تُخرَجُ زكاةُ الفطرِ مِن قُوتِ البَلدِ [2178] يجوزُ إخراجُ التَّمرِ والشَّعيرِ بالإجماع. قال القاضي عياض: (ولا خلافَ بينهم فى جواز إخراجها من البُرِّ والشَّعير، والتَّمر والزبيب، إلَّا خلافًا فى البُرِّ ممَّن لا يُعتدُّ بخلافه، فلم يُجزه فيهما، وكذلك لبعض المتأخِّرين فى الزَّبيب، والإجماعُ سبق هذا الخلافَ). ((إكمال المعلم))(3/481) قال النوويُّ: (قال القاضي: واختُلف في النوع المُخرَج، فأجمعوا أنه يجوز البُر والزَّبيب، والتمر والشَّعير، إلَّا خلافًا في البُرِّ لمن لا يُعتدُّ بخلافه، وخلافًا في الزبيب لبعض المتأخِّرين، وكِلاهما مسبوقٌ بالإجماع، مردودٌ به). ((شرح النووي على مسلم)) (7/60).      وقال الباجي: (وقوله: (صاعُا من تمر، أو صاعًا من شعير) ذِكرٌ لِمَا يجوز إخراجه في صدقة الفِطر، ولا خلاف في جواز إخراج التَّمر والشَّعير في زكاة الفِطر، وأنَّ المقدار المخرَج منه هو صاع، والصاع أربعة أمداد بمُدِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم). ((المنتقى شرح الموطأ)) (2/186).      قال القرطبيُّ: (وقوله: (صاعًا من طعام، أو صاعًا من أَقِطٍ، أو صاعًا من شَعير، أو صاعًا من زبيب) الطعام هنا: هو القمحُ بدليل ذِكر الشَّعير، وقد رواه أبو داود، وقال: أو صاعًا من حِنطة، مكان ((من طعام))، وهو حُجَّة على مَن قال: لا تخرج من البُر، وهو خلافٌ شاذٌّ، وهو مسبوقٌ بإجماع السَّلف)). ((المفهم)) (3/22)).      وقال الزرقاني: («أو صاعًا من شَعير، أو صاعًا من تمر» (أو) للتقسيم لا للتخيير؛ لاقتضائِه أن يخرج الشَّعير من قُوته أو التَّمر مع وجوده، وليس كذلك، (أو صاعًا من أَقِط) - بفتح الهمزة، وكسْر القاف - وهو لبن فيه زُبدة، (أو صاعًا من زَبيب)، فيُخرِج من أغلب القُوت من هذه الخَمس، وخالف في البُرِّ والزَّبيب مَن لا يُعتدُّ بخلافه، فقال: لا يخرج منهما، وردَّه الباجي وعياضٌ بالإجماع السَّابق عليهما). ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (2/220).      ونقَل ابن حزم عن ابن عُمرَ أنه لم يكُن يُخرِج إلَّا التمر أو الشَّعير، فقال: (فهذا ابنُ عمر قد ذكرنا أنه كان لا يُخرِج إلا التمر، أو الشعير، ولا يُخرِج البُرَّ، وقيل له في ذلك، فأخبر أنَّه في عمله ذلك على طريق أصحابِه؛ فهؤلاء هم الناس الذين يُستوحَش من خِلافهم، وهم الصحابة رضي الله عنهم، بأصحِّ طريق، وإنَّهم ليدَّعون الإجماعَ بأقلَّ من هذا إذا وجَدوه!). ((المحلى)) (4/249). ، وهذا مذهبُ المالكيَّةِ في الجملة للمالكيَّةِ تفصيلٌ، وهو أن يكونَ ما غلب اقتياتُه مِن تِسعةِ أشياءَ، وهي: القمح والشَّعير والسُّلْت، والأَرُز والذرة والدخن، والتمر والزبيب والأقِط؛ فإن لم توجد هذه الأنواعُ التِّسعة، واقتِيتْ غيرُها، فإنَّه يُخرج ممَّا غلب اقتياتُه. ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/261)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/229)، وينظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/188)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/167-169). ، والشافعيَّة قيَّده الشافعيَّة بغالِبِ قُوتِ بلَدِه. ((روضة الطالبين)) للنووي (2/303)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/321). ، وروايةٌ عن أحمد ((مجموع الفتاوى)) (25/69)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/85). ، وهو مذهَبُ أكثَرِ العُلَماءِ انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/69)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/11). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (هل لهم أن يُخرِجوا ما يَقتاتونَ مِن غيرها؟ مثل أن يكونوا يَقتاتون الأَرُز والدخن؛ فهل عليهم أن يُخرِجوا حِنطةً أو شعيرًا، أو يُجزِئهم الأَرُز والدَّخن والذرة؟ فيه نزاعٌ مشهورٌ. وهما روايتان عن أحمد: إحداهما لا يُخرِج إلَّا المنصوص، والأخرى: يُخرج ما يقتاتُه، وإن لم يكن من هذه الأصنافِ. وهو قَولُ أكثَرِ العُلَماءِ: كالشافعيِّ وغَيرِه. وهو أصحُّ الأقوالِ؛ فإنَّ الأصلَ في الصَّدَقاتِ أنَّها تجِبُ على وَجهِ المساواةِ للفُقراءِ، كما قال الله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ **المائدة: 89**، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَرَض زكاةَ الفِطرِ صاعًا مِن تَمرٍ، أو صاعًا مِن شَعيرٍ؛ لأنَّ هذا كان قوتَ أهلِ المدينةِ، ولو كان هذا ليس قُوتَهم بل يَقتاتونَ غَيرَه، لم يُكلِّفْهم أن يُخرِجوا ممَّا لا يقتاتُونَه، كما لم يأمُرِ اللهُ بذلك في الكفَّارات. وصدقةُ الفِطرِ مِن جنسِ الكفَّارات؛ هذه معلَّقةٌ بالبَدَنِ، وهذه معلَّقةٌ بالبدن). ((مجموع الفتاوى)) (25/68، 69). ، وابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم: (المثال الرابع: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرَضَ صدقةَ الفِطرِ صاعًا مِن تَمرٍ، أو صاعًا مِن شَعيرٍ، أو صاعًا من زبيبٍ، أو صاعًا من أقِط))، وهذه كانت غالِبَ أقواتهم بالمدينة، فأمَّا أهلُ بلدٍ أو محَلَّةٍ قوتُهم غيرُ ذلك، فإنَّما عليهم صاعٌ مِن قُوتِهم، كمن قُوتُهم الذُّرة والأَرُز أو التِّين، أو غير ذلك من الحبوبِ، فإنْ كان قوتُهم من غيرِ الحُبوبِ كاللَّبَن واللحم والسَّمك، أخرجوا فِطرَتَهم من قُوتِهم كائنًا ما كان، هذا قولُ جُمهورِ العُلَماءِ، وهو الصَّوابُ الذي لا يُقالُ بِغَيره؛ إذ المقصودُ سدُّ خَلَّةِ المساكينِ يومَ العيدِ، ومواساتهم من جِنسِ ما يقتاتُه أهلُ بَلَدِهم). ((إعلام الموقعين)) (3/11). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (يجوزُ إخراجُ زكاةِ الفِطرِ مِنَ الرز وغيره من قوت البلدِ؛ لأنَّ الزَّكاة مواساةٌ، وإخراجُ الفِطرةِ مِنَ الرز من أحسن المواساة؛ لكونِه من خَيرِ طعامِ النَّاسِ اليوم). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/207). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (لا شكَّ في جوازِ إخراجِ الرز في زكاةِ الفِطرِ، بل ربَّما نقولُ: إنَّه أفضَلُ مِن غَيرِه في عصرنا؛ لأنَّه غالِبُ قُوتِ الناس اليومَ، ويدلُّ لذلك حديثُ أبي سعيد الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه الثابتُ في صحيح البخاريِّ قال: ((كنَّا نُخرِجُ يومَ الفِطرِ في عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم صاعًا مِن طعامٍ، وكان طعامُنا الشَّعيرَ، والزَّبيب، والأقِط، والتَّمر))، فتخصيصُ هذه الأنواعِ ليس مقصودًا بعَينِها، ولكن لأنَّها كانت طعامَهم ذلك الوَقتَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/283). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنَّا نُخرِجُ إذ كان فينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ عَن كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، حرٍّ أو مملوكٍ، صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من أقِطٍ، أو صاعًا من شَعير، أو صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا مِن زَبيبٍ)) رواه البخاري (1506)، ومسلم (985)، واللفظ له. ، وفي رواية: ((كنَّا نُخرِجُ في عهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ الفِطرِ صاعًا مِن طَعامٍ. وقال أبو سعيدٍ: وكان طعامُنا الشَّعيرَ والزَّبيبَ، والأقِطَ والتَّمر)) رواه البخاري (1510). .وجه الدَّلالة:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَرَض زكاةَ الفِطرِ صاعًا مِن تَمر، أو صاعًا من شَعيرٍ؛ لأنَّ هذا كان قوتَ أهلِ المدينةِ ((مجموع الفتاوى)) (25/68، 69). .ثانيًا: أنَّ المقصودَ سدُّ خَلَّةِ المساكينِ يومَ العيد، ومواساتُهم تحصُل بأن تكونَ صَدَقَتُهم من جنسِ ما يقتاتُه أهلُ بَلَدِهم ((إعلام الموقعين)) (3/11). .ثالثًا: أنَّ نُفوسَ المستحقِّينَ إنما تتشوَّفُ لِقُوتِ بَلَدِهم ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) (3/321). .رابعًا: أنَّ المقصودَ إنَّما هو غِناهم عن الطَّلَبِ، وهم إنَّما يطلَبُون القوتَ؛ فوجب أن يكونَ هو المعتبَرَ ((الذخيرة)) (3/168). .خامسًا: أنَّه لَمَّا وجَبَ أداءُ ما فضَلَ عن قُوتِه، وجب أن تكونَ مِن قُوتِه ((المجموع)) للنووي (6/129، 130). .سادسا: أنَّه لا يُكلَّفُ بإخراجِ ما ليس مِن قُوتِهم؛ فإنَّ في هذا مشقَّةً على المتصدِّقِ، وعدمَ احتياجٍ للآخذ ينظر: ((مجموع الفتاوى)) (25/68، 69). .سابعًا: القياسُ على صدقةِ الكفَّارات؛ فإنَّ الطَّعامَ فيها يُخرَج من قوتِ أهلِ البَلَدِ، وصدقةُ الفِطرِ مِن جِنسِ الكفَّاراتِ؛ فكلتاهما متعلِّقةٌ بالبَدَنِ ((مجموع الفتاوى)) (25/68، 69). . انظر أيضا: المبحث الثاني: مقدارُ زكاةِ الفِطرِ، وهل يجوزُ نَقْصُه؟ . المبحث الثالث: مقدار الصَّاع في زكاة الفِطر. المبحث الرابع: إخراجُ القِيمة في زكاةِ الفِطر. المبحث الخامس: تَجزِئةُ زكاةِ الفِطرِ .

المطلب الأول: مقدارُ زكاةِ الفِطرِالقَدْرُ الواجِبُ في زكاةِ الفِطرِ صاعٌ مِن طَعامٍ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/323)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/228). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/301)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/379). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/253)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/81). ، وبه قال أكثَرُ العُلَماءِ قال النوويُّ: (الواجِبُ في الفطرةِ عَن كلِّ شخصٍ: صاعٌ من أيِّ جنسٍ أخرج، سواء البُرُّ والتمر والزَّبيب والشَّعير، وغيرها من الأجناس المُجزِئة، ولا يُجزِئُ دون صاعٍ مِن شَيءٍ منها، وبهذا قال مالك وأحمد وأكثر العلماء؛ كذا نقله عن الأكثرين الماورديُّ، وممَّن قال به: أبو سعيد الخُدري، والحسنُ البصري، وأبو العالية، وأبو الشعثاء، وإسحاق، وغيرهم). ((المجموع)) للنووي (6/142)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/81). . وأجمعوا على التَّمرِ والشَّعيرِ قال ابنُ المُنْذِرِ: (أجمعوا على أنَّ الشَّعيرَ والتَّمرَ لا يُجزِئُ من كلِّ واحدٍ منهما أقلُّ مِن صاعٍ). ((الإجماع)) (ص: 48). وقال ابنُ رُشْدٍ: (فإنَّ العلماء اتَّفقوا على أنه لا يُؤدَّى في زكاة الفطر من التمر والشعير أقلُّ من صاع؛ لثبوت ذلك في حديث ابن عمر) ((بداية المجتهد)) (1/281). .الأدلَّة:أوَّلًا من السُّنَّة:1- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله تعالى عنهما قال: ((فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا مِن شَعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذَّكَرِ والأنثى، والصَّغيرِ والكَبيرِ مِنَ المسلمين)) رواه البخاري (1503)، ومسلم (984، 986). .2- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنَّا نُخرِجُ زكاةَ الفِطرِ إذ كان فينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ، أو صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا من زَبيبٍ، أو صاعًا من أقِطٍ، فلم نزلْ نُخرِجُه حتى قدِم معاويةُ المدينة، فتكلَّم، فكان فيما كلَّمَ به النَّاسَ: إني لأرى مُدَّينِ مِن سَمراء الشَّام تعدِل صاعًا مِن تَمرٍ، قال: فأخذ النَّاسُ بذلك. قال أبو سعيد: فلا أزالُ أُخرِجُه كما كنتُ أخرِجُه)) رواه البخاري (1510)، ومسلم (985) واللفظ له .وجه الدَّلالة:أنَّ الحديثَ يدلُّ أنَّ الصَّاعَ هو فَرضُ صدقةِ الفِطرِ، وبه عَمِلَ أبو سعيدٍ الخُدري رَضِيَ اللهُ عنه، أمَّا قَولُ معاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه فهو اجتهادٌ له لا يعادِلُ النُّصوصَ قال النووي: (لم يَثبتْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نصفُ صاعٍ من بُرٍّ، والمرويُّ في ذلك ضعيفٌ، ولم يصحَّ فيه إلَّا اجتهادُ مُعاويةَ). ((المجموع)) للنووي (6/143). .ثانيًا: أنَّه قوتٌ مُخرَجٌ من صدقةِ الفِطرِ، فوجَبَ أن يكون مُقدَّرًا بالصَّاعِ كالتَّمرِ والشَّعير ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/380). .ثالثًا: أنَّه حقٌّ يجِبُ في الأقواتِ لأهلِ الصَّدَقاتِ، فوجب ألَّا يختَلِفَ قدْرُه باختلافِ الأجناسِ، كزَكَوات الزُّروعِ والثِّمار ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/380). .المطلب الثاني: هل يجوزُ النَّقصُ عن المقدار؟لا يجوزُ النَّقصُ عن القَدْرِ الواجبِ إخراجُه في زَكاةِ الفِطرِ.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ تيميَّةَ [2206] قال ابنُ تيميَّة: (وأمَّا النقص عن الواجب، فلا يجوز باتِّفاق العلماء). ((مجموع الفتاوى)) (25/70). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: جِنس ما يُخرَج في زكاة الفِطر. المبحث الثالث: مقدار الصَّاع في زكاة الفِطر. المبحث الرابع: إخراجُ القِيمة في زكاةِ الفِطر. المبحث الخامس: تَجزِئةُ زكاةِ الفِطرِ .

مِقدارُ الصَّاعِ الواجِبُ في زكاةِ الفِطرِ: خمسةُ أرطالٍ الرِّطلُ- وكسره أشهَرُ من فتحه-: هو معيارٌ يُوزَن به، وإذا أُطلِقَ الرِّطلُ في الفروعِ فالمرادُ به رِطلُ بغداد، ومقدارُه اثنتا عشرةَ أوقيَّةً بالوزنِ، أي: 408 جراماتٍ، ومقدارُه بالكَيل: مُدٌّ وثلُثٌ. ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (1/230)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/179). وثلُثٌ بالعراقيِّ في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: ( مقدارُ زكاةِ الفِطرِ عَن الفَردِ ثلاثة كيلو تقريبًا من الأَرز أو غيرِه مِن قوتِ البَلدِ). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الثانية)) (8/266). قال ابنُ باز: (الواجِبُ صاعٌ مِن جَميعِ الأجناسِ بصاعِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو أربع حفَناتٍ باليَدينِ المعتدلِتَينِ الممتلِئَتينِ، كما في القاموس وغيره، وهو بالوَزنِ يقارِبُ ثلاثة كيلو غرام، فإذا أخرجَ المُسلِمُ صاعًا من الأرز أو غيرِه مِن قُوتِ بَلَدِه، أجزَأَه ذلك، وإن كان من غيرِ الأصنافِ المذكورةِ في هذا الحديثِ في أصحِّ قولَيِ العلماء، ولا بأس أن يُخرِجَ مِقدارَه بالوزنِ، وهو ثلاثة كيلو تقريبًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/201). وقال ابنُ عُثيمِين: (الصَّاعُ مكيالٌ يُقدَّرُ به الحجم، نُقِلَ إلى المِثقالِ الذي يُقدَّرُ به الوزن؛ نظرًا لأنَّ الأزمان اختلفَتْ، والمكاييلَ اختلفت، فقال العلماء: ونُقِلَت إلى الوزن؛ من أجل أن تُحفَظ؛ لأنَّ الوَزنَ يُحفَظ، واعتبَرَ العُلَماءُ رحمهم الله البُرَّ الرزين، الذي يعادِلُ العَدَس، وحرَّروا ذلك تحريرًا كاملًا، وقد حرَّرْتُه فبلغ كيلوين وأربعين جرامًا من البُرِّ الرزين). ((الشرح الممتع)) (6/176). وقال: (ومقدارُ الصَّاعِ كيلوانِ وأربعونَ غرامًا من البُرِّ الجيِّد، هذا هو مقدارُ الصَّاعِ النبويِّ الذي قدَّرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الفِطرةَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/112). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/ 506)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/78)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/744). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/128)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/316)، ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/206)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/81). ، وإليه رجع أبو يوسُفَ مِنَ الحنفيَّة ((مختصر اختلاف العلماء)) (1/455). ، واختاره أبو عُبيدٍ وإسحاقُ بنُ راهَوَيه قال ابنُ قدامة: (الصَّاعُ: خمسةُ أرطالٍ وثلثٌ بالعراقيِّ، والمُدُّ: رُبُعُ ذلك، وهو رِطلٌ وثلثٌ، وهذا قولُ مالكٍ والشافعيِّ وإسحاق وأبي عُبَيد وأبي يوسُفَ). ((المغني)) (1/163). ، وبه قال فُقَهاءُ الحَرَمينِ، وأكثَرُ فُقَهاءِ العِراقيِّينَ قال النوويُّ: (الصاعُ المُجزِئُ في الفِطرةِ عندنا خمسةُ أرطالٍ وثلثٌ بالبغداديِّ، وبه قال جمهورُ العُلَماءِ مِنَ المتقدِّمين والمتأخِّرين؛ قال الماوَرْديُّ: وبه قال مالكٌ وأبو يُوسُفَ وأحمد، وفقهاءُ الحَرَمينِ، وأكثَرُ فُقَهاءِ العراقيِّينَ). ((المجموع)) للنووي (6/143). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((المكيالُ مكيالُ أهلِ المدينةِ، والوزنُ وزنُ أهلِ مكَّةَ)) رواه أبو داود (3340)، والنسائي (7/284) (4594)، والطبراني (12/392) (13449)، صححه الدارقطني كما في ((تلخيص الحبير)) (2/759)، وابن حزم في ((المحلى)) (11/353)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (1/279)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/562)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (4608). .وجه الدَّلالة:أنَّ مكيالَ أهلِ المَدينةِ هو المُعتبَرُ، ولَمَّا نقَلَ أهلُ المدينةِ مِقدارَ الصَّاعِ خلَفًا عَن سَلَفٍ، تعيَّنَ الأخذُ به قال ابنُ حَزْم: (فلم يسَعْ أحدًا الخروجُ عن مكيالِ أهلِ المدينة ومِقداره عندهم, ولا عن موازينِ أهلِ مكَّة, ووجدْنا أهلَ المدينةِ لا يختَلِفُ منهم اثنانِ في أنَّ مُدَّ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الذي به تؤدَّى الصَّدَقاتُ ليس أكثَرَ مِن رِطلٍ ونصفٍ, ولا أقلَّ مِن رِطلٍ وربع. وقال بعضهم: رِطل وثُلُث, وليس هذا اختلافًا; لكنَّه على حَسَب رزانةِ المكيلِ مِنَ البُرِّ, والتَّمر, والشعير). ((المحلى)) (5/245رقم 642). وقال ابنُ دقيق العيد: (الصَّاعُ أربعةُ أمدادٍ، والمُد: رِطلٌ وثلث بالبغداديِّ، وخالف في ذلك أبو حنيفةَ، وجعَل الصَّاعَ ثمانيةَ أرطالٍ، واستدلَّ مالكٌ بنَقلِ الخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ بالمدينة، وهو استدلالٌ صحيحٌ قويٌّ في مثل هذا، ولَمَّا ناظر أبا يوسُفَ بحضرةِ الرَّشيدِ في المسألة رجع أبو يوسُفَ إلى قَولِه لَمَّا استدلَّ بما ذَكَرْناه). ((إحكام الأحكام)) (ص: 265). . وممَّا ورد في البابِ:1- عن مالك قال: أخرج لي نافعٌ صاعًا وقال: (هذا صاعٌ أعطانِيه ابنُ عُمَرَ، وقال هذا صاعُ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فعيَّرْتُه فكان بالعِراقيِّ خَمسةَ أرطالٍ) ((الحاوي)) للماوردي (3/382). .2- أنَّ أبا يُوسُفَ دخل المدينةَ، فسألهم عن الصَّاعِ، فقالوا: خمسةُ أرطالٍ وثُلُثٌ، فسألهم الحُجَّةَ فقالوا: غدًا، فجاء مِنَ الغَدِ سبعونَ شيخًا، كلُّ واحد منهم آخِذٌ صاعًا تحت ردائِه، فقال: صاعي وَرِثتُه عن أبي، ووَرِثَه أبي عن جَدِّي، حتى انتهَوْا به إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فرجَعَ أبو يوسُفَ عَن قَولِه ((المغني)) لابن قدامة (1/164). .3- عن عُمَرَ بنِ حَبيبٍ القاضي قال: (حجَجْتُ مع أبي جعفرٍ، فلمَّا قدِمَ المدينةَ قال ائتونِي بصاعِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعايَرَه، فوجَده خمسةَ أرطالٍ وثلثًا برِطلِ أهلِ العِراقِ) ((المهذب)) للشيرازي (1/165). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: جِنس ما يُخرَج في زكاة الفِطر. المبحث الثاني: مقدارُ زكاةِ الفِطرِ، وهل يجوزُ نَقْصُه؟ . المبحث الرابع: إخراجُ القِيمة في زكاةِ الفِطر. المبحث الخامس: تَجزِئةُ زكاةِ الفِطرِ .

لا يجوزُ إخراجُ القيمةِ في زكاةِ الفِطرِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/323)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/366). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/144)، (( مغني المحتاج)) للشربيني (1/407). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/254)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/87). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حَزْم: (ولا تُجزِئُ قيمةٌ أصلًا؛ لأنَّ كلَّ ذلك غيرُ ما فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والقيمةُ في حُقوقِ النَّاسِ لا تجوزُ إلا بتراضٍ منهما، وليس للزَّكاةِ مالِكٌ بعَينِه فيجوزُ رضاه، أو إبراؤُه). ((المحلى)) (4/259). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنَّا نُخرِجُها على عَهدِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صاعًا مِن طعامٍ، وكان طعامُنا التَّمرَ والشَّعيرَ، والزَّبيبَ والأقِط)) رواه البخاري (1510)، ومسلم (985). .وجه الدَّلالة:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرَضَ الصَّدقةَ في أنواعِ الطَّعامِ، فمَن عَدَل إلى القِيمةِ، فقد ترَكَ المفروضَ ((المغني)) لابن قدامة (3/87). .  2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((فرَضَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمساكينِ)) [2226] - رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568) قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مَجروحٌ، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/126)، وصحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (10/636)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271). و الألباني في ((صحيح الجامع)) (3570). .وجه الدَّلالة:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرَضَ صَدَقةَ الفِطرِ طُعمةً للمَساكينِ، فتعيَّنَ أن تكونَ طعامًا لا نقودًا ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/278). .3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن عَمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ)) رواه مسلم (1718). .وجه الدَّلالة: أنَّ إخراجَ زكاةِ الفِطرِ مِن غَيرِ الطَّعامِ، مخالفٌ لأمرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فيكونُ مردودًا غيرَ مَقبولٍ. ثانيًا: أنَّ زكاةَ الفِطرِ عبادةٌ مَفروضةٌ مِن جِنسٍ معيَّنٍ، فلا يُجزِئُ إخراجُها مِن غَيرِ الجِنسِ المعيَّنِ، كما لو أخرَجَها في غيرِ وَقتِها المعيَّنِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/284). . ثالثًا: أنَّ الزَّكاةَ وجَبَت لِدَفعِ حاجةِ الفَقيرِ، وشكرًا لنِعمةِ المالِ، والحاجاتُ متنوِّعةٌ، فينبغي أن يتنوَّعَ الواجِبُ؛ ليصِلَ إلى الفَقيرِ مِن كلِّ نوعٍ ما تندفِعُ به حاجَتُه، ويحصُلُ شُكرُ النِّعمةِ بالمواساةِ مِن جِنسِ ما أنعَمَ اللهُ عليه به ((المغني)) لابن قدامة (3/88). .رابعًا: أنَّ مُخرِجَ القِيمةِ قد عدل عن المنصوصِ، فلم يُجزِئْه، كما لو أخرَجَ الرَّديءَ مكانَ الجيِّدِ ((المغني)) لابن قدامة (3/88). .خامسًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَرَضَها من أجناسٍ مختلفةِ القيمةِ مع اتِّفاقِها في المقدارِ، ولو كانت القيمةُ مُعتبرةً لاختلف المقدارُ باختلافِ الجِنسِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/279). .سادسًا: أنَّ إخراجَ صَدقةِ الفِطرِ مِن الدَّراهِمِ مَظِنَّةٌ لحصولِ الخَطأِ في تقديرِها؛ فقد يُخرِجُها بأقلَّ، فلا تبرَأُ ذِمَّتُه بذلك ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/279). .سابعًا: أنَّ في اعتبارِ القيمةِ إخراجًا للفِطرةِ عَن كَونِها شعيرةً ظاهرةً، إلى كونِها صدقةً خفيَّةً؛ فإنَّ إخراجَها صاعًا مِن طعامٍ يجعَلُها ظاهرةً بين المُسلمينَ، معلومةً للصَّغيرِ والكبيرِ، يُشاهِدونَ كَيلَها وتوزيعَها، ويتعارَفونَها بينهم، بخلافِ ما لو كانت دراهِمَ يُخرِجُها الإنسانُ خُفيةً بينه وبين الآخِذِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/394). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: جِنس ما يُخرَج في زكاة الفِطر. المبحث الثاني: مقدارُ زكاةِ الفِطرِ، وهل يجوزُ نَقْصُه؟ . المبحث الثالث: مقدار الصَّاع في زكاة الفِطر. المبحث الخامس: تَجزِئةُ زكاةِ الفِطرِ .