المُقَدِّمَةُ

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ رِسَالَةٌ فِي (لَيْلَةِ القَدْرِ)، دَعَانِي إِلَى كِتَابَتِهَا مَا يُثَارُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ عَامٍ  حَوْلَ تَعْيِينِهَا، ثُمَّ التَّدَاعِيَاتُ السَّلْبِيَّةُ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ، كَالعَجْزِ وَالكَسَلِ الذِي يُصَابُ بِهِ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا هِمَّةَ، وَتَشْوِيشَاتُ القِيلِ وَالقَالِ، وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ عَبْرَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الإِلِكْتُرُونِيِّ، وَانْشِغَالُ الكَثِيرِ بِالاطِّلَاعِ عَلَى الرَّسَائِلِ وَالمَقَاطِعِ التِي تَحْمِلُ آرَاءَ الرِّجَالِ البَاعِثَةَ عَلَى الفُتُورِ، وَإِشْغَالُ الآخَرِينَ بِهَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ نَقْصٍ وَقُصُورٍ.

وَتَتَجَلَّى أَهَمِّيَّةُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الوَحْيِ، وَالتَّحَاكُمِ إِلَى السُّنَّةِ فِي تَعْيِينِ لَيْلَةِ القَدْرِ، وَمَنْ سَبَرَ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي تَحَرِّيهَا، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ القَطْعَ بِتَعْيِينِهَا مُخَالِفٌ لَهَا، وَقَدْ جَاءَتِ الأَحَادِيثُ عَلَى أَشْكَالٍ؛ لِيُفَسِّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا، بِأَنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ مُبْهَمَةٌ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَأَنَّ بَعْضَ اللَّيَالِي أَرْجَى مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي العَشْرِ مُحْتَمَلًا أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ القَدْرِ.

وَقَدْ نَحَوْتُ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ مَنْحَى الاخْتِصَارِ وَالاقْتِصَارِ، وَكَانَ الغَرَضُ مِنْ إِخْرَاجِهَا التَّحْرِيضَ عَلَى الجِدِّ فِي جَمِيعِ العَشْرِ البَوَاقِي، (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

 

(1) فَضْلُ لَيْلَةِ القَدْرِ

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ أَفْضَلُ لَيَالِي الدُّنْيَا عَلَى الإِطْلَاقِ، وَالعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ فِي غَيْرِهَا مِنَ اللَّيَالِي، وَحَسْبُكَ فِي فَضْلِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ - «أَيِ: القُرْآن» - فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ - «هِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ، كَثِيرَةُ الخَيْرَاتِ» - إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا - «يَعْنِي لَيْلَةَ القَدْرِ» - يُفْرَقُ - «يُدَبَّرُ أَمْرُ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ»، كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ - «يَقْضِي فِيهَا أَمْرَ العَامِ كُلِّهِ؛ مَنْ يَمُوتُ، وَمَنْ يُولَدُ، وَمَنْ يَشْقَى، وَمَنْ يَسْعَدُ، وَالأَرْزَاقَ وَسَائِرَ أُمُورِ العَامِ»).

وَقَالَ تَعَالَى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ؛ (ابْتَدَأَ اللهُ إِنْزَالَ القُرْآنِ، وَقِيلَ: نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ العِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا)، فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ - (مِنْ رَمَضَانَ، يُقَدِّرُ اللهُ فِيهَا مَقَادِيرَ السَّنَةِ) -، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ (لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ)، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ - (العَمَلُ فِيهَا) - مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ (مِنَ العَمَلِ فِي ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ القَدْرِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ الدَّهْرِ)، تَنَزَّلُ (إِلَى الأَرْضِ) الْمَلَائِكَةُ (بِكَثْرَةٍ)، وَالرُّوحُ فِيهَا - (وَهُوَ جِبْرِيلُ) -، بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (قَدَّرَهُ اللهُ وَقَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ)، سَلَامٌ هِيَ، (خَيْرٌ كُلُّهَا)، حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ؛ (إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الصُّبْحُ).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَحُكِيَ عَنْ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ تَخْصِيصُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَحَكَى الخَطَّابِيُّ عَلَيْهِ الإِجْمَاعَ.

 

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَالذِي دَلَّ عَلَيْهِ الحَدِيثُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الأُمَمِ المَاضِينَ، كَمَا هِيَ فِي أُمَّتِنَا، وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، تَكُونُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ مَا كَانُوا، فَإِذَا قُبِضُوا رُفِعَتْ، أَمْ هِيَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؟، قَالَ: "بَلْ هِيَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ". صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ البَزَّارُ، وَمَرْثَدٌ هَذَا لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ أَبِيهِ مَالِكٍ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.

 

(2) لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةٌ مَخْفِيَّةٌ

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي المُسْنَدِ، وَسُنَنِ النَّسَائِيِّ، وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَمُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ، وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، أَفِي رَمَضَانَ، أَوْ فِي غَيْرِهِ؟، قَالَ: "بَلْ هِيَ فِي رَمَضَانَ". قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، تَكُونُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ مَا كَانُوا، فَإِذَا قُبِضُوا رُفِعَتْ، أَمْ هِيَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؟، قَالَ: "بَلْ هِيَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ" - إِلَى أَنْ قَالَ -: "إِنَّ اللهَ لَوْ شَاءَ لَأَطْلَعَكُمْ عَلَيْهَا، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ". وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللهَ لَوْ أَذِنَ لِي أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِهَا لَأَخْبَرْتُكُمْ".

وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ مَخْفِيَّةٌ؛ لِئَلَّا يَتَّكِلَ الكَثِيرُ عَلَى لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَيَتْرُكُوا بَقِيَّةَ اللَّيَالِي؛ فَإِنَّ القَطْعَ بِأَنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ لَيْلَةُ كَذَا وَكَذَا فِي عَصْرٍ غَلَبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِهِ الجَهْلُ وَالاتِّكَالُ وَالضَّعْفُ وَالعَجْزُ وَالكَسَلُ؛ مُخَالِفٌ لِلْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِ الرَّبَّانِيِّ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي أَيُّ لَيْلَةٍ تُبْتَغَى فِيهَا لَيْلَةُ القَدْرِ؟، فَقَالَ: "لَوْلَا أَنْ تَتْرُكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ إِلَّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَأَخْبَرْتُكَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: "لَوْلَا سُفَهَاؤُكُمْ لَوَضَعْتُ يَدِي فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ أَنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ.

 

ثُمَّ إِنَّ فِي القَطْعِ مُخَالَفَةً لِلْأَحَادِيثِ الكَثِيرَةِ، الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ لَيْلَةٌ مُبْهَمَةٌ، أَخْفَاهَا اللهُ تَعَالَى بِقَدَرٍ، فَلَوْ شَاءَ لَأَطْلَعَنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا لَمْ يَأْذَنِ اللهُ لِنَبِيِّهِ أَنْ يُخْبِرَنَا بِهَا، فَكَيْفَ يَتَسَنَّى لِكَائِنٍ مَنْ كَانَ، أَنْ يَدَّعِيَ فِي تَعْيِينِهَا عِلْمَ اليَقِينِ؟!، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).

 

(3) إِقْسَامُ أُبَيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ؟، فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟، قَالَ: بِالْعَلامَةِ أَوْ بِالآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا».

وَعَنْ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: (غَدَوْتُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ذَاتَ غَدَاةٍ فِي رَمَضَانَ، فَوَجَدْتُهُ فَوْقَ بَيْتٍ جَالِسًا، فَسَمِعْنَا صَوْتَهُ وَهُوَ يَقُولُ: صَدَقَ اللهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَيْلَةُ القَدْرِ فِي النِّصْفِ مِنَ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدَاتَئِذٍ صَافِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ". فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَوَجَدْتُهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ  - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى، وَأَبُو عَقْرَبٍ لَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.

إِنَّ إِقْسَامَ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى عَلَامَةِ الشَّمْسِ، لَا عَلَى نَصٍّ نَبَوِيٍّ، بِأَنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ نَصٌّ صَرِيحٌ لَاحْتَجَّ بِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَنَظَرُ العَيْنِ لِلْعَلَامَةِ لَيْسَ دَقِيقًا بَيِّنًا يَتَّفِقُ النَّاسُ عَلَيْهِ؛ بَلْ هُوَ مِنَ الأُمُورِ المُشْتَبِهَةِ التِي تَظْهَرُ لِبَعْضِ الرَّائِينَ دُونَ بَعْضٍ، وَتَخْتَلِفُ وِجْهَاتُ النَّظَرِ فِيهَا، قَالَ الحَسَنُ: رَقَبْتُ الشَّمْسَ عِشْرِينَ سَنَةً لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَكَانَتْ تَطْلُعُ لَا شُعَاعَ لَهَا.

لَقَدْ خَالَفَ أُبَيًّا عَدَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فِي تَعْيِينِهَا، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ الدَّائِمَ لَا يَقُومُ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ.

 

وَقَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ العِلْمُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ بِأَمَارَةٍ مِنْ أَمَارَاتِهَا، أَوْ بِرُؤْيَا مَنَامِيَّةٍ أَوْ حَقِيقِيَّةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ - رضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ؛ مَا أَقُولُ فِيهَا؟، قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَابْنُ القَيِّمِ.

وَبَعْدُ: فَإِنَّ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي تَعْيِينِ لَيْلَةِ القَدْرِ قَدْ جُمِعَتْ، فَلَا حَاجَةَ لِلتَّعَالُمِ وَالإِشْغَالِ.

لَقَدْ أَوْصَلَ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللهُ - الأَقْوَالَ فِي تَعْيِينِ لَيْلَةِ القَدْرِ إِلَى الأَرْبَعِينَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا ضَعِيفًا، كَالقَوْلِ بِأَنَّهَا فِي جَمِيعِ العَامِ، أَوْ مَرْجُوحًا كَالقَوْلِ بِأَنَّهَا فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: «دَعَا عُمرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَأَجْمَعُوا أَنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ». رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ.

فَكُلُّ لَيْلَةٍ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ قَدْرٍ.

 

(4) لَيْلَةُ القَدْرِ تَتْنَقِلُ

إِنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ لَيْلَةَ القَدْرِ، لِدَلِيلٍ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ، حَتَّى ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الجَمْعِ بَيْنَ تِلْكَ الأَخْبَارِ المَرْفُوعَةِ وَالمَوْقُوفَةِ وَالمَقْطُوعَةِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا تَنْتَقِلُ بَيْنَ لَيَالِي العَشْرِ البَوَاقِي مِنْ رَمَضَانَ، وَخَاصَّةً أَوْتَارَهَا، وَالسَّبْعُ الأَوَاخِرُ أَرْجَا مِنْ غَيْرِهَا، وَهِيَ التِي اسْتَقَرَّ الحَصْرُ النَّبَوِيُّ عَلَيْهَا، بَعْدَ حَصْرِهَا فِي العَشْرِ الأَخِيرَةِ، ثُمَّ فِي الأَوْتَارِ مِنْهَا.

وَمِمَّنْ قَاَل: إِنَّهَا تَتْنَقِلُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ أَبُو قِلَابَةَ؛ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الأَئِمَّةِ، كَالإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا، وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَآخَرُونَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي أَرْجَحِ لَيَالِي العَشْرِ وَأَرْجَاهَا، وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، يَلِيهِ القَوْلُ بِأَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَأَغْلَبُ مَا تَكُونُ لَيْلَةُ القَدْرِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - فِي هَاتَيْنِ اللَّيْلَتَيْنِ، وَبِهَذَا تَأْتَلِفُ الأَخْبَارُ وَالآثَارُ، وَيُعْمَلُ بِهَا كُلِّهَا، وَلَا يُهْمَلُ شَيْءٌ مِنْهَا.

رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دَعَا عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ لِعُمَرَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ - أَوْ أَظُنُّ - أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ، قَالَ عُمَرُ: أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ؟، فَقُلْتُ: سَابِعَةٌ تَمْضِي، أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟، قُلْتُ: خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، ... الأَثَر". وَخَرَّجَهُ ابْنُ شَاهِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلًا مَرْفُوعًا: "هِيَ فِي العَشْرِ، سَبْعٌ تَمْضِي، أَوْ سَبْعٌ تَبْقَى".


(5) الحِكْمَةُ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ اللَّيَالِي

مِنَ الحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ اللَّيَالِي عَلَى بَعْضٍ، تَجَدُّدُ المُحَفِّزِ مَعَ كُلِّ لَيْلَةٍ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَامَ بِنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا أَحْسَبُ مَا تَطْلُبُونَ إِلَّا وَرَاءَكُمْ"، ثُمَّ قَامَ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا أَحْسَبُ مَا تَطْلُبُونَ إِلَّا وَرَاءَكُمْ – أَيْ: أَمَامَكُمْ -، ثُمَّ قُمْنَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ إِلَى الصُّبْحِ".

وَأَيْضًا تَخْفِيفًا عَلَى العَاجِزِ، بِأَنْ يَخُصَّ أَرْجَى لَيْلَةٍ بِاجْتِهَادٍ خَاصٍّ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الْتمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ - يَعْنِي: لَيْلَةَ القَدْرِ - فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ البَوَاقِي). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي بَادِيَةً أُصَلِّي فِيهَا، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إِلَى المَسْجِدِ؛ (يَعْنِي مَسْجِدَ المَدِينَةِ)؛ فَأُصَلِّي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -: "انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ مُدَلِّسٌ.

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُوقِظُ أَهْلَهُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. وَكَذَلِكَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -.

وَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلِيلٌ، يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ يُوَفِّقُنِي اللهُ فِيهَا لِلَيْلَةِ القَدْرِ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ». وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ.

 

(6) لَيْلَةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ - أَوْ قَالَ: فِي التِّسْعِ الأَوَاخِرِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَلَيْلَةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ البَوَاقِي مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: "اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَلْيَرْجِعْ؛ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَجْتَهِدُ فِي رَمضَانَ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ، وَفِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْه، مَا لَا يَجْتَهدُ فِي غَيْرِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلِطُ العِشْرِينَ بِصَلَاةٍ وَنَوْمٍ، فَإِذَا كَانَ العَشْرُ - يَعْنِي الأَخِيرَ – شَمَّرَ، وَشَدَّ المِئْزَرَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ عَلَى مَقَالٍ فِي إِسْنَادِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَبْلَهُ.

وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَكُلَّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ يُطِيقُ الصَّلَاةَ.

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَحَبُّ إِلَيَّ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ، أَنْ يَتَهَجَّدَ بِاللَّيْلِ، وَيَجْتَهِدَ فِيهِ، وَيُنْهِضَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ إِلَى الصَّلَاةِ، إِنْ أَطَاقُوا ذَلِكَ.

 

(7) تَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الأَوْتَارِ

عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: (ابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

لَكِنْ هَلْ تَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِمَّا يَبْقَى أَوْ مِمَّا يَمْضِي؟؛ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ.

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ: "بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ بِطَلَبِ لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِمَّا يَبْقَى مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ، لَا فِي الوِتْرِ مِمَّا يَمْضِي مِنْهَا، وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي تِسْعٍ بَقِينَ، أَوْ فِي سَبْعٍ بَقِينَ، أَوْ فِي خَمْسٍ بَقِينَ، أَوْ فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ، أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ".

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ، أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ بِالشَّكِّ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيْهَنِيِّ بِلَفْظِ المُضِيِّ فِيهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ الإِسْمَاعِيلِيِّ بِتَقْدِيمِ السِّينِ فِي المَوْضِعَيْنِ".

 

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ، وَقَدْ حُسِّنَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فِي رَمَضَانَ، فَالتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَإِنَّهَا فِي وِتْرٍ، فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: "رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَفِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَفِيهِ كَلَامٌ، وَقَدْ وُثِّقَ".

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَيْلَةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ البَوَاقِي ... وَهِيَ لَيْلَةُ وِتْرٍ: تِسْعٍ، أَوْ سَبْعٍ، أَوْ خَامِسَةٍ، أَوْ ثَالِثَةٍ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أَمَارَتَهَا". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَفِي المَتْنِ غَرَابَةٌ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ".

مَلْحُوظَةٌ: لَا تَخْتَلِفُ الأَوْتَارُ إِذَا اعْتَبَرْنَا الشَّهْرَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، سَوَاءٌ حَسَبْنَا بِمَا مَضَى أَوْ بِمَا بَقِيَ، وَلَا تَخْتَلِفُ إِذَا حَسَبْنَا بِمَا مَضَى، سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا.

 

(8) تَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أُرُوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهُ مَرْفُوعًا: (فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ البَوَاقِي). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَظَاهِرُ الحَدِيثِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ السَّبْعَ الأَوَاخِرَ، أَوْتَارَهَا وَأَشْفَاعَهَا أَرْجَى مِمَّا قَبْلَهَا. وَأَوَّلُ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، عَلَى حِسَابِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ دُونَ تَمَامِهِ.

وَعَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، وَقَدْ خَلَتْ ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الْتَمِسُوهَا فِي هَذِهِ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ التِي بَقِيَتْ مِنَ الشَّهْرِ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِلَالٍ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ السَّبْعِ البَوَاقِي لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.

وَقَدْ تُحْمَلُ عَلَى شَهْرٍ خَاصٍّ، اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نُقْصَانِهِ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ، وَأَنَّهُ حَسَبَ الشَّهْرَ عَلَى تَقْدِيرِ نُقْصَانِهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ المُتَيَقَّنُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَيُّوبُ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا.

 

وَقِيلَ: أَوَّلُ السَّبْعِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ عَلَى حِسَابِ تَمَامِ الشَّهْرِ، وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدرِيُّ وَأَبُو ذَرٍّ حَسَبَا الشَّهْرَ تَامًّا، فَيَكُونُ عِنْدَهُمَا أَوَّلُ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَمِمَّنِ اخْتَارَ هَذَا القَوْلَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ.

وَكَانَتْ طَائِفَةٌ تَجْتَهِدُ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، رَوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَالحَسَنِ، وَكَانَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ يَغْتَسِلُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَيَمَسُّ طِيبًا، وَلَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَيَقُولُ: لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَلَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَتُنَا، يَعْنِي أَهْلَ البَصْرَةِ.

 

(9) اللَّيْالِي الأَشْفَاعُ مَظِنَّةُ لَيْلَةِ القَدْرِ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ لَيْلَةَ القَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

فَعِنْدَمَا نَحْسِبُ بِمَا بَقِيَ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تَامًّا، تَكُونُ الأَشْفَاعُ هِيَ الأَوْتَارَ التِي أُمِرْنَا بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ بِلَيَالِي الأَوْتَارِ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ. وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى الأَشْفَاعِ". يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ الشَّهْرِ. وَقَدْ يَكُونُ اجْتِهَادُ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي جَمِيعِ العَشْرِ مُنْطَلِقًا مِنْ هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ، فَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ، ذُكِرَتْ لَيْلَةُ القَدْرِ عِنْدَ أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ: مَا أَنَا مُلْتَمِسُهَا لِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "الْتَمِسُوهَا فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ فِي خَمْسٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ فِي ثَلَاثٍ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ. وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُصَلِّي فِي العِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ كَصَلَاتِهِ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، فَإِذَا دَخَلَ العَشْرُ اجْتَهَدَ".

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "الوِتْرَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ المَاضِي، فَتُطْلَبُ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى، لِسَابِعَةٍ تَبْقَى، لِخَامِسَةٍ تَبْقَى، لِثَالِثَةٍ تَبْقَى). فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَكُونُ ذَلِكَ لَيَالِيَ الأَشْفَاعِ. وَتَكُونُ الاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ تَاسِعَةً تَبْقَى، وَلَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَابِعَةً تَبْقَى. قَالَ: وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي، كَالتَّارِيخِ المَاضِي، وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّاهَا الْمُؤْمِنُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ جَمِيعِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تَحَرَّوْهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ).

 

وَلِابْنِ حَزْمٍ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ، فَقَالَ: فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، فَهِيَ فِي أَوَّلِ العَشْرِ الأَخِيرِ بِلَا شَكٍّ، فَهِيَ إِمَّا فِي لَيْلَةِ عِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ، فَأَوَّلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلَا شَكٍّ إِمَّا لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةُ خَمْسٍ، أَوْ لَيْلَةُ سَبْعٍ، أَوْ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فِي وِتْرِهَا.

 

(10) مَنِ اعْتَبَرَ اللَّيَالِيَ الأَشْفَاعَ أَوْتَارًا

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالخَامِسَةِ). قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالعَدَدِ مِنَّا. قَالَ: أَجَلْ، نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكُمْ. قَالَ: قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالخَامِسَةُ؟. قَالَ: "إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ، فَالتِي تَلِيهَا ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَهِيَ التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ، فَالتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَالتِي تَلِيهَا الخَامِسَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: "التِي تُسَمُّونَهَا أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، وَسِتًّا وَعِشْرِينَ، وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ".

وَعَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ الحَضْرَمِيِّ الحِمْصِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: "صُمْنَا رَمَضَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، السَّابِعَةُ مِمَّا يَبْقَى، صَلَّى بِنَا حَتَّى كَادَ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَمْ يُصَلِّ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ، الخَامِسَةُ مِمَّا يَبْقَى، صَلَّى بِنَا حَتَّى كَادَ أَنْ يَذْهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا، فَقَالَ: «لَا، إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَتْ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ»، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَمْ يُصَلِّ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِهِ، وَاجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ، فَصَلَّى بِنَا حَتَّى كَادَ أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، ثُمَّ يَا ابْنَ أَخِي لَمْ يُصَلِّ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ، قَالَ: وَالْفَلَاحُ السُّحُورُ". رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ»، وَالخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ: أَنَّهُ قَامَ بِهِمْ أَشْفَاعَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَحَسَبَهَا أَوْتَارًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَبْقَى مِنَ الشَّهْرِ، وَقَدَّرَهُ تَامًّا، وَجَعَلَ اللَّيْلَةَ التِي قَامَهَا حَتَّى خَشُوا أَنْ يَفُوتَهُمُ الفَلَاحُ لَيْلَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، وَهِيَ الثَّالِثَةُ مِمَّا يَبْقَى، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِمَا فَهِمَهُ مِنَ المَعْنَى، وَاللهُ أَعْلَمُ".

 

(11) الأَصْلُ فِي الشَّهْرِ النَّقْصُ أَمِ التَّمَامُ

اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حِسْبَةِ الشَّهْرِ، هَلِ الأَصْلُ اعْتِبَارُ نُقْصَانِ الشَّهْرِ أَمْ تَمَامِهِ، فَالبَعْضُ يَجْعَلُ الأَصْلَ نُقْصَانَ الشَّهْرِ، سَوَاءٌ نَقَصَ فِعْلًا أَمْ لَمْ يَنْقُصْ؛ لِأَنَّهُ المُتَيَقَّنُ، "فَالتَّاسِعَةُ": لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الأَصْلَ فِي الحِسْبَةِ تَمَامُ الشَّهْرِ، سَوَاءٌ تَمَّ الشَّهْرُ فِعْلًا أَمْ نَقَصَ؛ لِأَنَّنَا مُطَالَبُونَ بِإِتْمَامِ العِدَّةِ إِذَا غُمَّ الهِلَالُ، "فَالتَّاسِعَةُ": لَيْلَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، وَأَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وَمِمَّنِ اخْتَارَ هَذَا القَوْلَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ.

وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ذَكَرْنَا لَيْلَةَ القَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَمْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ؟، "قُلْنَا: مَضَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ، وَبَقِيَ ثَمَانٍ، قَالَ: "لَا، بَلْ بَقِيَ سَبْعٌ"، قَالُوا: لَا، بَلْ بَقِيَ ثَمَانٍ، قَالَ: "لَا، بَلْ بَقِيَ سَبْعٌ"، قَالُوا: لَا، بَلْ بَقِيَ ثَمَانٍ، قَالَ: "لَا، بَلْ بَقِيَ سَبْعٌ، الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ، حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ قَالَ: "الْتَمِسُوهَا اللَّيْلَةَ".

فَقَوْلُهُ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"، قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ؛ أَيْ: هَذَا الشَّهْرُ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الأَصْلَ فِي الحِسْبَةِ الحَقِيقَةُ وَالوَاقِعُ؛ "فَالتَّاسِعَةُ" لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ إِنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا، وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا، "فَالتَّاسِعَةُ" لَيْلَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ.

وَحُكِيَ عَنِ الحَسَنِ وَمَالِكٍ، أَنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ لَيَالِي العَشْرِ، أَشْفَاعِهِ وَأَوْتَارِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ كَمَالِ الشَّهْرِ وَنُقْصَانِهِ.

 

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ الجُهَنِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْضُرَ هَذَا الشَّهْرَ، فَأَخْبِرْنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، قَالَ: "احْضُرِ السَّبْعَ الأَوَاخِرَ"، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، قَالَ: "الْتَمِسْهَا لَيْلَةَ سَابِعَةٍ تَبْقَى، وَهِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَهِيَ لِثَمَانٍ تَبْقَيْنَ؟، قَالَ: "كَذَا هَذَا الشَّهْرُ يَنْقُصُ، وَهِيَ سَبْعٌ تَبْقَيْنَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَفِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ.

 

(12) الحِسْبَةُ بِمَا مَضَى أَمْ بِمَا بَقِيَ

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا: «فَالْتَمِسُوهَا - يَعْنِي لَيْلَةَ القَدْرِ - فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالخَامِسَةِ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَنَحْوُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةُ "وَالثَّالِثَةِ". رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.

وَهَذَا الإِطْلَاقُ غَيْرُ المُقَيَّدِ بِمَا يَبْقَيْنَ أَوْ بِمَا يَمْضِينَ، يَجْعَلُ الحَدِيثَ يَحْتَمِلُ الأَمْرَيْنِ، وَيُنْظَرُ إِلَى الاسْتِعْمَالِ الغَالِبِ فِي الشَّرْعِ وَفِي العُرْفِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ تُحْسَبَ لَيْلَةُ القَدْرِ بِمَا مَضَى مِنَ الشَّهْرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّحَابَةَ يَحْسِبُونَهَا بِمَا بَقِيَ مِنْهُ.

وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ نُعَيْمٍ الأَنْمَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ عَلَى مِنْبَرِ حِمْصَ يَقُولُ: "أَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَيْلَةُ سَابِعَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَنَحْنُ نَقُولُ: سَابِعَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَنَحْنُ أَصْوَبُ أَمْ أَنْتُمْ؟".

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا، قَالَ: أَجَلْ، نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكُمْ، قَالَ: قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ، وَالسَّابِعَةُ، وَالْخَامِسَةُ؟، قَالَ: إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ، فَالَّتِي تَلِيهَا ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَهِيَ التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ، فَالَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَالَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ). وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: (حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ السَّابِعَةُ مِمَّا يَبْقَى، صَلَّى بِنَا ... الحديث). رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ»، وَالخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.

وَقَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: أَرَى - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ التَّاسِعَةَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَالخَامِسَةَ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ".

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ: "إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ، إِنَّ المَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الحَصَى". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

 

(13) لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- مَا ثَبَتَ مِنَ الأَحَادِيثِ الآمِرَةِ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي كُلِّ وِتْرٍ، وَفِي تِسْعٍ يَمْضِينَ، وَبِحِسْبَةِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ هِيَ التَّاسِعَةُ، وَأَوَّلُ تِسْعٍ يَبْقَيْنَ.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "قَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا". فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَدْ حُكِيَ تَرْجِيحُهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ المَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

 

(14) لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- الأَحَادِيثُ الآمِرَةُ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، وَبِحِسْبَةِ إِتْمَامِ الشَّهْرِ هِيَ تَاسِعَةٌ تَبْقَى، وَتُعَدُّ مِنَ الأَوْتَارِ. وَقَدْ قِيلَ: هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنَ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هِيَ "يَعْنِي: لَيْلَةَ القَدْرِ" فِي العَشْرِ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ .. الحديث). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

- وَخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "الْتَمِسُوهَا فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ".

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الْتَمِسُوا لَيْلَةَ القَدْرِ.. فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى). رَوَاهُ البُخَارِيُّ. عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ الشَّهْرِ.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: (الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ). قِيلَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا التَّاسِعَةُ؟ قَالَ: فَإِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ، فَالتِي تَلِيهَا ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ، فَهِيَ التَّاسِعَةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

- وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ صُحِّحَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَافَيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَاةَ المَغرِبِ، فَقَالَ: «كَأَنَّ لَكَ حَاجَةً»، قُلْتُ: أجَلْ؛ أرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، يَسْأَلُونَكَ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: «كَمِ اللَّيلَةُ؟» فقُلْتُ: اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ، قَالَ: «هِيَ اللَّيْلَةُ»، ثمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: «أَوِ القَابِلَةُ»؛ يُرِيدُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.

 

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَمْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ؟". قَالُوا: مَضَى ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ، وَبَقِيَ ثَمَانٍ. فَقَالَ: "بَلْ مَضَى ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ، وَبَقِيَ سَبْعٌ، اطْلُبُوهَا اللَّيْلَةَ". رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.

- وَهِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ أَنَّ اللَّيْلَةَ تُضَافُ لِلْيَوْمِ الذِي قَبْلَهَا.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: القَوْلُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّهَا لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ.

 

(15) لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- مَا ثَبَتَ مِنَ الأَحَادِيثِ الآمِرَةِ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي كُلِّ وِتْرٍ، وَهِيَ الثَّالِثَةُ تَمْضِي.

وَبِحِسْبَةِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ تُعَدُّ مِنَ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَتُعَدُّ السَّابِعَةَ تَبْقَى.

- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنيْسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ). قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْصَرَفَ، وَإنَّ أَثَرَ المَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

- وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا، وَأَنَا أُصَلِّي فِيهَا بِحَمْدِ اللهِ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إِلَى هَذَا المَسْجِدِ. فَقَالَ: "انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ"، فَقِيلَ لِابْنِهِ: كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ؟. قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ المَسْجِدَ إِذَا صَلَّى العَصْرَ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، فَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ». وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ.

- وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الكُبْرَى وَقَدْ صُحِّحَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّهُ: سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، وَذَلِكَ صَبِيحَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَقَالَ: كَمِ اللَّيْلَةُ؟ قُلْتُ: لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، فَقَالَ: هِيَ اللَّيْلَةُ أَوِ القَابِلَةُ.

- وَرَوَى أَحْمَدُ، وَقَدْ صُحِّحَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنْ لَيْلَةٍ يَتَرَاءَوْنَهَا فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ".

- وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى نَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ المُبَارَكَةَ؟ قَالَ: التَمِسُوهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَذَلِكَ مَسَاءَ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، وَهِيَ إِذًا يَا رَسُولَ اللهِ أَوَّلُ ثَمَانٍ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَوَّلِ ثَمَانٍ، وَلَكِنَّهَا أَوَّلُ السَّبْعِ، إِنَّ الشَّهْرَ لَا يَتِمُّ.

- وَفِي الفَتْحِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: "لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ". وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ مَرْفُوعًا.

- وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: (مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَابِعَةٍ). وَفِي حَدِيثٍ: "إِنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ مِنَ الشَّهْرِ شَيْئًا، فَلْيَقُمْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ". قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَهَذِهِ الأَلْفَاظُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فِي الحَدِيثِ، وَاللهُ أَعْلَمُ".

وَكَانَ أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَيَمَسُّ الطِّيبَ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَنْضَحُ عَلَى أَهْلِهِ المَاءَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. خَرَّجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ مَرْفُوعًا، وَالمَوْقُوفُ أَصَحُّ.

- وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: "اسْتَقَامَ قَوْلُ القَوْمِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ".

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَمْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ؟ قُلْنَا: مَضَتْ ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ، وَبَقِيَ ثَمَانٍ. قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، بَلْ مَضَتْ مِنْهُ ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ، وَبَقِيَ سَبْعٌ، اطْلُبُوهَا اللَّيْلَةَ، الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَغَيْرُهُمْ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيتُ وَأَنَا نَائِمٌ فِي رَمَضَانَ، فَقِيلَ لِي: إِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ القَدْرِ. قَالَ: فَقُمْتُ وَأَنَا نَاعِسٌ، فَتَعَلَّقْتُ بِبَعْضِ أَطْنَابِ فُسْطَاطِ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي، فَنَظَرْتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: "رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ".

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالأَئِمَّةِ تَرْجِيحُ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ عَلَى غَيْرِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

 

(16) لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- مَا ثَبَتَ مِنَ الأَحَادِيثِ الآمِرَةِ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَالسَّبْعِ البَوَاقِي، وَبِحِسْبَةِ تَمَامِ الشَّهْرِ تُعَدُّ مِنَ الأَوْتَارِ.

- وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ". قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

- وَعَنْ بِلَالٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ). قَالَ الهَيْثَمِيُّ: لِبِلَالٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَدْ أَخْطَأَ ابْنُ لَهِيعَةَ فِي رَفْعِهِ.

- وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "التَمِسُوا - لَيْلَةَ القَدْرِ- فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ". قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقِيلَ: إِنَّ المَحْفُوظَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.

- وَبِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيتُ وَأَنَا نَائِمٌ، فَقِيلَ لِي: اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ القَدْرِ، فَقُمْتُ وَأَنَا نَاعِسٌ، فَتَعَلَّقْتُ بِبَعْضِ أَطْنَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي، قَالَ: فَنَظَرْتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَقَالَ الحَسَنُ: رَقَبْتُ الشَّمْسَ عِشْرِينَ سَنَةً لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَكَانَتْ تَطْلُعُ لَا شُعَاعَ لَهَا.

- وَقَالَ أَيُّوبُ: هِيَ لَيْلَتُنَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ، وَغَيْرِهِمْ؛ أَنَّهَا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ وَاثِلَةَ: أَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ حُسِّنَ.

 

(17) لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- مَا ثَبَتَ مِنَ الأَحَادِيثِ الآمِرَةِ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَالسَّبْعِ البَوَاقِي، وَمِنَ الأَوْتَارِ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّمَ - قَالَ: (الْتمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالخَامِسَةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: "التَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالخَمْسِ". قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَيْ: فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ: القَوْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّهَا لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ .. وَعَزَاهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ لِأَبِي بَكْرَةَ".

- وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ، وَقَدْ حُسِّنَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَإِنَّهَا وِتْرٌ، فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ... الحَدِيث".

 

(18) لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- مَا ثَبَتَ مِنَ الأَحَادِيثِ الآمِرَةِ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَالسَّبْعِ البَوَاقِي، وَبِحِسْبَةِ تَمَامِ الشَّهْرِ تُعَدُّ مِنَ الأَوْتَارِ، وَتُعَدُّ الخَامِسَةَ.

- وَعَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: "صُمْنَا رَمَضَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ السَّابِعَةُ مِمَّا يَبْقَى، صَلَّى بِنَا حَتَّى كَادَ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَمْ يُصَلِّ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ الخَامِسَةُ مِمَّا يَبْقَى، صَلَّى بِنَا حَتَّى كَادَ أَنْ يَذْهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ". رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ»، وَالخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.

- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي النِّصْفِ مِنَ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدَاتَئِذٍ صَافِيَةً، لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ"، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَوَجَدْتُهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".

قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَأَبُو عَقْرَبٍ لَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.

وَإِذَا حَسَبْنَا أَوَّلَ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، كَانَتْ لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ نِصْفَ السَّبْعِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَبَعْدَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، عَلَى تَقْدِيرِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ تَكُونُ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ نِصْفَ السَّبْعِ، إِذَا حَسَبْنَا أَوَّلَ السَّبْعِ الأَوَاخِرِ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ أَظْهَرُ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: القَوْلُ العِشْرُونَ: أَنَّهَا لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ.

 

(19) لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ

أَكْثَرُ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ وَالأَقْوَالِ عَلَى رُجْحَانِهَا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- مَا ثَبَتَ مِنَ الأَحَادِيثِ الآمِرَةِ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي الأَوْتَارِ، وَفِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَالسَّبْعِ البَوَاقِي، وَالسَّابِعَةِ تَمْضِي، وَبِحِسْبَةِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ تُعَدُّ الثَّالِثَةَ.

- وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي  لَيْلَةِ  القَدْرِ: (وَاللهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُهَا، وَأَكْثَرُ عِلْمِي هِيَ اللَّيْلَةُ التِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ". قَالَ فِي المُنْتَقَى: رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: "رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ". وَقَدْ شَكَّ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِهِ: "لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ"، أَوْ قَالَ: "فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ".

- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التَمِسُوا لَيْلَةَ القَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وِجَادَةً عَنْ خَطِّ أَبِيهِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلِيلٌ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنِي فِيهَا لِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ. وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

 

- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "رِجَالُهُ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَلَهُ عِلَّةٌ، وَهِيَ وَقْفُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ".

- وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّكُمْ يَذْكُرُ لَيْلَةَ الصَّهْبَاوَاتِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَنَا وَاللهِ أَذْكُرُهَا يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَإِنَّ فِي يَدِي لَتَمَرَاتٍ أَتَسَحَّرُ بِهِنَّ مُسْتَتِرًا بِمُؤْخِرَةِ رَحْلِي مِنَ الفَجْرِ، وَذَلِكَ حِينَ طَلَعَ القَمَرُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى، وَخَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ، وَزَادَ: "وَذَلِكَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ". وَقَالَ: صَالِحُ الإِسْنَادِ. وَفِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ": أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ.

- وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي النِّصْفِ مِنَ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ حُسِّنَ.

- وَالاسْتِنْبَاطَاتُ العَدَدِيَّةُ؛ وَمِنْهَا: مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُوَافَقَةُ عُمَرَ لَهُ، قَالَ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ - أَوْ: إِنِّي لَأَظُنُّ - أَيَّ لَيْلَةِ القَدْرِ هِيَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ؟، فَقُلْتُ: سَابِعَةٌ تَمْضِي - أَوْ: سَابِعَةٌ تَبْقَى - مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ. فَقَالَ عُمَرُ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ: خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَسَبْعَ أَرَضِينَ ... الأَثَر). صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالحَاكِمُ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَنَصٌّ غَرِيبٌ جِدًّا.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

"شِقُّ جَفْنَةٍ: أَيْ: نِصْفُ قَصْعَةٍ؛ قَالَ أَبُو الحُسَينِ الفَارِسِيُّ: أَيْ: لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ؛ فَإِنَّ القَمَرَ يَطْلُعُ فِيهَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ".

- وَقَالَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ: كَانَ عُمَرُ وَحُذَيْفَةُ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.

 

(20) لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- الأَحَادِيثُ الآمِرَةُ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَبِحِسْبَةِ إِتْمَامِ الشَّهْرِ تَدْخُلُ فِي الأَوْتَارِ، وَتُعَدُّ ثَالِثَةً تَبْقَى.

- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، السَّابِعَةُ مِمَّا يَبْقَى، صَلَّى بِنَا .. إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِهِ، وَاجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ، فَصَلَّى بِنَا حَتَّى كَادَ أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ؛ "وَالْفَلَاحُ: السُّحُورُ". رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. وَفِي السُّنَنِ: «حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثُ لَيَالٍ مِنَ الشَّهْرِ، فَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ، وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الفَلَاحَ».

- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: "كُنْتُ أُعْلِمْتُهَا ثُمَّ انْفَلَتَتْ مِنِّي، فَاطْلُبُوهَا فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ ثَلَاثٍ يَبْقَيْنَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ البَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: القَوْلُ الثَّانِي وَالعِشْرُونَ: أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ.

 

(21) لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- الأَحَادِيثُ الآمِرَةُ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَفِي الأَوْتَارِ، وَفِي آخِرِ لَيْلَةٍ.

- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ: (الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابَعَةِ، وَالخَامِسَةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: "هِيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ؛ فَإِنَّهَا وِتْرٌ: لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، مَنْ قَامَهَا احْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَفِي لَفْظٍ: (أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ).

وَفِي لَفْظٍ: وَلِأَحْمَدَ: (وَهِيَ لَيْلَةُ وِتْرٍ: تِسْعٍ، أَوْ سَبْعٍ، أَوْ خَامِسَةٍ، أَوْ ثَالِثَةٍ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ).

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا: "أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، خَرَّجَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، خَرَّجَهُ المَرْوَزِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ، أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الحَصَى".

قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: القَوْلُ الثَّالِثُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّهَا لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ.

 

(22) لَيْلَةُ ثَلَاثِينَ

قَدْ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ الأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ:

- الأَحَادِيثُ الآمِرَةُ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَفِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَفِي آخِرِ لَيْلَةٍ.

فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فِي رَمَضَانَ، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَإِنَّهَا فِي وِتْرٍ، إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْتِمَاسِ لَيْلَةِ القَدْرِ: "فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ خَمْسٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ".

وَفِي المُسْنَدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةِ القَدْرِ: "إِنَّهَا آخِرُ لَيْلَةٍ".

 

(23) عَلَامَاتُ لَيْلَةِ القَدْرِ المَرْئِيَّةُ

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: (أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا). وَفِي لَفْظٍ: (وَأَمَارَتُهَا: أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا).

وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «هِيَ لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا». رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ، وَلَهُ شَوَاهِدُ.

وَعَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: (الحَدِيثُ وَفِيهِ .. إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا، سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ، لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ، وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَهُ شَاهِدٌ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَفِي المَتْنِ غَرَابَةٌ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ"؛ يَعْنِي أَوَّلَهُ.