فقه الأُضْحِيَةِ مُقدِّمَة الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ، وَأَجَلِّ العِبَادَاتِ، ذَبْحَ الأَضَاحِي خَالِصَةً للهِ تَعَالَى، وَهِيَ عِبَادَةٌ حَوْلِيَّةٌ، مَرَّةٌ فِي السَّنَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ المُسْلِمُ فِي ذَبْحِ أُضْحِيَتِهِ، فَيَطِيبَ بِهَا نَفْسًا، وَيَتَحَرَّى فِيهَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُقَدِّمَ للهِ الأَكْمَلَ وَالأَفْضَلَ وَالأَطْيَبَ، تَعْظِيمًا لِشَعِيرَةِ الأُضْحِيَةِ. قَالَ تَعَالَى: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الاسْتِسْمَانُ، وَالاسْتِحْسَانُ، وَالاسْتِعْظَامُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ، قَالَ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ». وَإِذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، شَرَعَ فِي ذَبْحِ ابْنِهِ طَاعَةً لِرَبِّهِ، وَاسْتِجَابَةً لِأَمْرِهِ، دُونَ تَرَدُّدٍ وَتَأَخُّرٍ، فَفَدَاهُ الكَرِيمُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُسَارِعَ وَنَتَسَابَقَ وَنَتَنَافَسَ فِي أَدَاءِ هَذِهِ العِبَادَةِ. قَالَ تَعَالَى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا). (1) حُكْمُ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: الأُضْحِيَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ. قَالَ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}. وَهِيَ الإِبِلُ، وَالبَقَرُ، وَالغَنَمُ، فَلَا تُجْزِئُ مِنْ غَيْرِهَا. وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا)، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَجُمْهُورُ العُلَمَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي المَشْهُورِ عَنْهُمَا. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى القَادِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ القَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ. وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَرْجَحُ، إِلَّا أَنَّهَا سُنَّةٌ عَظِيمَةٌ، لَا يَرْغَبُ عَنْهَا إِلَّا مَحْرُومٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: "وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا - إنَّ الْأُضْحِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ؛ بَلْ سُنَّةٌ - أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَبِلَالٌ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، وَعَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَدَاوُدُ، وَغَيْرُهُمْ". انتهى. وَالقَوْلُ بِوُجُوبِهَا لَهُ وَجْهٌ وَفِيهِ قُوَّةٌ. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالأَظْهَرُ وَقْفُهُ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ: لَكِنْ رَجَّحَ الْأَئِمَّةُ غَيْرُهُ وَقْفَهُ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: «كُنَّا وُقُوفًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِعَرَفَاتٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ». رَوَاهُ الخَمْسَةُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَضَعَّفَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْمَعَافِرِيُّ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (2) حُكْمُ الاقْتِرَاضِ لِلْأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَنْ عَجَزَ عَنْ ثَمَنِ الأُضْحِيَةِ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ ثَمَنَهَا؟ فَأَجَابَ: الأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِهَا اشْتَرَطَ الإِيْسَارَ، وَهُوَ مِلْكُ ثَمَنِهَا فَاضِلًا عَنْ نَفَقَاتِهِ الضَّرُورِيَّةِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ؛ بِأَنْ كَانَ لَهُ دَخْلٌ يَسْتَطِيعُ بِهِ قَضَاءَ مَا فِي ذِمَّتِهِ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ إِنْ تَيَسَّرَ دُونَ مِنَّةٍ وَيُضَحِّيَ؛ لِفَضْلِ الأُضْحِيَةِ فِي الإِسْلَامِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ( يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ). رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَالبَيْهَقِيُّ؛ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الأُضْحِيَةِ، هَلْ يَسْتَدِينُ؟ فَأَجَابَ: "إِنْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ فَاسْتَدَانَ مَا يُضَحِّي بِهِ فَحَسَنٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ". وَذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ اليَتِيمَ المُوسِرَ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِ اليَتِيمِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَجْبُرُ كَسْرَ قَلْبِهِ. وَيُجْزِئُ عَنِ المُسْلِمِ - وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ثَمَنِ الأُضْحِيَةِ - أَنْ يُضَحِّيَ بِالأُضْحِيَةِ المُهْدَاةِ لَهُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، أَوْ كَانَ ثَمَنُهَا عَطِيَّةً وَهِبَةً. (3) حُكْمُ الأُضْحِيَةِ بِمَالٍ حَرَامٍ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ الأُضْحِيَةِ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ؟ فَأَجَابَ: لَا تُقْبَلُ الأُضْحِيَةُ وَلَا تُجْزِئُ إِذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ؛ بِأَنْ كَانَتْ مَسْرُوقَةً، أَوْ مَغْصُوبَةً، أَوْ تَمَّ شِرَاؤُهَا بِمَالٍ حَرَامٍ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ: أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ!، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَن تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ». وَالأَحَادِيثُ فِي هَذَا البَابِ كَثِيرَةٌ. وَحُكِيَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ شَاةً، فَذَبَحَهَا لِمُتْعَتِهِ وَقِرَانِهِ، ثُمَّ أَجَازَهَا الْمَالِكُ أَجَزَأَتْ عَنْهُ. وَمَنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لَحْمُ أُضْحِيَةٍ مُحَرَّمَةٍ؛ بِأَنْ كَانَتْ مَسْرُوقَةً مَثَلًا؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ اللَّحْمَ، وَرَخَّصَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ فِي الْأَكْلِ مِمَّنْ يُعْلَمُ فِي مَالِهِ حَرَامٌ، مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ الْحَرَامِ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا عَلَانِيَةً، وَلَا يَتَحَرَّجُ مِنْ مَالٍ خَبِيثٍ يَأْخُذُهُ، يَدَعُوهُ إِلَى طَعَامِهِ، قَالَ: أَجِيبُوهُ، فَإِنَّمَا الْمَهْنَأُ لَكُمْ، وَالْوِزْرُ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ لَهُ شَيْئًا إِلَّا خَبِيثًا أَوْ حَرَامًا، فَقَالَ: أَجِيبُوهُ. وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ... وَمَتَى عُلِمَ أَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ حَرَامٌ، أُخِذَ بِوَجْهٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ، وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ". (4) فَضْلُ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا فَضْلُ الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: فَضْلُ الأُضْحِيَةِ عَظِيمٌ، فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، حَتَّى قَالُوا: يُقَاتَلُ أَهْلُ البَلَدِ الَّذِينَ لَا يُضَحُّونَ مَعَ القُدْرَةِ. وَهِيَ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، حَثَّ القُرْآنُ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ فِي أَسَانِيدِهَا ضَعْفٌ؛ نَحْوُ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: «قُلْت: - أَوْ قَالُوا: - يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟ قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ، قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ، قَالُوا: فَالصُّوفُ؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أُنْفِقَتِ الْوَرِقُ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ نَحِيرَةٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ. قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: "لَيْسَ فِي فَضْلِ الأُضْحِيَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى النَّاسُ فِيهَا عَجَائِبَ لَمْ تَصِحَّ". انتهى. وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي فَضْلِ الأُضْحِيَةِ إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُضَحِّي بِنَفْسِهِ، وَوَاظَبَ عَلَى الأُضْحِيَةِ حَضَرًا وَسَفَرًا: لَكَفَى. فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَيْهِ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: (يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ)، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. وَبِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "أَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، يُضَحِّي كُلَّ سَنَةٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَلِابْنِ سَعْدٍ: "أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، لَا يَدَعُ الأَضْحَى". وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأُضْحِيَةَ مِنَ الشَّعَائِرِ الَّتِي تَعْظُمُ: مَا جَاءَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. (5) المَشْرُوعُ فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا المَشْرُوعُ فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ؟ فَأَجَابَ: جَاءَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. وَفي لفظ لِمُسْلِمٍ: (إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا). قِيلَ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرْفَعُهُ، قَالَ: لَكِنِّي أَرْفَعُهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا النَّهْيِ، هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلْكَرَاهِيَةِ؛ فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَرَبِيعَةُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَلَيْسَ بِحِرَامٍ. وَحُكِي عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ تَرْكَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ مُسْتَحَبٌّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ: لَا يُكْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُكْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهْدِي مِنْ الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ (فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ أَقْرَبُ. وَالَّذِي يُمْسِكُ هُوَ مَالِكُ الأُضْحِيَةِ لَا الوَصِيُّ وَلَا الوَكِيلُ وَلَا مَنْ أَشْرَكَهُمْ فِي أُضْحِيَتِهِ، فَيُمْسِكُ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِ بَدَنِهِ، وَعَنْ أَظْفَارِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ شَعْرَهُ وَيُسَرِّحَهُ بِخِفَّةٍ، وَيُزِيلَ مَا انْكَسَرَ مِنْ أَظْفَارِهِ. وَلَوْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَثِمَ، وَأُضْحِيَتُهُ مُجْزِئَةٌ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا. وَلَوْ نَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَ مَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا بَعْدَ العَزْمِ عَلَى الأُضْحِيَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (6) التَّصَدُّقُ بِثَمَنِ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: أَيُّمَا أَفْضَلُ، الأُضْحِيَةُ أَمِ الصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا؟ فَأَجَابَ: ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ للهِ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ القَيِّمِ وَغَيْرُهُمَا. وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ). وَفِي رِوَايَةٍ: (مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةُ المُسْلِمِينَ، فَيَنْبَغِي التَّأَسِّي وَالاتِّبَاعُ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي جَذَعٌ»؟ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا». وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ، أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا؛ مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا، فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْغُرْمَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَزَّارُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ: حَسَنٌ. فَدَلَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ وَغَيْرُهَا - إِذْ لَمْ يَعْدِلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الأُضْحِيَةِ إِلَى الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا - عَلَى أَنَّ التَّعَبُّدَ للهِ بِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ أَفْضَلُ مِنَ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِهَا، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ. (7) العُيُوبُ المَكْرُوهَةُ فِي الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا هِيَ العُيُوبُ المَكْرُوهَةُ فِي الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: العُيُوبُ الَّتِي يُكْرَهُ وُجُودُهَا فِي الأُضْحِيَةِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْهَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ وَكَرَاهِيَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ: مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا شَرْقَاءَ، وَلَا خَرْقَاءَ». "عُيُوبٌ بِالأُذُنِ". لَا بَأْسَ بِهِ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَالبُخَارِيُّ بِالوَقْفِ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ»، قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: الْعَضْبُ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، لَكِنَّ ابْنَ مَاجَهْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ قَتَادَةَ إِلَى آخِرِهِ. صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ فِي الفُرُوعِ: فِي صِحَّةِ الخَبَرِ نَظَرٌ. فَالجُمْهُورُ يَرَوْنَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الحَدِيثِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ، فَلَا يَمْنَعُ وُجُودُ هَذِهِ العُيُوبِ أَوْ بَعْضِهَا فِي الأُضْحِيَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ وَالقَبُولِ. وَعَلَيْهِ: فَتُكْرَهُ هَذِهِ العُيُوبُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالعُيُوبُ المُسَاوِيَةُ لَهَا أَوِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَيْهَا - مَا لَمْ تَبْلُغِ العُيُوبَ الأَرْبَعَةَ فِي حَدِيثِ البَرَاءِ - كَسُقُوطِ الأَسْنَانِ، وَمَبْتُورَةِ الذَّنَبِ لَا الأَلْيَةِ، وَذَاهِبَةِ القَرْنِ أَوِ الأُذُنِ بِالكُلِّيَّةِ لَيْسَ خِلْقَةً، وَالأَحْوَطُ تَجَنُّبُ هَذِهِ العُيُوبِ، خَاصَّةً أَعْضَبَ القَرْنِ وَالأُذُنِ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ العُلَمَاءِ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَةِ مَا كَانَ فِيهِ أَحَدُ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يُجْزِئُ مُطْلَقًا، أَوْ يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ احْتَاجَ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ يَصْرِفُ النَّهْيَ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ". انتهى. وَالَّذِي يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِالسَّلِيمَةِ الخَالِيَةِ مِنْ جَمِيعِ العُيُوبِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ لَحْمًا، وَأَغْلَى ثَمَنًا، وَأَكْمَلَ فِي الصِّحَّةِ وَالخِلْقَةِ وَالمَنْظَرِ وَالطَّعْمِ: فَهِيَ أَفْضَلُ وَأَحْرَى فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (8) العُيُوبُ المَانِعَةُ مِنْ إِجْزَاءِ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا هِيَ العُيُوبُ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِي الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: العُيُوبُ الَّتِي لَا تُجْزِئُ مَعَهَا الأُضْحِيَةُ، وَتَمْنَعُ مِنْ قَبُولِهَا: مَا جَاءَتْ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الثَّابِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي». يَعْنِي العَجْفَاءَ الهَزِيلَةَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ، وَالنَّوَوِيُّ. وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي السِّنِّ نَقْصٌ؟ قَالَ: مَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ". قَالَ النَّوَوِيُّ: "أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَهِيَ: الْمَرَضُ، وَالْعَجَفُ، وَالْعَوَرُ، وَالْعَرَجُ الْبَيِّنَاتُ؛ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحَ مِنْهَا؛ كَالْعَمَى، وَقَطْعِ الرِّجْلِ، وَشِبْهِهِ". انْتَهَى. وَرَوَى يَزِيدُ ذُو مِصْرَ، قَالَ: أَتَيْتُ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إِنِّي خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ الضَّحَايَا، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يُعْجِبُنِي غَيْرَ ثَرْمَاءَ، فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَلَا جِئْتنِي أُضَحِّي بِهَا، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَجُوزُ عَنْكَ، وَلَا تَجُوزُ عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، إنَّكَ تَشُكُّ وَلَا أَشُكُّ، إنَّمَا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُصَفَّرَةِ، وَالْمُسْتَأْصَلَةِ، وَالْبَخْقَاءِ، وَالْمُشَيَّعَةِ، وَالْكَسْرَاءِ؛ فَالْمُصَفَّرَةُ الَّتِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا حَتَّى يَبْدُوَ صِمَاخُهَا، وَالْمُسْتَأْصَلَةُ الَّتِي ذَهَبَ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ، وَالْبَخْقَاءُ الَّتِي تُبْخَقُ عَيْنُهَا، وَالْمُشَيَّعَةُ الَّتِي لَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ عَجْفًا وَضَعْفًا، وَالْكَسْرَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ. فَالعُيُوبُ الَّتِي دُونَ العُيُوبِ الأَرْبَعَةِ المَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهَا، يَنْبَغِي تَجَنُّبُهَا لِكَوْنِهَا مِنَ المُشْتَبِهَاتِ، مَنِ اتَّقَاهَا اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ العُلَمَاءِ فِي الإِجْزَاءِ، كَأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا أَوْ أَقْبَحُ، فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ. وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ العُيُوبِ فَيُسْتَحَبُّ تَجَنُّبُهَا؛ لِأَنَّهَا إِمَّا مَكْرُوهَةٌ، أَوْ خِلَافُ الأَوْلَى وَالأَفْضَلِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (9) حُدُوثُ العَيْبِ فِي الأُضْحِيَةِ بَعْدَ تَعْيِينِهَا سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: إِذَا حَدَثَ العَيْبُ فِي الأُضْحِيَةِ بَعْدَ تَعْيِينِهَا، فَمَا الحُكْمُ؟ فَأَجَابَ: إِذَا مَاتَتِ الأُضْحِيَةُ، أَوْ ضَلَّتْ، أَوْ تَعَيَّبَتْ بِأَحَدِ العُيُوبِ الأَرْبَعَةِ المَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ، المَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بِتَفْرِيطٍ مِنْ مَالِكِهَا: وَجَبَ عَلَيْهِ أُضْحِيَةٌ مَكَانَهَا، مِثْلُهَا أَوْ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ أَجْزَأَتْ عَنْهُ. فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «اشْتَرَيْتُ كَبْشًا أُضَحِّي بِهِ، فَعَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ الْأَلْيَةَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ حَتَّى صَلَّيْنَا، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (10) صِفَةُ أُضْحِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا صِفَةُ أُضْحِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَجَابَ: أُضْحِيَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ الأَفْضَلُ صِفَةً، الجَامِعَةُ بَيْنَ الأَكْمَلِ خِلْقَةً، وَالأَحْسَنِ مَنْظَرًا، الأَنْفَسِ وَالأَطْيَبِ عِنْدَ النَّاسِ، فَالأَحْسَنُ فِي الأَضَاحِي مَا كَانَ أَشْبَهَ بِكَبْشِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ تَعَالَى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَيْهِ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّضْحِيَةِ بِالْأَقْرَنِ الْأَمْلَحِ، وَهُوَ مَا خَالَطَ بَيَاضَهُ سَوَادٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا عَلَى حَجَرٍ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ -: «يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ». فقَوْلُهَا: "يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، ويَأْكُلُ فِي سَوَادٍ"؛ تَعْنِي فَمَهُ، وَمَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ، وبَطْنُهُ وَقَوَائِمُهُ سُودٌ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ، يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ حِبَّانَ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَهُ صَاحِبُ الِاقْتِرَاحِ. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا ضَحَّى، اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، والطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَزَّارُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ: حَسَنٌ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ خَصِيَّيْنِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. الْمَوْجُوءُ: مَنْزُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَشْقُوقُ عِرْقُ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْخِصْيَتَانِ بِحَالِهِمَا. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ (وَفِي نُسْخَةٍ‏: ثَمِينَيْنِ) أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ؛ لِمَنْ شَهِدَ بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيُّ، وَابْنُ المُلَقِّنِ، وَأَعَلَّهُ الشَّوْكَانِيُّ. قَالَ: وَمَدَارُ طُرُقِهِ كُلِّهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَفِيهِ مَقَالٌ. قَالَ مُقَيِّدُهُ: حَدِيثُهُ حَسَنٌ، وَأُعِلَّ حَدِيثُهُ هَذَا بِالاضْطِرَابِ، وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ. وَفِي البَابِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا؛ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ جَذَعَيْنِ خَصِيَّيْنِ". فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِالْفَحِيلِ، وضَحَّى بِالْخَصِيِّ. (11) الأَسْنَانُ المُعتَبَرَةُ فِي الأَضَاحِي سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا هِيَ الأَسْنَانُ المُعْتَبَرَةُ فِي الأَضَاحِي؟ فأجاب: قَالَ تَعَالَى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ)، فَذَبْحُ الأَضَاحِي عَلَى اسْمِ اللهِ مَشْرُوعٌ فِي جَمِيعِ المِلَلِ، وَهِيَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: "أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الضَّحِيَّةُ بِغَيْرِ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ". وَأَمَّا أَسْنَانُهَا الوَاجِبَةُ، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ وَهْبٍ، وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ. وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «ضَحَّى خَالٌ لِي - يُقَالُ لَهُ: أَبُو بُرْدَةَ - قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شَاتُك شَاةُ لَحْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ، قَالَ: اذْبَحْهَا، وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَالمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، وَالجَذَعَةُ مِنَ الضَّأْنِ مَا دُونَ الثَّنِيَّةِ؛ فَالثَّنِيُّ مِنَ الإِبِلِ: مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَالثَّنِيُّ مِنَ البَقَرِ: مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، وَالثَّنِيُّ مِنَ الغَنَمِ: مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَالجَذَعُ مِنْهَا مَا تَمَّ لَهُ نِصْفُ سَنَةٍ، عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ العُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ الثَّنِيَّةِ وَالجَذَعَةِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَا دُونَ الثَّنِيَّةِ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ، وَلَا بِمَا دُونَ الجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: "وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ يُجْزِئُ، سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهُ أَمْ لَا، وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ". وَقَدْ أَفَادَ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ المُسِنَّةَ مِنَ الضَّأْنِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الجَذَعِ، خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. وَيَعْتَمِدُ المُشْتَرِي فِي مَعْرِفَةِ السِّنِّ المُعْتَبَرِ عَلَى المَعْرِفَةِ، أَوْ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الخِبْرَةِ الثِّقَاتِ، أَوْ عَلَى خَبَرِ البَائِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ. (12) أَفْضَلُ أَصْنَافِ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا أَفْضَلُ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فِي الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: أَفْضَلُ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فِي الأُضْحِيَةِ عَلَى القَوْلِ الرَّاجِحِ - وَاللهُ أَعْلَمُ – هُوَ حَسَبُ التَّرْتِيبِ المَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَفْضَلُ أَصْنَافِ الأَضَاحِي: البَدَنَةُ كَامِلَةً عَنْ وَاحِدٍ، ثُمَّ البَقَرَةُ كَذَلِكَ، ثُمَّ الكَبْشُ "الضَّأْنُ" المُسِنُّ، ثُمَّ المَعْزُ، ثُمَّ الجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، ثُمَّ سُبْعُ بَدَنَةٍ، ثُمَّ سُبْعُ بَقَرَةٍ. وَالذَّكَرُ أَطْيَبُ مِنَ الأُنْثَى، وَالصَّغِيرُ سِنًّا المُجْزِئُ المَرْغُوبُ فِيهِ أَحْسَنُ مِنَ الكَبِيرِ سِنًّا المَرْغُوبِ عَنْهُ. وَقَدْ يُقَدَّمُ جِنْسٌ عَلَى جِنْسٍ، وَنَوْعٌ عَلَى نَوْعٍ فِي بَعْضِ البُلْدَانِ لِعَادَتِهِمْ فِي الأَكْلِ، فَبَعْضُ البُلْدَانِ مَثَلًا لَا يَأْكُلُونَ لَحْمَ الجَمَلِ، وَيُحِبُّونَ لَحْمَ البَقَرِ، فَالأُضْحِيَةُ بِالبَقَرَةِ فِي بَلَدِهِمْ أَفْضَلُ مِنَ البَدَنَةِ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الأُضْحِيَةُ أَطْيَبَ وَأَنْفَسَ وَأَكْمَلَ: كَانَتْ أَفْضَلَ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (13) البَدَنَةُ بِسَبْعِ شِيَاهٍ فِي الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: كَمْ تَعْدِلُ البَدَنَةُ مِنَ الغَنَمِ فِي الأُضْحِيَةِ؟ فأجاب: تَعْدِلُ البَدَنَةُ بَعِيرًا كَانَتْ أَوْ بَقَرَةً سَبْعَ شِيَاهٍ؛ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ». وَفِي رِوَايَةٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اشْتَرِكُوا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ». رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ، قَالَ فِي "نَيْلِ الأَوْطَارِ": عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: «اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَقَرِ مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: مَا هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إنَّ عَلَيَّ بَدَنَةً وَأَنَا مُوسِرٌ، وَلَا أَجِدُهَا فَأَشْتَرِيَهَا، فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبْتَاعَ سَبْعَ شِيَاهٍ فَيَذْبَحَهُنَّ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَلَكِنْ عَطَاءٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: شَرَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «حَجَّتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَالبَدَنَةُ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ، بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً، وَعَلَيْهِ فَتُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَفِي المَسْأَلَةِ خِلَافٌ. وَأَمَّا الوَاحِدَةُ مِنَ الغَنَمِ فَلَا تُجْزِئُ إِلَّا عَنِ الوَاحِدِ بِالاتِّفَاقِ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ جَوَازُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِكُونَ مُفْتَرِضِينَ أَوْ مُتَطَوِّعِينَ، أَوْ بَعْضُهُمْ مُفْتَرِضًا، وَبَعْضُهُمْ مُتَنَفِّلًا، أَوْ مُرِيدًا لِلَّحْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُشْتَرَطُ فِي الِاشْتِرَاكِ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ، وَعَنْ دَاوُدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ، وَعَنْ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا". وَقَوْلُ الجُمْهُورِ أَصَحُّ. (14) التَّشْرِيكُ فِي الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ التَّشْرِيكِ فِي الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: البَدَنَةُ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً، يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي مِلْكِهَا سَبْعَةٌ؛ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ». وَفِي رِوَايَةٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا السُّبْعُ مِنَ البَدَنَةِ، وَالرَّأْسُ مِنَ الغَنَمِ، فَلَا تَصِحُّ شَرَاكَةُ المِلْكِ فِيهِ، وَلَكِنْ يَصِحُّ التَّشْرِيكُ فِي الثَّوَابِ، فَيُشْرِكُ مَنْ شَاءَ - وَإِنْ كَثُرُوا مِنَ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ - بِلَا إِحْدَاثِ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ. فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ، لِمَنْ شَهِدَ بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيُّ وَابْنُ المُلَقِّنِ. وَمَا جَازَ فِي رَأْسِ الغَنَمِ جَازَ فِي سُبْعِ البَعِيرِ وَالبَقَرَةِ. وَإِلَى صِحَّةِ التَّشْرِيكِ فِي الأَجْرِ ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: لَا يُشْرِكْ أَحَدًا فِي ثَوَابِ السُّبْعِ، وَلَا فِي ثَوَابِ الوَاحِدَةِ مِنَ الغَنَمِ. وَمِنَ المُحْدَثَاتِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - عَمَلُ بَعْضِ الحَرِيصِينَ؛ حَيْثُ يُشْرِكُونَ فِي الثَّوَابِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أُمَّتَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَ كَمَا تَرَى». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ، كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ. (15) مَتَى يَبْدَأُ وَقْتُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ؟ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَتَى يَبْدَأُ وَقْتُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: يَبْدَأُ وَقْتُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ العِيدِ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَيَجُوزُ بَعْدَهَا قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ. وَيَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ وَقْتِ الأُضْحِيَةِ حَدِيثُ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أَضْحَى، قَالَ: فَانْصَرَفَ، فَإِذَا هُوَ بِاللَّحْمِ وَذَبَائِحِ الْأَضْحَى، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ (وَفِي رِوَايَةٍ: قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ) فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ حَتَّى صَلَّيْنَا، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ: مَتَى يَجُوزُ ابْتِدَاءُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ، بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ قَبْلَ الفَجْرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالأَفْضَلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَخُطْبَتِهِ، وَذَبْحِهِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَتْ لَا تَلْزَمُهُ صَلَاةُ الْعِيدِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ وَالخُطْبَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (16) مَتَى يَنْتَهِي وَقْتُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ؟ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَتَى يَنْتَهِي وَقْتُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: أَرْجَحُ الأَقْوَالِ فِي انْتِهَاءِ وَقْتِ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ هُوَ غُرُوبُ شَمْسِ اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي إسْنَادِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مُنْقَطِعٌ، لَا يَثْبُتُ وَصْلُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ حِبَّانَ وَصَلَهُ فِي صَحِيحِهِ. وَعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ. وَرَوَى البُخَارِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَا: «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ». وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيِ الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيِ التَّشْرِيقُ. وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ هِيَ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. فَعَلَى القَوْلِ الرَّاجِحِ: وَقْتُ ذَبْحِ الأَضَاحِي أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ؛ يَوْمُ العِيدِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَمَكْحُولٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ القَيِّمِ، وَشَيْخُنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ، وَشَيْخُنَا مُحَمَّدٌ العُثَيْمِينُ - رَحِمَهُمُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ: إنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِه، وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَبْحَ الأُضْحِيَةِ لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جَائِزٌ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: "مَا نَعْلَمُ أحدًا مِنَ السَّلَفِ قَبْلَ مَالِكٍ مَنَعَ مِنَ التَّضْحِيَةِ لَيْلًا". (17) أَفْضَلُ مَكَانٍ لِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا هُوَ أَفْضَلُ مَكَانٍ لِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَمُصَلَّى العِيدِ يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ، فَالذَّبْحُ فِيهِ أَظْهَرُ لِلشَّعِيرَةِ، وَلِأَجْلِ أَنْ يَحْضُرَهَا الفُقَرَاءُ فَيُشَاهِدُونَ وَيَطْعَمُونَ. وَكُلُّ مَكَانٍ طَاهِرٍ يَجُوزُ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ فِيهِ، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: (جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا زِيَادَةُ: «إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيَّ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ دِحْيَةَ، وَالنَّوَوِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَابْنُ دَقِيقِ العِيدِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّبْحُ فِي بُقْعَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهَا إِيذَاءٌ أَوْ مُخَالَفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَا، كَالذَّبْحِ فِي المَقْبَرَةِ وَعِنْدَ القَبْرِ، وَفِي مَكَانٍ يُذْبَحُ فِيهِ لِغَيْرِ اللهِ. فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيْدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالأَحْوَطُ عَدَمُ الذَّبْحِ فِي الحَمَّامِ مَكَانَ قَضَاءِ الحَاجَةِ وَلَوْ كَانَ نَظِيفًا؛ فَهِيَ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَمَحَلُّ النَّجَاسَاتِ، ثُمَّ إِنَّ الذَّابِحَ يَذْكُرُ اسْمَ اللهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِ، وَأَمَّا الذَّبْحُ خَارِجَهُ عِنْدَ بَابِهِ؛ لِيَسِيلَ الدَّمُ فِيهِ: فَلَا مَانِعَ مِنْهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (18) حُكْمُ التَّرَاجُعِ عَنْ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ يَجُوزُ التَّرَاجُعُ عَنْ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ؟ فأجاب: القَوْلُ الرَّاجِحُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - قَوْلُ الجُمْهُورِ: أَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا تَهَاوُنًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا: مَا جَاءَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ، فَعَلَّقَ الأُضْحِيَةَ بِالإِرَادَةِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ضَحَّى، اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ، أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ، فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا، مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا، فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْغُرْمَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ حَسَنٌ. وَثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهَةَ أَنْ يَظُنَّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ مِثْلُ هَذَا مَعَ إِيسَارِهِ. أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: "لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَصَحَّ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَنْ الْجُمْهُورِ". وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَلَا مَانِعَ مِنَ التَّرَاجُعِ عَنْ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ وَإِنْ كَانَ عَازِمًا وَأَمْسَكَ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الأُضْحِيَةَ بِقَوْلِهِ قَاصِدًا التَّعْيِينَ أَوْ بِذَبْحِهَا بِنِيَّةِ الأُضْحِيَةِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ أَيْضًا بِالشِّرَاءِ مَعَ النِّيَّةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا تَعَيَّنَتْ حَرُمَ التَّرَاجُعُ، فَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ». وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَهْدَى عُمَرُ نَجِيبًا، فَأُعْطِيَ بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا فَأُعْطِيت بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بُدْنًا؟ قَالَ: لَا، انْحَرْهَا إيَّاهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ: (نَجِيبًا)، النَّجِيبُ: النَّاقَةُ. (19) حُكْمُ التَّضْحِيَةِ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُضْحِيَةٍ وَاحِدَةٍ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ أَنْ يُضَحِّيَ الشَّخْصُ الوَاحِدُ أَوْ أَهْلُ البَيْتِ الوَاحِدِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُضْحِيَةٍ؟ فَأَجَابَ: الأُضْحِيَةُ الوَاحِدَةُ مِنَ الغَنَمِ أَوْ سُبْعِ البَدَنَةِ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، وَإِنْ كَثُرَ العَدَدُ. وَلَا يَنْبَغِي المُبَاهَاةُ وَالمُفَاخَرَةُ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَ كَمَا تَرَى». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مَعَ الإِيسَارِ، أَوْ أَحَبَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يُضَحِّيَ هُوَ أَيْضًا بَعِيدًا عَنِ المُبَاهَاةِ، فَيُشْرَعُ ذَلِكَ، وَلَا مَحْظُورَ فِيهِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ العَدَدِ فِي الأُضْحِيَةِ. انتهى. وَفِي شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ لِابْنِ بَطَّالٍ: وَهَذِهِ الآثَارُ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمُفَسِّرَةٌ لَهُ، وَاخْتِلَافُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ؛ فَهُوَ أَزْيَدُ فِي أَجْرِهِ. وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَثَبَتَ عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ. وَقَال البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: أَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ. وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ، ضَحَّوْا هُمْ «أَيْ: أَهْلُ العِرَاقِ» عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَأَهْدَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ بَدَنَةٍ، (فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لِذَا فَضَّلَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ البَدَنَةَ الكَامِلَةَ عَلَى الكَبْشِ، وَالفُقَهَاءُ يَقِيسُونَ الضَّحَايَا عَلَى الهَدَايَا. وَقَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الضَّحَايَا كَحُكْمِ الهَدَايَا، فَمَا جَازَ فِي الهَدَايَا جَازَ فِي الضَّحَايَا. انتهى وَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ الأُضْحِيَةِ مَحَلَّ ذَمٍّ وَخِلَافَ السُّنَّةِ؛ لَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ، خَاصَّةً وَالحَاجَةُ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ظَاهِرِيَّتِهِ: وَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ الوَاحِدُ بِعَدَدٍ مِنَ الأَضَاحِي، ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، الأُضْحِيَةُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَالاسْتِكْثَارُ مِنَ الخَيْرِ حَسَنٌ. انتهى. وَقَالَ فِي كِتَابِ المَسَالِكِ: وَالاخْتِيَارُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ شَاةً، فَإِنْ ضَحَّى بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْزَأَهُمْ. وَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الوَاحِدَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ يُجْزِئُ الإِنْسَانَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: أَنْ يُضَحَّى عَنِ الإِنْسَانِ بِشَاةٍ لِمَنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَإِذَا ضَحَّى الإِنْسَانُ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثِنْتَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ: فَلَا بَأْسَ. وَفِي فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ: إِذَا كَانَتِ العَائِلَةُ كَثِيرَةً وَهِيَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَيُجْزِئُ عَنْهُمْ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ضَحَّوْا بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ. انتهى. وَلِشَيْخِنَا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينِ - رَحِمَهُ اللهُ - كَلَامٌ حَسَنٌ فِي عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الأُضْحِيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (20) حُكْمُ الأُضْحِيَةِ عَنِ الأَمْوَاتِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ الأُضْحِيَةِ عَنِ الأَمْوَاتِ؟ فأجاب: الأُضْحِيَةُ عَنِ المَيِّتِ إِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً فَوَاجِبٌ الوَفَاءُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ تَشْرِيكًا فِي الثَّوَابِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ خَصَّ المَيِّتَ بِأُضْحِيَةٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِنْ كَانَ الَّذِي خَصَّهُ بِأُضْحِيَةٍ ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ، أَمَّا إِنْ لَمْ يُضَحِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُشْرِكْهَا فِي أُضْحِيَتِهِ المَذْبُوحَةِ عَنِ المَيِّتِ: فَقَدْ أَخْطَأَ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا عَلَى حَجَرٍ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ضَحَّى، اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ، أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ، فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا، مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا، فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْغُرْمَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ حَسَنٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: بَابُ مَا جَاءَ فِي الأُضْحِيَةِ عَنِ المَيِّتِ، وَسَاقَ إِسْنَادًا فِيهِ ضَعْفٌ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: أَمَرَنِي بِهِ؛ يَعْنِي النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا أَدَعُهُ أَبَدًا». قَالَ أَبُو عِيسَى: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يُضَحَّى عَنِ المَيِّتِ، وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ وَلَا يُضَحَّى عَنْهُ، وَإِنْ ضَحَّى فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا كُلِّهَا». (21) السُّنَّةُ فِي نَحْرِ الإِبِلِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا هِيَ السُّنَّةُ فِي نَحْرِ الإِبِلِ؟ فَأَجَابَ: قَالَ تَعَالَى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) قَالَ الْبُخَارِيُّ: "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَوَافَّ: قِيَامًا". وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ، مَعْقُولَةً يَدُهَا اليُسْرَى، يَقُولُ: "بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ". وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّهُ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا». وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، جَعَلَ يَطْعَنُهَا بِحَرْبَةٍ فِي يَدِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالطَّعْنُ يَكُونُ فِي الوَهْدَةِ أَسْفَلَ الرَّقَبَةِ، بَيْنَ الصَّدْرِ وَأَصْلِ العُنُقِ. وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ: قِفْ مِنْ شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَانْحَرْ مِنْ شِقِّهَا الأَيْسَرِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ؛ أَيْ: وَمَاتَتْ. وَصِفَةُ نَحْرِ الإِبِلِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، فَلَوْ بَرَكَهَا أَوْ أَضْجَعَهَا ونَحَرَهَا أَوْ ذَبَحَهَا فِي رَقَبَتِهَا كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ: جَازَ. وَاللهُ أَعْلَمُ. (22) السُّنَّةُ فِي ذَبْحِ الغَنَمِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا السُّنَّةُ فِي ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ مِنَ الغَنَمِ؟ فَأَجَابَ: الأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَضَّحَتِ السُّنَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَيْهِ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا عَلَى حَجَرٍ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدَ الْأَضْحَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي، وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَيَتَقَوَّى بِشَوَاهِدِهِ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عِيدٍ بِكَبْشَيْنِ، فَقَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَاشِرَ ذَبْحَ أُضْحِيَتِهِ بِيَدِهِ، وَإِنْ أَنَابَ فَلَا يُنِيبُ إِلَّا المُسْلِمَ، وَلَوِ امْرَأَةً طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا، أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا، وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الكِتَابِيِّ لَا غَيْرِهِ مِنَ الكُفَّارِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِمَحَلِّ الذَّبْحِ مِنَ الرَّقَبَةِ القِبْلَةَ، وَأَنْ يُضْجِعَ الذَّبِيحَةَ مِنَ الغَنَمِ أَوِ البَقَرِ عَلَى الجَنْبِ الَّذِي يُلَائِمُهُ، كَالجَنْبِ الأَيْسَرِ لِمَنْ يَذْبَحُ بِاليَمِينِ. وَالتَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ تَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ، وَالتَّكْبِيرُ مُسْتَحَبٌّ، وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ مَنْ يُضَحِّي عَنْهُمْ، نَحْوُ: اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَهَذَا نُسُكٌ، لَا مِنْ بَابِ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ. (23) كَيْفَ تُقَسَّمُ الأُضْحِيَةُ؟ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: كَيْفَ يُفَرَّقُ لَحْمُ الأُضْحِيَةِ؟ فأجاب: جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ بِالقِسْمَةِ الحَكِيمَةِ الجَامِعَةِ بَيْنَ حَقِّ الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ، وَحَقِّ القَرِيبِ وَالفَقِيرِ. قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ). فَجَزَّأَتْ هَذِهِ الآيَةُ الأُضْحِيَةَ جُزْئَيْنِ: نِصْفًا لِلْمُضَحِّي، يَأْكُلُ مِنْهُ، وَيَحْبِسُ، وَيُهْدِي، وَنِصْفًا لِلْفُقَرَاءِ. وقال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: قَوْلُهُ: (فَكُلُوا مِنْهَا)؛ أَمْرُ إِبَاحَةٍ، وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ الأَكْلَ مِنَ الأُضْحِيَةِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، حَتَّى إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ - وَهِيَ مِائَةٌ – بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ جَزَّأَتْ الآيَةُ هَذِهِ الأُضْحِيَةَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ: ثُلُثٍ لِلْمُضَحِّي، يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَدَّخِرُ، وَثُلُثٍ يُهْدِيهِ، وَثُلُثٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ. وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَادَّخِرُوا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - حَسَّنَهُ الأَصْفَهَانِيُّ - تَفْرِقَتُهَا أَثْلَاثًا: لَهُ، وَلِقَرَابَتِهِ، وَلِلْفُقَرَاءِ، وَإِلَى هَذَا التَّقْسِيمِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَيَجُوزُ التَّفَاوُتُ فِي الأَثْلَاثِ؛ بَلْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ أَكْلُهَا كُلِّهَا. وَأَوْجَبَ بَعْضُهُمُ الصَّدَقَةَ مِنْهَا. وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا بَقِيَ مِنْهَا؟، قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ: (بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (24) مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ لِلْأُضْحِيَةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا. سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا الَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُهُ لِلْأُضْحِيَةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا؟ فَأَجَابَ: يَنْبَغِي الإِحْسَانُ وَالرِّفْقُ بِالبَهِيمَةِ، فعَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ البَهَائِمِ المُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي «صَحِيحَيْهِمَا»، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ النَّوَوِيُّ. وَكَتَبَ ابْنُ رَجَبٍ: "خَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَدِّ الشِّفَارِ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ: إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ»؛ يَعْنِي: فَلْيُسْرِعِ الذَّبْحَ. وَخَرَّجَ الْخَلَّالُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِيَ تَلْحَظُ إِلَيْهِ بِبَصَرِهَا، فَقَالَ: أَفَلَا قَبْلَ هَذَا؟ تُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟». وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، خَرَّجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ: «هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟». وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تُقَادُ إِلَى الذَّبْحِ قَوْدًا رَفِيقًا، وَتُوَارَى السِّكِّينُ عَنْهَا، وَلَا تُظْهَرُ السِّكِّينُ إِلَّا عِنْدَ الذَّبْحِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِذَلِكَ: أَنْ تُوَارَى الشِّفَارُ. وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ عِنْدَ الذَّبْحِ، كَمَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ، وَهِيَ الَّتِي تَذْبَحُ فَتَقْطَعُ الْجِلْدَ، وَلَا تَفْرِي الْأَوْدَاجَ»، وَخَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَعِنْدَهُ قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانُوا يَقْطَعُونَ مِنْهَا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، ثُمَّ يَدَعُونَهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَلَا يَقْطَعُونَ الْوَدَجَ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: «إِنَّ جَزَّارًا فَتَحَ بَابًا عَلَى شَاةٍ لِيَذْبَحَهَا، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ حَتَّى جَاءَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاتَّبَعَهَا، فَأَخَذَ يَسْحَبُهَا بِرِجْلِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اصْبِرِي لِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَنْتَ يَا جَزَّارُ فَسُقْهَا إِلَى الْمَوْتِ سَوْقًا رَفِيقًا». وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يَسْحَبُ شَاةً بِرِجْلِهَا لِيَذْبَحَهَا، فَقَالَ لَهُ: وَيْلَكَ! قُدْهَا إِلَى الْمَوْتِ قَوْدًا جَمِيلًا. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى قَصَّابًا يَجُرُّ شَاةً، فَقَالَ: سُقْهَا إِلَى الْمَوْتِ سَوْقًا جَمِيلًا، فَأَخْرَجَ الْقَصَّابُ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ: مَا أَسُوقُهَا سَوْقًا جَمِيلًا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَذْبَحَهَا السَّاعَةَ، فَقَالَ: سُقْهَا سَوْقًا جَمِيلًا. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَذْبَحَ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَالشَّاةَ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ»". انتهى. (25) أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ فِي بَابِ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ يُمْكِنُ سَرْدُ بَعْضِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فِي بَابِ الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: 1- حَدِيثُ: ((هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: النَّحْرُ، وَالوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الضُّحَى)). أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ وَالبَزَّارُ وَابْنُ عَدِيٍّ، وَرَوَى نَحْوَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالحَاكِمُ، وَذَكَرَ فِي التَّخْلِيصِ لَهُ طُرُقًا كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَقَالَ: أَطْلَقَ الأَئِمَّةُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ الضَّعْفَ كَأَحْمَدَ، وَالبَيْهَقِيِّ، وَابْنِ الصَّلَاحِ، وَابْنِ الجَوْزِيِّ، وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ. 2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "أَقَامَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - بِالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، يُضَحِّي كُلَّ سَنَةٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، فِيهِ الحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْعَنَهُ، وَقَدْ عِيبَ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ. 3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالبَيْهَقِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَرَجَّحَ الأَئِمَّةُ وَقْفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. 4- عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً). قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ. انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ بِأَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ أَبُو رَمْلَةَ (عَامِرٌ) قَالَ فِي ((التَّقْرِيبِ)): لَا يُعْرَفُ. وَقَالَ المَعَافِرِيُّ: هَذَا الحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. 5- عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ). ضَعِيفٌ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي وَالبَيْهَقِيُّ. 6- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قُلْتُ: أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الأَضَاحِي؟ قَالَ: "سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ". قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: "بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَالصُّوفُ؟ قَالَ: "بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوْفِ حَسَنَةٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، ضَعِيفٌ، فِي إِسْنَادِهِ عَائِذُ اللهِ المُجَاشِعِيُّ، لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ. 7- عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا». ضَعِيفٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، ضَعِيفٌ، وَأَبُو المُثَنَّى، مَعَ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. 8- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: "مَا أُنْفِقَتِ الوَرِقُ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ نَحِيرَةٍ يَنْحَرُهَا فِي يَوْمِ عِيدٍ". رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، ضَعِيفٌ. 9- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ -، قَالَ: "عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ ذَبْحِكُمُ الضَّأْنَ فِي يَوْمِ عِيدِكُمْ". رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، ضَعِيفٌ. 10- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: "يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً، فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ، أَمْ لِلْمُسْلِمينَ عَامَّةً؟، قَالَ: "بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً". رَوَاهُ الحَاكِمُ، وَفِي سَنَدِهِ النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البَجَلِيُّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، ضَعِيفَانِ. 11- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: "مَنْ ذَبَحَ كَبْشًا أَقْرَنَ فَكَأَنَّمَا ذَبَحَ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَمَنْ ذَبَحَ خَصِيًّا فَكَأَنَّمَا ذَبَحَ خَمْسِينَ بَدَنَةً، وَمَنْ ذَبَحَ نَعْجَةً فَكَأَنَّمَا ذَبَحَ بَقَرَةً، وَمَنْ ذَبَحَ بَقَرَةً فَكَأَنَّمَا ذَبَحَ عَشْرَ بَدَنَاتٍ". ضَعِيفٌ، رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ العَبْسِيُّ مَجْهُولٌ يَرْوِي المَنَاكِيرَ. 12- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: «اسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ، فَإِنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ». رَوَاهُ صَاحِبُ الفِرْدَوْسِ، ضَعِيفٌ جِدًّا، فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عُبَيدِ اللهِ، لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ. 13- حَدِيثُ (مَنْ ضَحَّى طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبًا لِأُضْحِيَتِهِ؛ كَانَتْ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ). مَوْضُوعٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ أَبُو دَاوُدَ النَّخَعِيُّ، كَذَّابٌ. 14- حَدِيثُ (إِنَّ اللهَ يَعْتِقُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنَ الضَّحِيَّةِ عُضْوًا مِنَ المُضَحِّي). لَا أَصْلَ لَهُ. 15- عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ضَحُّوا وَاحْتَسِبُوا بِدِمَائِهَا؛ فَإِنَّ الدَّمَ وَإِنْ وَقَعَ فِي الأَرْضِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي حِرْزِ اللهِ). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ. 16- حَدِيثُ (مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ فِي هَذَا اليَوْمِ أَفْضَلَ مِنْ دَمٍ يُهْرَاقُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَحِمًا مَقْطُوعَةً تُوصَلُ). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى الخُشَنِيُّ. 17- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ، فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ. ضَعِيفٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَقَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ. 18- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - نَهَى عَنِ الذَّبْحِ لَيْلًا. لَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: بَقِيَّةُ لَيْسَ بِالقَوِيِّ، وَمُبَشِّرُ بْنُ عُبَيدٍ مَذْكُورٌ بِوَضْعِ الحَدِيثِ عَمْدًا، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ. 19- عَنْ أَبِي كِبَاشٍ قَالَ: «جَلَبْتُ غَنَمًا جَذَعًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَسَدَتْ عَلَيَّ، فَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - يَقُولُ: نِعْمَ - أَوْ نِعْمَتْ - الْأُضْحِيَةُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ. قَالَ: فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ». فِيهِ ضَعْفٌ لِجَهَالَةِ بَعْضِ رِجَالِهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ: حَسَنٌ. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا، وَجَابِرٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَغَيرِهِمْ. قَالَ مُقَيِّدُهُ: فِي البَابِ أَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، تَدُلُّ عَلَى إِجْزَاءِ الجَذَعِ مَعَ وُجُودِ المُسِنَّةِ، لَا عَلَى فَضْلِ الجَذَعِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. * مَلْحُوظَةٌ: قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: لَيْسَ فِي فَضْلِ الأُضْحِيَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. انتهى. قَالَ مُقَيِّدُهُ: حَسْبُنَا فِي فَضْلِهَا مَا جَاءَ فِي القُرْآنِ، وَمَا صَحَّ مِنَ السُّنَّةِ، حَيْثُ ضَحَّى النَّبِيُّ - ﷺ - بِكَبْشَيْنِ، وَعَمِلَ بِهَا الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ، وَوَاظَبَ عَلَيْهَا أَعْيَانُ المُسْلِمِينَ، وَثَبَتَ مَرْفُوعًا: (أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. (26) الإِمْسَاكُ عَنْ أَخْذِ الشَّعْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ الإِمْسَاكِ عَنْ أَخْذِ الشَّعْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ؟ فَأَجَابَ: رَوَى الجَمَاعَةُ إِلَّا البُخَارِيَّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَاَدَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ). وَفِي رِوَايَةٍ: (فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا). قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الأُضْحِيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ: لَا يُكْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُكْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ، دُونَ الوَاجِبِ. وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ. وَاحْتَجَّ الشّافِعِيُّ وَالآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ - ﷺ -، ثُمَّ يُقَلِّدُهُ، وَيَبْعَثُ بِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللهُ، حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. انتهى. وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَرْجَحُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَجَمَعَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ؛ بِحَمْلِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى مَنْعِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ حَلْقِ شَعْرِهِ وَقَصِّ أَظْفَارِهِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ حَتَّى يُضَحِّيَ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى الإِطْلَاقِ بِأَنْ يَحِلَّ لَهُ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ المُحْرِمُ مِنَ المَحْظُورَاتِ سِوَى قَصِّ الأَظْفَارِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَذَكَرَ أَنَّ المَنْعَ مِنْ قَصِّ الأَظْفَارِ وَمِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - ﷺ -. قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، أَوْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. انتهى. مَسَائِلُ: - الحَاجُّ وَالمُعْتَمِرُ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نُسُكٌ وَاجِبٌ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ إِبِطِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ وَلَا مِنْ شَعْرِهِ عِنْدَ الإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ. - النَّهْيُ خَاصٌّ بِالمُضَحِّي وَحْدَهُ، لَا بِأَهْلِهِ، وَلَا وَكِيلِهِ. - يَجُوزُ غَسْلُ الشَّعْرِ، وَتَسْرِيحُهُ بِرِفْقٍ، وَإِزَالَةُ الظُّفْرِ المُنْكَسِرِ. - مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ فِي العَشْرِ، لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ. (27) التَّشْرِيكُ فِي سُبْعِ البَدَنَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ التَّشْرِيكِ فِي سُبْعِ البَدَنَةِ؟ فَأَجَابَ: لَا مَانِعَ مِنَ التَّشْرِيكِ فِي الثَّوَابِ فِي سُبْعِ البَدَنَةِ، وَأَنْ يُضَحِّيَ الرَّجُلُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، كَمَا هُوَ الحَالُ فِي الأُضْحِيَةِ مِنَ الغَنَمِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ سُبْعَ البَدَنَةِ لَا يَكْفِي إِلَّا عَنِ الرَّجُلِ دُونَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْرِكُ فِي ثَوَابِ سُبْعِ البَدَنَةِ، وَأَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الثَّوَابِ خَاصٌّ بِأُضْحِيَةِ الغَنَمِ، وَهِيَ التِي تَكْفِي عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ دُونَ سُبْعِ البَدَنَةِ؛ فَقَوْلُهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ سُبْعَ البَدَنَةِ لَا يَكْفِي إِلَّا عَنِ الرَّجُلِ دُونَ أَهْلِ بَيْتِهِ بِظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ: (كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ سُبْعَ البَدَنَةِ لَا يُشْرَكُ فِي ثَوَابِهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: ‏(‏أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ - ﷺ - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ‏)‏‏. ‏متفق عليه؛ فَاسْتِدْلَالٌ مَرْدُودٌ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، بَلْ قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَبُرْهَانٌ لِمَنْ سَاوَى بَيْنَ سُبْعِ البَدَنَةِ وَالرَّأْسِ مِنَ الغَنَمِ لَا ضِدُّهُ. وَالبَدَنَةُ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ إِجْمَاعًا، فَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ الجُمْهُورِ لَزِمَهُ المُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَنْفَكُّ عَنْ هَذَا اللُّزُومِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ هُنَا. وَقَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَأَمَّا كَوْنُ الشَّاةِ يَجُوزُ إِهْدَاءُ ثَوَابِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَسُبْعِ البَدَنَةِ لَا يَجُوزُ؛ فَهَذَا قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَدِلَّةِ، وَلِكَلَامِ الفُقَهَاءِ، وَلِلْحِكْمَةِ وَالمُنَاسَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ. انتهى. (28) تَعَدُّدُ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ تَعَدُّدِ الأُضْحِيَةِ؟ فَأَجَابَ: سُئِلَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ (رَحِمَهُ اللهُ): هَلْ مِنَ الأَفْضَلِ أَنْ تُضَحِّيَ المَرْأَةُ عَنْ نَفْسِهَا مَعَ أَنَّ زَوْجَهَا يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَهِيَ مِنْهُمْ؟ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللهُ -: (إِنَّ هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَخِلَافُ السُّنَّةِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي لِلْبَيْتِ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، تَشْمَلُ أَهْلَ البَيْتِ الوَاحِدِ كُلَّهُمْ، وَيَقُولُ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَنَجِدُ أَحْيَانًا الزَّوْجَ يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَتَأْتِي زَوْجَتُهُ وَتَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ أَنَا أَيْضًا، وَتَأْتِي أُخْتُهُ وَتَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ، ثُمَّ تَأْتِي البِنْتُ وَتَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ، فَتَجْتَمِعُ فِي البَيْتِ الوَاحِدِ ضَحَايَا مُتَعَدِّدَةٌ، وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ، فَإِنَّ أَكْرَمَ الخَلْقِ مُحَمَّدًا - ﷺ - لَمْ يُضَحِّ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ تِسْعَ نِسَاءٍ - يَعْنِي تِسْعَةَ بُيُوتٍ -، وَمَعَ ذَلِكَ مَا ضَحَّى إِلَّا بِوَاحِدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَضَحَّى بِأُخْرَى عَنْ أُمَّتِهِ - ﷺ -، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يُضَحِّي الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَوْمَ فَهُوَ ((إِسْرَافٌ))، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الذِينَ يُضَحُّونَ بِهَذِهِ الضَّحَايَا، إِذَا كَانَ عِنْدَكُمْ فَضْلُ مَالٍ، فَهُنَاكَ أُنَاسٌ مُحْتَاجُونَ لِهَذَا المَالِ مِنَ المُسْلِمِينَ. لقاء باب المفتوح (3/ 92)، فتاوى الشيخ (25/ 175). وَفِي جَوَابِ شَيْخِنَا فِقْهٌ بَدِيعٌ، مِنْ عَالِمٍ ضَلِيعٍ. وَمَا أَحْبَبْتُ الإِشَارَةَ إِلَيْهِ مَا يَلِي: لَا شَكَّ أَنَّ الوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَثُرُوا، وَأَنَّ المُبَاهَاةَ وَالمُفَاخَرَةَ فِي العَدَدِ مَذْمُومَةٌ؛ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَلَكِنَّ تَعَبُّدَ الرَّجُلِ أَوْ أَهْلِ البَيْتِ الوَاحِدِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مَعَ الإِيسَارِ، لَا دَلِيلَ يَمْنَعُ مِنْهُ؛ بَلْ ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ - ﷺ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ). متفق عليه. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ العَدَدِ فِي الأُضْحِيَةِ. انتهى. وَفِي شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ لِابْنِ بَطَّالٍ: وَهَذِهِ الآثَارُ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمُفَسِّرَةٌ لَهُ، وَاخْتِلَافُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ، فَهُوَ أَزْيَدُ فِي أَجْرِهِ. وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَثَبَتَ عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ. وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: أَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ. وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ، فَضَحَّوْا هُمْ - «يَعْنِي أَهْلَ العِرَاقِ» - عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاة. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَأَهْدَى النَّبِيُّ - ﷺ - مِائَةَ بَدَنَةٍ، (فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لِذَا فَضَّلَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ البَدَنَةَ الكَامِلَةَ عَلَى الكَبْشِ. وَالفُقَهَاءُ يَقِيسُونَ الضَّحَايَا عَلَى الهَدَايَا. وَقَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الضَّحَايَا كَحُكْمِ الهَدَايَا، فَمَا جَازَ فِي الهَدَايَا، جَازَ فِي الضَّحَايَا. انتهى وَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ الأُضْحِيَةِ مَحَلَّ ذَمٍّ وَخِلَافَ السُّنَّةِ؛ لَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ، خَاصَّةً وَالحَاجَةُ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ظَاهِرِيَّتِهِ: وَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ الوَاحِدُ بِعَدَدٍ مِنَ الأَضَاحِي، ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - ﷺ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالأُضْحِيَةُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَالاسْتِكْثَارُ مِنَ الخَيْرِ حَسَنٌ. انتهى. وَقَالَ فِي كِتَابِ المَسَالِكِ: وَالاخْتِيَارُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ، أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ شَاةً، فَإِنْ ضَحَّى بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْزَأَهُمْ. وَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الوَاحِدَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ تُجْزِئُ الإِنْسَانَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنْ يُضَحِّيَ عَنِ الإِنْسَانِ بِشَاةٍ لِمَنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَإِذَا ضَحَّى الإِنْسَانُ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثِنْتَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ. وَفِي فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ: إِذَا كَانَتْ العَائِلَةُ كَثِيرَةً، وَهِيَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَيُجْزِئُ عَنْهُمْ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ضَحَّوْا بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ. انتهى. (29) مُلَخَّصُ أَحْكَامِ الأُضْحِيَةِ سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: لَوْ تَفَضَّلْتُمْ شَيْخَنَا بِذِكْرِ مُلَخَّصٍ لِأَحْكَامِ الأُضْحِيَةِ. فَأَجَابَ: الأُضْحِيَةُ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ، وَقُرْبَةٌ مِنْ قُرَبِهِ العِظَامِ بِإِجْمَاعِ العُلَمَاءِ، قَالَ تَعَالَى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وَقَدْ ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ، وَأَمَرَ بِالأُضْحِيَةِ، وَحَضَّ عَلَيْهَا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ - رَضِيَ الله عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا وُقُوفًا مَعَ النَّبِيِّ - ﷺ - بِعَرَفَاتٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةٌ). رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَقَوَّى إِسْنَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا عَلَى أَقْوَالٍ: القَوْلُ الأَوَّلُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ. القَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الجُمْهُورِ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ‏:‏ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَصَحَّ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَنِ الجُمْهُورِ. وَلَيْسَ فِي الآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا. انتهى. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مُحَسَّنًا: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الأُضْحِيَةِ‏:‏ أَهِيَ وَاجِبَةٌ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - ﷺ - وَالمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ). فَيَنْبَغِي عَلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الأُضْحِيَةِ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الأَصْلِيَّةِ أَنْ يُضَحِّيَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، لَكِنْ رَجَّحَ الْأَئِمَّةُ غَيْرُهُ وَقْفَهُ. قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: وَالأُضْحِيَةُ مِنَ النَّفَقَةِ بِالمَعْرُوفِ، فَيُضَحِّي عَنِ اليَتِيمِ مِنْ مَالِهِ، وَتَأْخُذُ المَرْأَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا مَا تُضَحِّي بِهِ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ، وَيُضَحِّي المَدِينُ إِذَا لَمْ يُطَالَبْ بِالوَفَاءِ، وَيَتَدَيَّنُ وَيُضَحِّي إِذَا كَانَ لَهُ وَفَاءٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. انتهى. وَمَا ذَبَحَ النَّبِيُّ - ﷺ - فِي يَوْمِ النَّحْرِ أُضْحِيَةً وَلَا هَدْيًا إِلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ: الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، فَأَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الأُضْحِيَةِ غَيْرُهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا شَذَّ. وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، وَيُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. وَفِي لَفْظٍ: ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: سَمِينَيْنِ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ فِي «صَحِيحِهِ»: ثَمِينَيْنِ، بِالْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ السِّينِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ». فَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُبَاشِرَ المُضَحِّي ذَبْحَ أُضْحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَيُسَمِّيَ عَلَى ذَبْحِهَا وُجُوبًا وَيُكَبِّرَ، وَيَذْبَحَ كَمَا ذَبَحَ النَّبِيُّ - ﷺ -، وَيُحْسِنَ الذِّبْحَةَ، آخِذًا بِآدَابِ الذَّبْحِ وَالرِّفْقِ بِالحَيَوَانِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: "أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - أَضْجَعَ أُضْحِيَتَهُ، فَقَالَ: أَعِنِّي عَلَى أُضْحِيَتِي. فَأَعَانَهُ". قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - ﷺ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْن،ِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ". رواه البخاري. فَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُضْحِيَةٍ مَشْرُوعٌ. وَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: "سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَنَاهَى النَّاسُ كَمَا تَرَى". فَيَكْفِي رَبَّ الأُسْرَةِ أَنْ يُضَحِّيَ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ زَادَ قُرْبَةً لَا رِيَاءً وَسُمْعَةً؛ فَحَسَنٌ، فَالوَاحِدَةُ تُجْزِئُ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، أَوْ تَعَدَّدَتْ بُيُوتُ نِسَائِهِ. وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ضُيُوفُهُ وَلَا أَوْلَادُهُ المُتَأَهِّلُونَ فِي بُيُوتٍ مُسْتَقِلَّةٍ تَمَامًا. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ إِذَا ضَحَّى؛ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ سَمِينَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ؛ أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا، مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالبَلَاغِ)، ثُمَّ يُؤْتَي بِالآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ: (هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ). فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا المَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالبَّزَارُ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. فَوَقْتُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ يَبْدَأُ جَوَازًا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ العِيدِ، وَالأَفْضَلُ بَعْدَ الخُطْبَةِ وَذَبْحِ إِمَامِ المُسْلِمِينَ أُضْحِيَتَهُ. وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ، قَالَ: اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ". متفق عليه. وَفِي رِوَايَةٍ "عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ". فَالوَاحِدَةُ الثَّمِينَةُ؛ لِسِمَنِهَا، وَنَفَاسَتِهَا، وَطِيبِ لَحْمِهَا؛ أَوْلَى مِنَ اثْنَتَيْنِ دُونَهَا فِي الثَّمَنِ وَالمُوَاصَفَاتِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالذَّبْحُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَفْضَلُ، فعَنِ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - ﷺ - يَخْطُبُ فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا، أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا). رواه البخاري. وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - ﷺ -: (وَعَرَفْتُ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي). وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ ذَبْحِهَا اقْتِدَاءً: اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَنْ - ثُمَّ يَذْكُرُ مَنْ أَشْرَكَهُمْ فِي الأَجْرِ- وَلَيْسَ هَذَا تَلَفُّظًا بِالنِّيَّةِ. وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يُضَحِّيَ بِوَاحِدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ المَيِّتَ بِأُضْحِيَةٍ مِنْ وَصِيَّتِهِ، أَوْ صَدَقَةً عَنْهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يُضَحَّى عَنِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: (قَسَمَ النَّبِيُّ - ﷺ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا). رواه البخاري. فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُضَحِّيَ بِالأُضْحِيَةِ التِي آلَتْ إِلَيْهِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ، وَبِالتِي أُعِينَ عَلَى ثَمَنِهَا تَبَرُّعًا لَا شَرَاكَةً. وَقَدْ أَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ‏. عَلَّقَهُ البُخَارِيُّ، وَوَصَلَهُ الحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ.‏ فَلِأَهْلِ البَيْتِ الوَاحِدِ أَنْ يُضَحِّيَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِأُضْحِيَةٍ أُخْرَى. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ). متفق عليه. أَخَذَ بَعْضُ العُلَمَاءِ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الأُضْحِيَةَ بِالجَمَلِ عَنْ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ شَاةٍ، ثُمَّ البَقَرَةِ، ثُمَّ الكَبْشِ، ثُمَّ جَذَعَةٍ مِنَ الضَّأْنِ، ثُمَّ المَعْزِ، ثُمَّ سُبْعِ بَدَنَةٍ، ثُمَّ سُبْعِ بَقَرَةٍ. وَإِذَا عَزَفَ أَهْلُ بَلَدٍ عَنْ جِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ انْتَقَلَ إِلَى غَيْرِهِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الأَفْضَلَ الشَّاةُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - ﷺ - وَهُوَ لَا يَفْعَلُ إِلَّا الأَفْضَلَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: (يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ)، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَالأُضْحِيَةُ مَشْرُوعَةٌ لِلْحَاضِرِ وَالبَادِ وَالمُقِيمِ وَالمُسَافِرِ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ: «الأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ»: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَبِهِ قَالَ عَدَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. فَهَذِهِ الأَيَّامُ الأَرْبَعَةُ أَيَّامُ ذَبْحِ الأَضَاحِي عَلَى الأَرْجَحِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَابْنُ القَيِّمِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحُجَّةُ الجُمْهُورِ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَفَعَهُ: "فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، لَكِنْ فِي سَنَدَهِ انْقِطَاعٌ، وَوَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تُشْرَعُ لَيْلًا كَمَا تُشْرَعُ نَهَارًا، إِلَّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا. وَقَالَ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ). أَكْثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ بِالأَكْلِ مِنَ الأُضْحِيَةِ لِلاسْتِحْبَابِ، وَقَدْ جَزَّأَتِ الآيَةُ الأُضْحِيَةَ إِلَى نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ لِلْمُضَحِّي، وَنِصْفٌ لِلْفُقَرَاءِ. وَجَزَّأَتِ الآيَةُ الأُخْرَى الأُضْحِيَةَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ، قَالَ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، فَالأَمْرُ فِيهِ سَعَةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ - ﷺ -: ((كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. وَوَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ تَقْسِيمُ الأُضْحِيَةِ أَثْلَاًثا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالمُسِنَّةُ: الثَّنِيَّةُ فَمَا فَوْقَهَا مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، وَالجَذَعُ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ. وَالثَّنِيَّةُ مِنَ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنَ الجَذَعِ، وَيُجزِئُ الجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ فَقَطْ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ المُسِنَّةِ، فِي قَوْلِ الجُمْهُورِ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: "ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - بِجَذَعٍ مِنَ الضَّأْنِ". أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ قَوِيٍّ. وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: ‏(أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ - ﷺ - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ‏)‏‏. ‏متفق عليه‏.‏ فَجُمْهُورُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ الجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَحُكِيَ إِجْمَاعًا. وَسَوَاءٌ كَانَتْ لِشَخْصٍ أَوْ لِأَشْخَاصٍ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الأَسْبَاعِ قُصِدَ بِهِ اللَّحْمُ. وَتُجْزِئُ الوَاحِدَةُ مِنَ الغَنَمِ عَنِ الشَّخْصِ الوَاحِدِ وَلَوِ اشْتَرَكَ فِي ثَمَنِهَا عَدَدٌ، وَيُجْزِئُ سُبْعُ البَعِيرِ أَوْ سُبْعُ البَقَرَةِ عِنِ الشَّخْصِ الوَاحِدِ؛ وَيُشْرِكُ فِي ثَوَابِهِ كَمَا يُشْرِكُ فِي الرَّأْسِ مِنَ الغَنَمِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - فَقَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالنَّوَوِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ!. فَهَذِهِ العُيُوبُ الأَرْبَعَةُ لَا تُجْزِئُ مَعَهَا الأُضْحِيَةُ بِالاتِّفَاقِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِثْلُهَا أَوْ أَشَدُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ قُلْتُ: ـ يَعْنِي لِلبَرَاءِ ـ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي القَرْنِ نَقْصٌ، أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي السِّنِّ نَقْصٌ، فَقَالَ ـ يَعْنِي البَرَاء ـ: مَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ -: (نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِعَضْبَاءِ الأُذُنِ وَالقَرْنِ). رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، وَلَا نُضَحِّيَ بِعَوْرَاءَ، وَلَا مُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا خَرْمَاءَ، وَلَا ثَرْمَاءَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ. وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. الْمُقَابَلَةُ، وَالمُدَابَرَةُ، وَالشَّرْقَاءُ، وَالخَرْقَاءُ أَوِ الخَرْمَاءُ: عُيُوبٌ فِي الأُذُنِ، وَهَذِهِ العُيُوبُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تُكْرَهُ مَعَ الإِجْزَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ قَالَ: أَتَيْتُ عُتْبَةَ السُّلَمِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الوَلِيدِ، إِنِّي خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ الضَّحَايَا فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يُعْجِبُنِي غَيْرَ ثَرْمَاءَ فَمَا تَقُولُ؟. قَالَ: أَلَا جِئْتَنِي أُضَحِّي بِهَا؟ قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، تَجُوزُ عَنْكَ وَلَا تَجُوزُ عَنِّي؟!. قَالَ نَعَمْ، إِنَّكَ تَشُكُّ وَلَا أَشُكُّ، إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللهِ - ﷺ - عَنِ: (المُصْفَرَّةِ، وَالمُسْتَأْصَلَةِ، وَالبَخْقَاءِ، وَالمُشَيَّعَةِ، وَالكَسْرَاءِ؛ فَالمُصْفَرَّةُ التِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا حَتَّى يَبْدُوَ صِمَاخُهَا، وَالمُسْتَأْصَلَةُ التِي ذَهَبَ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ، وَالبَخْقَاءُ التِي تُبْخَقُ عَيْنُهَا، وَالمُشَيَّعَةُ التِي لَا تَتْبَعُ الغَنَمَ عَجَفًا وَضَعْفًا، وَالكَسْرَاءُ التِي لَا تُنْقِي). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَقَالَ الحَاكِمُ: صَحِيحُ الإِسْنَادِ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذِهِ العُيُوبِ المَكْرُوهَةِ العُيُوبُ المُسَاوِيَةُ لَهَا وَالأَقْبَحُ مِنْهَا. وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ). متفق عليه. فَالأُضْحِيَةُ تَتَعَيَّنُ بِاللَّفْظِ، وَبِالشِّرَاءِ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ أَنَّهَا أُضْحِيَةٌ، وَبِذَبْحِهَا أُضْحِيَة، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ أُضْحِيَةً تَعَلَّقَ بِذَلِكَ أَحْكَامٌ؛ مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ المِلْكِ فِيهَا، إِلَّا أَنْ تُبَدَّلَ بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَإِذَا تَعَيَّبَتْ بِمَا يَمْنَعُ الإِجْزَاءَ، أَوْ مَاتَتْ، أَوْ ضَلَّتْ، فَإِنْ كَانَ بِدُونِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا، وَمَتَى وَجَدَ الضَّالَّةَ ذَبَحَهَا؛ وَيَذْبَحُ المَعِيبَةَ وَتُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ؛ فَيَلْزَمُهُ إِبْدَالُهَا بِمِثْلِهَا أَوْ أَعْلَى. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ - ﷺ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أُقَسِّمَ لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَا أُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا. متفق عليه. فَيَحْرُمُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنَ الأُضْحِيَةِ كَالجِلْدِ أَوْ غَيْرِهِ؛ وَلَا يُعْطِي الجَازِرَ شَيْئًا مِنْهَا فِي مُقَابَلَةِ أُجْرَتِهِ.