تجِبُ زكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ، إذا توفَّرَتْ شُروطُهما.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة: 267].وجه الدَّلالة:أنَّه سبحانه أمَرَ عبادَه المؤمنينَ بإنفاقِ الصَّدقاتِ ممَّا أُخرِجَ مِنَ الأرضِ، والثِّمارُ خارِجةٌ منها ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/209)، ((تفسير القرطبي)) (3/321)، ((تفسير ابن كثير)) (1/697). .2- قولُه تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141].وجه الدَّلالة: أنَّ المرادَ بالحقِّ في الآيةِ عند عامَّةِ أهلِ التَّأويلِ، الزَّكاةُ المفروضةُ فيما تُنبِتُه الأرضُ؛ فإنَّه لا حقَّ فيما أخرَجَتْه الأرضُ غَيرُها ((تفسير ابن كثير)) (3/348)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/494)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/53)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/381). .ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دونَ خَمسِ أواقٍ صَدَقةٌ، وليس فيما دونَ خَمسِ ذَودٍ صَدقةٌ، وليس فيما دونَ خَمسِ أوسُقٍ الأوسُقُ: جمعُ وَسْقٍ، وأصله في اللُّغة الحِمْلُ، والمراد بالوَسْقِ سِتُّونَ صاعًا، كلُّ صاعٍ خَمسةُ أرطالٍ وثُلُثٌ بالبغدادي. ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (2/660)، ((شرح النووي على مسلم)) (7/49). صدقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979) .وجه الدَّلالة: أنَّ مفهومَ الحَديثِ يدلُّ على أنَّه إذا بلغ خمسةَ أوسُقٍ، كان فيه الزَّكاةُ قال النووي في حديث: ((ليس فيما دونَ خمسةِ أوسُقٍ صدقةٌ)): (في هذا الحديث فائدتان: إحداهما: وجوبُ الزَّكاةِ في هذه المحدوداتِ، الثانية: أنَّه لا زكاةَ فيما دون ذلك). ((شرح النووي على مسلم)) (7/49). وقال: (أجمع العلماءُ مِنَ الصَّحابة والتابعين ومَن بعدَهم على وجوب الزَّكاة في التَّمرِ والزَّبيب). ((المجموع)) (5/451). .2- عن عبد الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((فيما سقتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا العَثري: هو مِنَ النَّخيلِ، الذي يشرَبُ بعروقِه مِن ماءِ المَطَرِ يجتمِعُ في حَفيرةٍ، وقيل: هو العِذْيُ. وقيل: هو ما يُسقى سَيحًا. والأول أشهَرُ. ((النهاية)) لابن الأثير (3/182). ، العُشْرُ، وما سُقِي بالنَّضْحِ، نِصفُ العُشرِ)) رواه البخاريُّ (1483). .3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه سَمِعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((فيما سَقَتِ الأنهارُ والغَيمُ، العُشورُ، وفيما سُقِيَ بالسَّانيةِ نِصفُ العُشرِ)) رواه مسلم (981). .وجه الدَّلالة من هذه النصوص:أنَّ ((ما)) في قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (فيما سَقَت)، وقوله: (وفيما سُقِيَ) مِن صِيَغِ العمومِ، فتجِبُ الزَّكاةُ في كلِّ ما يخرُجُ مِنَ الأرضِ مِن غَيرِ قَيدٍ ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/420)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/253)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/209). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماعَ على وجوبِ زكاةِ الزُّروعِ والثِّمار في الجملة: الماوَرْديُّ قال الماوَرْدي: (الأصل في وجوبِ الزَّكاة في الثِّمارِ الكتاب والسُّنة والإجماع...وأجمع المسلمونَ على وجوبِها، وإنِ اختلفوا في قدْرِ ما يجب فيه). ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/209). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (وجبت الزَّكاةُ فيما زاد على خمسةِ أوسُقٍ، بنصِّ قولِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبالإجماعِ المتيقَّنِ على ذلك). ((المحلى)) (4/24). ، والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ في زكاة الزروع والثمار: (الدَّليلُ على فرضِيَّتِه الكتابُ والسُّنة والإجماع والمعقول...وأمَّا الإجماعُ فلأنَّ الأمَّة أجمعَتْ على فرضِيَّةِ العُشرِ). ((بدائع الصنائع)) (2/53، 54). ، والنوويُّ قال النوويُّ في حديث: ((ليس فيما دون خَمسةِ أوسُقٍ صَدَقةٌ)): (في هذا الحديث فائدتان: إحداهما: وجوبُ الزَّكاةِ في هذه المحدودات، الثانية: أنَّه لا زكاة فيما دون ذلك، ولا خلاف بين المسلمين في هاتين إلَّا ما قال أبو حنيفةَ وبعض السَّلف: أنَّه تجِبُ الزَّكاة في قليل الحَبِّ وكثيرِه، وهذا مذهَبٌ باطِلٌ مُنابِذٌ لصريحِ الأحاديث الصَّحيحة). ((شرح النووي على مسلم)) (7/49). وقال: (أجمع العلماء من الصَّحابة والتابعين ومَن بعدَهم على وجوبِ الزَّكاة في التَّمرِ والزَّبيبِ). ((المجموع)) (5/451). .رابعًا: أنَّ إخراجَ زكاة الزُّروعِ والثِّمار إلى الفَقيرِ مِن بابِ شُكرِ النِّعمةِ، وإقدارِ العاجِزِ وتقويتِه على القيامِ بالفرائِضِ، ومن بابِ تطهيرِ النَّفسِ عن الذُّنوبِ وتزكيتِها، وكلُّ ذلك لازِمٌ عقلًا وشَرعًا ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/54). . انظر أيضا: المبحث الثاني: هل في الزُّروعِ والثِّمار حقٌّ واجِبٌ سوى الزَّكاةِ؟ .

لا يجِبُ على المزكِّي شيءٌ عند الحَصادِ غيرُ الزَّكاة، وبهذا قال عامَّةُ العُلَماءِ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (عن ابن عبَّاس قال: (من أدَّى زكاةَ مالِه، فلا جُناح عليه ألَّا يتصَدَّقَ)، وعلى هذا مذهبُ أكثر الفقهاء: أنَّه ليس في الأموالِ حقٌّ واجِبٌ غيرُ الزَّكاة). ((التمهيد)) (4/211) وقال: (وفي هذا كلِّه دليلٌ على أنَّ المالَ ليس فيه حقٌّ واجِبٌ سوى الزَّكاة، وأنَّه إذا أُدِّيَتْ زكاتُه فليس بكنزٍ). ((الاستذكار)) (3/175). وقال النوويُّ: (ومذهَبُنا ومذهَبُ سائِرِ العُلماءِ أنَّه لا يجِبُ ذلك؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الوجوب، والآيةُ المذكورة المرادُ بها الزَّكاة، والله تعالى أعلم). ((المجموع)) (5/572)، وينظر: (( مغني المحتاج)) للشربيني (1/381). ونقل النوويُّ عن القاضي عِياض قولَه: (وقد اختلف السَّلَفُ في معنى قولِ الله تعالى: فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ **المعارج: 24-25**، فقال الجمهور: المراد به الزَّكاة، وأنه ليس في المال حقٌّ سوى الزَّكاة، وأمَّا ما جاء غير ذلك، فعَلَى وجه النَّدبِ ومَكارِمِ الأخلاق، ولأنَّ الآية إخبارٌ عن وصفِ قومٍ أثنى عليهم بخصالٍ كريمةٍ، فلا يقتضي الوجوبَ، كما لا يقتضيه قوله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ **الذاريات: 17**، وقال بعضُهم: هي منسوخةٌ بالزَّكاةِ، وإنْ كان لفظُه لفظَ خَبرٍ، فمعناه أمر، قال: وذهب جماعة منهم الشَّعبيُّ والحسن وطاووس وعطاء ومسروق وغيرهم، إلى أنَّها مُحكَمةٌ، وأنَّ في المال حقًّا سوى الزَّكاةِ، مِن فكِّ الأسيرِ، وإطعامِ المُضطرِّ، والمواساةِ في العُسرة، وصِلةِ القَرابةِ). ((شرح النووي على مسلم)) (7/71). .لأنَّ الأصلَ عَدَمُ وجوبِ أيِّ قدْرٍ زائدٍ على الزَّكاةِ ((المجموع)) للنووي (5/572). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: حُكم زكاة الزُّروع والثِّمار.