شخصيات في القرآن 1- قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ). فَالشَّخْصِيَّاتُ المَوْجُودَةُ فِي القُرْآنِ، مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ، وَمِنْهُمُ الكُفَّارُ، وَمِنْهُمُ الأَبْرَارُ، وَمِنْهُمُ الفُجَّارُ، فَفِي القُرْآنِ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَفِيهِ أَشْقَى الخَلْقِ وَأَرْذَلُهُمْ وَأَقْبَحُهُمْ، وَهُوَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ، المَطْرُودُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَفِي القُرْآنِ النَّبِيُّ وَالوَلِيُّ وَالشَّقِيُّ، وَشَخْصِيَّاتٌ صَالِحَةٌ، وَأُخْرَى طَالِحَةٌ، وَالمَقْصُودُ مِنَ المُرُورِ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ: الاقْتِدَاءُ بِالأَخْيَارِ، وَالحَذَرُ مِنْ مُشَابَهَةِ الأَشْرَارِ، وَالوَلَاءُ لِلصَّالِحِينَ، وَالبَرَاءُ مِنَ المُجْرِمِينَ، وَاللهُ جَلَّ وَعَلَا: (يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ)، فَنَسْأَلُهُ الهِدَايَةَ إِلَى صِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ. 2- قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا) لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَشَرَّفَهُ بِأُمُورٍ عَدِيدَةٍ؛ مِنْهَا: خَلْقُهُ لَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ، وَنَفْخُهُ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمْرُهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَتَعْلِيمُهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِسْكَانُهُ وَزَوْجُهُ الجَنَّةَ السَّمَاوِيَّةَ، وَتَوْبَتُهُ عَلَيْهِ وَاجْتِبَاؤُهُ إِيَّاهُ، بَعْدَ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُ عَنِ الأَكْلِ مِنْهَا، وَاصْطَفَاهُ نَبِيًّا. وَكَرَّمَ بَنِيهِ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ، وَأَذَلَّ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ وَأَخْزَاهُ، وَطَرَدَهُ هُوَ وَذُرِّيَّتَهُ المَرَدَةَ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِيَّةِ. 3- قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) فَهَذَا الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ اسْتَحَقَّ اللَّعْنَ وَالطَّرْدَ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ)، وَلِأَنَّ نَفْسَهُ خَبِيثَةٌ شِرِّيرَةٌ خَالَفَ أَمْرَ اللهِ وَتَكَبَّرَ، وَأَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَصُدَّ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَكَانَ تَبْرِيرُهُ لِمَعْصِيَتِهِ فِي غَايَةِ القُبْحِ. فَمَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا العُنْصُرُ النَّارِيُّ الشِّرِّيرُ مِنَ العُنْصُرِ النُّورِيِّ المَلَائِكِيِّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ". وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "لَمْ يَكُنْ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَطُّ". 4- قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)؛ يَعنِي جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَاحِبَ المَكَانَةِ العَالِيَةِ الرَّفِيعَةِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الحَاجِبِ مِنَ المَلِكِ، وَهُوَ أَفْضَلُ المَلَائِكَةِ وَأَشْرَفُهُمْ، وَأَقْرَبُهُمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ إِلَى نَبِيِّهِ بِالقُرْآنِ وَالحَدِيثِ اللَّذَيْنِ هُمَا رُوحُ الحَيَاةِ الحَقِيقِيَّةِ، فَكَانَ جِبْرَائِيلُ رُوحًا وَرَحْمَةً، كَمَا أَنَّهُ فِي مُنْتَهَى القُوَّةِ، قَالَ تَعَالَى: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ)، فَحَازَ شَرَفَ التَّعْلِيمِ وَالقُوَى المُتَعَدِّدَةِ، فَقَدْ حَمَلَ قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَى جَنَاحِهِ، وَسَدَّ الأُفُقَ بِأَجْنِحَتِهِ، فَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، وَحَسْبُهُ شَرَفًا وَرُتْبَةً قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي وَصْفِهِ: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)؛ يَعْنِي جِبْرِيلَ، (ذِي قُوَّةٍ)؛ أَيْ: لَا تَعْدِلُهَا قُوَّةٌ، (عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)، فَهُوَ ذُو مَكَانَةٍ عِنْدَ اللهِ، (مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)، فَالمَلَائِكَةُ تُطِيعُهُ، وَهُوَ أَمِينٌ عِنْدَ رَبِّهِ عَلَى وَحْيِهِ وَرِسَالَتِهِ وَمَا ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ، فَأَيُّ شَرَفٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الشَّرَفِ؟! 5- قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا)، وَقَالَ تَعَالَى لَهُ: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا). فَخَلِيلُ اللهِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اصْطَفَاهُ اللهُ، فَهُوَ إِمَامُ المُوَحِّدِينَ، وَوَالِدُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَالأُسْوَةُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ: وَلَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ ... أَنْ يَجْمَعَ العَالَمَ فِي وَاحِدِ فَهُوَ أَفْضَلُ الخَلْقِ بَعْدَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ خَصَّهُمَا اللهُ تَعَالَى بِذِكْرِنَا إِيَّاهُمَا فِي الصَّلَاةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "الكَلِمَاتُ الَّتِي ابْتَلَى اللهُ بِهِنَّ إِبْرَاهِيمَ فَأَتَمَّهُنَّ: فِرَاقُ قَوْمِهِ فِي اللهِ حِينَ أُمِرَ بِمُفَارَقَتِهِمْ، وَمُحَاجَّتُهُ نُمْرُودَ فِي اللهِ، وَصَبْرُهُ عَلَى قَذْفِهِ إِيَّاهُ فِي النَّارِ لِيَحْرِقُوهُ فِي اللهِ، وَالهِجْرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وَطَنِهِ وَبِلَادِهِ فِي اللهِ، حِينَ أَمَرَهُ بِالخُرُوجِ عَنْهُمْ، وَمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الضِّيَافَةِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَمَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ حِينَ أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ". قَالَ تَعَالَى: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ)؛ أَيْ: فِيمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ، عَلَى أَكْمَلِ قَصْدٍ، وَأَتَمِّ فِعْلٍ، وَأَسْلَمَ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. 6- قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) هَذَا الطَّاغُوتُ يُقَالُ لَهُ: نُمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ بْنِ كُوشَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، اسْتَجْهَلَ قَوْمَهُ وَاسْتَخَفَّ بِعُقُولِهِمْ، فَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّةَ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا. قَالَ قَتَادَةُ: يُقَالُ لَهُ نُمْرُودُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَلِكٍ تَجَبَّرَ فِي الأَرْضِ، وَهُوَ صَاحِبُ الصَّرْحِ بِبَابِلَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَلَكَ الأَرْضَ مَشْرِقَهَا وَمَغْرِبَهَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ: مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ، فَالمُؤْمِنَانِ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَذُو القَرْنَيْنِ، وَالكَافِرَانِ: بُخْتَنَصَّرُ، وَنُمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ، لَمْ يَمْلِكْهَا غَيْرُهُمْ. لَقَدْ أَقَامَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الحُجَّةَ عَلَى هَذَا الكَافِرِ بِالنِّعْمَةِ، الجَاحِدِ لِلْمِلَّةِ، بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الرَّبُّ الخَالِقُ المُدَبِّرُ، المُسْتَحِقُّ لِلْأُلُوهِيَّةِ، المُتَفَرِّدُ بِالعُبُودِيَّةِ، فَلَمَّا تَكَبَّرَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِ - أَحْقَرَ خَلْقِهِ، وَأَصْغَرَ جُنْدِهِ – بَعُوضَةً، فَدَخَلَتْ فِي مِنْخَرِهِ، حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِالمِرْزَبَّةِ عَلَى رَأْسِهِ لِيَهْدَأَ أَلَمُهَا، فَلَا يَهْدَأُ إِلَى أَنْ مَاتَ. 7- قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)؛ يَعْنِي يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا، وَجِهَارًا. قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، قَالَ الحَسَنُ: "هَذَا حَبِيبُ اللهِ، هَذَا وَلِيُّ اللهِ، هَذَا صِفْوَةُ اللهِ، هَذَا خِيرَةُ اللهِ، هَذَا أَحَبُّ الخَلْقِ إِلَى اللهِ". وَقَدْ مَدَحَ اللهُ نُوحًا بِالعُبُودِيَّةِ، وَكَثْرَةِ الحَمْدِ وَالشُّكْرِ، قَالَ تَعَالَى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)، قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى طَعَامِهِ، وَشَرَابِهِ، وَلِبَاسِهِ، وَشَأْنِهِ كُلِّهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: "النَّاسُ كُلُّهُمْ ذُرِّيَةُ مَنْ أَنْجَى اللهُ فِي تِلْكَ السَّفِينَةِ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ مَا نَجَا فِيهَا يَوْمَئِذٍ غَيْرُ نُوحٍ وَامْرَأَتِهِ، وَثَلَاثِ نِسْوَةٍ، وَثَلَاثَةِ بَنِينَ لَهُ، وَهُمْ: سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ؛ فَأَمَّا سَامٌ: فَأَبُو العَرَبِ؛ وَأَمَّا حَامٌ: فَأَبُو الحَبَشِ؛ وَأَمَّا يَافِثُ: فَأَبُو الرُّومِ. 8- قَالَ تَعَالَى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ). فَيَامُ بْنُ نُوحٍ أَغْرَقَهُ اللهُ لِكُفْرِهِ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ الحَسَنِ، فَقَالَ: "نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ"، لَعَمْرُ اللهِ مَا هُو ابْنُهُ! «يَعْنِي الحَسَنُ أَنَّهُ رَبِيبُهُ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، يَقُولُ: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ، وَتَقُولُ: لَيْسَ بِابْنِهِ؟! قَالَ: أَفَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنَجِّيَهُمْ مَعَكَ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الكِتَابِ أَنَّهُ ابْنُهُ. قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الكِتَابِ يَكْذِبُونَ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هُوَ ابْنُهُ، مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ". وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكَ ابْنَ نُوحٍ، أَبْنُهُ؟ فَسَبَّحَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يُحَدِّثُ اللهُ مُحَمَّدًا: "وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ" وَتَقُولُ: لَيْسَ مِنْهُ؟! وَلَكِنْ خَالَفَهُ فِي العَمَلِ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ. 9- قَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا). لَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ إِدْرِيسَ بِأَنَّهُ صِدِّيقٌ نَبِيٌّ، رَفِيعُ المَكَانَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَوَصَفَهُ اللهُ بِأَنَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ خَيَّاطًا، فَكَانَ لَا يَغْرِزُ إِبْرَةً إِلَّا قَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ"، فَكَانَ يُمْسِي حِينَ يُمْسِي، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَفْضَلَ عَمَلًا مِنْهُ". وَقِيلَ: كَانَ أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ بَعْدَ آدَمَ وَابْنِهِ شِيثَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ، وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، فِي الْإِسْرَاءِ: أَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. (يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالابْنِ الصَّالِحِ). وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيضًا: بَابُ ذِكْرِ إِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَهُوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ، وَيُقَالُ: جَدُّ نُوحٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. 10- قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ). قَالَ المُفَسِّرُونَ: إِلْيَاسُ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ، نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ - وَلَيْسَ هُوَ إِدْرِيسَ - مِنْ نَسْلِ شِيثَ بْنِ آدَمَ، وَاخْتُلِفَ فِي مَوْطِنِهِمَا، فَقِيلَ: إِدْرِيسُ بِبَابِلَ، وَإِلْيَاسُ بِبَعْلَبَكَّ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: "وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ". وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَيُؤَيِّدُ أَنَّ إِدْرِيسَ لَيْسَ هُوَ إِلْيَاسَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: أَنَّ إِدْرِيسَ قَبْلَ نُوحٍ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الكَثِيرُ؛ بَلْ قِيلَ: إِنَّهُ أَدْرَكَ مِنْ حَيَاةِ آدَمَ، مَا يَزِيدُ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. وَمَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ كَانُوا عَلَى الإِسْلَامِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ.