١- تَعْظِيمُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ

قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (فِيهِنَّ)، فِي كُلِّهِنَّ. ثُمَّ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ وَالأَجْرَ أَعْظَمَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ.

 

٢- صَوْمُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ

ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَشْهُرَ الحُرُمِ. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجِيبَةَ البَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - - قَالَ: (صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ). فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.

 

٣- فَضْلُ صَوْمِ المُحَرَّمِ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

دَلَّ عَلَى فَضْلِ الشَّهْرِ المُحَرَّمِ؛ ذَلِكَ لِإِضَافَتِهِ إِلَى اللهِ، وَهَذَا تَشْرِيفٌ وَتَعْظِيمٌ، وَلِأَنَّ صِيَامَهُ نَافِلَةً أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ بَقِيَّةِ الشُّهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَهْرِ شَعْبَانَ.

٤- مَبْدَأُ التَّارِيخِ الهِجْرِيِّ

أَخْرَجَ الحَاكِمُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ: إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا تَارِيخٌ، فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ بِالمَبْعَثِ، وَبَعْضُهُمْ: أَرِّخْ بِالهِجْرَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: الهِجْرَةُ فَرَقَتْ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، فَأَرِّخُوا بِهَا، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا اتَّفَقُوا قَالَ بَعْضُهُمْ: ابْدَأُوْا بِرَمَضَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلِ المُحَرَّم، فَإِنَّهُ مُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنْ حَجِّهِمْ، فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ.

٥- مَاذَا يُكَفِّرُ عَاشُورَاءُ مِنَ الذُّنُوبِ؟

قال تعالى: (وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ).
فَكَانَ جَوَابُ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى عَلَى جِهَةِ المَنِّ عَلَيْهِ وَالاحْتِقَارِ لَهُ: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)؟
نَعَمْ يَا عَدُوَّ اللهِ، إِنَّهُ الَّذِي بَقَرْتَ بُطُونَ الحَبَالَى، وَذَبَحْتَ الأَطْفَالَ احْتِرَازًا مِنْهُ، وَلِسَانُ حَالِ القَدَرِ: لَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ؛ بَلْ سَتُؤْوِيهِ وَتُغَذِّيهِ وَتُرَبِّيهِ وَلَنْ تُؤْذِيَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ عِنَايَةِ اللهِ وَرِعَايَتِهِ.
لَقَدْ أَوْحَى اللهُ إِلَى أُمِّ مُوسَى: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي).

٦- صَوْمُ عَاشُورَاءَ سُنَّةٌ

قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ).
لَقَدْ جَاءَ مُوسَى بِالبَيِّنَاتِ، فَرَآهَا فِرْعَوْنُ وَحَاوَلَ مُقَاوَمَتَهَا، فَفَلَجَهُ مُوسَى، فَلَجَأَ فِرْعَوْنُ إِلَى القُوَّةِ وَالسُّلْطَةِ، فَكَانَتْ بِدَايَةُ النِّهَايَةِ، وَصَدَقَ عَلَيْهِ قَوْلُ الأَعْشَى:
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوْهِنَهَا ... فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
إِنَّكَ يَا عَدُوَّ اللهِ تُحَارِبُ كَلِيمَ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ لَهُ: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)، فَمَنِ اصْطَفَاهُ اللهُ وَاجْتَبَاهُ: نَصَرَهُ وَأَظْهَرَهُ.
قال تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ).

٧- عَاشُورَاءُ لَيْسَ عِيْدًا

عقال تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).
فَلَمَّا الْتَقَى جَمْعُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَمْعُ فِرْعَوْنَ، خَافَ بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لِأَنَّ البَحْرَ أَمَامَهُمْ، وَفِرْعَوْنُ وَالقِبْطُ خَلْفَهُمْ، فَطَمْأَنَ مُوسَى جَمْعَهُ بِأَنَّ اللهَ مَعَهُ، فَلَمَّا ضَرَبَ البَحْرَ بِعَصَاهُ كَمَا أَمَرَهُ مَوْلَاهُ، اِنْفَلَقَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَلْقَةً عَلَى عَدَدِ الأَسْبَاطِ، فَمَشَوْا عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ، فَلَمَّا تَبِعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنْدُهُ أَطْبَقَ اللهُ عَلَيْهِمُ البَحْرَ فَغَرِقُوا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ

٨- مَرَاتِبُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ

قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).
فَحِينَ بَاشَرَ فِرْعَوْنُ الغَرَقَ وَأَيْقَنَ بِالهَلَاكِ، نَطَقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَدُخُولِهِ فِي الإِسْلَامِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ جِبْرِيلَ جَعَلَ يَدُسُّ فِي فِي فِرْعَوْنَ الطِّينَ خَشْيَةَ أَنْ يَرْحَمَهُ اللَّهُ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلَمْ يَقْبَلِ اللهُ إِيمَانَ فِرْعَوْنَ لِفَوَاتِ الأَوَانِ، حَيْثُ عَايَنَ المَوْتَ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ البَحْرَ أَنْ يُلْقِيَ فِرْعَوْنَ جَسَدًا تَامًّا لَا رُوحَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ دِرْعُهُ المَعْرُوفَةُ، عِبْرَةً وَعِظَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَتْ نَجَاةُ مُوسَى وَهَلَاكُ فِرْعَوْنَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ.

٩- فَضْلُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلَّا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ؛ يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ رَمَضَانَ، لَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَرُدُّ عِلْمَ غَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: إِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.

١٠- فَضْلُ عَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ التِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ». رَوَاهُ مُسْلمٌ.

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ عَنْ تَفْضِيلِ عَرَفَةَ: فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، وَقَبْلَهُ شَهْرٌ حَرَامٌ، وَبَعْدَهُ شَهْرٌ حَرَامٌ، بِخِلَافِ عَاشُورَاءَ.

الثَّانِي: أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ خَصَائِصِ شَرْعِنَا.

١١- عَاشُورَاءُ هُوَ اليَوْمُ العَاشِرُ

عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمُ عَاشِرٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: «حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ». قَالَ المُبَارَكْفُورِيُّ: مُنْقَطِعٌ بَيْنَ الْحَسَنِ وابن عَبَّاسٍ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمُ التَّاسِعِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمُ العَاشِرِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ»، «وَبِهَذَا الحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ».

١٢- صَوْمُ العَاشِرِ وَالحَادِيَ عَشَرَ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَفِيهِ كَلَامٌ.

قَالَ فِي «اللَّمَعَاتِ»: «مَرَاتِبُ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ ثَلَاثَةٌ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْعَاشِرِ، وَيَوْمًا قَبْلَهُ، وَيَوْمًا بَعْدَهُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ، وَثَانِيهَا: أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ، وَثَالِثُهَا: أَنْ يَصُومَ الْعَاشِرَ فَقَطْ. وَقَدْ جَاءَ فِي التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ أَحَادِيثُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلُوا صَوْمَ الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنَ الْمَرَاتِبِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي هَذِهِ أَيْضًا».

١٣- إِفْرَادُ العَاشِرِ بِالصِّيَامِ

ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَوْلُهُ: «صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، خَالِفُوا اليَهُودَ». أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَجَبٍ.

إِفْرَادُ عَاشُورَاءَ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ، جَائِزٌ، وَالأَفْضَلُ صَوْمُ تَاسُوعَاءَ مَعَهُ لِظَاهِرِ السُّنَّةِ.

وَقَالَ الحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ إِفْرَادِهِ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: «وَمُقتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى العَاشِرِ ... وَاتَّبَعَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ يَكْرَهُ إِفْرَادَ العَاشِرِ عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ».

١٤- مَعْنَى التَّكْفِيرِ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: «وَتَقْدِيرُهُ: يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إِلَّا الكَبَائِرَ. فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنَ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ، وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنَ الكَبَائِرِ». اهـ.

وَقُوَّةُ التَّكْفِيرِ تَعُودُ إِلَى قُوَّةِ الإِخْلَاصِ، وَصِدْقِ الاحْتِسَابِ، وَحِفْظِ الصِّيَامِ، وَمَا يَحْتَفُّ بِهِ مِنَ العِبَادَاتِ.

١٥- صَوْمُ عَاشُورَاءَ شُكْرًا

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا هَذَا اليَوْمُ الذِي تَصُومُونَهُ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُنَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ صَامُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا مِنَ الصَّوْمِ؟». فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْغَرَقِ، وَغَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ، وَهَذَا يَوْمٌ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ، فَصَامَ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى، وَأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ». فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالصَّوْمِ».
قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَأُمَّتَهُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنَ اليَهُودِ، فَإِذَا صَامَهُ مُوسَى شُكْرًا للهِ، كُنَّا أَحَقَّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنَ اليَهُودِ.

١٦- إِشْكَالٌ وَجَوَابُهُ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ... الحديث. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.

فَتَوْجِيهُ الحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ القَيِّمِ: أَنَّ أَوَّلَ عِلْمِهِ بِوُقُوعِ القِصَّةِ فِي العَامِ الثَّانِي الذِي كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ المَدِينَةَ، إِنْ كَانَ حِسَابُ أَهْلِ الكِتَابِ فِي صَوْمِهِ بِالأَشْهُرِ الهِلَالِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِالشَّمْسِيَّةِ زَالَ الإِشْكَالُ بِالكُلِّيَّةِ، وَيَكُونُ اليَوْمُ الذِي نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى هُوَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ أَوَّلِ المُحَرَّمِ.

١٧- مَكَانَةُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَتْ قُرَيشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى مَكَانَةِ عَاشُورَاءَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُهُ، وَلَمَّا هَاجَرَ أَكَّدَ صِيَامَهُ فِعْلًا وَقَوْلًا.
وَكَانَ أَهْلُ الكِتَابِ وَقُرَيْشٌ يَصُومُونَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ، وَيَكْسُونَ الْكَعْبَةَ فِيهِ.
وَفِي مَجَالِسِ الْبَاغَنْدِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أَذْنَبَتْ قُرَيْشٌ ذَنْبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: صُومُوا عَاشُورَاءَ يُكَفَّرْ ذَلِكَ.
وعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: «أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيَصُمْ»، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ)؛ هذَا لَمَّا كَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ فَرْضًا.

١٨- شَرْطُ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

قِيلَ: إِنَّ الحَدِيثَ خَاصٌّ بِالصَّغَائِرِ، وَقِيلَ: إِنَّ الكَبَائِرَ دَاخِلَةٌ فِي التَّكْفِيرِ؛ وَقِيلَ: إِنَّ تَكْفِيرَ *الصَّغَائِرِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

١٩- صَوْمُ المُسَافِرِ لِعَاشُورَاءَ

قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ سَّكْسَكِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ؛ مِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَالَ: رَمَضَانُ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَاشُورَاءُ يَفُوتُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنْ يُصَامَ عَاشُورَاءُ فِي السَّفَرِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ إِذَا تَكَلَّفَ الْعَمَلَ، كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ.

٢٠- التَّزَيُّنُ وَالصَّدَقَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَعَلَّقَهَا البُخَارِيُّ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الاكْتِحَالِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَالاخْتِضَابِ وَالاغْتِسَالِ فِيهِ؛ فَمَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فِيهِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، قَالَ: مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّمَا صَامَ السَّنَةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ فِيهِ كَانَ كَصَدَقَةِ السَّنَةِ. أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى المَدِينِيُّ.

٢١- إِشْكَالٌ وَجَوَابُهُ

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَأَمَّا الإِشْكَالُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لِأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ العَامِ المُقْبِلِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ، فَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا وَهَذَا، وَصَحَّ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ إِذْ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ، وَيُخْبِرَ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ إِلَى العَامِ القَابِلِ صَامَهُ، أَوْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِهِ، مُسْتَنِدًا إِلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، وَوَعَدَ بِهِ.

٢٢- التَّوْبَةُ بِيَوْمِ عَاشُورَاءَ

رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: (المُحَرَّمُ شَهْرُ اللهِ، فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ).

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَوْلُهُ: «وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى آخَرِينَ»: حَثٌّ لِلنَّاسِ عَلَى تَجْدِيدِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَتَرَجِّيهِ لِقَبُولِ التَّوْبَةِ، فَمَنْ تَابَ فِيهِ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذُنُوبِهِ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، كَمَا تَابَ فِيهِ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ.

٢٣- اتِّخَاذُ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا

عَنْ جَابِرِ مَرْفُوعًا: (شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا اتِّخَاذُ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ؛ لِأَجْلِ مَقْتَلِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهُوَ مِنْ عَمَلِ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ بِاتِّخَاذِ أَيَّامِ مَصَائِبِ الأَنْبِيَاءِ وَمَوْتِهِمْ مَأْتَمًا، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُمْ؟!.

٢٤- التَّوْسِعَةُ عَلَى العِيَالِ بِعَاشُورَاءَ

صَحَّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وأَبُو نُعَيْمٍ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا التَّوْسِعَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ عَلَى العِيَالِ، فَقَالَ حَرْبٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الحَدِيثِ الذِي جَاءَ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ»، فَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا.

وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ.

٢٥- تَرْكُ الأَمْرِ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ

ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ»: «أَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ادْنُ إِلَى الغَدَاءِ. فَقَالَ: أَوَلَيْسَ اليَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟، فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟، قَالَ: وَمَا هُوَ؟، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ».

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: المَتْرُوكُ وُجُوبُ صَوْمِهِ لَا اسْتِحْبَابُهُ.

٢٦- رَأْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ

عَنِ الحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: «انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ المُحَرَّمِ فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ؟، قَالَ: نَعَمْ». رَوَاه مُسْلِمٌ.

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: فَمَنْ تَأَمَّلَ مَجْمُوعَ رِوَايَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَبَيَّنَ لَهُ سَعَةُ عِلْمِهِ ... قَالَ لِلسَّائِلِ: صُمِ اليَوْمَ التَّاسِعَ، وَاكْتَفَى بِمَعْرِفَةِ السَّائِلِ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَوْمُ العَاشِرُ.

٢٧- المَعْنَى مِنْ صَوْمِ التَّاسِعِ

رَوَى البَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَصُومُ عَاشُورَاءَ يَوْمَيْنِ، وَيُوَالِي بَيْنَهُمَا مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ».

فَصِيَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّاسِعَ: لِلاحْتِيَاطِ، وَمُخَالَفَةِ اليَهُودِ.

٢٨- تَعْظِيمُ عَاشُورَاءَ

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ، صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ تَعْظِيمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِمَا وَرَدَ - وَهُوَ صِيَامُهُ -، لَا بِاتِّبَاعِ سُنَنِ أَهْلِ الكِتَابِ وَلَا أَهْلِ الأَوْثَانِ وَلَا أَهْلِ البِدَعِ؛ بَلْ نُهِينَا عَنْ مُوَافَقَتِهِمْ، وَأُمِرْنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ، فَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ التَّاسِعِ وَالعَاشِرِ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: «وَلَا يُكْرَهُ إِفْرَادُ عَاشُورَاءَ بِالصَّوْمِ».

٢٩- إِشْكَالٌ وَجَوَابُهُ

رَوَى مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ»، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَهَذَا فِيهِ أَنَّ صَوْمَهُ وَالْأَمْرَ بِصِيَامِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، وَحَدِيثُهُ الآخَرُ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَالجَوَابُ: أَنَّ الَّذِي قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ هُوَ العَزْمُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَهْلِ الكِتَابِ بِصَوْمِ التَّاسِعِ لَا صَوْمِ العَاشِرِ.

٣٠- الاحْتِيَاطُ لِعَاشُورَاءَ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَصُومُ عَاشُورَاءَ، وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ احْتِيَاطًا، عِنْدَ الاخْتِلَافِ فِي هِلَالِ الشَّهْرِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالإِمَامِ أَحْمَدَ.

قال تعالى: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ، وَفِيهَا آيَاتٌ وَعِبَرٌ، حَسْبُكَ مَا ذُكِرَ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى كَأَنَّ نَارًا قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ نَحْوِ بَيْتِ المَقْدِسِ ... إِلَى آخِرِ المَنَامِ، فَجَمَعَ الكَهَنَةَ، فَقَالُوا: هَذَا غُلَامٌ يُولَدُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلَاكُكَ وَقَوْمِكَ عَلَى يَدَيْهِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الغِلْمَانِ، وَتَتَبُّعِ الحَبَالَى، فَلَا تَلِدُ ذَكَرًا إِلَّا ذَبَحَهُ، ثُمَّ إِنَّ فِرْعَوْنَ الْتَقَطَ مُوسَى وَهُوَ رَضِيعٌ؛ (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا)، فَتَبَنَّاهُ وَآوَاهُ وَرَبَّاهُ، وَأَسْكَنَهُ فِي دَارِهِ بِجِوَارِهِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَيُنفِقُ عَلَيْهِ، إِلَى أَنْ أَهْلَكَهُ اللهُ وَقَوْمَهُ عَلَى يَدَيْهِ.

قال تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)؛ أَيْ: فِي المُسْتَقْبَلِ.
لَقَدْ أَقبَلَ المَوْجُ بِالتَّابُوتِ، فِيهِ الرَّضِيعُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَثَبَتَ عِنْدَ بَيْتِ فِرْعَوْنَ عَلَى شَفِيرِ النِّيلِ، فَخَرَجَ أَعْوَانُ فِرْعَوْنَ فَجَاؤُوا بِالتَّابُوتِ، فَفَتَحُوهُ فَإِذَا فِيهِ مُوسَى، صَبِيٌّ فِي مَهْدِهِ.
أَرَادَ فِرْعَوْنُ قَتْلَهُ، (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا)، فَقَالَ: هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ لَكِ لَا لِي. فَسَعِدَتْ بِهِ، وَشَقِيَ بِهِ فِرْعَوْنُ.
قَالَتْ: (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)، إِذْ فِرْعَوْنُ لَا ابْنَ لَهُ، فَأَجَابَهَا لِذَلِكَ.
فَسُبْحَانَ مُقَدِّرِ الأَسْبَابِ وَالمُسَبَّبَاتِ!!

قال تعالى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ).
جَمَعَ عُمَّالُ فِرْعَوْنَ المَرَاضِعَ، حِينَ أَلْقَى اللهُ مَحَبَّتَهُمْ لِمُوسَى وَهُوَ فِي المَهْدِ، فَلَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ امْرَأَةٍ قَطُّ، فَتَغَانَمَتْ أُخْتُهُ الحَالَ، فَدَلَّتْهُمْ عَلَى بَيْتِ أُمِّهِ، دُونَ أَنْ تُصَرِّحَ لَهُمْ بِذَلِكَ، فَذَهَبُوا بِهِ إِلَيْهَا، فَقَبِلَ ثَدْيَهَا فَاسْتَأْجَرُوهَا.
قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). لَقَدْ أَنْجَزَ اللهُ وَعْدَهُ. قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ).