كَبَائِرُ الإِثْمِ

 

المُقدِّمَةُ

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ - جَلَّ وَعَلَا - وَعَدَ عَلَى الحَسَنَاتِ، وَتَوَعَّدَ عَلَى السَّيِّئَاتِ، وَبَيَّنَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ السَّيِّئَاتِ تَتَفَاوَتُ فِي حَجْمِهَا:

فَمِنْهَا: الكَبَائِرُ، وَتَشْمَلُ المُوبِقَاتِ (أَيِ: المُهْلِكَاتِ) وَيُطلَقُ عَلَيْهَا أَكْبَرُ الكَبَائِرِ، وَأَعْظَمُهَا مَا يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلَامِ كَالشِّرْكِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُهُ، وَسَائِرُهَا تَحْتَ المَشِيئَةِ، إِنْ شَاءَ اللهُ غَفَرَ لِفَاعِلِهَا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ عَلَيْهَا، وَمِنْ ذَلِكَ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ جَلِيُّهُ وَخَفِيُّهُ، وَالكُفْرُ الأَصْغَرُ، وَالبِدْعَةُ غَيْرُ المُكَفِّرَةِ.

وَمِنَ السَّيِّئَاتِ: الصَّغَائِرُ وَمُحَقِّرَاتُ الذُّنُوبِ، وَهِيَ مِنَ اللَّمَمِ الَّذِي لَا يَخْلُو عَبْدٌ مِنْهُ، وَمِنَ اللَّمَمِ: الكَبِيرَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَمَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الصَّغَائِرِ يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلَامِ.

وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِالكَبِيرَةِ أَوِ الصَّغِيرَةِ مَا يَجْعَلُهَا تَزْدَادُ كَيْفًا لَا كَمًّا، كَحُرْمَةِ المَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ، أَوْ وَصْفٍ، أَوْ حَالٍ.

وَقَدْ يَقْتَرِفُ المُسْلِمُ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً ثُمَّ يُتْبِعُهَا بِتَوْبَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ، أَوْ يُبْتَلَى بِمُصِيبَةٍ، فَتُغْفَرُ لَهُ، أَوْ تُكَفَّرُ عَنْهُ، أَوْ تُخَفَّفُ عَلَيْهِ.

وَمِمَّا يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ: اجْتِنَابُ الكَبَائِرِ القَلْبِيَّةِ، وَالقَوْلِيَّةِ، وَالفِعْلِيَّةِ.

فَصْلٌ: وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الكَبِيرَةِ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ الكَبِيرَةَ: كُلُّ مَعْصِيَةٍ سَمَّاهَا القُرْآنُ أَوْ سَمَّتْهَا السُّنَّةُ كَبِيرَةً، أَوِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الكَبَائِرِ، وَهِيَ الَّتِي أَلَّفَ فِيهَا العُلَمَاءُ، مِثْلَ كِتَابِ الكَبَائِرِ لِلذَّهَبِيِّ.

وَمِنَ الكَبَائِرِ: كُلُّ ذَنْبٍ تَوَعَّدَ اللهُ عَلَيْهِ بِحَدٍّ فِي الدُّنْيَا، كَجَلْدِ شَارِبِ الخَمْرِ، أَوْ وَعِيدٍ فِي الآخِرَةِ كَعَذَابٍ بِالنَّارِ.

أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "الْكَبَائِرُ: كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللهُ بِنَارٍ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ عَذَابٍ".

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: "الْكَبَائِرُ: كُلُّ مُوجِبَةٍ أَوْجَبَ اللهُ لأَهْلِهَا النَّارَ، وَكُلُّ عَمَلٍ يُقَامُ بِهِ الحَدُّ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ".

وَمِنَ الكَبَائِرِ: أَنْ يُخْبِرَ القُرْآنُ أَوِ السُّنَّةُ بِغَضَبِ اللهِ عَلَى فَاعِلِهَا أَوْ لَعْنَتِهِ أَوْ عَذَابِهِ، أَوْ حِرْمَانٍ مِنَ الجَنَّةِ، أَوْ وَصْفِ صَاحِبِهَا بِالفِسْقِ أَوِ الكُفْرِ أَوِ البِدْعَةِ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كُلُّ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ". عَزَاهُ الهَيْتَمِيُّ لِلطَّبَرَانِيِّ، وَقَالَ: لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ.

فَصْلٌ: أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ القَاضِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، فَقَالَ: هُنَّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ وَسَبْعٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى السَّبْعِمِائَةِ.

وَلِلْهَيْتَمِيِّ كِتَابٌ عُنْوَانُهُ: "الزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الكَبَائِرِ" آخِرُهَا الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ.

وَالذُّنُوبُ كِبَارُهَا وَصِغَارُهَا تَخْتَلِفُ فِي عِظَمِهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، قَالَ: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»، قَالَ: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ: وَالصَّغِيرَةُ هِيَ مَا سِوَى الكَبِيرَةِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا).

أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ) قَالَ: الصِّغَارُ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ - قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ - عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَدْ عَلِمَ رَبُّنَا أَنَّهُ سَتَكُونُ لَنَا سَيِّئَاتٌ، وَتَلَا هَذِهِ الآيَةَ".

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: "إِنَّمَا وَعَدَ اللهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ نَرَ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ رَبِّنَا - عَزَّ وَجَلَّ -، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ لَهُ عَنْ كُلِّ أَهْلٍ وَمَالٍ؛ أَنْ تَجَاوَزَ لَنَا عَمَّا دُونَ الْكَبَائِرِ، فَمَا لَنَا وَلَهَا؟!

 

فَصْلٌ: قَالَ الهَيْتَمِيُّ: "اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنْكَرُوا أَنَّ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةً، وَقَالُوا: بَلْ سَائِرُ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ ... وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَعْضِهَا صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا".

قَالَ: وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْمَعَاصِيَ تَنْقَسِمُ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ؛ لِإِجْمَاعِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمَعَاصِي مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْأَوَّلُونَ فَرُّوا مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، فَكَرِهُوا تَسْمِيَةَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً؛ نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشِدَّةِ عِقَابِهِ، وَإِجْلَالًا لَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْ تَسْمِيَةِ مَعْصِيَتِهِ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى بَاهِرِ عَظَمَتِهِ كَبِيرَةٌ أَيُّ كَبِيرَةٍ. انْتَهَى.

فَصْلٌ: وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى الصَّغِيرَةِ مِنْ زَاوِيَةِ أَنَّ المُعْصَى هُوَ اللهُ، أَوْ مِنْ زَاوِيَةِ أَنَّ العَاصِيَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا، أَوْ مُحْتَقِرٌ لَهَا مُسْتَخِفٌّ بِهَا؛ فَهِيَ بِهَذَا الاعْتِبَارِ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الكَبَائِرِ الاصْطِلَاحِيَّةِ.

أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كُلُّ ذَنْبٍ أَصَرَّ عَلَيْهِ العَبْدُ كَبِيرٌ، وَلَيْسَ بِكَبِيرٍ مَا تَابَ مِنْهُ العَبْدُ".

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَمِ الْكَبَائِرُ؟ سَبْعٌ هِيَ؟. قَالَ: "إِلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ".

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي "التَّوْبَةِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الشُّعَبِ"، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ الذَّنْبَ فَيَحْتَقِرَهُ.

وَقَالَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ: لَا تَنْظُرْ إلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى مَنْ عَصَيْتَ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ يَعْظُمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَك يَصْغُرُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْمَعَاصِي.

فَصْلٌ: قَالَ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ).

أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "(الْكَبَائِرُ) مَا سَمَّى فِيهِ النَّارَ، وَ(الْفَوَاحِشُ) مَا كَانَ فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا".

وَفِي الْمُوَطَّإِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ مُرْسَلًا: "الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ فَوَاحِشُ".

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا اللَّمَمَ)، قَالَ: "زِنَا الْعَينَيْنِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بِفَرْجِهِ كَانَ زَانِيًا، وَإِلَّا فَهُوَ اللَّمَمُ". أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ.

وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَزَّارُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ"، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا اللَّمَمَ)، قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُلِمُّ بِالفَاحِشَةِ، ثمَّ يَتُوبُ مِنْهَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا).

فَصْلٌ: وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى أَنَّهَا لَتَصْطَفِقُ، ثُمَّ تَلَا: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) الْآيَةَ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ عَبَدَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ فَلَهُ الْجَنَّةُ". وَهَذَا يُفَسِّرُ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الوَعْدَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى اجْتِنَابِ جَمِيعِ الكَبَائِرِ.

فَصْلٌ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ.

وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَزَادَ: "ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ). قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ»، وَفِي البَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَسَاقَ سَنَدَهُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي»، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: فَقَالَ لِي جَابِرٌ: «يَا مُحَمَّدُ، مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِ فَمَا لَهُ وَلِلشَّفَاعَةِ؟»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، يُسْتَغْرَبُ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ».

فَصْلٌ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ ... الحَدِيثَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: "الْكَبَائِرُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ  ... الحَدِيث".

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَفَعَهُ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ...". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ: "الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ... الحَدِيث". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْهُ مَرْفُوعًا: "مِنَ الْكبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ ...". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ".

فَصْلٌ: وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ».

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَوْلُهُ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، الْمُرَادُ بِالْمُوبِقَةِ هُنَا الْكَبِيرَةُ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: "الْكَبَائِرُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ... الْحَدِيثَ"، مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي الْغَيْثِ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ بَدَلَ السِّحْرِ الِانْتِقَالَ إِلَى الْأَعْرَابِيَّةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، مِنْ طَرِيقِ صُهَيْبٍ مَوْلَى الْعَتْوَارِيِّينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الْخَمْسَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ... الْحَدِيثَ"، وَلَكِنْ لَمْ يُفَسِّرْهَا، وَالْمُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِهَا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ، وَقَدْ وَافَقَهُ كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَ الْفَرَائِضِ وَالدِّيَاتِ وَالسُّنَنِ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى الْيَمَنِ ... الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: وَكَانَ فِي الْكِتَابِ: "وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ"، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ سَالِمٍ سَوَاءً.

وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: "اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ"، فَذَكَرَهَا، لَكِنْ ذَكَرَ التَّعَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بَدَلَ السِّحْرِ.

وَلَهُ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، وَقَالَ: "الرُّجُوعُ إِلَى الْأَعْرَابِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ"، وَلِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي مِنْ طَرِيقِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمِنْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: "أَبْشِرُوا، مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ، وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ"، فَقِيلَ لَهُ: أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَذْكُرُهُنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَلِيٍّ سَوَاءً.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، فَذَكَرَ مِثْلَ الْأُصُولِ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ بَدَلَ السِّحْرِ.

 

وَلِابْنِ عَمْرٍو فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ"، وَالطَّبَرِيُّ فِي "التَّفْسِيرِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْخَرَائِطِيُّ فِي "مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ"، وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي "أَحْكَامِ الْقُرْآنِ" مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، قَالَ: "الْكَبَائِرُ تِسْعٌ"، فَذَكَرَ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَزَادَ: "الْإِلْحَادُ فِي الْحَرَمِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ، مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ: "إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُصَلُّونَ وَمَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ"، قَالُوا: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: "هُنَّ تِسْعٌ، أَعْظَمُهُنَّ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ"، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابنِ عُمَرٍو سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنِ الْإِلْحَادِ فِي الْحَرَمِ بِاسْتِحْلَالِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ.

وَأَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: هُنَّ عَشْرٌ، فَذَكَرَ السَّبْعَةَ الَّتِي فِي الْأَصْلِ، وَزَادَ: وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ.

وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْكَبَائِرُ فَذَكَرَ التِّسْعَةَ إِلَّا مَالَ الْيَتِيمِ. وَزَادَ: العُقُوقُ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَفِرَاقُ الْجَمَاعَةِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ.

وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا الْكَبَائِرَ، فَقَالُوا: الشِّرْكُ، وَمَالُ الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَالعُقُوقُ، وَقَولُ الزُّورِ، وَالغُلُولُ، وَالزِّنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا؟!".

قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ: عَدُّ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ.

وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، مِثْلَ حَدِيثِ الْأَصْلِ، لَكِنْ قَالَ: الْبُهْتَانُ بَدَلَ السِّحْرِ وَالْقَذْفِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْبُهْتَانُ يَجْمَعُ.

وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ مُرْسَلًا: الزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ فَوَاحِشُ. وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي النَّمِيمَةِ، وَمَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ: الْغِيبَةِ، وَتَرْكِ التَّنَزُّهِ مِنَ الْبَوْلِ. كُلُّ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ.

وَلِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ: ذَكَرَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةَ، وَلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: شَتْمُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُوَ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ قَوْلِ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَعَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ رَفَعَهُ. وَلَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُمَرَ، وَعِنْدَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، ذَكَرَ النُّهْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ: مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ، وَمَنْعُ طُرُوقِ الْفَحْلِ.

وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ: الصَّلَوَاتُ كَفَّارَاتٌ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ، ثُمَّ فَسَّرَ نَكْثَ الصَّفْقَةِ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ، وَتَرْكَ السُّنَّةِ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْجَمَاعَةِ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ.

وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَرْدُوَيْهِ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ.

وَمِنَ الضَّعِيفِ فِي ذَلِكَ: نِسْيَانُ الْقُرْآنِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: "نَظَرْتُ فِي الذُّنُوبِ فَلَمْ أَرَ أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أُوتِيهَا رَجُلٌ فَنَسِيَهَا"، وَحَدِيثُ: "مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.

فَهَذَا جَمِيعُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِمَّا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ، أَوْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، صَحِيحًا وَضَعِيفًا، مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَقَدْ تَتَبَّعْتُهُ غَايَةَ التَّتَبُّعِ، وَفِي بَعْضِهِ مَا وَرَدَ خَاصًّا وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ غَيْرِهِ، كَالتَّسَبُّبِ فِي لَعْنِ الْوَالِدَيْنِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْعُقُوقِ، وَقَتْلِ الْوَلَدِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَتْلِ النَّفْسِ، وَالزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الزِّنَا، وَالنُّهْبَةِ وَالْغُلُولِ وَاسْمِ الْخِيَانَةِ يَشْمَلُهُ، وَيَدْخُلُ الْجَمِيعُ فِي السَّرِقَةِ، وَتَعَلُّمِ السِّحْرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي السِّحْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الزُّورِ، وَيَمِينِ الْغَمُوسِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كَالْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ.

وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ تَدَاخُلٍ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَهِيَ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَالِانْتِقَالُ عَنِ الْهِجْرَةِ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَالْعُقُوقُ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالْإِلْحَادُ فِي الْحَرَمِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالنَّمِيمَةُ، وَتَرْكُ التَّنَزُّهِ مِنَ الْبَوْلِ، وَالْغُلُولُ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَفِرَاقُ الْجَمَاعَةِ؛ فَتِلْكَ عِشْرُونَ خَصْلَةً. انْتَهَى.

 

فَصْلٌ: وَالمُحَرَّمَاتُ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا الكَبَائِرُ الَّتِي صَرَّحَتِ النُّصُوصُ مِنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وَمِنْهَا الكَبَائِرُ لِدُخُولِهَا تَحْتَ تَعْرِيفِ الكَبِيرَةِ وَضَابِطِهَا، وَإِنْ لَمْ تُصَرِّحِ النُّصُوصُ بِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وَمِنْهَا المَنْهِيَّاتُ الَّتِي لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الكَبِيرَةِ، وَلَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا ضَابِطُهَا.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ لَهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَالصِّيَامَ، وَالزَّكَاةَ، وَالْحَجَّ، وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ مُوَثَّقُونَ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَبِكُلِّ حَالٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَامَ بِالْوَاجِبَاتِ، وَانْتَهَى عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْمَعْنَى، أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ.

 

1- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ ... الحَدِيث). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَاحْذَرْ يَا رَعَاكَ اللهُ مِنَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ وَالأَصْغَرِ، وَالجَلِيِّ وَالخَفِيّ.

 

2- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا. وَذَكَرَ مِنْهَا: «عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مِنْ عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ: إِيذَاؤُهُمَا، وَهَجْرُهُمَا، وَمُخَالَفَتُهُمَا - إِلَّا فِي المَعْصِيَةِ -، وَسُوءُ الأَدَبِ مَعَهُمَا.

 

3- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا. وَذَكَرَ مِنْهَا: «قَوْلُ الزُّوْرِ وَشَهَادَةُ الزُّوْرِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

كُلُّ قَوْلٍ مُحَرَّمٍ زُورٌ؛ كَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَكُلُّ شَهَادَةِ كَذِبٍ زُورٌ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ.

 

4- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ - أَيِ المُهلِكَات - وَذَكَرَ فِيهَا - السِّحْرُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تَعلُّمُ السِّحْرِ وَتَعْلِيمُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ، لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالتَّقَرُّبِ إِلَى الشَّيَاطِينِ، المُخْرِجِ مِنْ مِلَّةِ الإِسْلَامِ.

 

5- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ - وَذَكَرَ فِيهَا - قَتْلُ النَّفْسِ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، وَحُرْمَةُ المُؤْمِنِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الكَعْبَةِ.

 

 

6- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، وَذَكَرَ فِيهَا: أَكْلُ الرِّبَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ).

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آكِلُ الرِّبَا يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مَجْنُونًا يُخْنَقُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُقَالُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِآكِلِ الرِّبَا: "خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ. ثُمَّ قَرَأَ: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)".

 

7- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ - وَذَكَرَ فِيهَا - أَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مُمْتَلَكَاتُ اليَتِيمِ نَارٌ فِي البُطُونِ الظَّالِمَةِ، تَأَجَّجُ مِنْهَا الأَفْوَاهُ، وَصَخْرَةٌ مِنْ نَارٍ تُقذَفُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيْ فِيْ المُعْتَدِي عَلَيْهَا، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَسْفَلِهِ.

 

8- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ - وَذَكَرَ فِيهَا - التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الأَصْلُ فِي الفِرَارِ مِنَ العَدُوِّ أَثْنَاءَ المُوَاجَهَةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ، وَفِي الحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ الصَّبْرِ فِي إِظْهَارِ الحَقِّ، وَإِبْطَالِ البَاطِلِ، بِالعِلْمِ وَالبَيَانِ، وَالدَّعْوَةِ بِالبُرهَانِ.

 

9- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ - وَذَكَرَ فِيهَا - قَذْفُ المُحصَنَاتِ الغَافِلَاتِ المُؤمِنَاتِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اتِّهَامُ المُؤْمِنَةِ العَفِيفَةِ أَوِ المُؤْمِنِ العَفِيفِ بِالزِّنَا: يَسْتَوْجِبُ الطَّرْدَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالعَذَابَ الرَّادِعَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَوَيْلٌ لِمَنْ تَطَاوَلَ عَلَى أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ، وَمَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ.

 

10- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟، قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

أَكْبَرُ الكَبَائِرِ وَأَقْبَحُ القَبَائِحِ: أَنْ يَتَّخِذَ العَبْدُ نُظَرَاءَ للهِ، يَصْرِفُ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ؛ كَالطَّاعَةِ فِي تَحْلِيلِ الحَرَامِ، وَتَحْرِيمِ الحَلَالِ، وَأَمْثَالًا للهِ يُحِبُّهُمْ كَحُبِّهِ، وَيَرْجُوهُمْ كَرَجَائِهِ، وَيَخَافُهُمْ كَخِيفَتِهِ.

 

11- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟، قَالَ: - وَفِيهِ -: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الزِّنَا بِزَوْجَةِ الجَارِ - وَالعِيَاذُ بِاللهِ - أَوِ التَّحَرُّشُ بِهَا، وَامْتِدَادُ العَيْنِ إِلَيْهَا، وَيَلْحَقُ بِالزَّوْجَةِ كُلُّ أُنْثَى فِي بَيْتِهِ، أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ فِعْلِ الفَاحِشَةِ بِالبَعِيدَةِ، وَأَشْنَعُ خِيَانَةً وَعَيْبًا، وَأَقْبَحُ عَارًا وَشَنَارًا.

 

12- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟، قَالَ: - وَفِيهِ -: (أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ؛ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

سُوءُ ظَنٍّ بِاللهِ: أَنْ يَقْتُلَ الوَالِدُ وَلَدَهُ، أَوْ يُسْقِطَهُ حَمْلًا، أَوْ تُتَّخَذَ المَوَانِعُ مِنَ الحَمْلِ؛ خَوْفَ الفَقْرِ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى المَوْلُودِ، مَعَ أَنَّ رِزْقَهُ تَكَفَّلَ بِهِ اللهُ؛ بِلْ وُجُودُهُ سَبَبٌ فِي رِزْقِ الوَالِدِ.

 

13- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ: أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟، قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ تَعْرِيضُ وَالِدَيْهِ لِلشَّتْمِ - لِإِسَاءَتِهِ الأَدَبَ - بِشُبْهَةِ سُوءِ التَّرْبِيَةِ، وَالعَجِيبُ أَنَّ بَعْضَ الأَوْلَادِ يَجْرِي لَعْنُ وَالِدَيْهِ عَلَى لِسَانِهِ.

14- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الكَبَائِرُ؟، قَالَ: - وَذَكَرَ الحَدِيثَ وَفِيهِ -: "اليَمِينُ الغَمُوسُ". قُلْتُ: وَمَا اليَمِينُ الغَمُوسُ؟، قَالَ: "الذِي يَقتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ". رواه البخاري.

هَذِهِ اليَمِينُ الفَاجِرَةُ تَغمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ، وَتَذْهَبُ بِالمَالِ، وَتُعْقِمُ الرَّحِمَ، فَوَيْلٌ لِمَنِ اقْتَطَعَ بِهَا مَالًا حَرَامًا، وَلَوْ مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ.

 

15- أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: "أَكْبَرُ الكَبَائِرِ - وَذَكَرَ فِيهَا -: مَنْعُ فُضُولِ المَاءِ بَعْدَ الرِّيِّ، وَمَنْعُ طُرُوقِ الفَحْلِ إِلَّا بِجُعْلٍ".

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا حَدِيثُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ".

أَمَّا بَيْعُ ضِرَابِ الفَحْلِ فَحَرَامٌ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ اسْتِئْجَارَ الفَحْلِ لِلضِّرَابِ لِلْحَاجَةِ، خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ. وَالعَارِيَةُ قُربَةٌ.

 

16- أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ، أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: اتَّقِ اللهَ، فَيَقُولَ: عَلَيْكَ نَفْسَكَ، مَنْ أَنْتَ تَأْمُرُنِي".

وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ المِهَادُ).

 

17- أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ المُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الكَبَائِرُ - وَذَكَرَ فِيهَا -: تَرْكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ".

مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، وَلَوْ تَكَاسُلًا، مَعَ اعْتِقَادِهِ لِوُجُوبِهَا كَفَرَ؛ لِأَنَّهَا العَهْدُ الذِي بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، وَهِيَ عَمُودُ الإِسْلَامِ.

 

 

18- أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ المُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الكَبَائِرُ - وَذَكَرَ فِيهَا -: نَقْضُ العَهْدِ".

نَقْضُ العَهْدِ مَعَ اللهِ؛ يَتَمَثَّلُ فِي تَعَدِّي حُدُودِهِ، وَتَضْيِيعِ فَرَائِضِهِ، وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ. وَنَقْضُ العَهْدِ مَعَ عِبَادِ اللهِ؛ سُوءُ خُلُقٍ مُحَرَّم، وَخَرْمٌ لِلْمُرُوءَةِ.

 

19- أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنِ الكَبَائِرِ، فَقَالَ - وَذَكَرَ فِيهَا -: (البُهْتَان).

وَقَالَ: إِنَّ البُهْتَانَ يَجْمَعُ شَرًّا كَثِيرًا.

لَقَدْ حَرَّمَ اللهُ الكَذِبَ، وَالافْتِرَاءَ، وَالإِفْكَ، وَالغِيبَةَ، وَالبُهْتَانَ؛ وَهُوَ الكَذِبُ وَالبَاطِلُ الذِي يَبْهَتُ سَامِعَهُ ويُدهِشُه.

 

20- أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: "كَانَ يُقَالُ: شَتْمُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مِنَ الكَبَائِرِ".

مَنْ طَعَنَ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ. وَمَنْ قَدَحَ فِي دِينِ وَعَدَالَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، قَدْ أَشْهَرَتِ النُّصُوصُ فَضْلَهُ وَبَرَاءَتَهُ؛ فَقَدْ كَفَرَ، وَنَقَلَ الخَلَّالُ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، فَقَالَ: مَا أَرَاهُ عَلَى الإِسْلَامِ.

 

21- أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالبَيْهَقِيُّ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: "كَانَ يُقَالُ: مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ الذَّنْبَ فَيَحْتَقِرَهُ".

وَثَبَتَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

قَالَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ: لَا تَنْظُرْ إِلَى الخَطِيئَةِ، وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ!

 

 

22- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى - يَعْنِي كَبِير-، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: "النَّمَّامُ شَرٌّ مِنَ السَّاحِرِ، وَيَعْمَلُ النَّمَّامُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يَعْمَلُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ".

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَهَلْ تُسفَكُ الدِّمَاءُ، وَتُركَبُ العِظَامُ إِلَّا بِالنَّمِيمَةِ؟

وَأَمَّا التَّنزُّهُ مِنْ بَوْلِ الإِنْسَانِ وَالحَيَوَانِ، غَيْرِ المَأْكُولِ، فَوَاجِبٌ عَلَى الفَوْرِ، وَيَلْحَقُ بِهِ بَقِيَّةُ النَّجَاسَاتِ.

 

23- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "الصَّلَاةُ المَكْتُوبَةُ إِلَى الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ التِي بَعْدَهَا؛ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَالشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ – يَعْنِي: رَمَضَان - كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ؛ "الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ". قُلْتُ: فَمَا تَرْكُ السُّنَّةِ؟. قَالَ: الخُرُوجُ مِنَ الجَمَاعَةِ". رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ - وَمِنْهَا -: التَّارِكُ لِدِينِهِ، المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ".

 

24- ثَبَتَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ)، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الرِّيَاءُ). رواه أحمد.

الشِّرْكُ الأَصْغَرُ الذِي لَا يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلَامِ، مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، جَلِيًّا كَانَ أَوْ خَفِيًّا.

 

25- ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ). أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ.

الأَصْلُ أَنَّ البِدْعَةَ أَعْظَمُ مِنَ الكَبِيرَةِ، وَأَكْبَرُ ضَرَرًا مِنْهَا، وَقَلَّ أَنْ يُرجَعَ عَنْهَا، وَيُتَابَ مِنْهَا.

26- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللهَ فِي أَمْرِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَلَكِنَّهَا الحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ؛ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عِنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ؛ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ.

(رَدْغَةُ الخَبَالِ): عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. (حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ): بِأَنْ يَتُوبَ، وَيَتَحَلَّلَ مِنْ أَخِيهِ.

مَا أَعْظَمَهَا مِنْ مُهْلِكَاتٍ، وَمَا أَكْبَرَهَا مِنْ سَيِّئَاتٍ!

 

27- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر... الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ". رواه مسلم.

رَدُّ الحَقِّ ظَاهِرًا، أَوْ عَدَمُ قَبُولِهِ بَاطِنًا، وَاحْتِقَارُ النَّاسِ بِالقَوْلِ أَوْ بِالفِعْلِ، مِنْ شُعَبِ الكِبْر، فَمَنْ ذَا الذِي يَسْلَمُ مِنْ وَزْنِ نَمْلَةٍ صَغِيرَةٍ مِنَ الكِبْرِ؟ رُحْمَاكَ رُحْمَاكَ يَا الله!.

 

28- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ، يَمشِي فِي بُرْدَيْهِ، قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

كَبِيرَةٌ: أَنْ يَنْظُرَ الإِنْسَانُ إِلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِ الكَمَالِ لِنِعْمَةٍ مَا، نَاسِيًا أَنَّ اللهَ هُوَ المُنْعِمُ.

 

29- ثَبَتَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا بَنُو المُغِيرَةِ قَوْمٌ فِينَا نَخْوَةٌ، فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ، وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، إِلَّا لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان". رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفرَدِ، وَأَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ.

العَظَمَةُ وَالكَمَالُ للهِ، وَالنَّقْصُ وَالعَيْبُ فِينَا، فَمَا لَنَا وَلِهَذِهِ الكَبِيرَة؟!

 

30- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ». رَوَاهُ البَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَقَدْ حُسِّن.

أُصُولُ الشَّرِّ كُلِّهِ: البُخْلُ بِمَا فِي اليَدِ، وَالطَّمَعُ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَاتِّخَاذُ الهَوَى إِلَهًا أَوْ قَائِدًا وَسَائِقًا، وَالإِعْجَابُ بِالنَّفْسِ إِلَى دَرَجَةِ الغُلُوِّ فِي تَزْكِيَتِهَا، وَبِالرَّأْيِ إِلَى دَرَجَةِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

 

31- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَثَبَتَ: (لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى الذِي يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا). رواه أحمد.

وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، وَقَالَ: (وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا)، وَقَالَ: (كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ).

 

32- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ). رواه البخاري.

الإِسْبَالُ كَبِيرَةٌ، وَإِذَا كَانَ خُيَلَاءَ فَهُوَ أَشَدُّ، وَثَبَتَ مَرْفُوعًا: (إِزْرَةُ المُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ، مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ، لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا). رواه أحمد.

 

33- ثَبَتَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ مَرْفُوعًا: (إِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ المَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المَخِيلَةَ). رواه أبو داود.

المَخِيلَةُ، وَالخُيَلَاءُ، وَالبَطَرُ، وَالزَّهْوُ، وَالتَّبَخْتُرُ مِنْ خِزَانَةِ الكِبْرِ.

وَثَبَتَ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: بَيْنَا هُوَ يَمْشِي قَدْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ، إِذْ لَحِقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَرَبَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ مِنْ كَفِّهِ اليُمْنَى تَحْتَ رُكْبَةِ عَمْرٍو، فَقَالَ: (هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ). رواه أحمد.

 

34- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ». رواه البخاري.

جَرُّ الإِزَارِ وَالقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَسَائِرِ الثِّيَابِ حَرَامٌ، إِلَّا لِضَرُورَةٍ، مَعَ تَعَاهُدٍ لَهُ.

 

35- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ» رواه أبو داود، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

الإِسْبَالُ كَبِيرَةٌ، وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ المُسْبِلِ. وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ كَيْفَ يُسْبِلُ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ مَعَ التَّهْدِيدِ الأَكِيدِ وَالوَعِيدِ الشَّدِيدِ؟!

 

36- قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: لَقَدْ تَجَاوَزَ لَنَا رَبُّنَا عَمَّا دُونَ الكَبَائِرِ، فَمَا لَنَا وَلَهَا، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا). رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

 

37- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "الإِضْرَارُ فِي الوَصِيَّةِ مِنَ الكَبَائِرِ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرُهُ، وَالرَّاجِحُ وَقْفُه.

الوَصِيَّةُ تَقُومُ عَلَى العَدْلِ، لَا عَلَى الجَوْرِ، بِأَنْ يَحْرِمَ بَعْضَ الوَرَثَةِ، أَوْ يَنْقُصَهُ، أَوْ يَزِيدَهُ عَلَى مَا قَدَّرَ اللهُ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ الوَرَثَةُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُمْ.

 

 

38- رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: (الحَيْفُ فِي الوَصِيَّةِ مِنَ الكَبَائِرِ).

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ". صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

 

39- عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: الكَبَائِرُ - وَذَكَرَ فِيهَا -: فِرَاقُ الجَمَاعَةِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

تَرْكُ الدِّينِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ العَهْدِ هَلَكَةٌ. وَجَاءَ مَرْفُوعًا: "الصَّلَاةُ كَفَّارَةٌ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: الشَّرْكُ بِاللهِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ .. وَفُسِّرَ نَكْثُ الصَّفْقَةِ بِأَنْ تُعْطِيَ رَجُلًا بَيْعَتَكَ، ثُمَّ تُقَاتِلَهُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ.

 

40- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: الكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا، ثُمَّ تَلَا: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا). رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. هِيَ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

 

41- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ". رواه مسلم.

قَالَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ: تَكْفِيرُ الصَّغَائِرِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ.

 

 

42- عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ". رواه مسلم.

مِثْلُ هَذَا الحَدِيثِ أَحَادِيثُ مُطْلَقَةٌ فِي تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ، قَيَّدَهَا الحَدِيثُ الذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِـ: «مَا لَمْ تُغْشَ كَبِيرَةٌ».

 

43- رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ". رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

تَلَا الحَسَنُ: (وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ)، فَقَالَ: إِنَّمَا عَمَلُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ ظُنُونِهِمْ بِرَبِّهِمْ، فَأَمَّا المُؤْمِنُ فَأَحْسَنَ بِاللهِ الظَّنَّ، فَأَحْسَنَ العَمَلَ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُ فَأَسَاءَا الظَّنَّ، فَأَسَاءَا العَمَلَ.

 

44- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: (الكَبَائِرُ تِسْعٌ: - وَذَكَرَ فِيهَا - الذِي يَسْتَسْخِرُ، وَبُكَاءُ الوَالِدَيْنِ مِنَ العُقُوقِ). رواه البخاريُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ، وَوَثَّقَ رِجَالَهُ البُوصِيرِيُّ.

السُّخْرِيَةُ وَالاسْتِهْزَاءُ وَالاحْتِقَارُ ؛ حَرَامٌ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ سَخِرْتُ مِنْ كَلْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ أُحَوَّلَ كَلْبًا".

 

45- عَنْ عُمَيْرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الكَبَائِرُ؟، فَقَالَ: "هِيَ تِسْعٌ - وَذَكَرَ فِيهَا -: اسْتِحْلَالُ البَيْتِ الحَرَامِ، قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا". رواهُ أبو دَاودَ، والحاكمُ وصحَّحَه.

مَنْ أَرَادَ الشَّرَّ فِي الحَرَمِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ، اسْتَحَقَّ العَذَابَ الأَلِيمَ.

 

 

46- أَخْرَجَ البَزَّارُ، وَابْنُ المُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "الكَبَائِرُ سَبْعٌ - وَذَكَرَ فِيهَا -: الانْقِلَابُ إِلَى الأَعْرَابِ بَعْدَ الهِجْرَةِ".

قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا.

نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ الإِيمَانِ، وَإِلَى المَعْصِيَةِ بَعْدَ الطَّاعَةِ، وَإِلَى النَّقْصِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ.

 

47- أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الخَمْرِ، فَقَالَ: «هِيَ أَكْبَرُ الكَبَائِرِ، وَأُمُّ الفَوَاحِشِ، مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ تَرَكَ الصَّلَاةَ، وَوَقَعَ عَلَى أُمِّهِ، وَخَالَتِهِ، وَعَمَّتِهِ».

جَاءَ القُرْآنُ بِتَحْرِيمِ الخَمْرِ، وَبَيَانِ ضَرَرِهِ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الأَسْمَاءُ، وَالمُخدِّرَاتُ أَخْبَثُ مِنْهَا.

 

48- ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ: اسْتِطَالَةَ المَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمِنَ الكَبَائِرِ: السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ". أَخرَجَهُ أَحْمَدُ، وأبو دَاوُد.

أَعْرَاضُ المُسْلِمِينَ مَسْمُومَةٌ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَنْ قَدْرِ المَظْلَمَةِ.

 

49- أَخْرَجَ البَزَّارُ وَغَيْرُهُ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا الكَبَائِرُ؟، فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَاليَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ" بَدَلَ "وَالأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ"، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ.

القُنُوطُ مِنْ فَرَجِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، أَوِ الطُّمَأْنِينَةُ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ وَأَخْذَتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ سُوءُ ظَنٍّ بِاللهِ.

50- قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

الأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ تَجُرُّ إِلَى سَيِّئَةٍ أَعْظَم، وَهِيَ القُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بِهِ.

 

51- أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَالسُّيُوطِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ نَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ ذَكَرُوا الكَبَائِرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

مَنْ كَتَمَ الحَقَّ طَمَعًا فِي المُقَابِلِ، أَوْ حَلَفَ كَاذِبًا لِيُنَفِّقَ سِلْعَتَهُ؛ فَقَدْ نَصَّتِ الآيَةُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ خَمْسَ عُقُوبَاتٍ عَظِيمَة.

 

52- رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الكَبَائِرِ". أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ، والحَاكِمُ وصحَّحَهُ، وجَاءَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَأَبِي مُوسَى.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: العَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.

 

53- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: مِنَ الكَبَائِرِ جَمْعٌ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَالفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالنُّهْبَةُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ قَهْرًا جِهَارًا؛ فَإِنَّ العُقُوبَةَ شَدِيدَةٌ، وَالاعْتِدَاءُ عَلَى المِلْكِيَّةِ غَصْبًا، أَوْ سَرِقَةً، أَوْ خِيَانَةً، أَوْ جُحْدَانًا: مَقْتَلَة.

 

 

54- ثَبَتَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا إِنَّمَا هُنَّ – أَيِ: الكَبَائِرُ – أَرْبَعٌ، وَذَكَرَ فِيهَا: وَلَا تَزْنُوا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

يَجِبُ البُعْدُ عَنْ أَسْبَابِ الزِّنَا؛ مِنَ الخَلْوَةِ، وَالاخْتِلَاطِ، وَالتَّوَاصُلِ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ، وَالبُعْدُ عَنْ دَوَاعِيهِ؛ مِنَ النَّظَرِ، وَسَمَاعِ الغِنَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

 

55- ثَبَتَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا إِنَّمَا هُنَّ – أَيِ: الكَبَائِرُ – أَرْبَعٌ، وَذَكَرَ فِيهَا: وَلَا تَسْرِقُوا". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

أَخْذُ المَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَظْلَمَةٌ لَا تَكْفِي فِيهَا التَّوْبَةُ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ المَظْلَمَةِ، أَوِ التَّحَلُّلِ مِنْهَا.

 

56- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ حُسِّنَ.

ثِيَابُ الشُّهْرَةِ هِيَ اللِّبَاسُ المُخَالِفُ لِلِبْسِ المُجْتَمَعِ، عَلَى وَجْهٍ يُشَارُ إِلَى صَاحِبِهَا بِالأَصَابِعِ، مَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً شَرْعًا.

 

57- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَدْ حُسِّنَ.

دِينُنَا دِينُ الوَسَطِيَّةِ، لَا إِسْرَافَ وَلَا تَقْتِيرَ، لَا خُيَلَاءَ وَلَا مَذَلَّةَ.

قَالَ الثَّوْرِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الشُّهْرَتَيْنِ: الثِّيَابَ الجِيَادَ التِي يُشْتَهَرُ فِيهَا، وَيَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَالثِّيَابَ الرَّدِيئَةَ التِي يُحْتَقَرُ فِيهَا، وَيَسْتَذِلُّ دِينَهُ.

 

 

58- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صَبِرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ؛ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». رواه مسلم.

الغِشُّ حَرَامٌ بِجَمِيعِ أَشْكَالِهِ وَصُوَرِهِ، وَأَعْظَمُ الغِشِّ: غِشُّ المُسْلِمِ فِي دِينِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَتَرْبِيَتِهِ.

 

59- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً فَقَدْ خَلَعَ قَمِيصَ الإِيمَانِ، وَبَقِيَ مَعَهُ الإِسْلَامُ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَعَادَ إِلَيْهِ إِيمَانُهُ.

 

60- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: الذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». أَيْ: شُرُورَهُ.

حَقُّ الجَارِ عَلَى جَارِهِ: أَنْ يُكْرِمَهُ وَلَا يُؤْذِيَهُ، وَأَهْلُ المَسْجِدِ جِيرَان.

 

61- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تَجِبُ مَحَبَّةُ الخَيْرِ لِلْغَيْرِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، وَتَطْهِيرِهَا مِنَ الطَّمَعِ وَالجَشَعِ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ وَالغِلِّ وَالغِشِّ وَالأَنَانِيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرَاضِ القُلُوبِ.

 

 

62- عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا؛ حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ». رواه مسلم.

الفَخْرُ وَالبَغْيُ مَعْصِيَتَانِ يُنْبِتُهُمَا الكِبْرُ، فَإِذَا ابْتُلِيَ العَبْدُ بِدَاءِ العَظَمَةِ، احْتَقَرَ النَّاسَ وَظَلَمَهُمْ، وَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ.

 

63- قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

أَيْ: لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَنِ النَّاسِ تَجَبُّرًا وَتَكَبُّرًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إِثْمٌ، وَلَا تَسِرْ كِبْرًا وَجَبَرُوتًا؛ فَذَلِكَ وِزْرٌ، وَلَكِنْ تَوَاضَعْ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ.

 

64- قَالَ تَعَالَى عَنِ اعْتِرَافِ المُجْرِمِينَ أَصْحَابِ سَقَر: (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ).

أَيْ: كُلَّمَا غَوَى غَاوٍ غَوَيْنَا مَعَهُ.

فَمِنْ مُوجِبَاتِ النَّارِ: الخَوْضُ فِي البَاطِلِ مَعَ مَنْ يَخُوضُ فِيهِ.

 

65- قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ).

القُعُودُ اخْتِيَارًا مَعَ مَنْ يَسْتَهْزِئُ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَلَوْ أَنْكَرَ قَلْبُهُ اسْتِهْزَاءَهُمْ؛ مَعْصِيَةٌ، وَالوَاجِبُ القِيَامُ مِنْ مَجْلِسِهِمْ.

 

66- قَالَ تَعَالَى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ).

لَا تَجُوزُ مُجَالَسَةُ الكَفَرَةِ وَالمُبْتَدِعَةِ وَالفَسَقَةِ وَأَهْلِ البَاطِلِ، عِنْدَ خَوْضِهِمْ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ، فَإِنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الخَائِضِ.

 

67- عَنْ عِيَاضٍ المُجَاشِعِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا. وَالخَائِنُ الذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ. وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ. «وَذَكَرَ» البُخْلَ أَوِ الكَذِبَ، وَالشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ ". رواه مسلم.

(لَا زَبْرَ لَهُ): أَيْ لَا عَقْلَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. (وَالخَائِنُ ..)؛ أَيْ: طَمَّاعٌ خَائِنٌ. فَالخَمْسَةُ رَدِيئُونَ فِي الدِّينِ وَالخُلُقِ.

 

68- عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟، كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(العُتُلّ): الغَلِيظُ العَنِيفُ. وَقِيلَ: الجَافِي عَنِ المَوْعِظَةِ.

(الجَوَّاظُ): المُخْتَالُ فِي مَشْيِهِ.  وَقِيلَ: الفَاجِر.

 

69- قَالَ تَعَالَى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعتَدٍ مُرِيب).

قَوْلُهُ: (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ)؛ أَيْ: لِكُلِّ حَقٍّ وَجَبَ للهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ فِي مَالِهِ.

وقَوْلُهُ: (مُعْتَدٍ)؛ أَيْ: عَلَى النَّاسِ، بِلِسَانِهِ بِالبَذَاءِ وَالفُحْشِ فِي المَنْطِقِ، وَبِيَدِهِ بِالسَّطْوَةِ وَالبَطْشِ ظُلْمًا.

 

70- ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ أَهْلِ النَّارِ: "كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ". رواه أحمد.

الجَعْظَرِيُّ: الفَظُّ الغَلِيظُ. وَالجَوَّاظُ: قِيلَ الذِي يَتَمَدَّحُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ أَوْ عِنْدَهُ.

 

 

71- رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّبتِهِ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ العُتُلِّ الزَّنِيمِ، قَالَ: هُوَ الشَّدِيدُ الخَلْقِ المُصَحَّحُ، الأَكُولُ الشَّرُوبُ، الوَاجِدُ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، الظَّلُومُ لِلنَّاسِ، الرَّحِيبُ الجَوْف.

قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ شَهْرٌ، وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ.

 

72- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَمْ أَرَهُمَا؛ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لِيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا". رواه مسلم.

يَدْخُلُ فِي صِنْفِ النِّسَاءِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، مَنْ تَظْهَرُ بِاللِّبَاسِ الضَّيِّقِ وَالشَّفَّافِ وَالقَصِيرِ وَالمَفْتُوحِ وَالمُظْهِرِ لِمَفَاتِنِهَا.

 

73- قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).

أَيْ: أَنْهَاكُمْ عَنِ الزِّنَا، وَعَنْ أَسْبَابِهِ، وَدَوَاعِيهِ، كَالاخْتِلَاطِ فِي الأَمَاكِنِ، وَفِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، فَإِنَّهَا أَوْقَعَتِ الكَثِيرَ فِي الفَسَادِ.

 

74- ثَبَتَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

هَذَا التَّوْجِيهُ النَّبَوِيُّ يَدْعُونَا إِلَى البُعْدِ عَنِ المَرْأَةِ غَيْرِ المَحْرَمِ، وَأَنْ لَا نَتَسَاهَلَ فِي مُخَالَطَتِهَا وَمُحَادَثَتِهَا، خَاصَّةً فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَسَائِلِ الشَّرِّ، وَمَصَائِدِ الفُسَّاقِ، وَحَبَائِلِ الشَّيْطَانِ.

 

 

75- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ». رواه مسلم.

يَجِبُ البُعْدُ عَنِ النِّسَاءِ غَيْرِ المَحَارِمِ، وَيَحْرُمُ التَّوَاصُلُ بِهِنَّ عَلَى وَجْهٍ لَا تُؤْمَنُ مَعَهُ الفِتْنَةُ، كَالمُحَادَثَةِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ المُلَاَطفَةِ وَالمُؤَانَسَةِ وَالمُمَالَحَةِ، وَكَشْفِ الأَسْرَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى الرَّذِيلَةِ.

 

76- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرْ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مَنْ وَقَعَ فِي هَذِهِ المَنَاهِي وَقَعَ فِي الحَرَامِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ، أَدْرَكَ حِرْصَ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَطْعِ أَسْبَابِ الشَّرِّ وَوَسَائِلِهِ، وَمِنْ أَخْطَرِهَا وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ وَالمُحَادَثَاتِ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ.

 

77- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: الحَمْوُ المَوْتُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنِ الدُّخُولِ عَلَى حِسَابَاتِ التَّوَاصُلِ لِلنِّسَاءِ، عَلَى وَجْهٍ لَا تُؤْمَنُ مَعَهُ الفِتْنَةُ، وَبِنَاءِ العَلَاقَةِ المُحَرَّمَةِ.

 

78- قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ).

أَيْ: لَا يَضْرِبْنَ الأَرْضَ بِأَرْجُلِهِنَّ، لِيُصَوِّتَ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ حُلِيٍّ، كَخَلَاخِلَ وَغَيْرِهَا، فَتُعْلَمَ زِينَتُهَا بِسَبَبِهِ، فَيَكُونَ وَسِيلَةً إِلَى الفِتْنَةِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا وَنَحْوِهِ، قَاعِدَةُ سَدِّ الوَسَائِلِ، وَمَنْعِ الذَّرَائِعِ، وَأَنَّ الأَمْرَ إِذَا كَانَ مُبَاحًا، وَلَكِنَّهُ يُفْضِي إِلَى مُحَرَّمٍ، أَوْ يُخَافُ مِنْ وُقُوعِهِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ، كَالمُحَادَثَاتِ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ.

 

79- قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ).

أَيْ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُظْهِرَ المَرْأَةُ زِينَتَهَا البَاطِنَةَ، كَأَجْزَاءِ البَدَنِ وَالحُلِيِّ وَالكُحْلِ وَمَسَاحِيقِ المِكْيَاجِ، وَلَا الظَّاهِرَةَ كَالأَزْيَاءِ الفَاتِنَةِ، وَلْيَسْتُرْنَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَيُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ. وَمِنَ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ: وَضْعُ المَرْأَةِ صُورَتَهَا عَلَى حِسَابَاتِ التَّوَاصُلِ.

 

80- حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَنَامِيَّةِ، قَالَ: «فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا، وَأَنْتَنَهُ رِيحًا، وَأَسْوَءَهُ مَنْظَرًا، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟، قَالَ: هَؤُلَاءِ الزَّانُونَ وَالزَّوَانِي». رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: "مَا يَئِسَ الشَّيْطَانُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ".

وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ: "بَلَغَنِي أَنَّ أَكْثَرَ ذُنُوبِ أَهْلِ النَّارِ فِي النِّسَاءِ".

 

81- ثَبَتَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا اسْتَعْطَرَتِ المَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى القَوْمِ؛ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا - يَعْنِي: زَانِيَةً -) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنَ العُلَمَاءِ.

يَحْرُمُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَتَقَصَّدَ فِعْلَ مَا يُثِيرُ غَرَائِزَ الرِّجَالِ، وَقَدْ تَسَاهَلَ الكَثِيرَاتُ فِي وَضْعِ صُوَرِهِنَّ أَوْ صُورَةِ فَتَاةٍ فَاتِنَةٍ عَلَى حِسَابَاتِهِنَّ، مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ.

 

82- قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيم).

ذَمَّ اللهُ الحَلَّافَ الكَاذِبَ، وَصَاحِبَ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالذِي يَمْنَعُ مَا عَلَيْهِ وَمَا لَدَيْهِ مِنَ الخَيْرِ.

"مُعْتَدٍ": يَتَجَاوَزُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ.

"أَثِيم": يَتَنَاوَلُ المُحَرَّمَاتِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: العُتُلُّ: الفَاجِرُ، وَالزَّنِيمُ: اللَّئِيمُ فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ.

 

83- رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَرْفُوعًا: "تَبْكِي السَّمَاءُ مِنْ عَبْدٍ أَصَحَّ اللهُ جِسْمَهُ، وَأَرْحَبَ جَوْفَهُ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا مَقْضَمًا، فَكَانَ لِلنَّاسِ ظَلُومًا. قَالَ: فَذَلِكَ العُتُلُّ الزَّنِيمُ". وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُرْسَلَيْنِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، أَنَّ العُتُلَّ هُوَ : المُصَحَّحُ الخَلْق، الشَّدِيدُ القَوِيُّ فِي المَأْكَلِ وَالمَشْرَبِ وَالمَنْكَحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فشَرُّ النَّاسِ مَنْ كَانَ هَمُّهُ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، يَتَّبِعُ شَهَوَاتِهِ، وَيَرْكَبُ هَوَاهُ.