الزَّكاة لُغةً:أصل الزَّكاةِ في اللُّغة: الطَّهارة، والنَّماء، والبَرَكة ((النهاية)) لابن الأثير (2/307)، ((لسان العرب)) لابن منظور (14/358). .الفِطر لُغةً:(الفاء والطاء والراء) أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فتحِ شيءٍ وإبرازِه يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/ 510). .تعريف زكاة الفِطر شرعًا:زكاة الفِطر يُقالُ: زكاةُ الفِطر وصَدَقةُ الفطر، وأضيفَتِ الزَّكاةُ إلى الفِطر؛ لأنَّه سبَبُ وُجوبِها، فهو من إضافةِ الشَّيءِ إلى سَبَبِه، ويقال للمُخرَج فِطرةٌ- بكسر الفاء لا غير- وهي لفظة مولَّدة لا عربيَّة ولا معرَّبة، بل اصطلاحيَّة للفُقَهاء، وكأنَّها من الفِطرة التي هي الخِلقة، أي: زكاةُ الخلقة، ويراد بها الصَّدقةُ عن البَدَنِ والنفْسِ. انظر: ((المجموع)) للنووي (6/103)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/245). : صدقةٌ مُقدَّرة عن كلِّ مسلمٍ قبل صلاةِ عِيدِ الفِطر في مصارِفَ معيَّنة ((معجم لغة الفقهاء)) لمحمد رواس قلعجي، وحامد صادق قنيبي (ص: 233)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (62/317)، ويُنظر: ((البناية شرح الهداية)) (3/481). . انظر أيضا: المبحث الثاني: حُكم زكاة الفِطر. المبحث الثَّالث: الحِكمةُ من مشروعية زكاة الفِطر.

زكاةُ الفِطرِ واجبةٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة الحنفيَّة يقتصرون على التَّعبيرِ بالوجوبِ خلافًا للجُمهورِ الذين يُعبِّرون بالفرْضيَّة؛ قال الكمالُ ابنُ الهمام: (الأمرُ الثَّابتُ بظنِّي إنَّما يفيدُ الوُجوبَ، فلا خلافَ في المعنى؛ فإنَّ الافتراضَ الذي يُثبتونَه ليس على وجهٍ يَكفُرُ جاحدُه، فهو معنى الوُجوبِ الذي نقول به، غايةُ الأمرِ أنَّ الفَرضَ في اصطلاحِهم أعمُّ مِنَ الواجِبِ في عُرفِنا، فأطلَقوه على أحَدِ جُزأَيه... فإن قلتَ: ينبغي أن يُرادَ بالفَرضِ ما هو عُرفُنا للإجماعِ على الوُجوبِ. فالجواب: أنَّ ذلك إذا نُقِلَ الإجماعُ تواترًا ليكون إجماعًا قطعيًّا، أو أن يكونَ مِن ضَروريَّاتِ الدِّين كالخمس عند كثيرٍ، فأمَّا إذا كان إنما يُظنُّ الإجماعُ ظنًّا فلا؛ ولذا صرَّحوا بأنَّ مُنكِرَ وُجوبِها لا يكفُر، فكان المتيقَّنُ الوجوبَ بالمعنى العُرفي عندنا). ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/281)، وينظر: ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/306). وقال العراقيُّ في حديثِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (فيه أنَّ زكاة الفِطرِ فَرضٌ، وهو مقتضى قاعدةِ الجُمهورِ في ترادُفِ الفَرضِ والواجِبِ، واقتصر الحَنَفيَّة في كتُبِهم على القول بالوُجوبِ وهو مقتضى قاعِدَتِهم في أنَّ الواجِبَ ما ثبَتَ بدليلٍ ظنِّي، واختلف الحَنابِلَة في ذلك؛ قال ابنُ قدامة: قال بعضُ أصحابنا: وهل تُسمَّى فرضًا مع القولِ بِوجُوبها؟ على روايتينِ، قال: والصَّحيحُ أنَّها فَرضٌ؛ لقول ابنِ عُمر: (فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ) ولاجتماعِ العُلَماءِ على أنَّها فرْض، ولأنَّ الفَرضَ إن كان الواجِبَ فهي واجبةٌ، وإن كان الواجِبَ المتأكِّدَ فهي متأكِّدةٌ مُجمَع عليها). ((طرح التثريب في شرح التقريب)) (4/47). ، والمالكيَّة على المشهور ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/320)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/511). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/291)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/305). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/246)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/79). ، وهو مذهَبُ الظَّاهِريَّة قال ابنُ حَزْم: (زكاةُ الفِطرِ مِن رمضان فرضٌ واجبٌ على كُلِّ مُسلمٍ, كبيرٍ أو صغيرٍ, ذكرٍ أو أنثى, حرٍّ أو عبدٍ, وإن كان مَن ذَكَرْنا جنينًا في بَطنِ أُمِّه). ((المحلى)) (6/118 رقم 704). ، وبه قال عامَّةُ أهلِ العِلمِ ((شرح السُّنة)) للبغوي (6/71). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال ابنُ المُنْذِرِ: (أجمعوا على أنَّ صَدَقةَ الفِطرِ تَجِبُ على المرءِ، إذا أمكَنَه أداؤُها). وقال: (أجمعوا على أنَّ صَدَقةَ الفِطرِ فَرضٌ). ((الإجماع)) (ص: 47). وقال ابنُ رُشْدٍ: (اتَّفقوا على أنَّها تَجِبُ على المرءِ في نَفسِه، وأنَّها زكاةُ بدَنٍ). ((بداية المجتهد)) (1/279). وقال ابنُ قُدامة: (قال ابنُ المُنْذِرِ: أجمَعَ كلُّ مَن نحفَظُ عنه مِن أهلِ العِلم، على أنَّ صدقةَ الفِطر فَرضٌ. وقال إسحاق: هو كالإجماعِ مِن أهلِ العِلم). ((المغني)) (3/79). وقال: (زكاةُ الفِطرِ تَجِبُ على كلِّ مُسلمٍ، مع الصَّغيرِ والكبيرِ، والذُّكوريَّة والأنوثيَّةِ، في قول أهل العِلم عامَّة) ((المغني)) (3/79). وقال النوويُّ: (قال البيهقيُّ: وقد أجمع العُلَماءُ على وجوبِ صَدَقةِ الفِطر، وكذا نقَل الإجماعَ فيها ابنُ المُنْذِر في الإشرافِ). ((المجموع)) (6/104). لكِنْ نقْلُ الإجماعِ فيه نظَرٌ- كما قال ابنُ حجرٍ: (وفي نقْل الإجماعِ مع ذلك نظَرٌ؛ لأنَّ إبراهيمَ بن عُليَّة وأبا بكر بن كَيْسان الأصمَّ قالَا: إنَّ وجوبها نُسِخَ، واستدَلَّ لهما بما روَى النَّسائيُّ وغيرُه عن قيسِ بن سَعدِ بنِ عُبادة، قال:(أمرَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بصدقة الفِطرِ قبل أن تَنزِلَ الزَّكاةُ، فلمَّا نَزَلَت الزَّكاةُ لم يأمُرْنا ولم ينهَنا، ونحنُ نَفعَلُه)، وتُعقِّب بأنَّ في إسنادِه راويًا مجهولًا، وعلى تقديرِ الصِّحةِ فلا دليلَ فيه على النَّسخِ؛ لاحتمالِ الاكتفاءِ بالأمرِ الأوَّلِ؛ لأنَّ نُزولَ فَرضٍ لا يوجِبُ سُقوطَ فرْضٍ آخَرَ، ونقَلَ المالكيَّةُ عن أشهَبَ أنَّها سُنَّةٌ مُؤَكَّدة، وهو قَولُ بَعضِ أهلِ الظَّاهِر، وابن اللبَّان من الشافعيَّة). ((فتح الباري)) (3/368)، وينظر: ((طرح التثريب في شرح التقريب)) للعراقي (4/46)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/481). .الدليل من السُّنَّة:عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله تعالى عنهما قال: ((فرَض قال ابنُ دقيق العيد: (ذهب بعضُهم إلى عَدَمِ الوُجوبِ، وحمَلوا: (فرَض) على معنى قدَّرَ، وهو أصلُه في اللغة، لكنَّه نُقِلَ في عُرفِ الاستعمالِ إلى الوُجوبِ، فالحمل عليه أوْلى؛ لأنَّه ما اشتَهَرَ في الاستعمالِ، فالقصدُ إليه هو الغالِبُ). ((إحكام الأحكام)) (ص: 264). وقال ابنُ الهمام: (حمْلُ اللَّفظِ على الحقيقةِ الشَّرعيَّة في كلامِ الشَّارِعِ متعيِّنٌ، ما لم يَقُمْ صارِفٌ عنه، والحقيقةُ الشرعيَّةُ في الفَرضِ غَيرُ مُجَرَّد التقدير، خصوصًا وفي لَفظِ البُخاري ومسلم في هذا الحديثِ: ((أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أمَر بزكاةِ الفِطرِ صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ))، قال ابنُ عمر: (فجعل النَّاسُ عَدلَه مُدَّينِ مِن حِنطةٍ)، ومعنى لفظ "فرض" هو معنى "أمَرَ" أمْرَ إيجابٍ). ((فتح القدير)) (2/282). رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطر صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ، على العبدِ والحُرِّ، والذَّكرِ والأنثى، والصَّغير والكبيرِ مِنَ المسلمينَ، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ)). وفي لفظٍ آخَرَ: ((فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صدقةَ الفِطرِ صاعًا من شَعيرٍ، أو صاعًا مِن تَمرٍ، على الصَّغيرِ والكبيرِ، والحرِّ والمَملوكِ)) رواه البخاري (1503)، ومسلم (984، 986). واللفظ الآخر: رواه البخاري (1512)، ومسلم (984). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ زكاة الفطر. المبحث الثَّالث: الحِكمةُ من مشروعية زكاة الفِطر.

لمشروعية زكاةِ الفِطرِ حِكَمٌ عظيمةٌ؛ منها:1- أنَّها طُهرةٌ للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفث.2- أنَّها طُعمةٌ للمساكينِ؛ ليستغنوا بها عن السُّؤالِ يومَ العِيدِ، ويشتركوا مع الأغنياءِ في فرحةِ العيد.وهاتان الحِكمتان: نُصَّ عليهما في حديثِ ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطر؛ طُهْرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمَساكينِ، مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ)) [2028] - رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568) قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مَجروحٌ، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/126)، وصحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (10/636)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271). والألباني في ((صحيح الجامع)) (3570). .3- أنَّها زكاةٌ للبَدَنِ؛ حيث أبقاه اللهُ تعالى عامًا مِنَ الأعوامِ، وأنعَمَ عليه بالبَقاءِ؛ ولأجْل ذلك وجبَت للصَّغيرِ الذي لا صَومَ عليه، والمجنونِ، ومَن عليه قضاءٌ قبل قضائِه ((إرشاد أولى البصائر والألباب)) لابن سعدي (ص: 134). .4- أنَّها مِن شُكرِ نِعَمِ الله على الصَّائمينَ بالصِّيامِ، كما أنَّ مِن حِكَمِ الهدايا شُكرُ نِعمةِ اللهِ بالتَّوفيقِ لحجِّ بيتِه الحرامِ، فصَدَقةُ الفِطرِ كذلك؛ ولذلك أُضيفَتْ إلى الفِطرِ إضافةَ الأشياءِ إلى أسبابِها ((إرشاد أولى البصائر والألباب)) لابن سعدي (ص: 135). .5- حصولُ الثَّوابِ والأجْرِ العظيمِ بِدَفعِها لِمُستحقِّيها في وَقتِها المحدَّدِ؛ لِمَا جاء في حديثِ ابن عبَّاس: ((فمَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ؛ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ؛ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ)) رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1492)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568)،قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مجروحٌ، وحسَّنه ابن قدامة في ((المغني)) (4/284)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1609)، وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (6/126)، وابن الملقن في ((الإعلام)) (5/118)، وصححه ابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271).6- أنَّ بها تمامَ السُّرورِ للمُسلمين يومَ العِيدِ، وتَرفَعُ خَلَل الصَّومِ . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ زكاة الفطر. المبحث الثاني: حُكم زكاة الفِطر.