مِن مصارف الزَّكاة: الفقراءُ والمساكينُ الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال الله تعالى:إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].2- قال الله تعالى: إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ [البقرة: 271].ثانيًا: من السُّنَّةعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعَث معاذًا إلى اليَمَنِ، وقال له: ((أعْلِمْهُم أنَّ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أغْنيائِهم وتُرَدُّ على فُقرائِهم)) رواه البخاري (1496)، ومسلم (19). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك في الجُملة: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِرِ: (أجمعوا على أنَّه إن فرَضَ صدَقتَه في الأصنافِ التي ذكَرَها في سورة براءة في قَولِه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ا**التوبة: 60**، أنَّه مؤدٍّ كما فُرِضَ عليه). ((الإجماع)) لابن المُنْذِر (ص: 48). ، وابنُ حزم قال ابنُ حَزْم: (اتَّفقوا على أنَّ الإمامَ المذكورَ إذا وضَع الزَّكاةَ التي تُقبَضُ في الأسهُمِ السَّبَعةِ من الثَّمانية المنصوصةِ في القرآن؛ فقدْ أصاب، واختَلفوا في المؤلَّفةِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 37). ، وابنُ العربيِّ قال ابنُ العربيِّ: (يُعطَى منها الفقيرُ بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّه قد سُمِّيَ في أوَّلِ الآية). أحكام القرآن (2/533)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/26). . انظر أيضا: المبحث الثاني: التَّمييزُ بين الفُقَراءِ والمساكينِ . المبحث الثالث: أيُّهما أشدُّ حاجةً؛ الفقيرُ أو المسكين؟. المبحث الرابع: السَّائلُ الطَّوَّافُ مسكينٌ  . المبحث الخامس: مُدَّة الكفاية التي تُعطَى للفقيرِ أو المسكينِ.

الفقيرُ والمسكينُ صِنفانِ مُستقلَّانِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع حاشية الشلبي (1/296)، ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) لعبد الله بن محمود البلدحي (1/126). ، والمالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/ 83)، ويُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/277)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/144). ، والشَّافعيَّة قال الغزالي: (المسكينُ هو الذي لا يفي دخلُه بخَرْجه؛ فقد يملك ألف دينار وهو مسكين، وقد لا يملك إلا فأسًا وحبلًا وهو غنيٌّ، والمعتبر في ذلك ما يليق بالحال بلا إسراف ولا تقتير). ((المجموع)) للنووي (6/197)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/108). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/271). ، وهو مذهَبُ الظَّاهِريَّةِ قال ابنُ حَزْم: (الفقراء هم الذين لا شيءَ لهم أصلًا. والمساكين: هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم). ((المحلى)) (6/148 رقم 720). خالف أبو يوسف من الحنفيَّة، وابن القاسم وابن الجلاب من المالكيَّة. ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/326)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/144)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/277). .الدَّليلُ مِنَ الكتابِ: قال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ.. [التوبة: 60].وجه الدَّلالة: أنَّ الله تعالى فرَّقَ بينهما, ولا يجوزُ أن يُقالَ في شيئينِ فرَّقَ اللهُ تعالى بينهما: إنَّهما شيءٌ واحدٌ, إلا بنصٍّ أو إجماعٍ، أو ضرورةِ حِسٍّ ((المحلى)) لابن حزم (6/148 رقم 720 ). . انظر أيضا: المبحث الأول: الفقراءُ والمساكينُ مِن مصارِفِ الزَّكاة. المبحث الثالث: أيُّهما أشدُّ حاجةً؛ الفقيرُ أو المسكين؟. المبحث الرابع: السَّائلُ الطَّوَّافُ مسكينٌ  . المبحث الخامس: مُدَّة الكفاية التي تُعطَى للفقيرِ أو المسكينِ.

الفقيرُ متى أُطلِقَ الفقراءُ أو المساكينُ تناوَلَ الصِّنفينِ، وإنْ جُمعَا أو ذُكِرَ أحدُهما ونُفِيَ الآخرُ؛ وجَب التمييزُ حينئذٍ، ويُحتاجُ عند ذلك إلى بيانِ النَّوعينِ أيُّهما أسوأُ حالًا. ((المجموع)) للنووي (6/197). أشدُّ حاجةً مِنَ المِسكينِ، وهذا مذهَبُ الشافعيَّة الفقيرُ عند الشَّافعية: هو مَن لا مالَ له ولا كَسْبَ يقَعُ موقعًا من حاجَتِه، أمَّا المسكينُ فهو مَن قدَر على مالٍ أو كَسْبٍ يقَعُ موقعًا مِن كِفايَتِه ولا يَكفِيه. ((المجموع)) للنووي (6/197)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/108). ، والحَنابِلَة الفقيرُ عند الحَنابِلَة: هو مَن لا يجِدُ شيئًا ألبتَّةَ، أو يجِدُ شيئًا يسيرًا مِنَ الكفايةِ دُونَ نِصفِها، والمسكينُ: هو مَن يجِدُ مُعظَمَ الكفايةِ أو نِصفَها. ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/271)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/453). ، وقَولٌ للمالكيَّةِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/144). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حَزْم: (الفُقراءُ هم الذين لا شيءَ لهم أصلًا، والمساكين: هم الذين لهم شيءٌ لا يقومُ بهم). ((المحلى)) (6/148 رقم 720). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (المسكينُ هو الفقيرُ الذي لا يجِدُ كَمالَ الكفايةِ، والفقيرُ أشدُّ حاجةً منه، وكلاهما مِن أصنافِ أهلِ الزَّكاةِ المذكورينَ في قَولِه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/266). وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الفُقراءُ أكثرُ حاجةً من المساكينِ، ويُمكِنُ أن يؤخَذ ذلك مِن أنَّ اللهَ بدأَ بهم في الآيةِ، وإنما يبدأُ بالأهمِّ فالأهَمِّ، ويؤخَذُ أيضًا مِن قَولِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين دنا مِنَ الصَّفا: ((أبدأُ بما بَدَأَ اللهُ به)) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ **البقرة: 158**، وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ الواو قد تقتضي التَّرتيبَ لا باعتبارِ ذاتِها، ولكِنْ بتقديمِ المعطوفِ عليه ما يدلُّ على أنَّه أَوْلى). ((الشرح الممتع)) (6/223، 224). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ... [التوبة: 60].وجه الدَّلالة: بداءةُ اللهِ بهم، وإنما يبدأُ بالأهمِّ فالأهَمِّ ((اختلاف الأئمة العلماء)) للوزير بن هبيرة (1/215)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/223، 224). .2- قال الله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ [الحشر: 8].وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ تُفيدُ أنَّ الفقيرَ هو الذي لا مالَ له أصلًا; لأنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ أنَّهم أُخرِجوا مِن ديارِهم وأموالِهم، ولا يجوزُ أن يُحمَلَ ذلك على بعضِ أموالِهم ((المحلى)) لابن حزم (6/148 رقم 720). .3- قال اللهُ تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف: 79].وجه الدَّلالة:أنَّه أخبَرَ أنَّ لهم سفينةً يعملونَ فيها، فدلَّ على أنَّ المسكينَ ليس مُعدِمًا، وإنَّما له شيءٌ لا يَكفيه المعتَبرُ في الكفايةِ: كفايَتُه مَطعَمًا وملبَسًا ومَسكنًا، وغيرها ممَّا لا بدَّ له منه، على ما يليقُ مِن غَيرِ إسرافٍ ولا تقتيرٍ. قال أبو عُبيدٍ: (فكُلُّ هذه الآثارِ دليلٌ على أنَّ ما يُعطاه أهلُ الحاجةِ مِنَ الزَّكاةِ، ليس له وقتٌ مَحظورٌ على المُسلمينَ ألَّا يعْدُوه إلى غَيرِه- وإن لم يكن المعطَى غارِمًا - بل فيه المحبَّةُ والفَضلُ، إذا كان ذلك على جهةِ النَّظَرِ مِنَ المعطِي بلا مُحاباةٍ، ولا إيثارِ هَوًى، كرجلٍ رأى أهلَ بيتٍ مِن صالِحِ المُسلمينَ أهلَ فَقرٍ ومسكنةٍ، وهو ذو مالٍ كثيرٍ، ولا مَنزِلَ لهؤلاءِ يُؤويهم ويستُرُ خَلَّتَهم، فاشترى مِن زكاةِ مالِه مسكنًا يُكنُّهم من كلَبِ الشِّتاءِ، وحرِّ الشَّمسِ، أو كانوا عُراةً لا كِسوةَ لهم، فكساهم ما يستُرُ عَورَتَهم في صلاتِهم ويقيهم مِنَ الحرِّ والبَرْد، أو رأى مملوكًا عند مليكِ سُوءٍ قد اضطهده، وأساءَ ملَكَتَه، فاستنقَذَه مِن رقِّه، بأن يشتَرِيَه فيُعتِقَه، أو مرَّ به ابنُ سبيلٍ بعيدُ الشُّقةِ، نائي الدَّارِ، قد انقطع به، فحمَلَه إلى وَطَنِه وأهلِه بِكِراءٍ أو شراءٍ. هذه الخِلالُ وما أشبَهَها، التي لا تُنالُ إلَّا بالأموالِ الكثيرةِ، ولم تسمَحْ نفسُ الفاعِلِ أن يجعَلَها نافلةً، فيَجعَلُها من زكاةِ مالِه؛ أمَا يكونُ هذا مؤدِّيًا للفَرْضِ؟! بلى، ثمَّ يكونُ إنْ شاء اللهُ مُحسِنًا). ((الأموال)) لأبى عبيد (ص 677). وقال ابنُ حَزْم: (ويعطَى من الزَّكاة الكثيرُ جدًّا والقليل, لا حدَّ في ذلك, إذ لم يوجِبِ الحَدَّ في ذلك قرآنٌ ولا سُنَّةٌ). ((المحلى)) (6/155 رقم 723). وقال ابنُ تيميَّة: (ويأخُذُ الفَقيرُ مِنَ الزَّكاةِ ما يَصيرُ به غنيًّا وإن كثُرَ، وهو أحَدُ القولينِ في مذهَبِ أحمَدَ والشَّافعيِّ). ((الاختيارات الفقهية)) (ص 457)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (6/191)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/106). والمعتبَر بعدم الكفاية: أن تكون نفقتُه أكثرَ من دخله. قال ابنُ عُثيمِين: (كيف يُمكِنُ أن نعرِف هذا؛ فالإنسانُ قد يُقدِّرُ أنَّ نَفَقتَه في السَّنةِ عَشَرةُ آلافِ ريال، ثم تزدادُ الأسعارُ فتكونُ النفقةُ خَمسةَ عَشَرَ ألفًا أو عشرينَ ألفًا؟ الجواب: أنَّ الإنسانَ يُقدِّرُ الكفايةَ العُرفيةَ حسَبَ ما يظهَرُ الآن، لا بحسَبِ الواقِعِ؛ لأنَّه مُستقبَلٌ والمستقبَلُ عند اللهِ، فإذا جدَّ شيءٌ فلكُلِّ حادثٍ حديثٌ، ويمكن أن يقدِّرَ ذلك أيضًا براتبٍ شهريٍّ، فإذا كان ما يتقاضاه سنويًّا خمسةَ آلافٍ، وهو ينفِقُ في السَّنةِ عَشَرةَ آلافٍ، فإنَّه في هذه الحال مِسكينٌ؛ لأنَّه يجِد نصفَ نَفَقتِه، وإذا كان راتِبُه السنويُّ أربعةَ آلافٍ ومَصروفُه عَشرةُ آلافٍ، فهو فقير، فإنْ لم يكن عنده وظيفةٌ أو عملٌ، فهو فقيرٌ). ((الشرح الممتع)) (6/220) ، فدلَّ على الفرْقِ بينه وبين الفَقيرِ المُعدِمِ ((المحلى)) لابن حزم (6/ 148 رقم 720)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 144)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (3/ 108)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/271). .ثانيًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس المِسكينُ الذي ترُدُّه الأُكلةُ والأُكلتانِ، ولكنَّ المِسكينَ الذي ليس له غِنًى ويستحيي، أو لا يسألُ النَّاسَ إلحافًا)) رواه البخاري (1476) واللفظ له، ومسلم (1039) .وجه الدَّلالة: أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ المسكينَ هو الذي لا يجِد غِنًى إلَّا أنَّ له شيئًا لا يقومُ له, فهو يصبِر ويَنطوي, وهو محتاجٌ، ولا يسألُ ((المحلى)) لابن حزم (6/148 رقم 720). .ثالثًا: أنَّ الاشتقاقَ اللُّغويَّ يدلُّ على أنَّ الفقيرَ أسوأُ حالًا مِنَ المسكينِ؛ فالفقير يُطلَقُ على مَن نُزِعَت فِقرةُ ظَهرِه فانقطَعَ صُلبُه، أمَّا المسكينُ فهو مِنَ السُّكونِ، وهو الذي أسكنَتْه الحاجةُ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/271، 272). . انظر أيضا: المبحث الأول: الفقراءُ والمساكينُ مِن مصارِفِ الزَّكاة. المبحث الثاني: التَّمييزُ بين الفُقَراءِ والمساكينِ . المبحث الرابع: السَّائلُ الطَّوَّافُ مسكينٌ  . المبحث الخامس: مُدَّة الكفاية التي تُعطَى للفقيرِ أو المسكينِ.

يُعطَى الفقيرُ أو المسكينُ، كفايةَ سَنةٍ، وهذا مذهَبُ المالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير مع ((حاشية الدسوقي)) (1/494)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) لأحمد الصاوي (1/665). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/272)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/496). ، وقَولٌ للشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (6/194)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/108). ، واختاره أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ قال أبو عُبَيد: (الحدُّ عندنا فيما بينهما ما قدْ كفَتَاه السَّنَةُ بالتحديدِ) ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 669). ((المغني)) لابن قدامة (2/495). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (فيُعطَونَ مِنَ الزَّكاة ما يَكفيهم سنَتَهم، كلَّ سَنة يُعطَونَ ما يكفيهم ويَكفِي عوائِلَهم في حاجاتِهم الضروريَّةِ سَنةً كاملةً). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/14). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الفقراءُ والمساكينُ: وهم الذين لا يجِدونَ كِفايَتَهم، وكفايةَ عائلاتِهم: لا مِن نُقودٍ حاضرةٍ، ولا مِن رواتبَ ثابتةٍ، ولا مِن صناعةٍ قائمةٍ، ولا مِن غلَّةٍ كافيةٍ، ولا من نَفقاتٍ على غَيرِهم واجبةٍ، فهُم في حاجةٍ إلى مواساةٍ ومَعُونةٍ، قال العلماء: فيُعطَونَ مِن الزَّكاة ما يَكفيهم وعائلاتِهم لِمُدة سَنَة كاملةٍ, حتى يأتيَ حَوْلُ الزَّكاةِ مَرَّةً ثانية, ويُعطى الفقيرُ لزواجٍ يحتاجُ إليه ما يكفي لزواجِه، ويُعطَى طالبُ العِلمِ الشَّرعيِّ الفقيرِ؛ لشراءِ كُتُبٍ يحتاجُها، ويُعطَى مَن له راتبٌ لا يكفِيه وعائِلَتَه من الزَّكاةِ ما يُكمِلُ كِفايتَهم؛ لأنَّه ذو حاجةٍ، وأما مَن كان له كفايةٌ، فلا يجوزُ إعطاؤُه مِنَ الزَّكاةِ وإنْ سألها، بل الواجِبُ نُصحُه وتحذيرُه مِن سؤالِ ما لا يحِلُّ له). ((مجالس شهر رمضان)) لابن عُثيمين (ص 92). وقال أيضًا: (الفقيرُ يُعطى كفايتَه إلى نهايةِ العامِ؛ لأنَّ الزَّكاةَ تتجدَّدُ كُلَّ سَنةٍ، ولو قيل: إنَّه يُعطَى إلى أن يُصبِحَ غنيًّا ويزولَ عنه وصفُ الفَقرِ، لكان قولًا قويًّا، وكذلك القَولُ في المسكينِ). ((الشرح الممتع)) (6/221). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة عن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كانتْ أموالُ بَنِي النَّضيرِ ممَّا أفاء اللهُ على رسولِه، ممَّا لم يُوجِفْ عليه المسلمونَ بخيلٍ ولا رِكابٍ, فكانتْ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خاصَّةً، فكان يُنفِقُ على أهلِه نفَقةَ سَنةٍ، وما بقِيَ يجعَلُه في الكُرَاعِ الكُراع: اسمٌ لجميعِ الخَيلِ. ((النهاية)) لابن الأثير (4/165). والسِّلاحِ وعُدَّة في سبيلِ اللهِ)) رواه البخاري (2904)، ومسلم (1757). .وجه الدَّلالة: أنَّ في هدْيِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أسوةً حسَنةً في ادِّخارِه لأهلِه قُوتَ سَنَةٍ ((فقه الزَّكاة)) للقرضاوي (2/567). .ثانيًا: أنَّ الحَوْلَ في العادةِ هو أوسطُ ما يطلُبُه الفَردُ مِن ضمانِ العَيشِ له ولأهلِه ((فقه الزَّكاة)) للقرضاوي (2/567). . ثالثًا: أنَّ الزَّكاة تتكرَّر بتكرُّرِ الحَوْل؛ ففي كلِّ عام تأتي حصيلةٌ جديدةٌ مِن موارِدِ الزَّكاةِ، فيأخُذُ منها الفقيرُ ما يكفيه إلى مِثلِه، فلا داعِيَ لإعطائه كفايةَ العُمُرِ ((المغني)) لابن قدامة (2/496). .فرع: مَن كانت عادَتُه الاحترافَ أُعطِيَ ما يَشتري به حِرْفتَه أو آلاتِ حِرفَتِه، قلَّت قيمةُ ذلك أم كَثُرَت، بحيثُ يحصُلُ له مِن رِبحِه ما يَفي بكفايَتِه غالبًا تقريبًا، ويختلِفُ ذلك باختلافِ الحِرَفِ والبلادِ والأزمانِ والأشخاصِ ((المجموع)) للنووي (6/194). . انظر أيضا: المبحث الأول: الفقراءُ والمساكينُ مِن مصارِفِ الزَّكاة. المبحث الثاني: التَّمييزُ بين الفُقَراءِ والمساكينِ . المبحث الثالث: أيُّهما أشدُّ حاجةً؛ الفقيرُ أو المسكين؟. المبحث الرابع: السَّائلُ الطَّوَّافُ مسكينٌ  .

لا يُشتَرَطُ في الفقيرِ أو المسكينِ ألَّا يملِكَ نِصابًا، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/326)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/143). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/197)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/106). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/272)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/691). ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ قال ابنُ حَزْم: (مَن كان له مالٌ مما يجِبُ فيه الصَّدقة, كمئتي دِرهمٍ أو أربعين مثقالًا، أو خمسٍ مِنَ الإبِلِ، أو أربعينَ شاةً، أو خمسين بقرة, أو أصاب خمسةَ أوسُقٍ مِن بُرٍّ, أو شعير, أو تمر، وهو لا يَقومُ ما معه بِعَولتِه؛ لكثرةِ عِيالِه أو لِغلاءِ السِّعرِ: فهو مسكينٌ, يُعطَى مِنَ الصَّدَقةِ المفروضة, وتُؤخَذ منه فيما وجبتْ فيه مِن مالِه). ((المحلى)) (6/152 رقم 723). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ... [التوبة: 60].وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ الفقيرَ والمسكينَ يستحقَّانِ الزَّكاةَ بوصْفِ الفَقرِ والمسكنة مطلقًا، وليس فيها اشتراطُ ألَّا يملِكَا نِصابًا زكويًّا، وما أُطلِقَ من النصوص فلا يُقبَلُ تقييدُه إلَّا بدليلٍ صحيحٍ ((المجموع)) للنووي (6/197)، ((المغني)) لابن قدامة (2/493). .ثانيًا: من السُّنَّةعن قَبِيصَةَ بن مُخارِقٍ الهلاليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((يا قَبيصَةُ، إنَّ المسألةَ لا تحِلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ: رَجُلٍ تحمَّلَ حَمَالةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَها، ثم يُمسِك، ورجُلٍ أصابتْ مالَه جائحةٌ فاجتاحتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا من عَيشٍ، أو قِوامًا من عيشٍ، ورجُلٍ أصابتْه فاقَةٌ أو حاجةٌ حتى يَشهَدَ- أو يقول- ثلاثةٌ من ذوي الحِجا من قومِه: إنَّ به فاقةً وحاجةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا من عيش، أو قِوامًا من عيش، ثم يُمسِك)) رواه مسلم (1044). .وجه الدَّلالة: أنَّه مدَّ إباحةَ المسألة إلى وجودِ إصابةِ القِوامِ أو السِّدادِ؛ لأنَّ الحاجةَ هي الفَقرُ، والغِنى ضِدُّها ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/106)، ((المغني)) لابن قدامة (2/493). .ثالثًا: أنَّ النِّصابَ قد لا يقَعُ موقعًا مِن كِفايَتِه ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/106). .رابعًا: أنَّه لا أصلَ لاشتراط النِّصاب في تمييزِ الفَقيرِ مِنَ الغنيِّ ((المجموع)) للنووي (6/197). .خامسًا: أنَّ مَن يَشتَرِطُ عدمَ مِلكِ الفقيرِ والمسكينِ للنِّصابِ الزَّكويِّ، يُقيِّده بمِئَتي دِرهمٍ دون ما إذا ملَكَ خمسًا مِنَ الإبِلِ أو أربعينَ شاةً، وهذا تحكُّم؛ إذ لا فرْقَ بين ذلك، فالكلُّ نِصابٌ زكويٌّ ((المحلى)) لابن حزم (6/155 رقم 723). . انظر أيضا: المبحث الأول: الفقراءُ والمساكينُ مِن مصارِفِ الزَّكاة. المبحث الثاني: التَّمييزُ بين الفُقَراءِ والمساكينِ . المبحث الثالث: أيُّهما أشدُّ حاجةً؛ الفقيرُ أو المسكين؟. المبحث الرابع: السَّائلُ الطَّوَّافُ مسكينٌ  .

يجوزُ دفْعُ الزَّكاةِ لفاسقٍ؛ نصَّ على هذا فقهاءُ المالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/213). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/161)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) لسليمان بن عمر المعروف بالجمل (4/102)َ. ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (وأمَّا الفاسِقُ مِنَ المسلمين فإنَّه يجوزُ أن تُدفَعَ إليه الزَّكاةُ، ولكنْ صرْفُها إلى مَن كان أقوَمَ في دِينِ الله أوْلى من هذا... ولا يَنبغي أن تُصرَفَ الزَّكاةُ لِمَن يستعينُ بها على معاصي اللهِ عَزَّ وجَلَّ، مِثل أن نُعطِيَ هذا الشَّخصَ زكاةً فيشتري بها آلاتٍ محرَّمةً يستعينُ بها على المحرَّمِ، أو يشتري بها دُخانًا يدخِّن به وما أشبَهَ ذلك، فهذا لا يَنبغي أن تُصرَفَ إليه؛ لأنَّنا بذلك قد نكونُ أعَنَّاه على الإثمِ والعدوان، والله تعالى يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ؛ فإن علِمْنا أو غلَب على ظَنِّنا أنَّه سيصرِفُها في المحرَّمِ، فإنَّه يحرُمُ إعطاؤه للآية السَّابقة). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/432، 433). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].وجه الدَّلالة: أنَّ الفقيرَ مِن الأصنافِ الثَّمانية، وإنْ كان فاسقًا؛ فالعدالةُ لم تُشترَطْ فيها، والنُّصوصُ المُطلَقةُ لا تُقيَّدُ إلَّا بدليلٍ. ثانيًا: من السُّنَّةعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث معاذًا إلى اليَمَنِ، وقال له: ((أعْلِمْهم أنَّ عَليهِم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أغْنيائِهم وتُرَدُّ على فُقرائِهم))   رواه البخاري (1496)، ومسلم (19). .وجه الدَّلالة: أنَّه أَطلَقَ دفْعَ الزَّكاةِ إلى الفُقراءِ، ولم يَشتَرِطْ كونَهم عُدولًا. ثالثًا: أنَّ الغالِبَ فيما كان فيه فِسقٌ مِنَ الفقراءِ أن يقومَ بصرْفِها في ضروريَّاتِه ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/213). . انظر أيضا: المبحث الأول: الفقراءُ والمساكينُ مِن مصارِفِ الزَّكاة. المبحث الثاني: التَّمييزُ بين الفُقَراءِ والمساكينِ . المبحث الثالث: أيُّهما أشدُّ حاجةً؛ الفقيرُ أو المسكين؟. المبحث الرابع: السَّائلُ الطَّوَّافُ مسكينٌ  .