أَحْكَامُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ بِاخْتِصَارٍ

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَحْكَامُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ بِاخْتِصَارٍ

هَذِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً بِإِيجَازٍ فِي أَحْكَامِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ:

١- المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ مَشْرُوعٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالوُضُوءِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الحَاجَةُ لِلْمَسْحِ، وَحَدِيثُ جَرِيرٍ (المُتَّفَقُ عَلَيْهِ) أَصْلٌ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ؛ لِإِسْلَامِهِ بَعْدَ نُزُولِ المَائِدَةِ، وَلِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الثَّابِتِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: هُوَ أَجْوَدُ حَدِيثٍ فِي المَسْحِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ.

٢- الصَّحِيحُ أَنَّ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ وَالقَدَمَانِ فِيهِمَا أَفْضَلُ مِنْ نَزْعِهِمَا؛ إِظْهَارًا لِلسُّنَّةِ، وَمُخَالَفَةً لِمَنْ أَنْكَرَ المَسْحَ مِنَ الخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ.

وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ لَا يَكْفِي لِغَسْلِ قَدَمَيْهِ إِنْ نَزَعَ الخُفَّيْنِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ إِبْقَاؤُهُمَا لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا.

٣- المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ مُتَوَاتِرٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: رَوَى الْمَسْحَ سَبْعُونَ نَفْسًا، فِعْلًا مِنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعَةٌ.

٤- لَا يَصِحُّ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا قَوْلٌ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ فِي إِنْكَارِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ.

٥- كُلُّ مَا غَطَّى القَدَمَيْنِ وَالكَعْبَيْنِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ، كَالخُفَّيْنِ وَالجَوْرَبَيْنِ وَاللَّفَائِفِ الطَّاهِرَةِ، يُمْسَحُ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَهِيَ مِنَ التَّسَاخِينِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ الثَّابِتِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَغَيْرُهُ.

٦- يَصِحُّ المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ المُخَرَّقَيْنِ، وَالخَفِيفَيْنِ، وَالشَّفَّافَيْنِ اللَّذَيْنِ يَصِفَانِ القَدَمَيْنِ، وَالرَّقِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ نُفُوذَ المَاءِ، وَالوَاسِعَيْنِ، وَمَا لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِإِطْلَاقِ الأَحَادِيثِ.

قَالَ سُفْيَانُ: "وَهَلْ كَانَتْ خِفَافُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ إِلَّا مُخَرَّقَةً؟". رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

٧- اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الجَزْمَاتِ الَّتِي تَحْتَ الكَعْبَيْنِ قَلِيلًا: هَلْ يَصِحُّ المَسْحُ عَلَيْهَا، وَالقَوْلُ بِأَنَّهُ يُمْسَحُ عَلَيْهَا لَهُ قُوَّتُهُ؛ لِكَوْنِهَا تُشْبِهُ الخِفَافَ المُخَرَّقَةَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا ابْنِ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ.

٨- يُشْتَرَطُ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ أَنْ يُلْبَسَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِالمَاءِ؛ أَيْ: بَعْدَ غَسْلِ القَدَمِ الثَّانِيَةِ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِظَاهِرِ حَدِيثِ المُغِيرَةِ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ.

وَيَصِحُّ مَسْحُ مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ إِذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ.

٩- يَصِحُّ إِذَا لَبِسَ الخُفَّيْنِ الأَوَّلَيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ، أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ مِنَ الخِفَافِ، مَا دَامَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ طَهَارَةَ مَسْحٍ بَعْدَ حَدَثٍ عَلَى الرَّاجِحِ، خِلافًا لِلْجُمْهُورٍ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الزَّائِدِ إِنْ لَبِسَهُ وَهُوَ مُحْدِثٌ، حُكِيَ إِجْمَاعًا.

١٠- لَا يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ مَنْ سَفَرُهُ لِمَعْصِيَةٍ، أَوْ كَانَا مُحَرَّمَيْنِ، كَخُفَّيْ حَرِيرٍ لِرَجُلٍ، أَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا صُورَةٌ، أَوْ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ، وَالقَوْلُ بِارْتِفَاعِ الحَدَثِ بَعْدَ المَسْحِ عَلَيْهِمَا أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

١١- لَا يَصِحُّ المَسْحُ عَلَى قَدَمٍ وَغَسْلُ الأُخْرَى؛ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا قَدَمٌ وَاحِدَةٌ أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ وَيَمْسَحَ عَلَيْهِ، وَمَنْ إِحْدَى قَدَمَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُهَا وَالأُخْرَى صَحِيحَةٌ؛ فَلَهُ حُكْمُ السَّلِيمِ فِي المَسْحِ.

١٢- لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ عَلَى الرَّاجِحِ بِخَلْعِ الخُفَّيْنِ المَمْسُوحِ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ، وَلَا بِخَلْعِ الفَوْقَانِيِّ بَعْدَ المَسْحِ عَلَيْهِ، وَلَا بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ المَسْحِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ إِنْ أَعَادَهُمَا، وَلَا يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا إِنْ لَبِسَهُمَا بَعْدَ رَفْعِ الحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ؛ لِظَاهِرِ حَدِيثِ المُغِيرَةِ.

١٣- يَمْسَحُ المُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ يَعْنِي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً؛ أَيْ إِلَى اللَّحْظَةِ الَّتِي مَسَحَ فِيهَا، وَالمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا؛ يَعْنِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَاعَةً عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا حَدَّ لِلْمَسْحِ؛ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ؛ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ.

١٤- مَنِ اضْطُرَّ لِلْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ زِيَادَةً عَلَى التَّوْقِيتِ، مَسَحَ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي قِصَّةِ عُقْبَةَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، رَوَاهَا ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ بِهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرُهُ.

١٥- مَنْ شَكَّ مَتَى بَدَأَ المَسْحَ؛ عَمِلَ بِمَا تَيَقَّنَهُ.

١٦- الرَّاجِحُ أَنَّهُ إِذَا بَدَأَ المَسْحَ فِي الحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ؛ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِذَا بَدَأَ المَسْحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ وَصَلَ إِلَى بَلَدِهِ؛ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ.

١٧- تَبْدَأُ مُدَّةُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ مِنْ مَسْحٍ بَعْدَ حَدَثٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، لَا مِنْ مَسْحٍ لِتَجْدِيدِ الوُضُوءِ، وَلَا مِنْ أَوَّلِ حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ.

١٨- لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ نِيَّةُ المَسْحِ عِنْدَ لُبْسِهِمَا، وَلَا نِيَّةُ مَسْحِ مُقِيمٍ أَوْ مَسْحِ مُسَافِرٍ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْلَعَهُمَا جَازِمًا فِي مُدَّةِ المَسْحِ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ، اسْتَمَرَّ فِي المَسْحِ.

١٩- الرَّاجِحُ فِي كَيْفِيَّةِ مَسْحِ الخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ظُهُورِهِمَا فَقَطْ، دُونَ جَنْبَيْهِمَا وَأَسْفَلِهِمَا؛ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، خَرَّجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ: «مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ؛ فَلَا يَصِحُّ.

٢٠- الأَظْهَرُ فِي صِفَةِ مَسْحِ الخُفَّيْنِ، وَلَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ صَرِيحٌ، أَنَّهُ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ المُبَلَّلَتَيْنِ بِالمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ الخُفَّيْنِ جَمِيعًا مَرَّةً فِي آنٍ وَاحِدٍ، بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ؛ لِظَاهِرِ حَدِيثِ المُغِيرَةِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ قَدَّمَ مَسْحَ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى مُرَاعِيًا المُوَالَاةَ فَحَسَنٌ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ عَائِشَةَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَدَأَ بِاليُسْرَى صَحَّ المَسْحُ.

٢١- لَا يَصِحُّ الاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِ الخُفِّ؛ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ.

٢٢- إِنْ غَسَلَ الخُفَّيْنِ بَدَلًا مِنَ المَسْحِ جَاهِلًا؛ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ وَهُوَ يَعْلَمُ السُّنَّةَ؛ فَبِدْعَةٌ مَرْدُودَةٌ.

٢٣- لَا يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُ ظَاهِرِ الخُفِّ بِالمَسْحِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ مَسَحَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ المَسْحُ أَجْزَأَهُ.

٢٤- لَا يَنْزِعُ الخُفَّيْنِ لِحَدَثٍ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَمِثْلُهُ الحَيْضُ، فَيَخْلَعُهُمَا؛ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ الصَّحِيحِ، خَرَّجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ نَزْعِهِمَا فَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا.

٢٥- يَصِحُّ غَسْلُ القَدَمَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ المَسْحُ عَلَيْهِمَا إِلَّا وَتَحْتَهُمَا مَا يَسْتُرُ القَدَمَيْنِ مِنَ الجَوَارِبِ أَوْ غَيْرِهَا.

وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.