يُشترط أن يكون المتوضِّئ مُسلمًا؛ ولا يصحُّ من كافرٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (1/246)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 18). ، والشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/47) وينظر:  ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/97). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/144)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/85). ، وقولٌ للحنفيَّة الإسلامُ شرطٌ عند الحنفيَّة في التيمُّم دون الوضوءِ؛ لاشتراط النيَّة في التيمُّم، وعدمِ اشتراطِها في الوضوء، ونصَّ بعضُ الحنفيَّة على أنَّ الإسلامَ شرْطٌ في الوضوءِ أيضًا. ((البحر الرائق لابن نجيم)) (1/10)، وينظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/109)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/132). .الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ قال ابنُ كثير: (أخبَر تعالى عن سببِ ذلك، وهو أنَّهم لا يُتقبَّلُ منهم؛ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ أي: قد كفَروا، والأعمال إنَّما تصحُّ بالإيمان). ((تفسير ابن كثير)) (4/162). وقال السعديُّ: (الأعمالُ كلُّها شَرْطُ قَبولِها الإيمانُ، فهؤلاء لا إيمانَ لهم ولا عمَل صالح). ((تفسير السعدي)) (1/340). [التوبة: 54]. وجه الدَّلالة:أنَّ هؤلاء لم يُقبَلْ منهم لعَدَمِ إيمانهم؛ ممَّا يعني أنَّ الإيمان شرطٌ لقَبولِ الأعمال ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 340). ، ومنها الوضوءُ. ثانيًا: مِن السُّنَّةِعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمعاذِ بنِ جبل رَضِيَ اللهُ عنه حين بعَثَه إلى اليمن: ((إنَّك ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلى أنْ يشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، فإنْ هم أطاعوا لك بذلك، فأخبِرْهم أنَّ الله قد فرَض عليهم خمسَ صَلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ...)) رواه البخاري (1496) واللفظ له، ومسلم (19). .وجه الدَّلالة:أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبر أنَّ هذه الواجباتِ لا تلزَمُ إلَّا بعدَ الإيمان. ثالثًا: أنَّ الكافرَ ليس أهلًا للنيَّة، والنيَّةُ شرطٌ في صحَّةِ الوضوء ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (1/311). . انظر أيضا: المبحث الثَّاني: العقل . المبحث الثَّالث: النِّيَّة. المبحث الرَّابع: انقطاع ما يُنافي الوضوء من دَم حيضٍ أو نِفاس. المبحث الخامس: إزالة ما يَمنع وصول الماء إلى بشرة أعضاء الوُضوء.

يُشترطُ أن يكونَ المتوضِّئ عاقلًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/10)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/86). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/264)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/383). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/330)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/97). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/111)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/85). .الدَّليل مِن السُّنَّةِ:عن عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ))   أخرجه الترمذي (1423)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7346)، وأحمد (956) حسَّنه البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (226)، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه ولا نعرف للحسن سماعا عن علي، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (2/197)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1423) وأخرجه من طريق آخر أبو داود (4403)، والبيهقي (5292)، والخطيب في ((الكفاية)) (ص77) صححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4403) .وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق)) [1686] أخرجه أبو داود (4398)، والنسائي (3432) واللفظ له، وابن ماجه (2041)، وأحمد (24738) قال البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (225): أرجو أن يكون محفوظاً، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/89): إسناده على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3432). وجه الدَّلالة:أنَّ المجنونَ لا عقلَ له، ولا نيَّة، ولا خطابَ للشَّارِعِ بدونهما. انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الإسلام . المبحث الثَّالث: النِّيَّة. المبحث الرَّابع: انقطاع ما يُنافي الوضوء من دَم حيضٍ أو نِفاس. المبحث الخامس: إزالة ما يَمنع وصول الماء إلى بشرة أعضاء الوُضوء.

المطلب الأوَّل: حُكم النِّيَّةالنِّيَّة شرطٌ لصحَّة الوضوءِ؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: قال ابن رشد: (اختلَف علماءُ الأمصار؛ هل النيَّة شرطٌ في صحَّةِ الوضوء أم لا- بعدَ اتِّفاقهم على اشتراط النيَّة في العبادات؛ لقوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، ولقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات)) الحديث المشهور؟ فذهب فريقٌ منهم إلى أنَّها شرْطٌ، وهو مذهب الشافعيِّ، ومالك، وأحمد، وأبي ثور، وداود. وذهب فريقٌ آخر إلى أنَّها ليست بشرْطٍ، وهو مذهب أبي حنيفة، والثوريِّ؛ وسبب اختلافِهم تردُّدُ الوضوء بين أن يكون عبادةً محضة: أعني غيرَ معقولة المعنى، وإنما يُقصَد بها القُربةُ له فقط كالصَّلاةِ وغيرِها، وبين أن يكونَ عبادةً معقولةَ المعنى كغَسْل النَّجاسةِ، فإنَّهم لا يختلفون أنَّ العبادة المحضة مفتقرةٌ إلى النيَّة، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرةٍ إلى النيَّة، والوضوءُ فيه شبَهٌ من العبادتين، ولذلك وقَع الخلافُ فيه؛ وذلك أنَّه يجمَعُ عبادةً ونظافة، والفِقه أن يُنظَر بأيِّهما هو أقوى شبهًا، فيُلحَق به). ((بداية المجتهد)) (1/8-9). ، المالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/164)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 19). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/47)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/47). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/85)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/82). ، وهو مذهبُ الظاهريَّة ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/8). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6].وجه الدَّلالة: أنَّ معنى الآية: فاغسلوا وجوهَكم للصَّلاة، وهذا معنى النيَّة ((المجموع)) للنووي (1/313)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/83). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعمومُ حديثِ عُمرَ بنِ الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه، حيث قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّة، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى قال البَغويُّ: (قوله: ((إنَّما لامرئٍ ما نوى))، فيه إيجابُ تعيين النيَّة). ((شرح السنة)) (1/402). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (هذا يقتضي أن يكون كلُّ عملٍ بغير نيةٍ لا يُجزئ). ((الاستذكار)) (1/264). وقال ابن حزم: (فهذا أيضًا عمومٌ لكلِّ عملٍ, ولا يجوز أن يُخصَّ به بعضُ الأعمال دون بعضٍ بالدَّعوى). ((المحلى)) (1/73). )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .المطلب الثَّاني: الجهرُ بالنِّيَّة مَحَلُّ النِّيَّة القَلبُ، ولا يُشرَعُ النُّطقُ بها، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (1/240)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 42). ، وهو قولٌ للحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/293)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/108). ، والمنصوصُ عن أحمد ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/87). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ولكنْ تنازعَ العُلَماء؛ هل يُستحبُّ اللَّفظُ بالنيَّة؟ على قولين: فقال طائفةٌ مِن أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: يُستحبُّ التلفُّظُ بها؛ لكونِه أوكدَ. وقالت طائفةٌ من أصحابِ مالك، وأحمد، وغيرِهما: لا يُستحب التلفُّظ بها؛ لأنَّ ذلك بدعة لم يُنقَل عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا أصحابِه، ولا أمرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحدًا من أمَّته أن يلفِظَ بالنيَّة، ولا علَّم ذلك أحدًا من المسلمين، ولو كان هذا مشروعًا لم يهمِلْه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، مع أنَّ الأمَّة مبتلاةٌ به كلَّ يومٍ وليلة. وهذا القول أصحُّ، بل التلفُّظ بالنيَّة نقْصٌ في العقل والدِّين: أمَّا في الدِّين فلأنَّه بدعةٌ، وأمَّا في العقل؛ فلأنَّ هذا بمنزلةِ مَن يريد أكْل الطَّعامِ، فقال: أنوي بوضْعِ يدي في هذا الإناءِ أني آخُذُ منه لُقمةً، فأضَعُها في فمِي فأمضغها، ثم أبلَعُها لأشبع، فهذا حُمقٌ وجهلٌ؛ وذلك أنَّ النيَّة تَتبَعُ العِلمَ، فمتى عَلِمَ العبد ما يفعل كان قد نواه ضرورةً، فلا يُتصوَّر مع وجودِ العِلم به أن لا تحصُلَ نيَّة، وقد اتَّفقَ الأئمَّة على أنَّ الجهرَ بالنيَّة وتكريرَها ليس بمشروعٍ، بل مَن اعتادَه، فإنَّه ينبغي له أن يؤدَّبَ تأديبًا يمَنعُه عن التعبُّدِ بالبِدَع، وإيذاءِ النَّاس برفْعِ صَوتِه، والله أعلم). ((الفتاوى الكبرى)) (1/214). وقال أيضًا: (الجهرُ بلفظِ النية أيضًا منهيٌّ عنه عند الشافعي وسائر أئمَّة الإسلام، وفاعلُ ذلك مسيءٌ، وإن اعتقد ذلك دينًا فقد خرج عن إجماعِ المُسلمين، ويجب نهيه عن ذلك، وإن عُزِلَ عن الإمامة إذا لم يَنْتِه كان له وجهٌ). ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (22/256). ، وابنُ القيِّم قال ابن القيِّم: (ولم يكن يقولُ في أوَّلِه: نويتُ رفعَ الحدث، ولا استباحةَ الصَّلاة، لا هو، ولا أحدٌ من أصحابه البتَّة، ولم يُروَ عنه في ذلك حرفٌ واحد، لا بإِسناد صحيح، ولا ضعيف). ((زاد المعاد)) (1/196، 201). ، وهو ظاهرُ اختيارِ الكمالِ ابنِ الهُمام قال الكمال ابن الهمام: (قال بعض الحفَّاظ: لم يثبت عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بطريقٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ، أنَّه كان يقول عند الافتتاح: أُصلِّي كذا، ولا عن أحدٍ من الصَّحابة والتَّابعين، بل المنقولُ أنَّه كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاة كبَّر، وهذه بدعةٌ). ((فتح القدير)) (1/266، 267). وقال ابن نجيم: (ظاهر ما في فتح القدير اختيارُ أنَّه بِدعة). ((البحر الرائق)) (1/293). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (ليس له التلفُّظ بالنيَّة، لا في الصَّلاة، ولا في الوضوء؛ لأنَّ النيَّة محلُّها القلب؛ فإنَّه يأتي إلى الصَّلاة بنيَّة الصَّلاة ويكفي، يقوم للوضوء بنيَّة الوضوء ويكفي، وليس هناك حاجةٌ إلى أن يقول: نويتُ أن أتوضَّأ، أو: نويت أن أصلِّي، أو: نويت أن أصومَ، أو: نويت أن أحجَّ، أو ما أشبه ذلك؛ إنَّما النيَّة محلُّها القَلب؛ يقول النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى))، ولم يكن عليه الصَّلاة والسَّلام ولا أصحابه يتلفَّظون بالنيَّة في الصَّلاة، ولا في الوضوء، وعلينا أن نتأسَّى بهم في ذلك، ولا نُحدِث في دِيننا ما لم يأذَنْ به الله، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: ((مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ))، يعني: فهو مردودٌ، وبهذا يُعلَم أنَّ التلفُّظ بدعةٌ، التلفُّظ بالنيَّة بدعة). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/79). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (وأمَّا القول: بأنَّه يُسنُّ النُّطق بها جهرًا؛ فهذا أضعفُ وأضعف، وفيه مِن التَّشويش على النَّاس ولا سيَّما في الصَّلاة مع الجماعة ما هو ظاهر، وليس هناك حاجةٌ إلى التلفُّظ بالنيَّة؛ لأنَّ الله يعلمُ بها). ((الشرح الممتع)) (1/195). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن تيميَّة: (نيَّة الطَّهارة- من وضوء أو غُسل أو تيمُّم- والصَّلاةِ والصِّيام، والحجِّ والزَّكاة، والكفَّارات، وغيرِ ذلك من العباداتِ؛ لا تفتقر إلى نُطقِ اللِّسانِ، باتِّفاق أئمَّة الإسلام، بل النيَّة محلُّها القلبُ دون اللِّسان باتِّفاقِهم). ((مجموع الفتاوى)) (22/230). وقال أيضًا: (محلُّ النيَّة القلب باتِّفاق الأئمَّة الأربعة وغيرهم، إلَّا بعضَ المتأخِّرين؛ أوجب التلفُّظ بها، وهو مسبوقٌ بالإجماع). ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 9). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الجهرَ بالنيَّة لم يُنقَلْ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أصحابه، ولا أمرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحدًا من أمَّته أن يلفِظَ بالنيَّة، ولا علَّم ذلك أحدًا من المسلمينَ، ولو كان هذا مشروعًا لم يهملْه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/214)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/196، 201)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/266، 267). .ثانيًا: أنَّ النيَّةَ مِن متعلِّقاتِ القَلب، فلا معنى لاشتراط النُّطقِ بها قال الطحطاوي: (لا يُشترط النُّطق بالنيَّة؛ لأنَّها من متعلِّقات القلب التي لا يُشترط لها النُّطق، وقد أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّه لو نوى بقلبه ولم يتكلَّم بنيَّته، فإنَّه يجوز). ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 148). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الإسلام . المبحث الثَّاني: العقل . المبحث الرَّابع: انقطاع ما يُنافي الوضوء من دَم حيضٍ أو نِفاس. المبحث الخامس: إزالة ما يَمنع وصول الماء إلى بشرة أعضاء الوُضوء.

يجب إزالةُ ما يَمنَعُ وصولَ الماء إلى بشَرةِ أعضاء الوُضوءِ ومن أمثلة ذلك: الشَّمع، والشَّحم، والعجين، والطِّين، ومواد الطِّلاء، والمناكير، والأظافر الصناعية، وكذلك الماكياج والكحل إن كانت لهما طبقة أو مواد تمنع وصولَ الماءِ إلى البَشَرة. يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/81)، ((فتاوى نور على الدرب)) (116/25)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/218- 219)، ((فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت)) (2/264). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/4)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/16). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/288)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/88). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/64)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/54). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/111)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/85). .الدليل من الكتاب:قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6].وجه الدَّلالة:أنَّ عمومَ الآيةِ يدلُّ على وجوبِ استيعابِ الماء لجميعِ المحلِّ الواجبِ استعمالُه فيه، فيجِبُ لذلك إزالةُ ما يمنَعُ وصولَ الماءِ إلى الأعضاء، وما لم يتمَّ الواجِبُ إلَّا به، فهو واجبٌ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/85). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الإسلام . المبحث الثَّاني: العقل . المبحث الثَّالث: النِّيَّة. المبحث الرَّابع: انقطاع ما يُنافي الوضوء من دَم حيضٍ أو نِفاس.

لا يُشتَرَط دخولُ الوقتِ لصحَّة طهارة مَن به حدَثٌ دائم وذلك كالمصاب بسَلَس البول، أو الريح، وكالمريضِ الذي تُوضعَ له قسطرة (القِسطار هو ماسور بلاستيكي يوضع في مجرى البول؛ بحيث يتمكَّن المريض عَبرَه من البولِ في كيسٍ). ، ولا أن يتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/117)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/389). ، والظاهريَّة قال النوويُّ: (قال ربيعة ومالك وداود: دم الاستحاضة لا يَنقُض الوضوءَ، فإذا تطهَّرت، فلها أن تصلِّي بطهارَتِها ما شاءت من الفرائِض، إلى أن تُحدِث بغيرِ الاستحاضة). ((شرح النووي على مسلم)) (4/18). ، وبه قال بعضُ السَّلف قال ابن عبدِ البَرِّ: (وممَّن قال بأنَّ الوضوءَ على المستحاضة غيرُ واجب: ربيعة، وعِكرمة، وأيُّوب، وطائفة). ((التمهيد)) (16/99). وقال ابن رجب: (قالَ ابن عبدِ البَرِّ: والوضوءُ عليها عند مالك على الاستحباب دونَ الوجوب، قال: وقد احتجَّ بعض أصحابنا على سقوط الوضوءِ بقَولِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإذا ذهَب قدْرُها فاغْتسلِي وصلِّي))، ولم يذكُر وضوءًا، قالَ: وممَّن قالَ بأنَّ الوضوءَ على المستحاضة غيرُ واجب: ربيعة، وعِكرمة، ومالك، وأيُّوب، وطائفة) ((فتح الباري)) (1/450). ، وهو اختيار الشَّوكانيِّ قال الشَّوكاني: (قوله:- أي: صاحب حدائق الأزهار-: ودخولُ الوقت في حقِّ المستحاضةِ ونحوها. [يعني أنَّه من نواقضِ الوضوء]. أقول: ليس على هذا أثارةٌ من عِلم ولا عقل؛ فلا حاجةَ إلى التطويل في ردِّه وبيانِ بُطلانه). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 63). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (كلُّ ما خرج من البدن لا ينقُضُ الوضوءَ، إلَّا البولَ والغائط، أمَّا الدَّمُ والقيءُ والقيحُ، وما يُسمِّيه النِّساءُ بالطُّهرِ الذي يسيلُ من فرْج المرأة دائمًا، حتى إنَّ بعض العلماء قال: سلسُ البول، فلا ينقُض الوضوءَ أيضًا، إذا تطهَّر الإنسانُ أوَّل مرَّة فإنَّه لا ينتقِضُ وضوءُه ما لم يُحدِث بحدثٍ آخَر؛ وعُلِّل ذلك بأنَّه لا يستفيد من الوضوء؛ إذ إنَّ الحدَث دائم، فلا فائدةَ من الوضوء، نعَمْ، لو انتقض وضوءُه من رِيح مثلًا وفيه سلس بول، فهنا يجب أن يتوضَّأ، وهذا القول ليس ببعيدٍ من الصَّواب، وكنت بالأوَّل أرى أنَّه ينقض الوضوءَ، وأنَّه لا يجوزُ أن يتوضَّأ الإنسان للصَّلاة إلَّا بعد دخولِ وَقتِها، لكن بعد أن راجعتُ كلام العُلَماء واختلافَهم، وقوَّة تعليلِ مَن علَّل بأنَّ هذا الوضوءَ لا فائدةَ منه؛ إذ إنَّ الحَدَث دائمٌ، تراجعتُ عن قولي الأوَّل، وهذا القول أرفَقُ بالنَّاسِ بلا شكٍّ، ولا سيَّما بالنِّسبةِ للنِّساء اللاتي يخرُجُ منهنَّ هذا السَّائل الدائم، ولا سيَّما في أيَّام الحجِّ والعمرة، عندما تذهبُ المرأة مثلًا إلى المسجِد مِن بعد المغربِ؛ لتصلِّي صلاة العشاء، إذا قلنا بانتقاضِ الوضوءِ، يعني لا بد أن تبتدئَ الوضوءَ بعد دخول الوقتِ، فصار في هذا مشقَّة عظيمة، لا سيَّما في أيَّام الزِّحامِ، شيء فيه مشقَّة على المسلمين، والدَّليلُ فيه ليس بواضحٍ، وقد قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ **البقرة: 185** وقال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ **الحج: 78**). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 214). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال لفاطمة بنت أبي حُبَيش: ((إنَّما ذلكِ عِرقٌ، وليس بالحَيضة، فإذا أقبَلَت الحيضةُ، فاتركي الصَّلاةَ، فإذا ذهَبَ قدْرُها، فاغسلي عنك الَّدمَ، وصلِّي)) رواه البخاري (306) واللفظ له، ومسلم (333). .وجه الدَّلالة: أنَّه لم يذكُرْ وضوءًا، ولو كان الوضوءُ واجبًا عليها، لَمَا سكت عن أن يأمُرَها به، وما ورد من إيجابِ الوُضوءِ لكلِّ صلاةٍ، فهو مضطربٌ لا تجبُ بمثله حُجَّة ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (16/95، 98)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/389)، ((فتح الباري)) لابن رجب (1/449، 450). .ثانيًا: أنَّ دمَ الاستحاضةِ، إذا لم يكُن حدَثًا في الوقتِ، فإنَّه لا يكونُ حَدثًا بعده، فخروجُ الوقتِ ليس من نواقِضِ الوُضوءِ، وقد اتَّفقوا على أنَّه إذا خرَجَ الدَّمُ في الصَّلاةِ، أتمَّتْها وأجزأَتْها ((الذخيرة)) للقرافي (1/389). .ثالثًا: أنَّه لا فرقَ بين الدَّمِ الذي يخرُجُ مِن المستحاضة قبل الوضوءِ، والذي يخرُجُ في أضعافِ الوضوءِ، والدَّمِ الخارجِ بعد الوضوء؛ لأنَّ دمَ الاستحاضةِ إنْ كان يُوجِب الوضوءَ، فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقت كان، يوجِبُ الوضوءَ، وإنْ كان لا يُوجِبُ الوضوءَ، فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقتٍ كان، لا يوجِبُ الوضوء ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/269). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الإسلام . المبحث الثَّاني: العقل . المبحث الثَّالث: النِّيَّة. المبحث الرَّابع: انقطاع ما يُنافي الوضوء من دَم حيضٍ أو نِفاس.

يُشترط في صحَّةِ الوضوءِ أن يكونَ بماءٍ طَهورٍ، فلا يصحُّ بغيرِه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/ 33)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/168)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 25). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/92)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/47). ، والحنابلة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/15)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/10). ، وهو مذهبُ الظَّاهريَّة قال ابن حزم: (إنْ سقط عنه اسم الماء جملةً, كالنَّبيذِ وغيره, لم يجُز الوضوء به, ولا الغُسل، والحُكمُ حينئذ التيمُّمُ, وسواءٌ في هذه المسألةِ والتي قبلها, وُجد ماءٌ آخَر أم لم يوجَد... هذا قول مالك، والشافعيِّ، وأحمد، وداود، وغيرهم, وقال به الحسن، وعطاء بن أبي رباح، وسفيان الثوريُّ، وأبو يوسف، وإسحاق، وأبو ثور، وغيرهم). ((المحلى)) (1/195). ، وروايةٌ عن أبي حنيفةَ ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/35)، ((أحكام القرآن)) للجصاص (4/27). ، وقولُ أبي يوسف، واختاره الطَّحاويُّ قال الطحاويُّ: (لا يجوز التوضُّؤ به في حالٍ مِن الأحوالِ, وهو قولُ أبي يوسف). ((شرح معاني الآثار)) (1/96). وقال النوويُّ: (أنصف الإمامُ أبو جعفر أحمد بن محمَّد بن سلامة الطحاوي إمام الحنفيَّة في الحديث، والمنتصر لهم؛ حيث قال في أوَّل كتابه: إنَّما ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى الوضوء بالنَّبيذ؛ اعتمادًا على حديثِ ابن مسعود، ولا أصلَ له، فلا معنى لتطويلِ كتابي بشيءٍ فيه). ((المجموع)) (1/95). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ قال ابن المُنذِر: (أجمعوا على أنَّ الوضوءَ لا يجوز بماءِ الورد، وماءِ الشَّجر، وماء العُصفر، ولا تجوز الطَّهارةُ إلَّا بماء مطلَق، يقع عليه اسمُ الماء، وأجمعوا على أنَّ الوضوءَ بالماء جائز، وأجمعوا على أنَّه لا يجوزُ الاغتسال، ولا الوضوءُ بشيء من هذه الأشرِبة سوى النَّبيذ). ((الإجماع)) (ص: 34). وقال ابن حزم: (أجمعوا أنَّه لا يجوزُ وضوءٌ بشيءٍ من المائعات وغيرها، حاشَا الماءَ والنَّبيذ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 17). وقال ابن تيميَّة: (قد ذكر العلماء عن ابن أبي ليلى- وهو من أجلِّ مَن يَحكي ابنُ حزم قولَه- أنَّه يجزئُ الوضوءُ بالمعتصر، كماء الورد ونحوه، كما ذكروا ذلك عن الأصمِّ، لكنَّ الأصمَّ ليس ممَّن يعدُّه ابنُ حزم في الإجماع). ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 17). وقال القرطبيُّ: (أجمعوا على أنَّ الوضوءَ والاغتسالَ لا يجوزُ بشيءٍ من الأشربة سوى النبيذِ عند عدمِ الماء، وقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا **النساء: 43** يردُّه، والحديث الذي فيه ذِكر الوُضوءِ بالنَّبيذ رواه ابنُ مسعود، وليس بثابت؛ لأنَّ الذي رواه أبو زيدٍ، وهو مجهولٌ لا يُعرف بصُحبةِ عبد الله؛ قاله ابنُ المُنذِر وغيره). ((تفسير القرطبي)) (5/230). وقال النوويُّ: (رفْع الحدَثِ وإزالة النَّجَس لا يصحُّ إلَّا بالماءِ المطلَق، فهو مذهَبُنا، لا خلاف فيه عندنا، وبه قال جماهير السَّلف والخلف من الصَّحابة فمَن بعدَهم، وحَكى أصحابُنا عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى وأبي بكر الأصمِّ: أنَّه يجوز رفْع الحدَث وإزالة النَّجس بكلِّ مائعٍ طاهر، قال القاضي أبو الطيِّب: إلَّا الدَّمع؛ فإنَّ الأصمَّ يوافِقُ على منْع الوضوءِ به، وقال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بالنَّبيذِ على شرْط). ((المجموع)) (1/92، 93). وقال أيضًا: (أمَّا قول الغزاليِّ في الوسيط: طهارة الحدَث مخصوصة بالماء بالإجماع، فمحمول على أنَّه لم يبلغْه قولُ ابن أبي ليلى إن صحَّ عنه... وقد قال ابن المُنذِر في الإشراف وكتاب الإجماع: أجمع أهلُ العلم على أنَّه لا يجوزُ الوضوء بماء الورد والشجر والعصفر وغيره، ممَّا لا يقع عليه اسمُ ماء، وهذا يوافق نقْلَ الغزاليِّ). ((المجموع)) (1/93). . الأدلَّة:  أوَّلًا: من الكتاب 1- قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43].وجه الدَّلالة: أنَّه نصَّ على الانتقالِ إلى التُّراب عند عدَمِ الماء، فدلَّ على أنَّه لا يجوزُ التطهُّر بغيرهما؛ فمَن توضَّأ بالنَّبيذ، فقد ترَك المأمورَ به ((المجموع)) للنووي (1/92، 94)، ((المغني)) لابن قدامة (1/10). .2- قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48].وجه الدَّلالة: أنَّ قوله تعالى: طَهُورًا على وزنِ فَعول، وهو يأتي للذي يُفعَل به الفِعلُ، نحو الحَنوط والسَّحور والبَخور، والمعنى: أنَّ الماء هو الذي يُتطهَّرُ به، فينحصر المطهِّرُ فيه بسبب تخصيصِ الشَّرعِ له بالذِّكر، ومنْعِ القياسِ في الأسبابِ ((الذخيرة)) للقرافي (1/168). .3- قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11].وجه الدَّلالة: أنَّه نصٌّ في كون الماء هو الذي يُتطهَّر به ((الذخيرة)) للقرافي (1/168). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن عِمرانَ بن حُصين رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ثمَّ رأى رجلًا معتزلًا لم يُصلِّ مع القومِ، فقال: يا فلانُ، ما منعك أن تُصلِّيَ مع القوم؟ فقال: يا رسولَ الله، أصابتْني جَنابةٌ ولا ماءَ، فقال: عليك بالصَّعيدِ؛ فإنَّه يكفيك)) رواه البخاري (348)، واللفظ له، ومسلم (682). .وجه الدَّلالة: أنَّ الطَّهارةَ لو كانت تُجزِئُ بغير الماء، لأشبَه أن يقولَ له: اطلب نبيذ كذا، أو شرابَ كذا ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/364). .ثالثًا: أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كانوا يَعدَمونَ الماء في أسفارِهم ومعهم الدُّهنُ وغيرُه من المائعاتِ، وما نُقِل عن أحدٍ منهم الوضوءُ بغير ماءٍ ((المجموع)) للنووي (1/93). . مطلب: هل يُشترطُ أن يكون الوضوءُ بماءٍ مباح؟ لا يُشترطُ لصحَّة الوضوءِ أن يكونَ الماءُ مباحًا، فيصحُّ التطهُّرُ بالماء المسروق أو المغصوبِ، مع الإثمِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/759)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/341). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/144)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/181). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/251). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الماءَ المسروقَ أو المغصوبَ استوفى أركانَ الطَّهارة وشروطَها؛ لذلك صحَّ التطهُّرُ به. ثانيًا: أنَّ النهي إذا كان عائدًا إلى غيرِ ذات المنهيِّ عنه، فإنَّه لا يقتضي الفسادَ، وهنا الأمر كذلك، فلم ينهَ الشَّارعُ عن التطهُّر بالماءِ المغصوب، وإنَّما نهى عن الغَصبِ جملةً، فيكون نهيُ الشارعِ خارجَ ذات المنهيِّ عنه، فلا يفسد العَمل. انظر أيضا: المبحث الأوَّل: الإسلام . المبحث الثَّاني: العقل . المبحث الثَّالث: النِّيَّة. المبحث الرَّابع: انقطاع ما يُنافي الوضوء من دَم حيضٍ أو نِفاس.