الرِّقاب لُغةً: جمعُ رَقبة، وهي في الأصلِ العُنُق، فجُعِلَت كِنايةً عن جميعِ ذات الإنسانِ؛ تسميةً للشيءِ ببَعضِه، فإذا قال: أعْتَقَ رَقبةً، فكأنَّه قال: أعتَقَ عبدًا أو أمَةً ((النهاية)) لابن الأثير (2/249). .وفي الرِّقاب: أي: فكِّ الرِّقابِ، فهو على حذْفِ مُضاف، والمراد: المُكاتَبونَ المكاتَب: هو العبدُ الذي اشترى نفْسَه من سيِّدِه بثَمَنٍ مؤجَّلٍ، فإنْ سعى وأدَّاه عُتِقَ، وهو مأخوذٌ من الكتابةِ؛ لأنَّ هذا العقد تقَعُ فيه الكتابة بين السيِّد والعبد. ((أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء)) للقونوي (ص: 61)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/229، 259). الذين لا يجِدون ما يؤدُّونه في كتابَتِهم، أو أنَّهم العبيدُ يَعتِقُهم الإمامُ ويكون ولاؤُهم للمُسلمين ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/326)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/277)، ((تفسير ابن كثير)) (1/487). . انظر أيضا: المبحث الثاني: دفْع الزَّكاةِ إلى المُكاتَبين. المبحث الثالث: دفْع الزَّكاة لشِراء الرقيق وعتقِه مِن الزَّكاة. المبحث الرابع: أسرى المسلمين.

يجوزُ دفْع الزَّكاةِ إلى المُكاتَبين، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع ((حاشية الشلبي)) (1/297)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/259). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/200)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/502). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/162)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/279). ، وهو روايةٌ عن مالكٍ ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/326). ، وقولُ ابنِ حزمٍ قال ابنُ حَزْم: (الرِّقابُ: هم المكاتَبونَ, والعُتَقاءُ; فجائز أن يُعطَوا من الزَّكاة). ((المحلى)) (6/149، 150). ، وبه قال أكثرُ العُلَماءِ   ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/326)، ((المجموع)) للنووي (6/200). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].ثانيًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ثلاثةٌ كلُّهم حقٌّ على اللهِ عَونُه: الغازي في سبيلِ اللهِ، والمُكاتَبُ الذي يُريدُ الأداءَ، والناكِحُ المتعفِّفُ)) رواه الترمذي (1655)، والنَّسائي (6/15)، وابن ماجه (2518)، وأحمد (2/251) (7410)، وابن حبان (9/339) (4030) باختلاف يسير في بعض ألفاظه. وقدْ حسَّنه الترمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (5/6)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1655)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((تحقيق المسند)) (13/149)، وجوَّد إسنادَه ابنُ باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (765). .ثالثًا: أنَّ الزَّكاةَ تمليكٌ، ولا يُتصوَّر من القِنِّ؛ لأنَّه مِلكٌ لسيِّده، فتعيَّنَ المكاتَبُ؛ لأنَّه حرٌّ يدًا، ولا سبيلَ للمَولى على ما في يَدِه ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع حاشية الشلبي (1/298)، ((المجموع)) للنووي (6/201). .رابعًا: أنَّ في جميعِ الأصنافِ يُسلَّمُ السَّهمُ إلى المستحقِّ ويملِكُه إيَّاه، فينبغي هنا أن يكونَ كذلك؛ لأنَّ الشَّرعَ لم يخصَّهم بقيْدٍ يخالِفُ غيرَهم، فتعيَّن أن يكونَ المرادُ المكاتَبَ؛ لأنَّه هو الذي يُتصوَّرُ منه التملُّكُ ((المجموع)) للنووي (6/201). . انظر أيضا: المبحَث الأوَّل: تعريفُ الرِّقاب. المبحث الثالث: دفْع الزَّكاة لشِراء الرقيق وعتقِه مِن الزَّكاة. المبحث الرابع: أسرى المسلمين.

يجوزُ شِراءُ الرَّقيقِ وعتقُه من الزَّكاة، وهو مذهبُ المالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/326)،  ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 217). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/280)، ويُنظر: ((الاختيارات الفقهية)) لابن تيمية (ص: 457)،  ((اختلاف الأئمة العلماء)) للوزير ابن هبيرة (1/218). ، وهذا اختيارُ أبي عُبَيد القاسمِ بنِ سلَّامٍ قال أبو عُبَيد: (عن ابنِ عبَّاس، قال: (أعْتِق مِن زكاةِ مالِك)... وقولُ ابنِ عباس أعْلى ما جاءنا في هذا البابِ، وهو أوْلى بالاتِّباع، وأعلمُ بالتأويلِ، وقد وافقه الحسنُ على ذلك، وعليه كثيرٌ من أهل العِلم، وممَّا يقوِّي هذا المذهبَ أنَّ المُعتَق- وإن خِيف عليه أن يصيرَ إليه ميراثُ عَتيقِه بالولاء- فإنه لا يُؤمَنُ أيضًا أن يَجنيَ جناياتٍ يلحَقُه وقومَه عقلُها، فيكون أحدُهما بالآخَر، وينبغي لمن لم يُجِزْ هذا أن يكرَهَ صدقةَ الرَّجُلِ على أبويه، أو على أحدٍ من أقربائِه؛ خيفةَ أن يموتَ المعطَى، فترجِعَ الصدقةُ إلى المعطِي في الميراثِ! وسُنة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خلافُ هذا الطَّريقِ؛ لأنَّه قال للرجل الذي تصدَّق على أمِّه بأرضٍ، ثم ماتتْ، فرجعَتِ الأرضُ إليه في الميراثِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (وجَبَ أجْرُك، ورجَع إليكَ مالُك). قال أبو عُبَيد: فإذا كانتِ السَّعةُ منه صلَّى الله عليه وسلَّم في رُجوعِ الصَّدقة بعَينِها ميراثًا، فرجوعُ وراثة الولاءِ أوسعُ وأحْرى بالجوازِ. فهذا قولُ ابن عباس في العِتق). ((الأموال)) (ص: 722). ، وابنِ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِرِ: (وأمَّا سهمُ الرِّقابِ: فإنه تُعتَقُ منه الرَّقبة). ((الإقناع)) (1/186). ، وابنِ حزمٍ قال ابنُ حَزْم: (الرِّقاب: هم المكاتَبون, والعُتَقاءُ; فجائِزٌ أن يُعطَوا من الزَّكاة). ((المحلى)) (6/149، 150). ، وابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يجوزُ إعتاقُ الرَّقيقِ مِنَ الزَّكاة). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 457). ، والشوكانيِّ قال الشوكانيُّ: (ظاهرُ قولِه سبحانه: وَفِي الرِّقَابِ أنَّ هذا النَّصيبَ مِنَ الزَّكاة يُصرَف في عِتق الرِّقابِ، ولو بِشرائِها من ذلك النَّصيبِ وعِتقها، ولا يختصُّ بالمكاتَبينَ ولا بالمُتَّصِفينَ بصِفة الإيمانِ، بل المرادُ الاتِّصافُ بالإسلام). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 252). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (يجوزُ على الصَّحيحِ أيضًا أن يُشترَى منها أرقَّاءُ فيُعتَقون، فيَشتري صاحبُ الزَّكاة منها أرقَّاءَ فيُعتِقُهم منها؛ فإنَّ هذا داخلٌ في الرِّقاب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/15). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الرِّقابُ، ويدخُل فيها شِراءُ الرَّقيقِ مِنَ الزَّكاة وإعتاقُه، ومعاونةُ المكاتَبين، وفكُّ الأسرى من المسلمينَ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (18/580، 386). وبه قالُ كثيرٌ مِن أهلِ العِلمِ ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 722). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال الله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة: 60].أوجْهُ الدَّلالةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/503)، ((المجموع)) للنووي (6/201)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/231). :الوجْه الأوَّل: أنَّ عمومَ الآيةِ: وَفِي الرِّقَابِ يشمَل هذه الصُّورةَ.الوجه الثاني: أنَّ اللهَ تعالى أضاف سهْمَ الصَّدَقاتِ إلى الأصنافِ بلامِ التَّمليكِ: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ، وخالَف صِيغةَ اللَّفظِ في الرِّقابِ بأنْ حذفَ لامَ التمليك،ِ فقال:وَفِي الرِّقَابِ، فجعل ذلك فيهم ولم يجعلْه لهم، فاقتضى ألَّا يملكَه المُكاتَبون، ويُشترَى به عبيدٌ يُعتَقونَ؛ ليصِحَّ أن يكونَ فيهم ولا يكونَ لهم.الوجْه الثالث: أنَّ الرِّقاب جمعُ رقبةٍ، وكلُّ موضعٍ ذُكِرت فيه الرَّقبةُ، فالمرادُ عِتقُها.الوجه الرابع: أنَّه لو أراد المكاتَبينَ لذَكَرهم باسمِهم الخاصِّ.الوجه الخامس: أنَّه لو أراد المكاتَبين لاكتفَى بالغارِمينَ؛ فإنَّهم منهم.ثانيًا: مِنَ الآثارِعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (أعْتِقْ مِن زكاةِ مالِك) رواه البُخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ التَّمريضِ قبل حديث (1468) ولفظه: (يُعتِقُ مِن زكاةِ مالِه)، ورواه موصولًا أبو عبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام في ((الأموال)) (1190) واللَّفظ له، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1782). صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (3/24) وجوَّد إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (3/377). .وجه الدَّلالة: أنَّه قولُ صحابيٍّ، وهو أعْلى ما جاء في البابِ، وهو أوْلى بالاتِّباع، وأعلمُ بالتَّأويلِ ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 722). . انظر أيضا: المبحَث الأوَّل: تعريفُ الرِّقاب. المبحث الثاني: دفْع الزَّكاةِ إلى المُكاتَبين. المبحث الرابع: أسرى المسلمين.

يَشمَلُ سهمُ وَفِي الرِّقَابِ افتداءَ الأسرى المُسلمين جاء في قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظَّمة المؤتمر الإسلامي قرار رقم: 165 (3/18): (يجوز دفْع الزَّكاةِ لتحريرِ المختطَفين من المُسلمينَ وتحريرِ أَسراهم ممَّن اختطفوهم). وذلك لأنَّه إذا جاز أن يُفكَّ العبدُ من رقِّ العبوديَّة من مالِ الزَّكاة، ففكُّ بدن المختطَفِ أَوْلى؛ لأنَّه في مِحنةٍ أشدَّ من رقِّ العبوديَّة، وهي محنةُ الاختطافِ، وأنه مُعرَّضٌ للقتل؛ لا سيَّما إنْ هَدَّد بقَتلِه إنْ لم يدفَعْ إليه مالًا. ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/230، 231). ، وهو مذهبُ أحمَدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (7/176، 177)، ويُنظر: ((الاختيارات الفقهية)) لابن تيمية (ص: 457). ، وبه قال ابنُ حبيبٍ مِنَ المالكيَّة قال ابنُ حبيب: (وكان أصبغُ لا يرى أن يُفكَّ أسرى المسلمين من الزَّكاة، ومَن فعَل ذلك ضَمِنها، وأنا لا أرى ذلك؛ لأنها رقابٌ قد جرى عليها الرقُّ لأهلِ الشِّرك، فإنما يفكُّ من رِقٍّ إلى عِتقٍ). ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (15/215)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/147). ، واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيميَّة: (يجوز إعتاقُ الرَّقيقِ مِنَ الزَّكاة، وافتكاكُ أسْرى المسلمين، وهو مذهبُ أحمد). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 457). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (ويدخُل في ذلك على الصحيح أيضًا عتاقُ الأسرى، أسرى المسلمين بين الكفَّارِ، يَدفَعُ من الزَّكاة للكفَّارِ الفديةَ؛ حتى يُطلِقوا المسلمين، وحتى يفكُّوا أَسْرَهم). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/15). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الرِّقاب، ويدخُل فيها شراءُ الرَّقيقِ من الزَّكاة وإعتاقُه، ومعاونةُ المكاتَبين، وفكُّ الأسْرَى من المسلمين). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/580). ، وبه صدَر قرار المجمعِ الفقهيِّ التَّابِعِ لمنظمَّةِ المؤتمَرِ الإسلاميِّ قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9 م 13 تموز (يوليو) 2007 م. قرار رقم: 165 (3/18). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه فَكُّ رقبةٍ مِنَ الأسرِ، فهو كفَكِّ رقبةِ العبدِ مِنَ الرِّقِّ ((المغني)) لابن قدامة (6/479). .ثانيًا: أنَّ فيه إعزازًا للدِّينِ، فهو كصَرفِه إلى المؤلَّفةِ قُلوبُهم ((المغني)) لابن قدامة (6/479). .ثالثًا: لأنَّه يدفَعُه إلى الأسيرِ لفَكِّ رقَبتِه، فأشبه ما يدفَعُه إلى الغارِمِ لفَكِّ رَقَبتِه مِنَ الدَّينِ ((المغني)) لابن قدامة (6/479). . انظر أيضا: المبحَث الأوَّل: تعريفُ الرِّقاب. المبحث الثاني: دفْع الزَّكاةِ إلى المُكاتَبين. المبحث الثالث: دفْع الزَّكاة لشِراء الرقيق وعتقِه مِن الزَّكاة.