صِفَةُ الوُضُوءِ مُقَدِّمَة الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْوُضُوءَ عُبُودِيَّةٌ يَوْمِيَّةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، فَيَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَلَى صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِيَتَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأَ. وَقَدْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ "نَصْبُ الرَّايَةِ": (الَّذِينَ رَوَوْا صِفَةَ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّحَابَةِ عِشْرُونَ نَفَرًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، وَالرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ، وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرَةَ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، وَنُفَيْرٌ أَبُو جُبَيْرٍ الْكِنْدِيُّ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَعَائِشَةُ، وَأَنَسٌ، وَكَعْبُ بْنُ عَمْرٍو اليَمَامِيُّ، وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأَبُو كَاهِلٍ). ثُمَّ شَرَعَ فِي تَخْرِيجِهَا وَالكَلَامِ عَلَيْهَا. فَالعَجْزُ كُلُّ العَجْزِ: أَنْ يَجْهَلَ المُسْلِمُ صِفَةَ وُضُوءِ الحَبِيبِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَعَ حَاجَتِهِ إِلَى الوُضُوءِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ تَقْرِيبًا إِلَى أَنْ يَمُوتَ. أَزِلْ أَثَرَ الشَّيْطَانِ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَلَوْ لَمْ يُرِدِ الوُضُوءَ: تَطْهِيرًا لِلْخَيْشُومِ. وَيَتَأَكَّدُ إِذَا أَرَادَ الوُضُوءَ؛ لِرِوَايَةِ البُخَارِيِّ: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ). اسْتَنْثِرْ إِذَا اسْتَيْقَظْتَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، حَتَّى وَإِنْ تَيَمَّمْتَ بَدَلَ الوُضُوءِ، وَذَلِكَ لِإِزَالَةِ أَثَرِ الشَّيْطَانِ. خَطَأٌ شَائِعٌ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أَنَّهَا قَالَتْ: «مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَغْسِلُوا عَنْهُمْ أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، فَإِنَّا نَسْتَحِي مِنْهُمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. ولَيْسَ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ وَالنَّوْمِ وَأَكْلِ لَحْمِ الجَزُورِ وَنَحْوِهَا: اسْتِنْجَاءٌ، وَإِنَّمَا الوُضُوءُ بِدَايَةً مِنَ الكَفَّيْنِ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: "لَيْسَ فِي الرِّيحِ اسْتِنْجَاءٌ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". انتهى. فَالاسْتِنْجَاءُ فَقَطْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنَ القُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ، وَإِذَا أَرَادَ الوُضُوءَ، فَلَا حَاجَةَ لِغَسْلِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى. هَلْ يُجْزِئُ الاسْتِجْمَارُ؟ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ، فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ حَسَنٌ. فَالاسْتِجْمَارُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ مَنَادِيلَ، ثَلَاثَ مَسْحَاتٍ مُزِيلَةٍ لِأَثَرِ البَوْلِ أَوِ الغَائِطِ: تَكْفِي عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالمَاءِ، وَإِنِ اسْتَعْمَلَ المَاءَ فَحَسَنٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}، فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: إنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ». فأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. سُنَّةٌ حِينَ تَسْتَيْقِظُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا - وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ -؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي: أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرِ الْعَدَدَ، وَفِي لَفْظٍ لِأَصْحَابِ السُّنَنِ، وَسَاقَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهَا: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ». وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ، سَاقَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهَا: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلْوُضُوءِ حِينَ يُصْبِحُ». وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَالنَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: إِلَى أَنَّ أَمْرَهُ لِلْوُجُوبِ، وَنَهْيَهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ غَمْسَهَا حَرَامٌ بَعْدَ نَوْمِ اللَّيْلِ، مَكْرُوهٌ بَعْدَ نَوْمِ النَّهَارِ. وَالْجُمْهُورُ اسْتَحَبُّوا غَسْلَهَا عَقِبَ كُلِّ نَوْمٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَذِكْرُ اللَّيْلِ لِلتَّغْلِيبِ، وَخَصَّهُ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ بِنَوْمِ اللَّيْلِ. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُمَا وَلَوْ لَمْ يُرِدِ الْوُضُوءَ؛ لِرِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ، وَلِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي: أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ). زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ: "مِنْهُ". قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ رُوَاتُهَا ثِقَاتٌ، وَلَا أَرَاهَا مَحْفُوظَةً. وَيَتَأَكَّدُ غَسْلُهُمَا لِلْوُضُوءِ؛ لِتَقْيِيدِهِ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِئْسَ البِدْعَةُ هَذِهِ! عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى). رَوَاهُ الجَمَاعَةُ. وَمَعْنَاهُ: كُلُّ عَمَلٍ اخْتِيَارِيٍّ بِنِيَّةٍ، وَمَحَلُّهَا القَلْبُ؛ فَالتَّلَفُّظُ بِهَا مِثْلَ: نَوَيْتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، أَوْ أَنْ أُصَلِّيَ، وَغَيْرَهَا مِنَ العِبَادَاتِ: بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ نَقْصٌ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي أَوَّلِهِ: نَوَيْتُ رَفْعَ الحَدَثِ وَلَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ حَرْفٌ وَاحِدٌ، لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ. لِطَرْدِ الوَسْوَسَةِ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: "ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ" لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ فَقَطْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ القَطَّانِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالعِرَاقِيُّ، وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ. وَهَذَا فِي الأَمَاكِنِ الَّتِي يَحْتَبِسُ فِيهَا البَوْلُ، فَإِنَّ التَّبَوُّلَ فِيهَا، ثُمَّ الوُضُوءَ أَوِ الاغْتِسَالَ بَعْدَهُ فِي نَفْسِ المَكَانِ: يَفتَحُ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ بَابَ الشَّكِّ فِي وُصُولِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَةِ لِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، فَأَمَّا دَوْرَاتُ المِيَاهِ وَالأَمَاكِنُ الَّتِي فِيهَا تَصْرِيفٌ فَلَا نَهْيَ فِيهَا؛ لِأَنَّ البَوْلَ يَنْصَرِفُ فِي المِرْحَاضِ وَنَحْوِهِ. لِقَطْعِ الوَسْوَسَةِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَنَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَقَدْ حَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ، وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ لِشَوَاهِدِهِ. وَلِابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَّمَنِي جِبْرَائِيلُ الْوُضُوءَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْضَحَ تَحْتَ ثَوْبِي، لِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَوْلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَنْضَحُ فَرْجَهُ حَتَّى يَبُلَّ سَرَاوِيلَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ أَوْ سَرَاوِيلَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ، قَطْعًا لِلْوَسْوَاسِ، حَتَّى إذَا شَكَّ حَمَلَ الْبَلَلَ عَلَى ذَلِكَ النَّضْحِ، مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خُرُوجَ البَوْلِ. أَذْكَارُ الوُضُوءِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَالأَذْكَارُ تَوْقِيفِيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى وُضُوئِهِ شَيْئًا غَيْرَ التَّسْمِيَةِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي أَذْكَارِ الوُضُوءِ الَّذِي يُقَالُ عَلَيْهِ: فَكَذِبٌ مُخْتَلَقٌ، لَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا عَلَّمَهُ لِأُمَّتِهِ، وَلَا ثَبَتَ عَنْهُ غَيْرُ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ) فِي آخِرِهِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي "سُنَنِ النَّسَائِيِّ"، مِمَّا يُقَالُ بَعْدَ الوُضُوءِ أَيْضًا: (سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ). مَا يُقَالُ عِنْدَ الوُضُوءِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ! فقَالَ عُمَرُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ – الْوَضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «مَنْ تَوَضَّأَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». وَلِأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: (ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ)، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: (ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ). وَأَعَلَّهَا ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهَا ابْنُ المُلَقِّنِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ زِيَادَةُ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ). وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا البَابِ كَبِيرُ شَيْءٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: «وَأَبُو إِدْرِيسَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا». انْتَهَى. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ضَعَّفَهَا ابْنُ القَطَّانِ، وَابْنُ حَجَرٍ، وَابْنُ المُلَقِّنِ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ مَنْدَهْ، وَابْنُ القَيِّمِ. وَلَا أَصْلَ لِزِيَادَةِ: "الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، بَعْدَ "المُتَطَهِّرِينَ". وَقَالَ المُبَارَكْفُورِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ ضِعَافٌ؛ مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: "مَنْ تَوَضَّأَ، فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ فِي رَقٍّ، ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ، فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَالْمَرْفُوعُ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَهُوَ صَحِيحٌ، كَمَا حَقَّقَ ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي "التَّلْخِيصِ". قَالَ مُقَيِّدُهُ: "رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَصَوَّبَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ مَرْفُوعًا: الحَاكِمُ، وَابْنُ القَيِّمِ، وَابْنُ المُلَقِّنِ، وَحَسَّنَهُ المُنْذِرِيُّ". وَحَسَّنَ الحَازِمِيُّ إِسْنَادَ المَوْقُوفِ، وَضَعَّفَ المَرْفُوعَ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: كِلَاهُمَا ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَسَمِعْتُهُ يَدْعُو يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَقَدْ سَمِعْتُكَ تَدْعُو بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ مِنْ شَيْءٍ؟». قَالَ ابْنُ المُلَقِّنِ: "رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَاحِبُهُ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي كِتَابَيْهِمَا: «عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «الْأَذْكَارِ»: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَهَذَا الذِّكْرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَهُ". انْتَهَى. وَلَمْ يَثْبُتِ الحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ الدُّعَاءُ لِكُلِّ عُضْوٍ. وَاللهُ أَعْلَمُ. التَّسْمِيَةُ فِي الْحَمَّامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ). لَا بَأْسَ بِهِ، فَلَهُ شَوَاهِدُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا لَهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَقَدْ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: "إِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ". انْتَهَى. وَلَا مَانِعَ مِنَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ فِي الْمَغَاسِلِ، وَيُسَمِّي دَاخِلَ الْحَمَّامِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَمِّي قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ يَنْوِيهَا بِقَلْبِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْوُضُوءُ وَالسِّوَاكُ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاَةٍ بِوُضُوءٍ، وَمَعَ كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ، وَأَشَارَ الْهَيْثَمِيُّ إِلَى تَحْسِينِهِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ: (لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ). وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالنَّوَوِيُّ، وَابْنُ حَجَرٍ. وَهُوَ دَالٌّ عَلَى فَضْلِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَفَضْلِ السِّوَاكِ مَعَ الْوُضُوءِ، عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ". عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ الْمُلَقِّنِ. فَرْكُ الْأَسْنَانِ بِالْأَصَابِعِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ رَغَّبْتَنَا فِي السِّوَاكِ، فَهَلْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: (أُصْبُعَاكَ سِوَاكٌ عِنْدَ وُضُوئِكَ، تُمِرُّهُمَا عَلَى أَسْنَانِكَ). قَالَ الْعِرَاقِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ أَنَسٍ غَيْرُ مُسَمًّى، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِأَنَّهُ النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَفْظُهُ: "يُجْزِئُ مِنَ السِّوَاكِ الْأَصَابِعُ"، وَفِيهِ عِيسَى بْنُ شُعَيْبٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ: إِنَّهُ صَدُوقٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ يُخْطِئُ حَتَّى فَحُشَ خَطَؤُهُ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ. انْتَهَى. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي مَطَرٍ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، دَعَا قَنْبَرًا، فَقَالَ: ائْتِنِي بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، فَأَدْخَلَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ فِي فِيهِ ... وَذَكَرَ بَقِيَّةَ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَضَّأَ اسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ، وَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي فَمِهِ ...». قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ وَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ. فَالسُّنَّةُ السِّوَاكُ لَا الْأَصَابِعُ، وَقِيلَ: تَقُومُ الْأَصَابِعُ مَقَامَ السِّوَاكِ. وَقِيلَ: تَقُومُ عِنْدَ فَقْدِ السِّوَاكِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. تَحْرِيكُ الخَاتَمِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إذَا تَوَضَّأَ حَرَّكَ خَاتَمَهُ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ البُوصِيرِيُّ وَنَحْوَهُ الشَّوْكَانِيُّ: "هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؛ لِضَعْفِ مَعْمَرٍ وَأَبِيهِ". وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: "وَالاعْتِمَادُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ". وَقَدْ رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَسَلَّامِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَإِنَّ مِمَّا يَسُوغُ تَحْرِيكُهُ الخَاتَمَ وَالسَّاعَةَ وَالأَسَاوِرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الحِلَقِ الضَّيِّقَةِ فِي اليَدِ وَالرِّجْلِ، إِذَا كَانَتْ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ المَاءِ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ تَمْنَعُ، فَيَجِبُ تَحْرِيكُهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ. الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ جَائِزَانِ وَصْلًا بَيْنَهُمَا بِمَاءٍ وَاحِدٍ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ وَكَفٍّ وَاحِدٍ، وَفَصْلًا بِمَاءَيْنِ، يُفْرِدُ الْمَضْمَضَةَ بِغَرْفَةٍ، وَالِاسْتِنْشَاقَ بِغَرْفَةٍ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ؛ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفَصْلَ أَفْضَلُ، فَيَأْخُذُ غَرْفَةً يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يَأْخُذُ غَرْفَةً أُخْرَى يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا. وَقِيلَ: يَأْخُذُ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ لِلْمَضْمَضَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ لِلِاسْتِنْشَاقِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَصْلَ أَفْضَلُ، فَيَأْخُذُ غَرْفَةً يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ غَرْفَةً ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً كَذَلِكَ. وَهَذِهِ أَرْجَحُ الصِّفَاتِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ. وَقِيلَ: يَأْخُذُ غَرْفَةً وَاحِدَةً يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا، وَيَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا، فَفِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ». وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ». وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَرْفَةَ لَا تَكْفِي لِهَذَا الْعَدَدِ. وَأَصْرَحُ دَلِيلٍ لِلْفَصْلِ: حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ الْمُلَقِّنِ، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَالْقَطَّانُ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ أَنْكَرَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. تَعَاهَدْ هَذِهِ السُّنَّةَ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَنَفَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا طُهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ النَّوَوِيُّ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ: أَنْ يَسْتَنْشِقَ بِالْيَمِينِ، وَيَسْتَنْثِرَ بِالْيَسَارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ طَرْحُ المَاءِ وَالأَذَى مِنَ الأَنْفِ بَعْدَ الاسْتِنْشَاقِ. سُنَّةٌ يَتَهَاوَنُونَ فِيهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا؛ أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ... ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ: وَكَانَ هَدْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَصْلَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. وَفِي لَفْظٍ: تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ. فَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَلَمْ يَجِئِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَلْبَتَّةَ. انتهى. سُنَّةٌ دَاوِمْ عَلَيْهَا! رَوَى الدُّولَابِيُّ، عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَوَضَّأْتَ فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا». قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: وَهَذَا صَحِيحٌ. انتهى. وَصَحَّ عَنْ لَقِيطٍ مَرْفُوعًا: (أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ. مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الوُضُوءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ -، وَقَدْ أَهْرَاقَ الْمَاءَ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ، حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلَا أُرِيكَ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَأَصْغَى الْإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ، فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أَلْقَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ، فَتَرَكَهَا تَسْتَنُّ (فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: تَسِيلُ) عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ، وَفِيهَا النَّعْلُ فَفَتَلَهَا بِهَا، ثُمَّ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَضْعِيفِهِ وَتَحْسِينِهِ. وَمِنْ كِتَابِ "عَوْنِ المَعْبُودِ" المَسَائِلُ التَّالِيَةُ: - مَسْأَلَةٌ: فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: "فَصَكَّ بِهِ وَجْهَهُ"، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ: "اسْتِحْبَابُ صَكِّ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ لِلْمُتَوَضِّئِ". - مَسْأَلَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ، أَنْ يَضَعَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ عَلَى جَبْهَتِهِ؛ لِيَتَحَدَّرَ عَلَى وَجْهِهِ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ فَضَّلَ ماءً حَتَّى يُسَيِّلَهُ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ غَرْفَةٍ مِنَ الْمَاءِ عَلَى النَّاصِيَةِ، لَكِنْ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، لَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ عَقِيبَ الْفَرَاغِ مِنَ الْوُضُوءِ. قُلْتُ: دَلِيلُ مَا يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ: حَدِيثُ الْحَسَنَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. - مَسْأَلَةٌ: اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ الْمَسْحَ وَهُمُ الرَّوَافِضُ، وَمَنْ خَيَّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَسْلِ، وَلَا حُجَّةَ؛ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَفْنَةَ وَصَلَتْ إِلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَبَطْنِهِ، لِدَلَائِلَ قَاطِعَةٍ بِالْغَسْلِ. انتهى. - وَلِابْنِ القَيِّمِ تَعْلِيقٌ نَفِيسٌ عَلَى الحَدِيثِ، فَلْيُرَاجَعْ. عَرْكُ العَارِضَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْضَ الْعَرْكِ، ثُمَّ شَبَّكَ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ مِنْ تَحْتِهَا». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَلَهُ عِلَلٌ. وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ الْمَوْقُوفَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: لِلْحُفَّاظِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابُ تَرْجِيحٍ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ حَسَنًا. وَذَكَرَهُ ابْنُ السَّكَنِ فِي «صِحَاحِهِ». فَدَلْكُ الْعَارِضَيْنَ فِي الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ. وَجَمِيعُ شُعُورِ الْوَجْهِ: كَاللِّحْيَةِ، وَالشَّارِبِ، وَالْعَنْفَقَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ، مَا كَانَ مِنْهَا خَفِيفًا يُرَى مِنْهُ الْبَشَرَةَ، يَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ مِنْهُ إِلَى الْبَشَرَةِ، وَمَا كَانَ كَثِيفًا لَا يُرَى مِنْهُ الْبَشَرَةَ، يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ، وَيُسْتَحَبُّ الدَّلْكُ وَالتَّخْلِيلُ. غَسْلُ المَأْقَيْنِ قَالَ المَجْدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ "المُنْتَقَى": بَابُ تَعَاهُدِ الْمَأْقَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غُضُونِ الْوَجْهِ بِزِيَادَةٍ مَا. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ: وَكَانَ يَتَعَاهَدُ الْمَأْقَيْنِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: الْحَدِيثُ أَخَرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَيْضًا، بِلَفْظِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ، وَكَانَ يَمْسَحُ الْمَأقَيْنِ»، وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي "التَّلْخِيصِ"، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ عِلَّةً وَلَا ضَعْفًا، وَقَالَ فِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ": رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، مِنْ طَرِيقِ سُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. قَوْلُهُ: (الْمَأْقَيْنِ): مُؤْقُ الْعَيْنِ: مَجْرَى الدَّمْعِ مِنْهَا، أَوْ مُقَدَّمُهَا أَوْ مُؤَخَّرُهَا، كَذَا فِي الْقَامُوسِ. انْتَهَى. أَمَّا مُرُورُ السَّبَّابَتَيْنِ عَلَى الْمَأْقَيْنِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ، دُونَ تَكَلُّفٍ وَلَا غَسْلٍ دَاخِلَ الْعَيْنَيْنِ: فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: "لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْوَجْهَ الْمَفْرُوضَ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ: مَا ظَهَرَ دُونَ مَا بَطَنَ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَغْسِلَ عَيْنَيْهِ، وَلَا أَنْ يَنْضَحَ فِيهِمَا". وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: "ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ: غَسْلَ دَاخِلَ الْعَيْنَيْنِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ عَمِيَ مِنْ كَثْرَةِ إِدْخَالِ الْمَاءِ فِي عَيْنَيْهِ". غَسْلُ اللِّحْيَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ، فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا فِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ». أَخَرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مُكَفِّرٌ لِلْخَطَايَا الصَّغَائِرِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ عَلَى عُمُومِهِ، وَأَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ مِنَ اللِّحْيَةِ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ: يَجِبُ. سُنَّةٌ لِلْمُلْتَحِينَ ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أنَّ رَسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَخَلَّلَ لِحيَتَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وِصَفَةُ التَّخْلِيلِ: إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْوُضُوءِ. غَسْلُ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّهُ تَوَضَّأَ، وَفِيهِ: أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا؛ أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ... الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتَوَضَّأُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الحَدِيثِ عَلَى أَنَّ اللِّحْيَةَ العَظِيمَةَ لَا يُشْتَرَطُ غَسْلُ بَاطِنِهَا؛ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُهَا، وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الغَرْفَةَ الوَاحِدَةَ لَا يَحْصُلُ بِهَا إِسْبَاغُ غَسْلِ الوَجْهِ وَبَاطِنِ اللِّحْيَةِ الكَثِيفَةِ. وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. سُنَّةٌ هَجَرَهَا الكَثِيرُ ثَبَتَ عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ، قَالَ: أَسْبِغِ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ). رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. يَعْنِي: أَصَابِعَ اليَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَثَبَتَ عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَضَّأَ دَلَّكَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَحَسَّنَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ. تَكْرَارُ التَّخْلِيلِ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَاسْتَنْشَقَ وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهُمَا وَبَاطِنِهُمَا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ ثَلَاثًا حِينَ غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: "هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، قَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ غَيْرَ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِي عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ طَعْنًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ". قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَوَضَّأَ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ مِنْ تَحْتِهَا». وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي «عِلَلِهِ». ثُمَّ خَرَّجَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ شَوَاهِدَهُ، وَقَالَ: فَهَذَا اثْنَا عَشَرَ شَاهِدًا لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَالْأَئِمَّةُ قَدْ صَحَّحُوهُ: التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَإِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي «صَحِيحَيْهِمَا»، وَالدَّارَقُطْنِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي «مُسْتَدْرَكِهِ»، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدَّينِ بْنُ الصَّلَاحِ، وَشَهِدَ لَهُ إِمَامُ هَذَا الْفَنِّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَبِأَنَّهُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، فَلَعَلَّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ حَدِيثٌ، وَمِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ سَأَلَهُ ابْنُهُ: لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ شَيْءٌ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ غَيْرَ حَدِيثِ عُثْمَانَ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدَّينِ فِي «الْإِمَامِ»: "ذُكِرَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ: تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ قَدْ رُوِيَ فِيهِ أَحَادِيثُ، لَيْسَ يَثْبُتُ فِيهَا حَدِيثٌ، وَأَحْسَنُ شَيْءٍ فِيهِ: حَدِيثُ شَقِيقٍ عَنْ عُثْمَانَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ". التَّخْلِيلُ ثَلَاثًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ خَلَّلَ أَصَابِعَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ». قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي «سُنَنِهِ» بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَهُوَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَلَفْظُهُ: "وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَأَصَابِعَ الرِّجْلَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ". وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ. وَعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَاسْتَنْثَرَ، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُ بِأَصَابِعِهِ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَلَا أَدْرَكَهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ، وَالْأَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ، وَمَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى أَنَّهُ يُفْعَلُ أَحْيَانًا. وَاسْتِحْبَابُ التَّخْلِيلِ عَامٌّ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلِ الْمَاءُ إِلَّا بِالتَّخْلِيلِ: وَجَبَ. وَفِي صِفَةِ التَّخْلِيلِ شَيْءٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ خَلَّلَ الْأَصَابِعَ أَجْزَأَهُ كَالتَّشْبِيكِ. إِلَّا أَنَّ تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الْقَدَمَيْنِ بِالْخِنْصَرِ، رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي سَنَدِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ؛ لِذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ". وَقَدْ تُوبِعَ ابْنُ لَهِيعَةَ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ - وَذَكَرَ الْحِكَايَةَ - إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَظُنُّهُ غَلَطًا مِنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ". وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: الْأَحَبُّ فِي كَيْفِيَّةِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ: أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ الْيَدِ الْيُسْرَى مِنْ أَسْفَلِ الْأَصَابِعِ، مُبْتَدِئًا بِخِنْصَرِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، مُخْتَتِمًا بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. خَطَأٌ فِي الْوُضُوءِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْمُتَوَضِّئُ غَسْلَ الْيَدِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، مِنْ رُؤُوسِ الْأَصَابِعِ إِلَى الْمِرْفَقِ، فَمَنْ لَمْ يَغْسِلْ الْكَفَّيْنِ اكْتِفَاءً بِغَسْلِهِمَا بِدَايَةَ الْوُضُوءِ: فَوُضُوؤُهُ بَاطِلٌ. هَلْ يَغْسِلُ المِرْفَقَ وَالكَعْبَ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَسُمِّيَ النُّورُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: غُرَّةً وَتَحْجِيلًا. وَقَدْ دَلَّ الحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يَغْسِلُ المِرْفَقَ وَالكَعْبَ وَمَا يَلِيهِمَا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: (فَمَنْ اسْتَطَاعَ ... إلخ) مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ. مَسْحُ الرَّأْسِ وَالأُذُنَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: "أَتُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَاغْتَرَفَ غَرْفَةً بِيَدِهِ اليُمْنَى، فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَجَمَعَ بِهَا يَدَيهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ المَاءِ، ثمَّ نَفَضَ يَدَهُ، ثمَّ مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِيِّ. فَدَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ أَخْذِ المَاءِ لِمَسْحِ الرَّأْسِ وَالأُذُنَيْنِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ مَسْحُ الرَّأْسِ بِفَضْلِ مَاءِ اليَدَيْنِ، فَلَفْظُ البُخَارِيِّ: (ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ). صِفَةُ مَسْحِ الرَّأْسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَسَنٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ، فَكَفَأَهُ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَيُسْتَوْعَبُ الرَّأْسُ أَوْ أَكْثَرُهُ بِالْمَسْحِ، وَلَا يَجِبُ مَسْحُ الْمُسْتَرْسِلِ، وَالْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ. تَعْمِيمُ الْمَسْحِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ عِنْدَهَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ فَوْقِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ حُسِّنَ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهَا، قَالَتْ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتَوَضَّأُ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً». قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ: يَبْدَأُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ مُتَّجِهًا إِلَى مُؤَخَّرِهِ مَعَ مَسْحِ جَوَانِبِهِ، أَوْ يَبْدَأُ مِنْ وَسَطِ الرَّأْسِ وَيَنْزِلُ إِلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ يَبْدَأُ مِنْ وَسَطِ الرَّأْسِ وَيَنْزِلُ إِلَى مُؤَخَّرِهِ مَعَ مَسْحِ جَوَانِبِهِ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ: كَيْفَ تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ وَمَنْ لَهُ شَعْرٌ طَوِيلٌ كَشَعْرِهَا؟ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ مَسَحَ كَمَا رُوِيَ عَنْ الرُّبَيِّعِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ ثُمَّ جَرَّهَا إِلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ رَفَعَهَا فَوَضَعَهَا حَيْثُ بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ جَرَّهَا إِلَى مُؤَخَّرِهِ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَنْ لَهُ شَعْرٌ طَوِيلٌ، إِذْ لَوْ رَدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ لِيَصِلَ الْمَاءُ إِلَى أُصُولِهِ يَنْتَفِشُ، وَيَتَضَرَّرُ صَاحِبُهُ بِانْتِفَاشِهِ وَانْتِشَارِ بَعْضِهِ. مَسْحُ الرَّأْسِ بِالْيَدَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ: (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ، وَأَدْبَرَ بِهِمَا)، وَفِي رِوَايَةٍ: (بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ، وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ صُحِّحَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا - وَقَدْ صُحِّحَ -: أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ، حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ. وَفِي السُّنَنِ أَيْضًا - وَقَدْ حُسِّنَ -: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي وَصْفِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، .... الْحَدِيث، وَفِيهِ: (ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ). وَالْمَقْصُودُ: مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ بِكَفَّيْهِ، مُبَلَّلَةً بِالْمَاءِ، مَرَّةً وَاحِدَةً، ذَهَابًا وَإِيَابًا. تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: «مَسَحَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَأْسَهُ فِي الْوُضُوءِ، حَتَّى أَرَادَ أَنْ يَقْطُرَ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا يَتَوَضَّأُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الْمُلَقِّنِ إِسْنَادَهُ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى تَبْلِيلِ الرَّأْسِ بِمَا عَلِقَ فِي الْكَفَّيْنِ مِنْ الْمَاءِ. وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ، خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ: يُمْسَحُ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَدِ احْتَجُّوا بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ «غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا»، ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ هَذَا». وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَالنَّوَوِيُّ، وَابْنُ الْمُلَقِّنِ، وَقَالَ: "ذِكْرُ مَسْحِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا قَدْ وَرَدَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ غَيْرِ حَدِيثِ عُثْمَانَ؛ مِنْهَا: حَدِيثُ عَلّيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ". وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ مَاءً، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، فَغَسَلَ بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "أَحَادِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الصِّحَاحُ، كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مَرَّةٌ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا، وَقَالُوا فِيهَا: "وَمَسَحَ رَأْسَهُ"، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا كَمَا ذَكَرُوا فِي غَيْرِهِ". وَوَافَقَ أَبَا دَاوُدَ كَثِيرٌ مِنْ حُذَّاقِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ غَرِيبَةٍ، عَنْ عُثْمَانَ: (وَفِيهَا مَسْحُ الرَّأْسِ ثَلَاثًا)، إِلَّا أَنَّهَا - مَعَ خِلَافِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ - لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّ بِهَا. كَيْفَ تُمْسَحُ الأُذُنَانِ؟ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ مَنْدَهْ. وَلِلنَّسَائِيِّ: «مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، بَاطِنَهُمَا بِالْمُسَبِّحَتَيْنِ، وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ». وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيْ كَرِبَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ فِي وُضُوئِهِ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ». قَالَ الْحَافِظُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وعَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالصُّدْغُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالشَّعْرِ الْمُتَدَلِّي عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. فَالسُّنَّةُ فِي مَسْحِ الأُذُنَيْنِ: أَنْ يُمْسَحَا مَعَ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً، دُونَ أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ لَهُمَا، وَأَنْ يُمْسَحَا بِنَفْسِ الصِّفَةِ المَذْكُورَةِ. حُكْمُ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ لَقَدْ وَاظَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَوَاظَبَ عَلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ، وَهَذِهِ الدَّيْمُومَةُ مُفَسِّرَةٌ لِغَسْلِ الْوَجْهِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ ذَلِكَ، فَقَالَ بِالْوُجُوبِ الْحَنَابِلَةُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَالرَّاجِحُ الْوُجُوبُ، وَمَنْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ أَوْ مَسَحَ الْأُذُنَيْنِ، فَصَلَّى: لَمْ يُعِدِ، اسْتِئْنَاسًا بِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: (تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَخْذُ مَاءٍ لِلْأُذُنَيْنِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَقُولُ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أُذُنَيْهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ». رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: هَذَا صَحِيحٌ. وَفِي كِتَابِهِ «عُلُومِ الْحَدِيثِ»، قَالَ: هَذِهِ سُنَّةٌ غَرِيبَةٌ، تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ مِصْرَ، وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ. وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْمُلَقِّنِ. وَالرَّاجِحُ فِيهِ، أَنَّهُ: «مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ»، وَهُوَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ. وَسِيَاقُ مُسْلِمٍ، بَلْ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، تُؤَيِّدُ تَجْدِيدَ الْمَاءِ لِلرَّأْسِ لَا لِلْأُذُنَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا ابْنُ حَجَرٍ. وَمَا وَرَدَ فِي أَخْذِ مَاءٍ لِلْأُذُنَيْنِ فَشَاذٌّ، فَالْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ، يُمْسَحَانِ مَعَهُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ". وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعِ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ". فَكُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ ذِكْرٍ فِي الْوُضُوءِ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ وَالْبِدَعِ الْمَرْدُودَةِ؛ فَإِنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ تَوْقِيفِيَّةٌ، لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا. وَمِثَالُ ذَلِكَ: مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ اسْتِحْبَابِ مَسْحِ الرَّقَبَةِ، مَعَ بُطْلَانِ مَا رُوِيَ فِيهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْحِ الرَّقَبَةِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ هُوَ سُنَّةً؛ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ. إِنْقَاءُ الْأَعْضَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ: «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَوَضَّأَ، فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ التَّرْتِيبُ بِتَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ، ثُمَّ الِاسْتِنْشَاقِ، ثُمَّ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَسْحِ الرَّأْسِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَتَنْظِيفِ الْقَدَمَيْنِ مِنَ الْأَوْسَاخِ وَالْأَقْذَارِ، وَيَلْحَقُ بِهَا كُلُّ مَغْسُولٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إِسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى الْجَبْهَةِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ فَضَّلَ مَاءً حَتَّى يُسَيِّلَهُ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ». قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ بِالْمَاءِ، حَتَّى سَيَّلَهُ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ». قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ: يُسْتَحَبُّ إِسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى الْجَبْهَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْوُضُوءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الْوَجْهِ؛ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَصِفُ وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ، فَـ "أَخَذَ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ حُسِّنَ. فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ أَحْيَانًا لَا دَائِمًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الشُّرْبُ مِنَ الوُضُوءِ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ حَضَرَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ، فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ «فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ»، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قِيَامًا، «وَإِنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ، فَقَالَ: شَرِبَ فَضْلَةَ وُضُوئِهِ قَائِمًا كَمَا شَرِبْتُ". وَثَبَتَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ، قَالَ: "رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَ وُضُوئِهِ، وَقَالَ: (صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - كَمَا صَنَعْتُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، عَلَى أَنَّ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ: أَنْ يَشْرَبَ الْمُتَوَضِّئُ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنَ الْوُضُوءِ، مِنَ الْمَاءِ الَّذِي زَادَ فِي الإْنَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَدُلُّ عَلَى الاسْتِحْبَابِ، وَلَكِنْ يَدُلُّ عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّرْبِ قَائِمًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ لِلْقَائِمِ، وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ أَحَادِيثَ صَرِيحَةً فِي النَّهْيِ عَنْهُ مِنْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ". وَاللهُ أَعْلَمُ. الاغْتِرَافُ وَالصَّبُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا - يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا -، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ... إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَكْفَأَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا ... الحديث. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي بَعْضِهَا يَدَيْهِ، وَفِي بَعْضِهَا يَدَهُ فَقَطْ، وَفِي بَعْضِهَا يَدَهُ وَضَمَّ الْأُخْرَى إلَيْهَا، فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّهَا سُنَّةٌ". هَلْ يَكْفِي صَبُّ المَاءِ عَلَى العُضْوِ؟ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَوَضَّأَ، فَجَعَلَ يَقُولُ هَكَذَا: يَدْلُكُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِثُلُثَيْ مُدٍّ، فَجَعَلَ يَدْلُكُ ذِرَاعَيْهِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. فَالجُمْهُورُ يَقُولُونَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَعُمَّ المَاءُ العُضْوَ فِي غُسْلِ الجَنَابَةِ أَوْ فِي الوُضُوءِ، بِغَمْسِهِ فِي المَاءِ أَوْ إِجْرَاءِ المَاءِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ الدَّلْكُ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ إِمْرَارُ اليَدِ عَلَى العُضْوِ، وَاشْتَرَطَ الإِمَامُ مَالِكٌ الدَّلْكَ، وَقَوْلُ الجُمْهُورِ أَرْجَحُ. فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ». رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَلَكِنْ صَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوُهُ وَصَحَّحَهُ. تَرْتِيبُ الوُضُوءِ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ). فَظَاهِرُ الآيَةِ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الأَعْضَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ حَزْمٍ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا. وَأَمَّا البَدْءُ بِاليَمِينِ، فَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ الدَّائِمِ. وَثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ، فَابْدَؤُوا بِأَيَامِنِكُمْ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (بِمَيَامِنِكُمْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَابْنُ المُلَقِّنِ، وَابْنُ حَجَرٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّيَامُنَ سُنَّةٌ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالوُجُوبِ، وَقَدْ حُكِيَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، وَرَجَّحَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -، وَقَوْلُ الجُمْهُورِ قَوِيٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّ ابْنَ المُنْذِرِ وَابْنَ قُدَامَةَ وَالنَّوَوِيَّ وَغَيْرَهُمْ حَكَوْهُ إِجْمَاعًا. وَاللهُ أَعْلَمُ. المُوَالَاةُ فِي الوُضُوءِ لَقَدْ وَاظَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُضُوئِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ. وَمَعْنَى الْمُوَالَاةِ: تَتَابُعُ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ تَفْرِقَةٍ طَوِيلَةٍ بَيْنَهَا؛ كَأَنْ يَنْشَفَ الْعُضْوُ فِي الْجَوِّ الْمُعْتَدِلِ قَبْلَ غَسْلِ الْعُضْوِ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ الْقَصِيرَةُ فَلَا تَضُرُّ إِجْمَاعًا. وَأَمَّا الطَّوِيلَةُ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ، وَدَاوُدُ: إِلَى أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ: إِنْ فَرَّقَ بِعُذْرٍ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَعَنْ جَابِرٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ»، فَرَجَعَ، ثُمَّ صَلَّى". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ: «فَرَجَعَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى». وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَتَوَضَّأُ، فَتَرَكَ مَوْضِعَ الظُّفْرِ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ». وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ مِثْلَ الظُّفْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي «خِلَافِيَّاتِهِ»، وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ». وَخَرَّجَهُ أَحْمَدُ، «عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بَقِيَّةُ بِالتَّحْدِيثِ، فَثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ وَبِشَوَاهِدِهِ. وَقَدْ جَوَّدَ إِسْنَادَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَابْنُ عَبْدِ الْهَادِي، وَوَثَّقَ رِجَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالْإِرْسَالِ: الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَمْ يُغْسَلُ العُضْوُ؟ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً مَرَّةً". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَعَنْهُ: الوُضُوءُ ثَلَاثًا، إِلَّا اليَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ. وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مَرَّةً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْقَطَّانِ: صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ. وقَالَ النَّوَوِيُّ: قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَعَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ، وهِيَ الْكَمَالُ. الِاتِّبَاعُ فِي الْحَدِّ وَالْعَدَدِ ثَبَتَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: "أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ، فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ - أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: وَإِسْنَادُهُ ثَابِتٌ إِلَى عَمْرٍو، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ: "فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا، فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ". وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: "أَوْ نَقَصَ" غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ. وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي غَسْلِ الْعُضْوِ عَلَى الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ، وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ النَّقْصِ فِي الْعَدَدِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْغَسْلِ عَلَى الْحَدِّ الْوَاجِبِ، وَلَا أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. تَنْشِيفُ الأَعْضَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: «وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلًا، فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ، فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْزِلِنَا ... فَأَمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغُسْلٍ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ، فَاشْتَمَلَ بِهَا). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ المُلَقِّنِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي «جَامِعِهِ»: "بَابُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ"، وَرَوَى تَحْتَهُ أَحَادِيثَ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا البَابِ شَيْءٌ. قَالَ: وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فِي التَّمَنْدُلِ بَعْدَ الوُضُوءِ، وَمَنْ كَرِهَهُ إِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الوُضُوءَ يُوزَنُ. انْتَهَى. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَإِنَّ التَّمَنْدُلَ جَائِزٌ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا: هَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ أَمْ فِعْلُهُ؟ وَالاسْتِحْبَابُ وَالكَرَاهَةُ يَحْتَاجَانِ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَثْبُتُ فِي التَّنْشِيفِ حَدِيثٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ. الوُضُوءُ تَوْقِيفِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَيَضَعَ الْوُضُوءَ؛ يَعْنِي مَوَاضِعَهُ). وعَنْه، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، بِمَعْنَاهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -). وعَنْ رِفَاعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ -). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ صُحِّحَ. وَالمَقْصُودُ: أَنَّ الوُضُوءَ تَوْقِيفِيٌّ، لَا مَجَالَ لِلاجْتِهَادِ فِيهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ. وَكَانَ عَدَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -؛ كَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمْ: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ عَمَلِيًّا صِفَةَ وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا). أَمَرَ تَعَالَى بِالْوُضُوءِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ، كَمَا قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا؛ فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، وَأَكَّدْتْ ذَلِكَ السُّنَّةُ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ؟ قَالَ: "عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ. وَثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ. الاقْتِصَادُ فِي الوُضُوءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى عَدَمِ الإِسْرَافِ فِي الوُضُوءِ مَعَ الإِسْبَاغِ، وَعَلَى الجَمْعِ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ. الاقْتِصَادُ فِي الوُضُوءِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ قَدْرِ ثُلُثَيِ الْمُدِّ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَه أَبُو زُرْعَةَ. وأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، بِلَفْظِ: "تَوَضَّأَ بِنَحْوِ ثُلُثَيْ مُدٍّ". وَمِقْدَارُ المُدِّ: سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وثَمَانُونَ مِلِّي لِتْرًا، وَمِقْدَارُ الصَّاعِ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِلِّي لِتْرًا تَقْرِيبًا. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ حَرَامٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. مَنْ نَوَى الحَدَثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ نَوَيْتَ الحَدَثَ وَأَنْتَ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ تُحْدِثْ، وَعَزَمْتَ عَلَى إِبْطَالِ الوُضُوءِ وَلَمْ تَفْعَلْ، أَوْ أَرَدْتَ النَّوْمَ أَوْ أَكْلَ لَحْمِ الإِبِلِ، أَوْ هَمَمْتَ أَنْ تَخْلَعَ الخُفَّيْنِ وَالجَوْرَبَيْنِ فِي مُدَّةِ المَسْحِ، أَوْ أَنْ تُجَدِّدَ الوُضُوءَ وَتَرَاجَعْتَ، وَإِنْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: فَطَهَارَتُكَ بَاقِيَةٌ، وَوُضُوءُكَ صَحِيحٌ. كَيْفَ تُسْبِغُ الْوُضُوءَ؟ عَنْ حُمْرَانَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: "ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ: هَذَا الْوُضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ لِلصَّلَاةِ. فَالسُّنَّةُ غَسْلُ كُلِّ عُضْوٍ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ، وَأَمَّا مَسْحُ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ: فَمَرَّةٌ وَاحِدَةٌ. المُحَافَظَةُ عَلَى الوُضُوءِ ثَبَتَ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: «لَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَالحَاكِمُ، وَالذَّهَبِيُّ. فَالمُحَافَظَةُ عَلَى الوُضُوءِ بِوَضْعِهِ فِي مَوَاضِعِهِ، وَإِكْمَالِهِ وَإِتْمَامِهِ، وَإِسْبَاغِهِ فِي الحَرِّ وَالبَرْدِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ: عَلَامَةُ صِدْقِ الإِيمَانِ وَقُوَّتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ ضَيَّعَهُ، وَمَنْ أَسَاءَ وَلَمْ يُحْسِنْ. وَكُلَّمَا اتَّبَعَ المُسْلِمُ سُنَّةَ النَّبِيِّ - ﷺ - الفِعْلِيَّةَ وَالقَوْلِيَّةَ فِي الوُضُوءِ، كَانَ أَصْدَقَ إِيمَانًا وَأَقْوَى اتِّبَاعًا؛ لِذَا قِيلَ لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ -، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ ... الحَدِيث. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي المُسْنَدِ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسولِ اللهِ - ﷺ -؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ أَبُو أنَسٍ: وعِنْدَهُ رِجالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - ﷺ -. فَضْلُ الوُضُوءِ وَإِتْمَامِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ). وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ - ﷺ -: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ). وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: (مَنْ أَتَمَّ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَالصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ). وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - يَقُولُ: (مَنْ تَوَضَأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ، أَوْ مَعَ الجَمَاعَةِ، أَوْ فِي المَسْجِدِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ). رَوَاهَا جَمِيعًا مُسْلِمٌ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَضْلِ الوُضُوءِ وَإِحْسَانِهِ. الوُضُوءُ أَيَّامَ الشِّتَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَهُ، فَقَالَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا: «أَتِمُّوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. فَهَذَا الوَعِيدُ الشَّدِيدُ، وَالتَّهْدِيدُ الأَكِيدُ، يَبْعَثُ عَلَى إِسْبَاغِ الوُضُوءِ، وَالتَّحَرِّي فِي غَسْلِ الأَعْضَاءِ، وَتَعْمِيمِهَا بِالمَاءِ، خَاصَّةً فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ القَارِصِ. الوُضُوءُ فِي البَرْدِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ". وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لِطُرُقِهِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَالحَاكِمُ، وَالذَّهَبِيُّ. فَالمُحَافَظَةُ عَلَى الوُضُوءِ مَعَ إِتْمَامِهِ الوَاجِبِ: مُعْلِمٌ بِالإِيمَانِ الوَاجِبِ، وَإِكْمَالُهُ المُسْتَحَبُّ: مُعْلِمٌ بِكَمَالِ الإِيمَانِ المُسْتَحَبِّ. الوُضُوءُ فِي البَرْدِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَالإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مَعَ اللهِ، اجْتَهَدَ فِي إِسْبَاغِ الوُضُوءِ، وَإِكْمَالِ غَسْلِ أَعْضَائِهِ فِي أَيَّامِ البَرْدِ الشَّاتِيَةِ، وَهَذَا الوُضُوءُ التَّامُّ يَزِيدُ الحَسَنَاتِ، وَيُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَيَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ. الوُضُوءُ فِي البَرْدِ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّهُ أَوْصَى ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ: (أَيْ بُنَيَّ، عَلَيْكَ بِخِصَالِ الإِيمَانِ)، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: (إِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي اليَوْمِ الشَّاتِي ... الأَثَر). فَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي أَيَّامِ البَرْدِ فَضْلُهُ عَظِيمٌ، وَالتَّفْرِيطُ فِيهِ كَتَرْكِ بُقْعَةٍ فِي أَعْضَاءِ الوُضُوءِ بِلَا مَاءٍ: إِثْمُهُ جَسِيمٌ، وَلَا يَتَقَصَّدُ المَاءَ البَارِدَ، وَلَهُ أَنْ يُسَخِّنَهُ، وَأَنْ يُنَشِّفَ أَعْضَاءَهُ، وَأَنْ يَلْبَسَ الجَوْرَبَيْنِ لِيَمْسَحَ، وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الرِّيحَ البَارِدَةَ تَيَمَّمَ. الوُضُوءُ فِي البَرْدِ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَمَعَكَ مَاءٌ؟ فَأَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمُّ الجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الجُبَّةِ، وَأَلْقَى الجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَغَسَلَ ذِراعَيْهِ، وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى العِمَامَةِ وَعَلَى خُفَّيْهِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ بِالمَاءِ، وَلَوْ كَانَ بَارِدًا فِي اليَوْمِ الشَّاتِي، وَمِنَ المُخَالَفَاتِ: التَّهَاوُنُ فِي غَسْلِ كَامِلِ الذِّرَاعِ لِضِيقِ الأَكْمَامِ.