فَتَاوَى العِيدَيْنِ

(1)

التَّجَمُّلُ لِلْعِيدَيْنِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: هَلِ التَّجَمُّلُ فِي العِيدَيْنِ مَشْرُوعٌ؟

فَأَجَابَ: نَعَمْ، يُشْرَعُ التَّجَمُّلُ فِي العِيدَيْنِ، وَذَلِكَ بِلُبْسِ الثِّيَابِ الجَمِيلَةِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: «وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوَفْدِ، فَقَالَ: إنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فِيهِ إِقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ عَلَى مَبْدَأِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ، وَفِيهِ الإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ التَّجَمُّلَ لِلْعِيدِ كَانَ مَعْهُودًا.

وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ، وَفِي الْجُمُعَةِ». رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.

وَقَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي الفَجْرَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ العِيدِ.

وَخَرَّجَ البَيْهَقِيُّ - قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ - عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ فِي العِيدَيْنِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَلَا خِلَافَ بَيْنَ العُلَمَاءِ – فِيمَا نَعْلَمُهُ - فِي اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الثِّيَابِ - أَجْوَدِ الثِّيَابِ - لِشُهُودِ الجُمُعَةِ وَالأَعْيَادِ".

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا التَّزَيُّنُ فِي العِيدِ يَسْتَوِي فِيهِ الخَارِجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَالجَالِسُ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ.

 

(2)

الاغْتِسَالُ يَوْمَ العِيدِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ يُسْتَحَبُّ الاغْتِسَالُ يَوْمَ العِيدِ؟

فَأَجَابَ: نَعَمْ، يُسْتَحَبُّ الاغْتِسَالُ، وَالتَّنَظُّفُ، وَالتَّطَيُّبُ.

وَرَوَى مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنَ الجُمَعِ: (يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، إِنَّ هَذَا اليَوْمَ جَعَلَهُ اللهُ عِيدًا، فَاغْتَسِلُوا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ).

وَفِي البَابِ أَحَادِيثُ، لَكِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ.

وَعَنِ ابْنِ عُمرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أنَّه (كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغدُوَ). رَوَاهُ مَالِكٌ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ.

وَكَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَتَطَيَّبُ لِلْعِيدِ.

وَرُوِيَ الغُسْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -.

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، قَالَ: الاغْتِسَالُ لِلْفِطْرِ وَالأَضْحَى قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ حَقٌّ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: (مِنَ الغُسْلِ المَسْنُونِ: غُسْلُ العِيدَيْنِ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالاتِّفَاقِ، سَوَاءٌ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ).

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: (اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ - يَعْنِي الغُسْلَ لِلْعِيدَيْنِ - حَسَنٌ لِمَنْ فَعَلَهُ، وَالطِّيبُ يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ مِنْهُ، وَمَنْ جَمَعَهُمَا فَهُوَ أَفْضَلُ).

وَقَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَهْلَ العِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ فِي كُلِّ عِيدٍ.

وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ بُزُرْجَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَنَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدِ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نُظْهِرَ التَّكْبِيرَ، وَعَلَّمَنَا السَّكِينَةَ وَالوَقَارَ. خَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالحَاكِمُ. وَقَالَ: لَوْلَا جَهَالَةُ إِسْحَاقَ بْنِ بُزُرْجَ؛ لَحَكَمْنَا لِلْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ.

 

(3)

المَشْيُ أَوِ الرُّكُوبُ لِصَلَاةِ العِيدِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا هُوَ الأَفْضَلُ؛ المَشْيُ أَمِ الرُّكُوبُ لِصَلَاةِ العِيدِ؟

فَأَجَابَ: المَشْيُ إِلَى المَسْجِدِ أَوِ المُصَلَّى، وَالرُّكُوبُ فِي الذَّهَابِ وَالعَوْدَةِ: كُلُّهُ جَائِزٌ. وَالمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ أَوْلَى لِظَاهِرِ الأَحَادِيثِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ؛ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ؛ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مُوسَى، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ.

وَثَبَتَ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا، وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ كَثِيرٍ.

وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (قَالَ: وَمَا الكفَّارَاتُ وَالدَّرَجَاتُ؟ قَالَ: المُكْثُ فِي المَسَاجِدِ، وَالمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الجُمُعَاتِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

وَرُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَلَهُ شَوَاهِدُ ضَعِيفَةٌ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

 

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: قَوْلُهُ: (مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ مَاشِيًا)؛ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْخُرُوجِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، وَالْمَشْيِ إلَيْهَا، وَتَرْكِ الرُّكُوبِ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ ذَلِكَ عَنْ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحَدِيثُ الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِمَعْنَاهُ تُقَوِّيهِ، وَهَذَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْعِرَاقِيُّ لِاسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ»، فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ؛ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْكُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ.

قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ مَاشِيًا، فَمِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمِنَ الْأَئِمَّةِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ.

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي صَلَاةَ الْعِيدِ رَاكِبًا. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الْمَشْيُ فِي الرُّجُوعِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ الْقَرَظِ، (وَالحَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ).

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَأْتِيَ الْعِيدَ مَاشِيًا، ثُمَّ تَرْكَبَ إذَا رَجَعْتَ». قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهَذَا أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ الْقَرَظِ؛ (يَعْنِي أَنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَيَرْجِعُ مَاشِيًا)، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، يَعْنِي الشَّافِعِيَّةُ». انتهى.

 

(4)

حُكْمُ صَلَاةِ العِيدَيْنِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا حُكْمُ صَلَاةِ العِيدَيْنِ؟

فَأَجَابَ: صَلَاةُ العِيدَيْنِ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ العَظِيمَةِ، وَجَاءَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ - وَفِي لَفْظٍ: الْمُصَلَّى - وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَيْسَ لِلنَّسَائِيِّ فِيهِ أَمْرُ الْجِلْبَابِ.

وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: «وَالْحُيَّضُ يَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ».

وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حُكْمِ صَلَاةِ العِيدَيْنِ عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ:

الأَوَّلُ: أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِمَامُ مَالِكٌ، وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ أَرْجَحُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -،  وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ)، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: (لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَهُوَ قَوِيٌّ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَشَيْخُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ، وَالشَّيْخُ مُحَمَّدٌ العُثَيْمِينُ - رَحِمَهُمُ اللهُ -.

 

(5)

مَا يُسَنُّ فِعْلُهُ قَبْلَ الخُرُوجِ لِصَلَاةِ العِيدِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا الَّذِي يُسَنُّ فِعْلُهُ قَبْلَ الخُرُوجِ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ؟

فَأَجَابَ: السُّنَّةُ أَكْلُ تَمَرَاتٍ وِتْرًا قَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ الفِطْرِ.

فَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.

وَعَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، وابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ.

زَادَ أَحْمَدُ: «فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَتِهِ»، وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ يَوْمَ الْفِطْرِ».

 

(6)

المَشْرُوعُ فِي التَّكْبِيرِ يَوْمَ الفِطْرِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا المَشْرُوعُ فِي التَّكْبِيرِ يَوْمَ عِيدِ الفِطْرِ؟

فَأَجَابَ: المَشْرُوعُ التَّكْبِيرُ حَالَ الخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ، حَتَّى يَبْدَأَ الإِمَامُ فِي الخُطْبَةِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا إلَى الْمُصَلَّى كَبَّرَ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى، حَتَّى إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ. رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ.

وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، حَالَ خُرُوجِهِ إلَى الْعِيدِ يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى». قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَهَذَا الْمَوْقُوفُ صَحِيحٌ.

 

(7)

وَقْتُ صَلَاةِ العِيدَيْنِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَتَى يَبْدَأُ وَقْتُ صَلَاةِ العِيدَيْنِ، وَمَتَى يَنْتَهِي؟

فَأَجَابَ: يَبْدَأُ وَقْتُ صَلَاةِ العِيدَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ - وَهُوَ قَوْلُ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ - إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَارْتَفَعَتْ قَدْرَ رُمْحٍ؛ يَعْنِي بَعْدَ الطُّلُوعِ بِرُبْعِ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَخْرُجُونَ إِلَى العِيدِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي الضُّحَى فِي المَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى العِيدِ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ؛ فَالتَّعْجِيلُ بِهِمَا - يَعْنِي: الفِطْرَ وَالأَضْحَى - أَحْسَنُ مِنَ التَّأْخِيرِ.

وَأَمَّا مَا خَرَّجَهُ الشَّافِعِيُّ، أَنَّ الحَسَنَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْدُو إِلَى الأَضْحَى وَالفِطْرِ، حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، فَيَتَتَامُّ طُلُوعُهَا: فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا مَتَى يَنْتَهِي وَقْتُهَا، فَنِهَايَتُهُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ، حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ.

وَاللهُ أَعْلَمُ.

 

(8)

وَقْتُ إِقَامَةِ صَلَاةِ العِيدَيْنِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ وَقْتُ إِقَامَةِ صَلَاةِ العِيدَيْنِ وَاحِدٌ؟

فَأَجَابَ: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا يُصَلَّيَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الإِمَامِ مَالِكٍ.

وَالقَوْلُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ الفِطْرِ، وَتُقَدَّمَ الأَضْحَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.

وَذَلِكَ: أَنَّهُ بِتَأْخِيرِ صَلَاةِ عِيدِ الفِطْرِ، يَتَّسِعُ وَقْتُ إِخْرَاجِ الفِطْرَةِ المُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهَا فِيهِ، وَبِتَعْجِيلِ صَلَاةِ الأَضْحَى، يَتَّسِعُ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ، وَلَا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ الأَكْلِ حَتَّى يَأْكُلُوا مِنْ ضَحَايَاهُمْ.

وَأَمَّا مَا خَرَّجَهُ الشَّافِعِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - وَهُوَ بِنَجْرَانَ -: أَنْ عَجِّلِ الأَضْحَى، وَأَخِّرِ الفِطْرَ: فَمُرْسَلٌ ضَعِيفٌ.

وَاللهُ أَعْلَمُ.

 

(9)

إِذَا تَأَخَّرَ العِلْمُ بِالعِيدِ

سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: مَا العَمَلُ إِذَا تَأَخَّرَ العِلْمُ بِالعِيدِ؟

فَأَجَابَ: إِنْ كَانَ الخَبَرُ جَاءَهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ: صَلَّوْا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: صَلَّوْا مِنَ الغَدِ ضُحًى.

وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَكُونُ الخُرُوجُ لِلْعِيدَيْنِ إِلَّا قَبْلَ الزَّوَالِ. وَهُوَ قَوْلُ الجُمْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ المُنْذِرِ.

وَالدَّلِيلُ مَا رَوَى أَبُو عُمَيْرِ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمُومَةٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالُوا: غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ رَأَوُا الهِلَالَ بِالأَمْسِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَأَنْ يَخْرُجُوا لِعِيدِهِمْ مِنَ الغَدِ.

خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَالخَطَّابِيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَسْقُطُ وَلَا تُصَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالشَّافِعِيِّ - فِي قَوْلٍ لَهُ -.

وَالقَوْلُ المَشْهُورُ عَنْهُ: أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ لِصِغَرِ البَلَدِ خَرَجُوا، وَصَلَّوْا فِي بَقِيَّةِ اليَوْمِ، وَإِلَّا أَخَّرُوهُ إِلَى الغَدِ.