلَمَإذا أسلَمَ المرتَدُّ، وعليه صومٌ قَبلَ رِدَّتِه؛ فإنَّه يجِبُ عليه القَضاءُ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (4/251). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/5)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/443). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/278)، ((الفروع)) لابن مفلح (1/401). ؛ وذلك لأنَّه تَرَكَ الصَّومَ زَمَنَ الإسلامِ، فكان مَعصيَةً، والمعصيةُ تبقى بعد الرِّدَّةِ، ويبقى في ذِمَّتِه القضاءُ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/137). . الفرع الثالث: حُكْمُ مَنِ ارتَدَّ أثناءَ صَومِهمَنِ ارتَدَّ في أثناءِ الصَّومِ، بَطَلَ صَومُه، وعليه قضاءُ ذلك اليومِ إذا أسلَمَ؛ نصَّ على ذلك الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/347). ، والحَنابِلةُ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/308). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قدامة: (لا نعلَمُ بين أهلِ العِلمِ خلافًا في أنَّ مَنِ ارتَدَّ عَنِ الإسلامِ في أثناءِ الصَّومِ، أنَّه يَفسُدُ صَومُه، وعليه قضاءُ ذلك اليوم، إذا عاد إلى الإسلامِ، سواءٌ أسلَمَ في أثناءِ اليومِ، أو بعدَ انقضائِه) ((المغني)) (3/24). وقال النووي: (لو حاضَت في بعضِ النَّهارِ أو ارتَدَّ؛ بطَلَ صَومُهما بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/347). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ الصَّومَ عِبادةٌ مِن شَرطِها النيَّةُ، فأبطَلَتْها الرِّدَّةُ ((المغني)) لابن قدامة (3/ 133). .ثانيًا: لأنَّ المُرتَدَّ كان مِن أهلِ الوُجوبِ حين تعيَّنَ الإمساكُ؛ لذلك كانَ عليه القَضاءُ إذا أسلَمَ ((المغني)) لابن قدامة (3/36). ،كالصَّلاة يُدرِكُ جزءًا مِن وَقتِها ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/308). . انظر أيضا: المبحث الثاني: البلوغ.  المبحث الثالث: العقـــل. المبحث الرابع: الإقامة . المبحث الخامس: القُدرةُ على الصَّومِ .

المطلب الأوَّلُ: اشتراطُ البُلوغِ يُشتَرَطُ لوجوبِ الصَّومِ: البلوغُ فائدة: قال ابنُ عُثيمين: (ويَحْصل بُلوغُ الذَّكَرِ بواحدٍ من أمورٍ ثلاثةٍ: أحدُها: إِنزالُ المَنيِّ باحتلامٍ أو غيرهِ. الثاني: نبَاتُ شَعرِ العَانةِ وهو الشَّعْر الْخشِنُ ينْبُت حولَ الْقُبُلِ. الثالثُ: بلوغُ تمامِ خَمْسَ عَشْرةَ سنةً. ويحصل بلوغُ الأُنثى بما يحْصلُ به بلوغُ الذَكَرِ وزيادةُ أمرٍ رابعٍ وهو الحَيضُ). ((مجالس شهر رمضان)) (ص: 28). . الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ)) رواه أبو داود (4402)، وأحمد (940)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7303)، وابن خزيمة (1003)، والحاكم (949).  حسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والحاكم وقال: على شرط الشيخين، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). . ثانيًا: من الإجماعِنقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفَقوا على أنَّ صِيامَ نَهارِ رَمَضانَ على: الصَّحيحِ المُقيمِ العاقِلِ البالِغِ الذي يعلَمُ أنَّه رمضانُ، وقد بلَغَه وجوبُ صِيامِه وهو مُسلمٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). وانظر ((المحلى)) لابن حزم ( 6/160). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (وأمَّا على مَن يجِبُ وجوبًا غير مُخيَّرٍ: فهو البالِغ، العاقِلُ، الحاضر، الصَّحيح، إذا لم تكُن فيه الصِّفةُ المانعة مِن الصَّوم، وهي: الحَيضُ للنِّساءِ، وهذا لا خِلافَ فيه؛ لِقَولِه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185]). ((بداية المجتهد)) (2/46). ، والنَّوويُّ قال النووي: (لا يجِبُ صَومُ رَمَضانَ على الصبيِّ، ولا يجِبُ عليه قضاءُ ما فات قبل البلوغِ، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/253). ، ومحمدُ ابنُ مُفلحٍ قال ابنُ مفلح: (صومُ رَمَضانَ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ بالِغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مُقيمٍ "ع" [إجماع]). ((الفروع)) (4/428). ، وإبراهيمُ ابن مفلح قال برهان الدين ابن مُفلح: ("ولا يجِبُ الصَّومُ إلَّا على المسلِم البالِغِ، العاقِلِ، القادِرِ على الصَّومِ" إجماعًا). ((المبدع)) (2/414). .ثالثًا: أنَّ الصَّبيَّ لِضَعفِ بِنيَتِه وقصورِ عَقلِه واشتغالِه باللَّهوِ واللَّعِبِ؛ يشُقُّ عليه تفَهُّمُ الخطابِ، وأداءُ الصَّومِ، فأسقَطَ الشَّرعُ عنه العباداتِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/87). . المطلب الثاني: قضاءُ البالِغِ لِمَا فاتَه قَبلَ البُلوغِلا يجبُ على البالِغِ قضاءُ ما فات قَبل البُلوغ.الأدلة:أولًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النووي: (فلا يجبُ صومُ رمضانَ على الصبيِّ، ولا يجب عليه قضاءُ ما فات قبل البلوغِ، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/253). وقال الطحطاوي: (قوله "لا ما مضى" أي: اتِّفاقًا؛ لعدم شرْطِ الوجوبِ فيما مضى، وهو الإسلامُ والبلوغ) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 421). لكن ذَهب الأوزاعيُّ وعبدُ الملك بن الماجشون إلى أنَّ الغُلامَ إذا بلغ أثناءَ رَمَضانَ، فإنَّه يصومُ ما مضى من أوَّلِ الشَّهرِ. ينظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/352). ومسألةُ بلوغِ الصبيِّ أثناءَ شَهرِ رَمضانَ سيأتي ذِكرُها. . ثانيًا: أنَّ زَمَن الصِّبا ليس زمَنَ تكليفْ؛ للحديث: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ...)) ولو وجب عليه القَضاءُ لوجب عليه أداؤُه في حالِ الصِّغَرِ ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/253). . المطلب الثالث: أمرُ الصَّبيِّ بالصَّومِإذا كان الصبيُّ يُطيقُ الصِّيامَ دون وقوعِ ضَرَرٍ عليه، فعلى وليِّهِ أن يأمُرَه بالصَّومِ؛ ليتمَرَّنَ عليه ويتعوَّدَه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/339)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/373). ، والشَّافِعيَّة قال النووي: (قال المُصَنِّفُ والأصحاب: وإذا أطاق الصَّومَ وَجَبَ على الوليِّ أن يأمُرَه به لسبعِ سِنينَ، بشَرطِ أن يكون مُمَيِّزًا، ويضرِبَه على ترَكِه لعشرٍ؛ لِمَا ذكره المُصنِّفُ، والصَّبِيَّةُ كالصبيِّ في هذا كلِّه بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/253). والحَنابِلة على اختلافٍ بينهم في تحديدِ السِّنِّ التي يُؤمَرُ فيها الصَّبيُّ. ((الإنصاف)) للمرداوي (3/199)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/14). ، وهو قولٌ عند المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (2/533). ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قدامةَ: (ومِمَّن ذهب إلى أنَّه يُؤمَرُ بالصِّيامِ إذا أطاقه: عطاءٌ والحسَنُ وابنُ سيرين والزُّهري وقتادة والشَّافعي) ((المغني)) (3/ 161). .الدليلُ منَ السُّنَّة:عن الرُّبيِّع بنتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ الله عنها قالت: ((أرسَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ عاشُوراءَ إلى قُرى الأنصارِ: من أصبَحَ مُفطِرًا فلْيُتِمَّ بقيَّةَ يَومِه، ومن أصبَحَ صائمًا فلْيَصُمْ، قالت: فكُنَّا نصومُه بعدُ، ونُصَوِّم صِبيانَنا، ونجعَلُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ)) رواه البخاري (1960) ومسلم (1136). . وفي لفظ: ((... ونصنَعُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ، فنذهَبُ به معنا، فإذا سألونا الطَّعامَ أعطيناهم اللُّعبةَ تُلهِيهم حتى يُتِمُّوا صَومَهم)) رواه مسلم (1136). . المطلب الرابع: حُكمُ قضاءِ ما سبَقَ إذا بلغ الصبيُّ أثناءَ شَهرِ رَمضانَإذا بلغَ الصَّبيُّ أثناءَ شَهرِ رَمَضانَ؛ فإنَّه يصومُ بقيَّةَ الشَّهرِ ولا يلزَمُه قضاءُ ما سبَقَ، سواءٌ كان قد صامَه أم أفطَرَه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 421)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/87). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/328)، (شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/349). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/253)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/187). ، والحَنابِلة ((المبدع)) لابن مفلح (2/415)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/309)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/162)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/15). ، وهو قولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ ((المغني)) لابن قدامة (3/162). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال النَّووي: (لا يجِبُ صَومُ رَمَضانَ على الصبيِّ، ولا يجِبُ عليه قضاءُ ما فات قبلَ البلوغ بلا خلافٍ) ((المجموع)) للنووي (6/ 253). وقال الطحطاوي: (قوله "لا ما مضى" أي اتِّفاقًا؛ لعَدَمِ شَرطِ الوجوبِ فيما مضى، وهو الإسلامُ والبلوغُ) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 421). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه لا يُوجَّهُ إليه الأمرُ بالصَّومِ حينذاك؛ لأنَّه ليس مِن أهلِ وُجوبِ الصَّومِ؛ وعليه فلا يلزَمُه قضاؤُه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/97). .ثانيًا: أنَّه زمنٌ مضى في حالِ صِباه، فلم يلزَمْه قضاءُ الصَّومِ فيه، كما لو بلَغَ بعد انسلاخِ رمضانَ ((المغني)) لابن قدامة (3/162). . المطلب الخامس: حُكمُ القَضاءِ والإمساكِ إذا بلغَ الصَّبيُّ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ وهو مُفطِرٌإذا بلغ الصبيُّ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ وهو مُفطِرٌ؛ فإنَّه يلزَمُه أن يُمسِكَ بقِيَّةَ يَومِه، ولا قضاءَ عليه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/310)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/373)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/363)، ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((المغني)) لابن قدامة (3/ 162)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/15)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200). ، اختارها ابنُ تيميَّةَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/109)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/334). ؛ وذلك لأنَّه صار مِن أهلِ الوُجوبِ حين بُلوغِه؛ فيُمسِكُ تشبُّهًا بالصَّائِمين، وقضاءً لِحَقِّ الوَقتِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/313). ، ولا تلزَمُه الإعادةُ؛ لأنَّه أتى بما أُمِرَ به ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/334). . انظر أيضا: المبحث الأول: الإسلام.  المبحث الثالث: العقـــل. المبحث الرابع: الإقامة . المبحث الخامس: القُدرةُ على الصَّومِ .

تمهيديُشتَرَطُ لوجوبِ الصَّومِ: العَقلُ. الأدِلَّة:أوَّلًا: منَ السُّنَّةعن عليٍّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ)) رواه أبو داود (4403)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (4/ 363)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5089) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.  وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). ورواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342) من حديث عائشة رضي الله عنها. صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا . ثانيًا: من الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ صِيامَ نَهارِ رمضانَ على: الصَّحيحِ المُقيم العاقِلِ البالِغِ الذي يعلم أنَّه رَمَضانُ وقد بلَغَه وجوبُ صِيامِه، وهو مُسلِمٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، وانظر ((المحلى)) ( 6/160)، ولم يتعقَّبْه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (وأمَّا على مَن يجِبُ وجوبًا غير مُخيَّرٍ: فهو البالِغ، العاقِلُ، الحاضر، الصَّحيح، إذا لم تكُن فيه الصِّفة المانعةُ مِن الصَّوم، وهي: الحيضُ للنِّساء، وهذا لا خِلافَ فيه؛ لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185]). ((بداية المجتهد)) (2/46). ، ومحمدُ ابنُ مُفلِح وقال ابنُ مفلح: (صَومُ رَمَضانَ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ بالِغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مقيمٍ "ع" [إجماع]). ((الفروع)) (4/428). ، وإبراهيمُ ابنُ مفلح قال برهان الدين ابن مُفلح: ("ولا يجب الصَّوم إلَّا على المسلِم البالغ، العاقِل، القادر على الصوم" إجماعًا). ((المبدع)) (2/414). . المطلب الأول: زَوالُ العَقلِ بالجُنونِ الفرع الأول: حُكمُ الصَّومِ على المَجنونِلا يجِبُ الصَّومُ على المجنونِ، ولا يصِحُّ منه. الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِعن عليٍّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ)) رواه أبو داود (4403)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (4/ 363)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5089) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.  وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). ورواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342) من حديث عائشة رضي الله عنها. صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا .ثانيًا: من الإجماعِنقل الإجماعَ على ذلك النَّوويُّ قال النووي: (المجنونُ لا يلزَمُه الصومُ في الحالِ بالإجماعِ) ((المجموع)) (6/251). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (اتفقَ العُلَماءُ على أنَّ المجنونَ والصَّغيرَ الذي ليس بممَيِّزٍ، ليس عليه عبادةٌ بدنيَّةٌ، كالصَّلاةِ والصِّيام..) ((منهاج السنة النبوية)) (6/49). وقال أيضًا: (وأمَّا المجنونُ الذي رُفِعَ عنه القَلَمُ، فلا يصِحُّ شَيءٌ من عباداتِه باتِّفاقِ العُلَماءِ، ولا يصِحُّ منه إيمانٌ ولا كُفرٌ، ولا صلاةٌ، ولا غيرُ ذلك من العباداتِ) ((مجموع الفتاوى)) ( 11/191). . الفرع الثاني: حُكمُ صومِ المَجنونِ إذا أفاقَ في نهارِ رَمَضانَإنْ أفاق المجنونُ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ؛ لَزِمَه أن يُمسِكَ بقيَّةَ اليَومِ، وهو مذهب الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/104)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/363). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (3/ 163). ، واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (وطَردُ هذا أنَّ الهلالَ إذا ثبت في أثناءِ يَومٍ قبل الأكلِ أو بعده أتَمُّوا وأمسَكُوا ولا قضاءَ عليهم، كما لو بلغ صَبِيٌّ أو أفاق مجنونٌ، على أصَحِّ الأقوالِ الثلاثة) ((مجموع الفتاوى)) (25/109). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/334). ؛ وذلك لأنَّه صار مِن أهلِ الوُجوبِ حين إفاقَتِه، فيُمسِكُ تشبُّهًا بالصَّائِمينَ وقضاءً لحقِّ الوقتِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/311-313). . الفرع الثالث: حُكمُ القضاءِ على المَجنون إذا أفاقَالمجنونُ إذا أفاق لا يَلزمُه قضاءُ ما فاتَه زمنَ الجُنونِ، سواءٌ قلَّ ما فاتَه أو كثُر، وسواءٌ أفاقَ بعدَ رَمَضانَ أو في أثنائِه، وهذا مذهبُ الشَّافِعيَّة ((فتح العزيز)) للرافعي (6/432)، ((المجموع)) للنووي (6/254). واشترطَ الحَنَفيَّة في عَدَمِ القضاءِ أن يستوعِبَ الجنونُ شَهرَ رمضانَ. ينظر: ((البحر الرائق)) (2/313)، ((الدر المختار)) (2/432).                 ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/208)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/314). ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِر ((الأوسط)) لابن المنذر (4/396). ، وابنِ حَزمٍ ((المحلى)) (4/365). ، وابنِ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/206). ، وابن عُثيمين ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 149). .الدَّليل منَ السُّنَّة:عن عليٍّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ)) رواه أبو داود (4403)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (4/ 363)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5089) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.  وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). ورواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342) من حديث عائشة رضي الله عنها. صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا . الفرع الرابع: حُكمُ صومِ مَن نوى الصِّيامَ باللَّيلِ ثم أصيبَ بالجُنونِ ولم يُفِقْ إلَّا بعد غروبِ الشَّمسِ مَن نوى الصِّيامَ باللَّيلِ ثمَّ أصيبَ بالجُنونِ ولم يُفِقْ إلَّا بعد غُروبِ الشَّمسِ، فإنَّ صَومَه لا يصِحُّ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/522). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/251)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/ 370)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/ 415). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/207). .الأدِلَّة:أوَّلًا: منَ السُّنَّة عن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصَّغيرِ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ، أو يُفيقَ)) [152] رواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342). صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا ثانيًا: لأنَّ مِن شُروطِ وُجوبِ العِبادةِ وصِحَّتِها: العقلَ، والمجنونُ لا عَقْلَ له ((الشرح الكبير)) للدردير (1/522). . الفرع الخامس: حُكمُ قضاءِ مَن كان صائمًا فأصابَه الجُنونُمَن كان صائمًا فأصابَه الجنونُ، فلا قضاءَ عليه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّةِ ((المبسوط)) للسرخسي (3/82). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/480)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 116). ، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (من نوى الصَّومَ كما أمَرَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ ثم جُنَّ; أو أغمِيَ عليه؛ فقد صَحَّ صومُه) ((المحلى)) (6/227). ؛ وذلك لأنَّه قد أدَّى ما عليه وهو صحيحٌ مُكَلَّفٌ، ثم رُفِعَ عنه التَّكليفُ بالجنونِ، فلا يُطالَبُ بقضاءِ ما لم يكُنْ مكلَّفًا به. المطلب الثاني: العَتَه أوَّلًا: تَعريفُ العَتَهِ- العَتَهُ لغةً: نُقصانُ العَقلِ مِن غيرِ جُنونٍ أو دَهَشٍ ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 392). . - العَتَهُ اصطلاحًا: آفةٌ ناشئةٌ عن الذَّاتِ تُوجِبُ خللًا في العَقلِ، فيصيرُ صاحِبُه مختلِطَ العقلِ، فيُشبِهُ بعضُ كلامِه كلامَ العُقلاءِ، وبعضُه كلامَ المجانينِ ((التعريفات)) للجرجاني (ص 190). . ثانيًا: حُكمُ صومِ المَعتوهِالمعتوهُ الذي أُصيبَ بعَقلِه على وجهٍ لم يبلُغْ حَدَّ الجُنونِ؛ لا صومَ عليه، وليس عليه قَضاءٌ. الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ1- عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن الصَّبيِّ حتى يحتَلِمَ، وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ، وعن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ)) [159] رواه أحمد (24694)، والدارمي (2342)، والحاكم في ((المستدرك)) (2350)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (11453) بألفاظ متقاربة. ورواه أبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن ماجة (2041) ببعض اختلاف صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا . وفي روايةٍ عن عليٍّ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يشِبَّ، وعن المعتوهِ حتى يعقِلَ)) رواه الترمذي (1423)، وأحمد (956) حسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (226)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (2/197)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3515)، و ((صحيح الترمذي)) (1423).   .ثانيًا: مِنَ الإجماعنقَل ابنُ عبد البرِّ الإجماعَ على ذلك قال ابنُ عبد البر: (.. وهذا إجماعٌ؛ أنَّ المجنونَ المعتوه لا حدَّ عليه، والقَلمُ عنه مرفوعٌ) ((التمهيد)) (23/120). .ثالثًا: لأنَّه نَوعٌ مِنَ الجنونِ؛ فينطَبِقُ على المَعتوه ما ينطبِقُ على المجنونِ مِن أحكامٍ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (29/276). . المطلب الثالث: الخَرَفُ أوَّلًا: تَعريفُ الخَرَفِ:الخرف: هو فَسادُ العَقلِ مِنَ الكِبَرِ ((الصحاح)) للجوهري (4/ 1349)، ((معجم لغة الفقهاء)) لمحمد رواس قلعجي، وحامد صادق قنيبي (1/ 194). . ثانيًا: حُكمُ صومِ المُخَرِّفِليس على المُخَرِّف صَومٌ ولا قضاءٌ، وهو اختيارُ ابنِ باز ((موقع الشيخ ابن باز الرسمي)). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (فالمهذري أي: المُخرِّف لا يجِبُ عليه صومٌ، ولا إطعامٌ بَدَلَه؛ لِفَقدِ الأهليَّةِ، وهي العَقلُ) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/323)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/77). .الدَّليل منَ السُّنَّة:عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن الصبيِّ حتى يحتَلِمَ، وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ، وعن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ)) [166] رواه أحمد (24694)، والدارمي (2342)، والحاكم في ((المستدرك)) (2350)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (11453) بألفاظ متقاربة. ورواه أبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن ماجة (2041) ببعض اختلاف صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا . وجهُ الدلالة:أن المخرِّفَ لَمَّا اختلَّ وزالَ شُعورُه، صار مِن جِنسِ المجانينِ والمعتوهينَ، ولا تَمييزَ لديه بسبَبِ الهَرَمِ؛ ولذا فلا شَيءَ عليه ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز بعناية الشويعر (16/ 105). . المطلب الرابع: زوالُ العَقلِ بالإغماءِ الفرع الأول: حُكمُ مَن نوى الصَّومَ ثمَّ أصيبَ بإغماءٍ في رمضانَ المسألة الأولى: أن يَنويَ الصَّومَ ثم يُغمى عليه جميعَ النَّهارِإذا استوعَبَ الإغماءُ جميعَ النَّهارِ، أي: أُغمِيَ عليه قبل الفَجرِ، ولم يُفِقْ إلَّا بعد غروبِ الشَّمسِ؛ فلا يصِحُّ صومُه، وعليه قضاءُ هذا اليومِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/457)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/723). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/255). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/207). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قدامة: (ومتى فسَدَ الصَّومُ به- أي بالإغماءِ- فعلى المُغمَى عليه القَضاءُ بِغَيرِ خلافٍ عَلِمناه) ((المغني)) (3/ 115). ؛ وذلك لأنَّ الصَّومَ إمساكٌ عن المُفَطِّراتِ مع النيَّةِ، والمُغمَى عليه فَقَد الإمساكَ المُضافَ إليه النيَّةُ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/314). .الدليلُ على وجوبِ القضاء عليه:عمومُ قَولِ الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185]. المسألة الثانية: أن ينويَ الصَّومَ ثم يُغمَى عليه جزءًا مِنَ النَّهارِإذا أغمِيَ عليه ثم أفاق جزءًا مِنَ النَّهارِ، ولو لِلَحظةٍ، فصيامُه صَحيحٌ، ولا قضاءَ عليه، وهو مذهَبُ الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/346 - 347). ، والحَنابِلة ((منتهى الإرادات)) (2/19)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/116). ؛ وذلك لأنَّ الصَّومَ إمساكٌ عَنِ المفطِّراتِ مع النيَّةِ، وما دام أنَّه قد أفاق جزءًا مِنَ النَّهارِ، فقد وُجِدَ منه النيَّةُ، مع قصْدِ الإمساكِ في جُزءٍ مِنَ النهارِ، كما لو نام بقيَّةَ يَومِه ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/314). . الفرع الثاني: حُكمُ مَن زال عَقلُه وفَقَدَ وَعيَه بسببِ التَّخديرِ بالبَنْجِمَن زالَ عَقلُه وفَقَد وعيَه بسببِ التَّخديرِ بالبَنْجِ؛ فحُكمُه حُكمُ الإغماءِ على ما سَبَقَ بيانُه قال النووي: (قال أصحابُنا: ومَن زال عَقلُه بِمَرَض أو بِشُربِ دَواءٍ شَرِبَه لحاجةٍ أو بعذرٍ آخَرَ؛ لَزِمَه قضاءُ الصَّومِ دونَ الصَّلاةِ، كالمغمى عليه، ولا يأثمُ بِتَركِ الصَّومِ في زمنِ زَوالِ عَقلِه. وأمَّا مَن زال عَقلُه بمُحَرَّمٍ كخمرٍ أو غيره مما سبَقَ بيانه... فيلزَمُه القضاءُ، ويكون آثمًا بالتَّركِ، والله أعلم) ((المجموع)) (6/255). وانظر ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عُثيمين (اللقاء رقم: 3). . (ينظر: زوال العقل بالإغماء). المطلب الخامس: فَقْدُ الذَّاكرةِمَن أُصيبَ بفُقدانِ الذَّاكرةِ؛ فلا يجِبُ عليه الصَّومُ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ، وابنُ عُثَيمين سُئِلَتِ اللجنةُ الدائمة عن والدٍ مُصابٍ بفقدانِ الذاكرةِ، وقد أفطر شَهرَ رَمَضانَ. فأجابت اللجنةُ الدائمة- برئاسة ابن باز-: (.. ليس على والِدِكم صلاةٌ ولا صيامٌ؛ لأنَّه فاقِدٌ للعَقلِ، وقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، والصَّغيرِ حتى يحتَلِمَ، والمجنونِ حتى يُفيقَ))، ووالِدُكم فاقِدٌ للعقلِ، كواحدٍ مِن هؤلاء) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (5/16). قال ابنُ عُثيمين: (ومثله أيضًا الكبيرُ الذي بلغ فقدانَ الذَّاكرة، كما قال هذا السَّائِلُ، فإنَّه لا يجِبُ عليه صومٌ ولا صلاةٌ ولا طهارةٌ؛ لأنَّ فاقِدَ الذَّاكرة هو بمنزلةِ الصبيِّ الذي لم يُمَيِّزْ، فتسقُطُ عنه التكاليفُ، فلا يُلزَمُ بطهارةٍ، ولا يُلزَمُ بصلاةٍ، ولا يُلزَمُ أيضًا بصيامٍ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/85). .الدَّليل:قياسًا على الصبيِّ الذي لا يُمَيِّزُ؛ لحديثِ عائشةَ رَضِيَ الله عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن المُبتلى حتى يبرَأَ، وعن الصَّبيِّ حتى يكبَرَ)) [178] رواه أبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن ماجة (2041) وأحمد (24694). صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا . انظر أيضا: المبحث الأول: الإسلام. المبحث الثاني: البلوغ. المبحث الرابع: الإقامة . المبحث الخامس: القُدرةُ على الصَّومِ .

لا يجبُ الصومُ إلَّا على القادرِ فائدة: أصحابُ المِهَنِ الشاقَّة داخلون في عمومِ المُكَلَّفين، وليسوا في معنى المَرضى والمسافرِينَ، فيجب عليهم تبييتُ نِيَّةِ صَومِ رمضان، وأن يُصبِحوا صائمين، لكنْ مَن يعمَلُ بإحدى المِهَنِ الشَّاقَّةِ ويَضُرُّه تَرْكُ عَمَلِه، وخَشِيَ على نفسِه التَّلَفَ أثناءَ النَّهار، أو لحوقَ مشقَّةٍ عظيمةٍ؛ فإنه يُفطِرُ على قَدْرِ حاجَتِه، بما يدفَعُ المشقَّة فقط، ثم يمسِكُ بقيَّة يومِه إلى الغُروبِ ويُفطِرُ مع النَّاسِ، وعليه القَضاءُ. جاء في الفتاوى الهندية: (المُحترِفُ المُحتاجُ إلى نفقَتِه عَلِمَ أنَّه لو اشتغل بحِرفَتِه يلحَقُه ضَرَرٌ مُبيحٌ للفِطرِ، يَحرُمُ عليه الفِطرُ قبل أن يَمرَضَ، كذا في القُنْيةِ) ((الفتاوى الهندية)) (1/208)، وانظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/420).  قال البهوتي: (وقال أبو بكر الآجري: مَن صنعَتُه شاقَّةٌ، فإن خاف بالصَّومِ تلفًا؛ أفطَرَ وقَضَى، إن ضَرَّه تركُ الصَّنعةِ، فإن لم يَضُرَّه تَرْكُها أثَمِ بالفِطرِ، ويَتركُها، وإلَّا- أي: وإن لم ينتَفِ التضَرُّر بتركِها- فلا إثمَ عليه بالفِطرِ للعُذرِ) ((كشاف القناع)) (2/310). وانظر ((التاج والإكليل)) للمواق (2/395). . الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب1- قولُه تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا قال الجصاص: (فيه نصٌّ على أنَّ اللَّه تعالى لا يُكَلِّفُ أحدًا ما لا يَقدِرُ عليه ولا يطيقه... ومما يتعلَّقُ بذلك من الأحكامِ: سُقوطُ الفَرضِ عن المُكَلَّفينَ فيما لا تتَّسِعُ له قواهم؛ لأنَّ الوُسعَ هو دون الطَّاقةِ... نحو الشَّيخ الكبير الذي يشقُّ عليه الصَّومُ ويؤدِّيه إلى ضررٍ يلحَقُه في جسمه، وإن لم يُخشَ الموتُ بفِعلِه، فليس عليه صَومُه؛ لأنَّ اللَّه لم يكلِّفْه إلَّا ما يتَّسِعُ لفعلِه، ولا يبلغُ به حال الموت، وكذلك المريضُ الذي يخشى ضَرَرَ الصَّومِ..) ((أحكام القرآن)) (2/277). [البقرة: 286].2- قولُه تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78].ثانيًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ صيامَ نهارِ رَمَضان: على الصَّحيحِ..) ((مراتب الإجماع)) (ص39). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (واتَّفقوا على أنَّ العباداتِ لا تجِبُ إلَّا على مُستطيعٍ) ((مجموع الفتاوى)) (8/479). ، وابنُ مُفلِح قال برهان الدين ابنُ مُفلح: ("ولا يجِبُ الصَّومُ إلَّا على المُسلمِ البالِغ، العاقِل، القادِر على الصَّوم" إجماعًا). ((المبدع)) (2/414). . انظر أيضا: المبحث الأول: الإسلام. المبحث الثاني: البلوغ.  المبحث الثالث: العقـــل. المبحث الرابع: الإقامة .

تمهيديُشتَرَط لوجوبِ الصَّومِ على المرأةِ طَهارَتُها مِن دَمِ الحَيضِ والنِّفاسِ.الدَّليل من الإجماعِ:نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ صِيامَ نَهارِ رَمضانَ على الصَّحيحِ المُقيم العاقِلِ البالِغِ الذي يعلم أنَّه رمضان، وقد بلغه وجوبُ صيامِه، وهو مسلمٌ، وليس امرأةً حائضًا..) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ((المحلى)) (6/160). ، والنوويُّ قال النووي: (هذا الحُكمُ متَّفقٌ عليه، أجمع المسلمونَ على أنَّ الحائِضَ والنُّفَساءَ لا تجب عليهما الصَّلاةُ ولا الصَّومُ في الحال) ((شرح النووي على مسلم)) (4/26). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (والحديثُ يدُلُّ على عَدَمِ وُجوبِ الصَّومِ والصَّلاةِ على الحائِضِ حال حيضِها، وهو إجماعٌ) ((نيل الأوطار)) (2/280). . المطلب الأول: حُكمُ صَومِ الحائِضِ والنُّفَساءِيحرُمُ الصَّومُ- فَرْضُه ونَفْلُه- على الحائِضِ والنُّفَساءِ، ولا يصِحُّ صومُهما، وعليهما القضاءُ.الدَّليل من الإجماعِ:نقَلَ الإجماعَ على جميعِ ما سبَقَ أو بعضِه: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وهذا إجماعٌ؛ أنَّ الحائِضَ لا تصومُ في أيَّامِ حَيضَتِها، وتقضي الصَّومَ... لا خلافَ في شيءٍ من ذلك، والحمدُ لله). ((التمهيد)) (22/107). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (واتَّفق المسلمون على أنَّ الحَيضَ يَمنَعُ أربعةَ أشياءَ: أحدها: فِعلُ الصلاة ووجوبُها، أعني أنَّه ليس يجِبُ على الحائضِ قضاؤُها، بخِلافِ الصَّومِ. والثاني: أنَّه يمنَعُ فِعلَ الصَّوم، لا قضاءَه..) ((بداية المجتهد)) ( 1/56). ، والنوويُّ قال النووي: (فأجمعَتِ الأمَّةُ على تحريمِ الصَّومِ على الحائِضِ والنُّفَساءِ، وعلى أنَّه لا يصِحُّ صَومُها كما قدَّمنا نَقلَه عن ابنِ جريرٍ، وكذا نقَل الإجماعَ غيرُه... وأجمعتِ الأمَّة أيضًا على وجوبِ قَضاءِ صَومِ رمضان عليها؛ نقَل الإجماعَ فيه الترمذيُّ، وابنُ المُنذر، وابنُ جرير، وأصحابُنا وغيرُهم) ((المجموع)) (2/354)، ((شرح النووي على مسلم)) (4/26)، وانظر ((المجموع)) للنووي (6/257). ، وابنُ تيميَّة ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/220، 267)، (26/176). . المطلب الثاني: حُكمُ إمساكِ بقيَّةِ اليومِ إذا طَهُرَتِ الحائضُ أو النُّفَساءُ أثناء نهارِ رَمَضانَإذا طَهُرَتِ الحائضُ أو النُّفَساءُ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ، فاختلف أهلُ العِلم في حُكمِ لُزُومِ الإمساكِ عليهما؛ على قولينِ: القول الأول: لا يلزَمُهما إمساكٌ بقيَّةَ اليَومِ، وهو مذهبُ المالكِيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/340). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/257). ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (3/62). ، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ ((المحلى)) (6/241). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (لو أنَّ الحائِضَ طَهُرت في أثناءِ اليومِ مِن رمضانَ، فإنَّه لا يلزَمُها- على القَولِ الرَّاجِح- أن تُمسِك؛ لأن هذه المرأةَ يُباحُ لها الفِطرُ أوَّلَ النَّهارِ إباحةً مُطلقةً، فاليومُ في حَقِّها ليس يومًا مُحتَرمًا، ولا تستفيدُ مِن إلزامِها بالإمساكِ إلَّا التَّعَب) ((الشرح الممتع)) (4/381). .وذلك لأنَّه لا دليلَ على وجوبِ الإمساكِ، ولأنَّه لا فائدةَ مِن هذا الإمساكِ، وذلك لوُجوبِ القضاءِ عليهما، كما أنَّ حُرمةَ الزَّمَنِ قد زالت بفِطرِهما الواجِبِ أوَّلَ النَّهارِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335). . القول الثاني: يلزَمُهما الإمساكُ، وهو مذهب الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/340). ، والصَّحيحُ مِن مَذهَبِ الحَنابِلة ((لإنصاف)) للمرداوي (3/200 - 201). ، وهو اختيارُ ابنِ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/193). .وذلك لأنَّ الحائِضَ والنُّفَساءَ صارا من أهلِ الوُجوبِ حين طهارَتِهما؛ فيُمسكانِ تشبُّهًا بالصَّائِمينَ وقضاءً لحَقِّ الوَقتِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/313-311). .  المطلب الثالث: حُكمُ تناوُلِ المرأةِ حُبوبَ مَنعِ الحَيضِ مِن أجل أن تصومَ الشَّهرَ كاملًا دون انقطاعٍيجوز استعمالُ دواءٍ مُباحٍ لتأخيرِ الحَيضِ سواءٌ كان ذلك في رمضانَ مِن أجلِ أن تصومَ الشَّهرَ كاملًا مع النَّاسِ، أو في غَيرِه من الأوقاتِ، إن أُمِنَ الضَّررُ جاء في ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/538): (قال ابن رشد: سُئل مالك عن المرأة تخاف تعجيلَ الحيضِ، فيُوصَفُ لها شرابٌ تشربه لتأخيرِ الحيض؟ قال: ليس ذلك بصوابٍ، وكرِهَه. قال ابن رشد: إنَّما كرِهَه مخافةَ أن تُدخِلَ على نفسِها ضررًا بذلك في جِسمِها). ؛ نصَّ على هذا مذهب الحنابلة ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح الحفيد (1/244)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/218). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (لا حرَج أن تأخذ المرأة حبوبَ منع الحملِ؛ تمنع الدَّورة الشهريَّة أيَّام رمضان؛ حتَّى تصومَ مع الناس، وفي أيَّام الحجِّ حتَّى تطوفَ مع النَّاس، ولا تتعطَّل عن أعمال الحجِّ، وإن وُجِدَ غيرُ الحبوب شيء يمنَعُ من الدورة، فلا بأس إذا لم يكن فيه محذورٌ شرعًا، أو مضرَّةٌ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/61). ، وذلك قياسًا على جوازِ العَزل، ولاستدعاءِ الحاجةِ مع كونِه أمرًا عارضًا؛ ولذا قيَّدوه بأن يكونَ لِسَببٍ صَحيحٍ، وباستشارةِ الطَّبيبِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/218)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/394). . انظر أيضا: المبحث الأول: الإسلام. المبحث الثاني: البلوغ.  المبحث الثالث: العقـــل. المبحث الرابع: الإقامة .

المطلب الأول: حُكمُ النيَّةِ في الصَّومِلا يصحُّ الصَّومُ بدون نيَّةٍ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/118)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/304)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/152-153). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/336). ، والشَّافعيَّة ((المجموع )) للنووي (6/300). ، والحَنابِلة ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (2/17)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/109)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/22). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قدامة: (وجملَتُه أنَّه لا يصِحُّ صَومٌ إلا بنيَّةٍ؛ إجماعًا- فرضًا كان أو تطوُّعًا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 109). . الأدِلَّة:أوَّلًا: منَ السُّنَّةعن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى)) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .ثانيًا: لأنَّ الصَّومَ عبادةٌ مَحضةٌ، فافتقر إلى النيَّةِ، كالصَّلاةِ وغيرها ((المغني)) لابن قدامة (3/ 115). . ثالثًا: ولأنَّ الصَّومَ هو الإمساكُ لغةً وشَرعًا، ولا يتميَّزُ الشَّرعيُّ عن اللُّغَويِّ إلَّا بالنيَّةِ، فوجَبَت للتَّمييزِ ((المجموع)) للنووي (6/301). .  المطلب الثاني: وقتُ النيَّةِ في الصَّومِ الفرع الأول: وقتُ النيَّةِ في صَومِ الفَرضِ المسألة الأولى: حكمُ تَبييتِ النيَّةِيجِبُ تبييتُ النيَّةِ مِنَ الليلِ قبل طُلوعِ الفَجرِ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة قال ابنُ عبد البر: (ولا يجوز صومُ شهر رمضان إلا بأن يُبَيَّت له الصَّومُ ما بين غروب الشَّمس إلى طلوعِ الفَجرِ بنيَّةٍ) ((الكافي)) (1/335). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/299). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/208). ، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلَف قال الشوكاني: (والحديثُ فيه دليلٌ على وجوبِ تَبييتِ النيَّةِ وإيقاعها في جزءٍ مِن أجزاءِ الليلِ، وقد ذهب إلى ذلك ابنُ عمر وجابر بن يزيد من الصحابة... ومالك والليث وابن أبي ذئب) ((نيل الأوطار)) (4/232). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِقولُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ, وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى)) رواه البخاري (1)، واللفظ له، ومسلم (1907). . وجه الدلالة:أنَّ الصَّومَ عَملٌ، والأعمالُ بالنيَّاتِ، وأجزاءُ النَّهارِ غيرُ مُنفصلةٍ مِن اللَّيلِ بفاصِلٍ يتحَقَّقُ، فلا يتحقَّقُ إلَّا إذا كانت النيَّةُ واقعةً في جزءٍ مِن الليَّل(ِ ((سبل السلام)) للصنعاني (1/561). .ثانيًا: من الآثارعن حفصَةَ رَضِيَ الله عنها زَوْجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: (لا صِيامَ لِمَن لم يُجمِعْ قبلَ الفجرِ) أخرجه النسائي (2336)، وابن أبي شيبة في المصنف (9112)، والبخاري في ((التاريخ الأوسط)) (572)، والدارقطني في ((السنن)) (2217) صححه ابن حزم في ((الإعراب عن الحيرة والالتباس)) (3/952)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (2335). . المسألة الثانية: حُكمُ تجديدِ النِّيَّةِ في كلِّ يومٍ مِنْ رَمَضانَاختلف أهلُ العِلمِ في اشتراطِ تَجديدِ النِّيَّةِ في كلِّ يومٍ مِن رَمَضانَ على قولينِ:القول الأول: يُشتَرَط تجديدُ النِّيَّةِ لكلِّ يومٍ من رَمَضانَ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (2/403)، ((المبسوط)) للسرخسي (3/66). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/302). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/209)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/109). قال النووي: (وبه قال أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وداود وابن المنذر والجمهور) ((المجموع)) (6/302). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِعمومُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ, وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى)) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .وجه الدلالة:أنَّ النيَّةَ يجِبُ تجديدُها لكُلِّ يومٍ؛ لأنَّه عبادةٌ مُستقلَّةٌ مُسقِطةٌ لِفَرضِ وقْتِها ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/233). . ثانيًا: من الآثارعن حفصةَ رَضِيَ اللهُ عنها زَوْجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: (لا صِيامَ لِمَن لم يُجمِعْ قبلَ الفجرِ) أخرجه النسائي (2336)، وابن أبي شيبة في المصنف (9112)، والبخاري في ((التاريخ الأوسط)) (572)، والدارقطني في ((السنن)) (2217) صححه ابن حزم في ((الإعراب عن الحيرة والالتباس)) (3/952)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (2335)، و قال ابن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/279): صحيح وقفه وروي موقوفًا على ابن عمر: أخرجه مالك (1008 - الأعظمي)، والنسائي (2343 )، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7910) صححه الألباني في  ((صحيح النسائي)) (2342) . ثالثًا: القياسُ على أنَّ شَهرَ رَمضانَ كصَلواتِ اليومِ واللَّيلةِ يَحولُ بين كلِّ صَلاتينِ ما ليس صلاةً، فلا بُدَّ لكلِّ صلاةٍ مِن نيَّةٍ؛ فكذلك لا بدَّ لكُلِّ يَومٍ في صَومِه مِن نِيَّةٍ ((المحلى)) لابن حزم (4/ 290). .القول الثاني: أَنَّ ما يُشتَرَط فيه التتابُعُ تكفي النِّيَّةُ في أوَّلِه، فإذا انقطَعَ التَّتابُعُ لعُذرٍ يُبيحُه، ثم عاد إلى الصَّومِ؛ فإنَّ عليه أن يجَدِّدَ النِّيَّة، وهو مذهَبُ المالكِيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/521). ، وقولُ زُفَرَ مِن الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/56). ، واختاره ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) (6/356). .وذلك لأنَّ الصَّومَ المُتتابِعَ كالعبادةِ الواحدةِ، من حيثُ ارتباطُ بَعضِها ببعضٍ، وعَدَمُ جَوازِ التفريقِ بينها (( الشرح الكبير))) للدردير (1/521). ؛ ولذا تكفي النيَّةُ الواحدةُ، كما أنَّ النيَّةَ إذا لم تقَعْ في كلِّ ليلةٍ حقيقةً، فهي واقعةٌ حكمًا؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ قَطعِ النِّيَّةِ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/356). . الفرع الثاني: وقتُ النيَّةِ في صومِ النَّفلِ المسألة الأولى: حُكمُ تبييتِ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيلِ في صيامِ التطَوُّعِلا يُشتَرَطُ في صيامِ التطَوُّعِ تَبييتُ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيلِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/313). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/302). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/113). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِعمومُ حديث عائشةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ الله عنها، حيث قالت: ((دخل عليَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ فقال: هل عِندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذًا صائِمٌ)) رواه مسلم (1154). .ثانيًا: من الآثارما جاءَ عَنِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهم- ومنهم أبو الدَّرداء- فعن أمِّ الدرداء قالت: ((كان أبو الدَّرداءِ يقول: عندكم طعامٌ؟ فإن قُلْنا: لا، قال: فإنِّي صائمٌ يومي هذا)) رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1924)، ووصله البيهقي (4/204) (8173). وانظر: ((تغليق التعليق)) لابن حجر (3/144- 145). . وفعله أبو طلحةَ، وأبو هُريرةَ، وابنُ عبَّاسٍ، وحذيفةُ، رَضِي الله تعالى عنهم رواها عنهم البخاري بصيغة التعليق قبل حديث (1924)، ووصلها البيهقي (4/204) (8171) (8172) (8173) (8174)، وعبدالرزاق (4/273) (7778)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/56). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/145- 147). . المسألة الثانية: وقتُ النِّيَّة مِنَ النَّهارِ في صيامِ التطَوُّعِيجوزُ لِمَن أراد الصِّيامَ أن ينوِيَ صيامَ التطَوُّعِ أثناءَ النَّهارِ، سواءٌ قبل الزَّوالِ أو بَعدَه، إذا لم يتناوَلْ شيئًا من المُفَطِّراتِ بعد الفَجرِ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/114). ، وقولٌ عند الشَّافِعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/406)، ((المجموع)) للنووي (6/292). ، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وهو قَولُ الثوريِّ وإبراهيمَ والحسَنِ بنِ صالحٍ) ((الاستذكار)) (10/35). واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (والأظهرُ صِحَّتُه- أي الصَّوم بنيَّةِ التطوُّعِ بعد الزَّوالِ- كما نقل عن الصحابة) ((مجموع الفتاوى)) (25/120). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/358 - 359)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/185 - 186). . الأدِلَّة:أوَّلًا: منَ السُّنَّةعمومُ ما جاء عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رَضِيَ الله عنها، حيث قالت: ((دخَل عليَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ، فقال: هل عندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا، قال: فإنِّي إذًا صائِمٌ)) رواه مسلم (1154). . ثانيًا: لأنَّه لَمَّا كان الليلُ محلًّا للنيَّةِ في صَومِ الفريضةِ، واستوى حُكمُ جَميعِه، ثم كان النَّهارُ محلًّا للنيَّة في صَومِ التطوُّعِ؛ وجب أن يستوِيَ حُكمُ جَميعِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/874). . ثالثًا: أنَّ النيَّةَ وُجِدَت في جزءٍ مِنَ النَّهارِ، فأشبه ما لو وُجِدَتْ قبل الزَّوالِ بلحظةٍ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (29/20). . المسألة الثالثة: ثوابُ مَن أنشأَ نِيَّةَ الصَّومِ أثناءَ النَّهارِمَن أنشأَ نِيَّةَ الصَّومِ أثناءَ النَّهارِ؛ فإنَّه يُكتَبُ له ثوابُ ما صامَه، من حينِ نوى الصِّيامَ فحَسْبُ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211). ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّةَ ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) لابن تيمية (1/193 - 194). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (... يجوز له أن يصومَ مِن أثناءِ النَّهارِ، إذا كان لم يتعاطَ شيئًا مِن المفَطِّراتِ بعد طلوعِ الفَجرِ، ويُكتَبُ له أجرُ الصَّائِم مِن حينِ نِيَّتِه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/288). ، وابن عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/360)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/185 - 186). . الدَّليل منَ السُّنَّة:عمومُ حَديثِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى)) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .وجه الدلالة:أنَّ الإمساكَ كان في أوَّلِ النَّهارِ بِغَيرِ نِيَّةٍ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فكيف يُثابُ على إمساكٍ لم يقصِدْه ولم يَنْوِه؟ وإنَّما يُثابُ فيما ابتغى به وَجهَ اللهِ تعالى (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/360). . المطلب الثالث: الجَزمُ في نيَّةِ الصَّومِ الفرع الأول: حُكمُ صَومِ المُتَرَدِّدِ في نيَّةِ الصَّومِ الواجِبِمَن تردَّدَ في نيَّةِ الصَّومِ الواجِبِ، هل يصومُ غدًا أو لا يصومُ، واستمَرَّ هذا التردُّدُ إلى الغَدِ، ثم صامه؛ فصَومُه غيرُ صحيحٍ، وعليه قضاءُ هذا اليومِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/520). ، والشَّافِعيَّة قال النووي: (لو عَقَّبَ النيَّةَ بقوله: إن شاء اللهُ، بقلْبِه أو بلسانِه، فإن قصَدَ التبرُّكَ أو وقوعَ الصَّومِ وبقاءَ الحياةِ إلى تمامِه بمشيئةِ الله تعالى لم يَضُرَّه، وإن قصَدَ تعليقَه والشَّكَّ لم يصِحَّ صَومُه، هذا هو المذهَبُ، وبه قطَعَ المُحَقِّقونَ) ((المجموع)) (6/298)، ويُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/425). ، والحَنابِلة قال الحجَّاوي: (ومن قال أنا صائم غدًا إن شاء الله: فإن قصَدَ بالمشيئةِ الشَّكَّ والتردُّدَ في العَزمِ والقصد، فسَدَتْ نيَّتُه وإلَّا لم تفسُدْ؛ إذ قَصْدُه أنَّ فِعلَه للصَّومِ بمشيئةِ اللهِ وتَوفيقِه وتيسيرِه) ((الإقناع)) للحجاوي (1/309). ، وهو قولُ بَعضِ الحَنَفيَّة قال الزيلعي: (وفي جوامِعِ الفِقهِ إذا قال: نويتُ أن أصومَ غدًا إن شاء الله تعالى؛ صَحَّت نيتُه؛ لأنَّ النيَّةَ عَمَلُ القلب دون اللِّسانِ، فلا يَعمَل فيه الاستثناءُ، وفي الذخيرة ذكَرَ شمس الأئمة الحلواني أنَّه لا رواية لهذه المسألة، وفيها قياسٌ واستحسانٌ؛ القياس: أن لا يصيرَ صائمًا، كالطَّلاق والعِتاقِ والبيع، وفي الاستحسان: يصيرُ صائمًا؛ لأنَّه لا يرادُ الإبطالُ بل هو للاستعانةِ، وطلبًا للتَّوفيقِ) ((تبيين الحقائق)) (1/316). . وذلك لأنَّ هذا مخالِفٌ لشَرطٍ مِن شُروطِ صِحَّةِ الصَّومِ وهو النيَّةُ، التي هي عَقدُ القَلبِ على فِعلِ الشَّيءِ، والتردُّدُ ينافي ذلك، ومتى اختَلَّ هذا الشَّرطُ فسد الصَّومُ، ووجب القَضاءُ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/358). . الفرع الثاني: حُكمُ من عَلَّقَ الصَّومَ، فقال مثلًا: إن كان غدًا رَمَضانُ فهو فَرْضِي، أو سأصومُ الفَرضَإذا عقَد الإنسانُ النيَّةَ على أنَّه إن كان غدًا رَمَضانُ فهو فَرْضِي، أو سأصومُ الفَرْضَ، فتَبَيَّنَ أنَّه رَمَضانُ؛ فصَومُه صَحيحٌ، وهو روايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (3/113). ، وإليه ذهب ابنُ تيميَّة قال المرداوي: (واختار هذه الرِّواية- أي: يُجزيه إن نوى: إن كان غدًا مِن رمضان فهو فرضي، وإلا فهو نَفلٌ- الشيخ تقي الدين) ((الإنصاف)) (3/209). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/361 - 363)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/186). .وذلك لأنَّ هذا التردُّدَ مَبنيٌّ على التردُّدِ في ثبوتِ الشَّهرِ، لا على التردُّدِ في النيَّةِ، وهل يصومُ أو لا يصومُ؛ فهو هاهنا قد عَلَّقَ الصَّومَ على ثُبوتِ الشَّهرِ، فلو لم يَثبُتِ الشَّهرُ لم يصُمْ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/362). .المطلب الرابع: استمرارُ النيَّةِالفرع الأول: حُكمُ صَومِ مَن نوى في يومٍ مِن رَمَضانَ قطْعَ صَومِه مَن نوى في يومٍ مِن رَمَضانَ قطْعَ صومِه؛ فإنَّ صَومَه ينقَطِعُ، ولا يصِحُّ منه، وعليه القَضاءُ وإمساكُ بقِيَّةِ اليومِ، إن كان ممَّنْ لا يباحُ لهم الفِطرٌ، فإن كان ممَّن يُباحُ لهم الفِطرُ، كالمريضِ والمسافِرِ؛ فعليه القضاءُ فقط، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/434). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/210)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/316)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/133). ، ووجه عند الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/297). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (ومن نوى وهو صائمٌ إبطالَ صَومِه، بطَلَ إذا تعمَّدَ ذلك ذاكرًا؛ لأنَّه في صومٍ وإن لم يأكُلْ ولا شَرِبَ، ولا وَطِئَ) ((المحلى)) (6/175). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (ومن نوى الإفطارَ أفطَرَ، والدليلُ قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ)) فما دام ناويًا الصَّومَ فهو صائم، وإذا نوى الإفطارَ أفطَرَ، ولأنَّ الصَّومَ نيَّةٌ، وليس شيئًا يُفعَلُ، كما لو نوى قطْعَ الصَّلاةِ، فإنَّها تنقطِعُ الصَّلاةُ)((الشرح الممتع)) (6/363). .الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِعن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ)) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). . وجه الدلالة:أنَّه ما دام ناويًا للصِّيامِ، فهو صائِمٌ، وإذا نوى الإفطارَ أفطَرَ، فالصَّومُ عِبارةٌ عن نيَّةٍ، فإذا نوى قَطْعَها انقطَعَت، كالصَّلاةِ إذا نوى قَطْعَها، فإنَّها تنقطِعُ ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) لابن عُثيمين (6/363). . ثانيًا: لأنَّ الأصلَ اعتبارُ النيَّةِ في جميعِ أجزاءِ العبادةِ حقيقةً وحُكمًا، ولكِنْ لَمَّا شقَّ اعتبارُ النيَّةِ حقيقةً وحُكمًا، اعتُبِرَ بقاءُ حُكمِها، وهو ألَّا ينوِيَ قَطْعَها، فإذا نواه زالتْ النيَّةُ حقيقةً وحُكمًا ((المغني)) لابن قدامة (3/ 133). ؛ لأنَّ نيَّةَ الإفطارِ ضِدُّ نيَّةِ الصَّومِ. الفرع الثاني: حُكمُ صومِ مَن تردَّدَ في قَطعِ نِيَّةِ الصَّومِمن تردَّدَ في قطْعِ نِيَّةِ الصَّومِ؛ فإنَّ صَومَه لا يبطُلُ ما دام لم يَجزِمْ بقَطعِها، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/282). الحنفيَّةُ يَرَونَ أنَّ الصَّائِمَ لو نوى الفِطرَ ولم يُحدِثْ شيئًا آخَرَ سوى النيَّةِ، فصَومُه تامٌّ. ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/297). ، وقول للحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211). ، وهو اختيار ابن عثيمين قال ابن عثيمين: (وأمَّا إذا لم يعزِمْ ولكن تردَّدَ، فموضِعُ خلافٍ بين العُلماءِ: منهم من قال: إنَّ صَومَه يَبطُلُ؛ لأنَّ التردُّدَ ينافي العَزمَ. ومنهم من قال: إنَّه لا يَبطُلُ؛ لأنَّ الأصلَ بقاءُ النيَّةِ حتى يعزِمَ على قَطْعِها وإزالَتِها، وهذا هو الرَّاجِحُ عندي؛ لِقُوَّتِه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/188). .وذلك لأنَّ الأصلَ بقاءُ النيَّةِ حتى يعزِمَ على قَطعِها وإزالَتِها (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/188). . انظر أيضا: المبحث الأول: الإسلام. المبحث الثاني: البلوغ.  المبحث الثالث: العقـــل. المبحث الرابع: الإقامة .