المطلب الأوَّل: اشتراط النِّصاب لوجوب الزَّكاة في الزروع والثِّمار، وحُكم ما زاد على النِّصابالفرع الأوَّل: اشتراط النِّصاب لوجوب الزَّكاة في الزُّروع والثِّماريُشتَرَط لوجوبِ الزَّكاةِ في الزُروع والثِّمارِ أن تبلُغَ نِصابًا، ونِصابُها خمسةُ أوسُقٍ، ولا شيءَ فيما دونَها، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/447)، ويُنظر: (الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/46). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) لابن حجر الهيتمي (3/245)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/210). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/205، 206)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/7). ، وهو قولُ محمَّد وأبي يوسُفَ صاحِبَي أبي حنيفة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/242)، ((تبيين الحقائق، للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (1/292). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (لا زكاةَ في تمرٍ، ولا بُرٍّ، ولا شعير: حتى يبلُغَ ما يصيبه المرءُ الواحِدُ من الصِّنف الواحد منها خمسةَ أوسُقٍ؛ والوَسْق ستونَ صاعًا). ((المحلى)) (4/47) رقم (642). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال ابنُ قدامة: (لا تجب في شيءٍ من الزروع والثمار حتى تبلُغَ خَمسةَ أوسُقٍ. هذا قول أكثَرِ أهلِ العِلم؛ منهم ابن عمر، وجابر، وأبو أُمامة بن سهل، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، والحسن، وعطاء، ومكحول، والحكَم، والنَّخَعي، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمَّد، وسائر أهل العِلم، لا نعلم أحدًا خالفهم، إلَّا مجاهدًا، وأبا حنيفة، ومن تابعه؛ قالوا: تجِبُ الزَّكاةُ في قليلِ ذلك وكثيره؛ لعمومِ قوله عليه السلام: ((فيما سَقَتِ السماءُ العُشر))، ولأنَّه لا يُعتبَرُ له حول، فلا يُعتبَرُ له نِصابٌ). ((المغني)) لابن قدامة (3/7). وقال الماورديُّ: (هذا مذهب الشافعيِّ، وبه قال من الصَّحابة: جابرٌ وابن عمر، ومن الفقهاء مالك، والليث بن سعد، والأوزاعيُّ، وأبو يوسف ومحمد، وأحمد بن حنبل). ((الحاوي الكبير)) (3/210). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دونَ خمسِ أواقٍ صَدقةٌ، وليس فيما دون خمسِ ذَودٍ صَدقةٌ، وليس فيما دون خَمسِ أوسُقٍ صَدقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979) .وجه الدَّلالة: أنَّ قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دون خمَسةِ أوسُقٍ صدقةٌ))، هذا خاصٌّ يجِبُ تقديمُه، وتخصيصُ عمومِ ما جاء في الأخبارِ، كما خصَّصنا قولَه: ((في سائِمةِ الإبِلِ الزَّكاة)) بقوله: ((ليس فيما دونَ خمس ذَودٍ صَدقةٌ)). وقولَه: ((في الرِّقَة رُبُعُ العُشرِ)) بقولِه: ((ليس فيما دونَ خمس ِأواقٍ صَدقةٌ)) ((المغني)) لابن قدامة (3/7). .ثانيًا: أنَّ الزُّروعَ والثِّمارَ جِنسُ مالٍ تَجِبُ فيه الزَّكاةُ، ويجِبُ صَرفُه في الأصنافِ الثَّمانِيَةِ، فوجَبَ أن يُعتبَرَ فيه النِّصابُ، وألَّا تَجِبَ الزَّكاةُ في يسيرِه كسائِرِ الأموالِ الزَّكويَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/211)، ((المغني)) لابن قدامة (3/7). .ثالثًا: أنَّ النِّصابَ اعتُبِرَ في الزَّكاةِ ليبلُغَ المالُ حدًّا يتَّسِعُ للمواساةِ، ولا يحصُلُ الغِنى بدون النِّصابِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/211)، ((المغني)) لابن قدامة (3/7). .الفرع الثاني: الزَّكاةُ فيما زاد على النِّصَابِتجِبُ الزَّكاة فيما زاد على النِّصابِ قلَّ أو كثُر.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:   نقل الإجماعَ على ذلك: الماوَرْديُّ قال الماوَرْدي: (قد ذكَرْنا أنْ لا زكاةَ فيما دون خمسةِ أوسُقٍ، فإذا بلغ خمسةَ أوسق ففيه الزَّكاة، وما زاد على ذلك ففيه بحسابِه وقِسطه، قليلًا كان الزائدُ أو كثيرًا، وهو إجماعٌ لا خلاف فيه) ((الحاوي الكبير)) (3/255). والنوويُّ قال النوويُّ: (تجب فيما زاد على النِّصابِ بحسابِه، بإجماعِ المسلمين، نَقل الإجماعَ فيه صاحبُ الحاوي وآخرون) ((المجموع)) (5/464).. وابنُ حَجَرٍ قال ابنُ حجر: (أجمعوا في الأوساقِ على أنَّه لا وَقَصَ فيها) ((فتح الباري)) (3/311). المطلب الثاني: ضمُّ الأنواع من جنس واحد لإكمال النِّصابتُضَمُّ الأنواعُ التي مِن جِنسٍ واحدٍ؛ لإكمالِ النِّصابِ، في زكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ أصنافَ القَمحِ- كالصيني والسَّمرة ونحو ذلك- تُجمَع معًا، واتَّفقوا على أنَّ أصنافَ التَّمر تُجمَع معًا، واتَّفقوا على أصنافَ الشَّعير تُجمَع معًا). ((مراتب الإجماع)) (ص: 36، 37). ، وأبو الوليدِ الباجيُّ قال أبو الوليد الباجي: (إنَّ الحِنطةَ تُجمَع أنواعُها كلُّها كما تُجمَع أنواعُ التَّمرِ، فتُجمَع المحمولة وهي البيضاء إلى السَّمراء، فإذا بلغت النِّصابَ ففيها الزَّكاة، وهذا لا خلافَ فيه). ((المنتقى شرح الموطأ)) (2/167). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (لا خلاف بينهم، في أنَّ أنواعَ الأجناسِ يُضمُّ بعضُها إلى بعضٍ في إكمالِ النِّصاب). ((المغني)) (3/32). وقال: (ولا خلاف فيما نعلَمُه في ضمِّ الحِنطة إلى العَلَس [نوعٌ من الحنطة يُدَّخَرُ في قِشره]؛ لأنَّه نوع منها). ((المغني)) (3/33).   ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/73، 74). .ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أوجَبَ الزَّكاةَ في الثَّمَرِ مطلقًا، ومعلومٌ أنَّ الثَّمَر يشمَلُ أنواعًا، ولم يأمُرْ بتمييزِ كلِّ نوعٍ عن الآخَرِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/73، 74). .المطلب الثالث: هل يَمنع الدَّين زكاةَ الزروع والثِّمار؟لا يَمنَعُ الدَّينُ وجوبَ الزَّكاةِ في الزُّروعِ والثِّمارِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/261) ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/57). ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي)) (1/486)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/203). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 411)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/309)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/147). ، والظَّاهِريَّة قال ابنُ حزم: (وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما). ((المحلى)) (4/219) رقم (695) ، وروايةٌ عن أحمدَ قال ابنُ قدامة: (ورُوي: أنه لا يَمنَعُ- أي: الدَّين- الزَّكاةَ فيها- أي: زكاةَ الأموالِ الظَّاهرة، وهي السَّائمة، والحبوب، والثمار) ((المغني)) (3/68). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقول الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103].وجه الدَّلالة: أنَّ عمومَ النصِّ يدلُّ على وجوبِ الزَّكاةِ في المالِ، سواءٌ كان عليه دَينٌ أو لم يكُنْ ((المحلى)) (4/219) رقم (695). .ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يبعَثُ العمَّالَ الذين يقبِضونَ الزَّكاةَ مِن أصحابِ المواشي، ومن أصحابِ الثِّمارِ، ولا يأمُرُهم بالاستفصالِ؛ هل عليهم دَينٌ أم لا؟ مع أنَّ الغالِبَ أنَّ أهلَ الثِّمارِ عليهم ديونٌ في عهدِ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ مِن عادتهم أنَّهم يُسلِفون في الثِّمارِ السَّنة والسَّنتين، فيكون على صاحبِ البُستان دَينٌ سَلَف، ومع ذلك كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخرِصُ عليهم ثمارَهم، ويُزَكُّونها ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30). .ثالثًا: إطلاقُ النُّصوصِ التي جاءت بالأمرِ بالزَّكاة، أمَّا إسقاطُ الدَّينِ مِنَ الزَّكاةِ، فلم يأتِ به قرآنٌ ولا سُنةٌ صحيحةٌ ولا سقيمةٌ، ولا إجماعٌ ((المحلى)) (4/220) رقم (695)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/132)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30). .رابعًا: أنَّ الزَّكاةَ تتعلَّقُ بعَينِ المالِ المملوكِ والمُتَصرَّفِ فيه، لا بما في ذمَّةِ المزكِّي (( الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((المجموع)) للنووي (5/343)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/32). .خامسًا: أنَّ الذمَّةَ تتَّسِعُ لوجوبِ الزَّكاة والدَّينِ معًا على فرْضِ تعلُّقِهما معًا بالذمَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310). .سادسًا: أنَّه مالكٌ لِما بِيَدِه، ويجوز تصرُّفُه فيه، فوجَبَ أن يلزَمَه إخراجُ زكاتِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36). . انظر أيضا: المبحث الثاني: المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزُّروع والثِّمار . المبحث الثالث: وقت وجوب زكاة الزُّروع والثِّمار. المبحث الرابع: ضمُّ الجِنسِ إلى غَيرِ جِنسِه .

المطلب الأوَّل: ما سُقِيَ بمؤونة وما سقي بغير مؤونةما سُقِيَ مِنَ الزَّرعِ أو الثَّمَر بلا مَؤُونةٍ؛ فالواجِبُ فيه العُشرُ، وما سُقِيَ بمَؤُونةٍ، فالواجبُ فيه نِصفُ العُشر.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فيما سَقتِ السَّماءُ والأنهارُ والعيونُ، العُشرُ، وفيما سَقتِ السَّانيةُ السَّانية: هي النَّاقة التي يُستقَى عليها. ((النهاية)) لابن الأثير (2/415). نِصفُ العُشر)) رواه مسلم (981). . 2- عن عبد الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((فيما سقتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا العَثري: هو مِنَ النَّخيلِ، الذي يشرَبُ بعروقِه مِن ماءِ المَطَرِ يجتمِعُ في حَفيرةٍ، وقيل: هو العِذْيُ. وقيل: هو ما يُسقى سَيحًا. والأول أشهَرُ. ((النهاية)) لابن الأثير (3/182). ، العُشْرُ، وما سُقِي بالنَّضْحِ، نِصفُ العُشرِ)) رواه البخاريُّ (1483). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ قال النوويُّ: (قال البيهقيُّ: وهو قول العامَّة لم يختلفوا فيه، وكذا أشار الشافعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه في المختصَر إلى أنَّه مُجمَع عليه). ((المجموع)) (5/461). ، وابنُ بطَّالٍ قال ابنُ بطَّال: (أجمع العلماءُ على القولِ بظاهِرِ هذا الحديثِ في المقدارِ المأخوذ، وذلك العُشرُ في البعل، وفيما سقت العيون والأنهار؛ لأنَّ المُؤنةَ فيه قليلة، وما سُقِيَ بالدَّلوِ فنِصفُ العُشرِ في الحبوبِ والثِّمارِ التي تجِبُ فيها الزَّكاة) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/529). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ في ألفَيْ رطل وأربعمئة رطل بالفلفلي كاملة فصاعدًا من القمح الخالص الذي لا يُخالِطُه شيء غيره، إذا أصابه رجل وامرأة حُرَّان بالغانِ عاقلانِ مسلمانِ، ينفرد كلُّ واحدٍ منهما بملك كلِّ ذلك بعد إخراج ما أَنفق عليها، أو أصاب ذلك نصيبَه مِن زَرعِه نفسِه، أو نخله نفسِه، في أرض ليست من أرض الخَراج، ولا مِن أرضٍ اكتراها؛ أنَّ فيها الزَّكاة، وذلك عُشر ما ذكرنا إنْ كانت تُسقى بالأنهار، أو ماءِ السَّماء، أو العيونِ، أو السواقي، ونِصف العشر إن كانت تُسقى بالدَّلو، أو السَّانية، وذلك مرَّةً في الدَّهرِ تجب الزَّكاةُ المذكورة منها كما ذَكَرْنا أثر الضمِّ والتصفية). ((مراتب الإجماع)) (ص: 35). ، والبيهقيُّ قال النوويُّ: (قال البيهقي: وهو قولُ العامَّةِ، لم يختلفوا فيه). ((المجموع)) (5/461). وقال الخطيب الشربينيُّ: (انعقد الإجماعُ على ذلك كما قالَه البيهقيُّ وغيرُه) ((مغني المحتاج)) (1/385). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمع العُلماءُ على القَولِ بظاهِرِه في المقدارِ المأخوذِ مِنَ الشَّيءِ المزكَّى، وذلك العُشرُ في البعل كلِّه من الحبوب، وكذلك الثِّمار التي تجب فيها الزَّكاةُ عندهم، كلٌّ على أصلِه، وكذلك ما سقَتِ العُيونُ والأنهارُ؛ لأنَّ المؤنة قليلة، وكذلك أيضًا وردت السُّنة، وأمَّا ما سُقِيَ بالسواقي والدوالي فنِصفُ العُشرِ فيما تجِبُ فيها الزَّكاةُ عندهم، كلٌّ أيضًا على أصله) ((الاستذكار)) (3/219). ، وابنُ رشد قال ابنُ رُشْدٍ: (أجمعوا على أنَّ الواجِبَ في الحبوب أمَّا ما سُقِيَ بالسماء فالعُشر، وأما ما سُقِيَ بالنَّضحِ فِنصفُ العُشر؛ لثبوت ذلك عنه صلَّى الله عليه وسلَّم). ((بداية المجتهد)) (1/265). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (... أنَّ العُشر يجبُ فيما سُقي بغيرِ مَؤنةٍ، كالذي يشربُ من السَّماء والأنهار، وما يشرب بعروقه، وهو الذي يُغرَس في أرضٍ ماؤها قريبٌ مِن وَجهِها، فتصِلُ إليه عروقُ الشَّجَرِ، فيستغني عن سَقي، وكذلك ما كانت عروقُه تصل إلى نهرٍ أو ساقيةٍ، ونصفُ العُشرِ فيما سُقِيَ بالمؤَنِ، كالدوالي والنَّواضح؛ لا نعلَمُ في هذا خلافًا. وهو قول مالك، والثوريِّ، والشافعيِّ، وأصحاب الرأي، وغيرهم). ((المغني)) (3/9). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (وفي هذا الحديثِ وجوبُ العُشرِ فيما سُقِيَ بماءِ السَّماءِ والأنهارِ ونحوها ممَّا ليس فيه مؤنةٌ كثيرةٌ، ونِصفُ العُشرِ فيما سُقِيَ بالنَّواضِحِ وغيرها ممَّا فيه مؤنةٌ كثيرةٌ، وهذا متَّفَقٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (7/54). . المطلب الثاني: ما سُقِيَ بعضَ العام بمؤونةٍ وبعضَه بغيرِ مؤونةما سُقِيَ بعضَ العامِ بمَؤونةٍ وبعضَه بلا مَؤُونةٍ، لا يخلو من حالينِ:الحال الأولى: أن يُسقى نصفَ السَّنةِ بكُلفةٍ، ونِصفَها بغيرِ كُلفةٍ: إذا سُقِيَ نصفَ السَّنةِ بكُلفةٍ، ونِصفَها بغيرِ كُلفةٍ، ففيه ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: ( فإنْ سُقِيَ نصفَ السنة بكُلفةٍ، ونصفَها بغيرِ كُلفةٍ، ففيه ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ. وهذا قولُ مالك، والشافعيِّ، وأصحابِ الرأي، ولا نعلَمُ فيه مخالفًا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما لو وُجِدَ في جميع السَّنة لأوجَبَ مقتضاه، فإذا وُجد في نصفِها أوجب نصفه). ((المغني)) (3/10). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطيُّ: (فإن سُقي تارةً بمطرِ السماء مثلًا، وتارةً بالسَّانية، فإن استويَا فثلاثةُ أرباعِ العُشر، بلا خلاف بين العلماء). ((أضواء البيان)) (1/508). .ثانيًا: أنَّ كلَّ واحدٍ منهما لو وُجِدَ في جميعِ السَّنة لأوجَبَ مقتضاه، فإذا وُجِدَ في نصفِها أوجَبَ نِصفَه ((المغني)) لابن قدامة (3/10). .الحال الثانية: أنْ يُسقى بأحدِهما أكثرَ مِنَ الآخَرِ:إذا سُقِيَ بأحدِهما أكثَرَ مِنَ الآخَرِ؛ فإنَّه يُعتبَرُ فيه الغالِبُ، فإن كان الغالِبُ السَّقيَ بماءِ السَّماءِ أو السَّيحِ، وجَبَ العُشرُ، وإن كان الغالِبُ السَّقيَ بالنَّاضِحِ، وجب نِصفُ العُشرِ، وهذا مذهَبُ الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/246)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/246). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/210)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/10). ، وأحَدُ القَولينِ المشهورينِ للمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير مع ((حاشية الدسوقي)) (1/449)، ((منح الجليل)) لعليش (2/30). ، وهو قَولٌ للشافعيَّة الأصحُّ عند الشافعية: أنه يُقسَّط بحَسَب السَّقيِ؛ وذلك لأنَّ ما وجَبَ فيه الزَّكاةُ بالقِسطِ عند التَّماثُلِ وجب فيه بالقِسطِ عند التَّفاضُلِ، كزكاةِ الفِطرِ في العبدِ المشترَى. ((المجموع)) للنووي (5/461)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/385). ، وبه قال بعضُ السَّلَفِ قال ابنُ قدامة: (وإن سُقِيَ بأحدِهما أكثَرَ مِنَ الآخَرِ اعتُبر أكثرُهما، فوجب مقتضاه، وسقط حُكمُ الآخَرِ؛ نصَّ عليه، وهو قول عطاء، والثوريِّ، وأبي حنيفة، وأحد قولَيِ الشافعيِّ) ((المغني)) (3/10). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ اعتبارَ مِقدارِ السَّقيِ وعددِ مرَّاتِه وقدْرِ ما يُشرَبُ في كلِّ سَقيةٍ؛ يشقُّ ويتعذَّرُ، فكان الحُكمُ للأغلَبِ منهما، كالسَّومِ في الماشِيَةِ ((المغني)) لابن قدامة (3/10)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/210). .ثانيًا: أنَّه اجتمَعَ الأمرانِ ولأحدِهما قوَّةٌ بالغَلَبة، فكان الحُكمُ له، كالماء إذا خالَطَه مائِعٌ ((المجموع)) للنووي (5/461). .ثالثًا: أنَّ غالِبَ أصلِ بابِ الزَّكاةِ أنَّ الأقلَّ تابعٌ للأكثَرِ كالضَّأنِ والمَعْزِ إذا اجتمعا في الزَّكاةِ ((التاج والإكليل)) للمواق (2/282). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: نِصاب زكاة الزُّروع والثِّمار. المبحث الثالث: وقت وجوب زكاة الزُّروع والثِّمار. المبحث الرابع: ضمُّ الجِنسِ إلى غَيرِ جِنسِه .

تجِبُ الزَّكاةُ في الزُّروعِ والثِّمارِ ببُدوِّ الصَّلاحِ في الثَّمَرِ قال ابنُ تيمية: (فبُدُوُّ الصَّلاحِ في الثِّمارِ مُتَنوعٌ، تارةً يكون بالرُّطوبة بعد اليبس، وتارة بلِينه، وتارة بتغَيُّرِ لَونِه بحمرةٍ أو صُفرةٍ أو بياضٍ، وتارة لا يتغَيَّر) ((الفتاوى الكبرى)) (4/53). ، واشتدادِ الحَبِّ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/285)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/130). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/248)، ((المجموع)) للنووي (5/465). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/210)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/417). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الحبَّ باشتداده، والثَّمَرَ ببدوِّ صلاحِه، يُقصدانِ للأكلِ والاقْتِياتِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/210)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/417)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/284). .ثانيًا: أنَّ بدوَّ الصَّلاحِ في الثَّمَرِ، واشتدادَ الحَبِّ هو وقتُ الخَرْصِ المأمور به؛ لحِفظ الزَّكاةِ ومعرفةِ قدْرِها، فدلَّ على تعلُّقِ وُجوبِها به ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/210)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/417). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: نِصاب زكاة الزُّروع والثِّمار. المبحث الثاني: المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزُّروع والثِّمار . المبحث الرابع: ضمُّ الجِنسِ إلى غَيرِ جِنسِه .