الأَعْمَالُ الَّتِي تَعْدِلُ الحَجَّ

المَوْضُوعُ: الأَعْمَالُ الَّتِي تَعْدِلُ الحَجَّ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ، "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - ﷺ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، إِنَّ مَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ التَّنَفُّلُ بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَعْدِلُ الحَجَّ، وَيُشَارِكَ الحُجَّاجَ فِي الأَجْرِ، فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُعْلِيَ الهِمَّةَ، وَيَسْعَى إِلَى القِمَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُنَافِسَ وَيُسَابِقَ إِلَى أَفْضَلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، كَطَلَبِ العِلْمِ، وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ، وَيَعْمَلَ بِالأَعْمَالِ التَّعَبُّدِيَّةِ الَّتِي أَجْرُهَا يَعْدِلُ أَجْرَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ؛ فَإِنَّ فَضْلَهُمَا عَظِيمٌ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "العُمْرَة إِلَى العُمْرِة كَفَّارةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمَعَ هَذَا الفَضْلِ الكَبِيرِ وَالأَجْرِ الكَثِيرِ، فَإِنَّ فِي الشَّرْعِ أَعْمَالًا تَعَبُّدِيَّةً مُيَسَّرَةً، يَحْصُلُ لِصَاحِبِهَا مِنَ الأَجْرِ كَأَجْرِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فِي الأَصْلِ وَالجُمْلَةِ، لَا فِي الإِجْزَاءِ وَالمُضَاعَفَةِ، وَفَضْلُ اللهِ وَاسِعٌ.

فَمِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ وَالقَصْرِ لَا الحَصْرِ، مَا جَاءَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

فَإِذَا كَانَ فَضْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَكَيْفَ بِفَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِمَا.

وَثَبَتَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَالبَغَوِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالعِرَاقِيُّ، وَالهَيْثَمِيُّ.

فَإِذَا كَانَ الذِّكْرُ خَيْرًا مِنَ الجِهَادِ الَّذِي هُوَ ذِرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ، وَأَفْضَلُ الأَعْمَالِ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللهِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الحَجِّ.

وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ».

فَمَنْ دَعَا إِلَى الحَجِّ فَلَهُ أَجْرُ مَنْ حَجَّ مُتَأَثِّرًا بِدَعْوَتِهِ، وَمَنْ تَحَمَّلَ تَكَالِيفَ ذَهَابِ حَاجٍّ، أَوْ دَلَّ عَلَى مَنْ يَتَحَمَّلُهَا؛ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الحَاجِّ.

وَثَبَتَ عَنْ أَبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ... الحَدِيثَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

فَمَنْ عَلِمَ اللهُ صِدْقَ نِيَّتِهِ وَصِدْقَ عَزْمِهِ وَأُمْنِيَّتِهِ عَلَى الحَجِّ وَالذَّهَابِ إِلَيْهِ فِي المُسْتَقْبَلِ، وَمَا مَنَعَهُ مِنَ الحَجِّ إِلَّا عُذْرٌ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ اللهَ يَجْعَلُهُ شَرِيكَ الحَاجِّ فِي الأَجْرِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: «مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟»، قَالَتْ: أَبُو فُلَانٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا، قَالَ: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ... الحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ الْأَغْنِيَاءُ بِالْأَجْرِ، يَحُجُّونَ وَلَا نَحُجُّ، وَيُجَاهِدُونَ وَلَا نُجَاهِدُ، وَكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ جِئْتُمْ أَفْضَلَ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟ أَنْ تُكَبِّرُوا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحُوهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَأَنْ تَحْمَدُوهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي تَسَاؤُلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَغِبْطَتِهِمْ لِأَهْلِ الأَمْوَالِ لَا عَلَى دُنْيَاهُمْ، وَلَكِنْ عَلَى اسْتِطَاعَتِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ أَنْ يَحُجُّوا وَيَعْتَمِرُوا وَغَيْرَ ذَلِكَ، لَدَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقِ قُلُوبِهِمْ بِالآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا الأَغْنِيَاءُ فِي تَسْخِيرِ أَمْوَالِهِمْ لِلاسْتِكْثَارِ مِنَ العِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ، لَا الاسْتِكْثَارِ مِنَ المَلَذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ.

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجَّتُهُ). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، قَالَ المُنْذِرِيُّ: بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ كُلُّهُمْ.

 

وَثَبَتَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، «كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا، كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ حُسِّنَ.

وَهَذَا الأَجْرُ مَشْرُوطٌ بِالتَّطَهُّرِ فِي البَيْتِ لَا فِي مَغَاسِلِ المَسْجِدِ.

وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ: "هَلْ بَقِيَ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ؟". قَالَ: أُمِّي. قَالَ: "فَأَبْلِ اللَّهَ فِي بِرِّهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كَانَ لَكَ أَجْرُ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ وَمُجَاهِدٍ، فَإِذَا رَضِيَتْ عَنْكَ أُمُّكَ، فَاتَّقِ اللَّهَ وَبِرَّهَا». رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ مَيْمُونِ بْنِ نَجِيحٍ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ الضِّيَاءُ، وَالبُوصِيرِيُّ، وَالعِرَاقِيُّ.

فَالبِرُّ بِالوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَرَنَهُ اللهُ بِتَوْحِيدِهِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الإِسْلَامِ وَأَعْظَمُ أَرْكَانِهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: شُهُودُ الجُمُعَةِ يَعْدِلُ حَجَّةَ تَطَوُّعٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَجَّةٍ نَافِلَةٍ، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المُبَكِّرَ إِلَيْهَا كَالمُهْدِي هَدْيًا إِلَى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ: "الجُمُعَةُ حَجُّ المَسَاكِينِ". انتهى.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ بِفِعْلِ الوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ جَمِيعِ النَّوَافِلِ وَالتَّطَوُّعَاتِ، وَمِنْهَا نَافِلَةُ الحَجِّ.

وَقَالَ الحَسَنُ: مَشْيُكَ فِي حَاجَةِ أَخِيكَ المُسْلِمِ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: تَرْكُ دَانِقٍ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللهُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ حَجَّةٍ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا، وَأَطْعَمَنَا وَأَسْقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ وَلَا مُكَافِي وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَى مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ بَعْضَ الأَعْمَالِ جَعَلَهَا اللهُ تَعْدِلُ فِي الأَجْرِ وَالثَّوَابِ عَمَلًا فَاضِلًا، يَسْتَغْرِقُ وَقْتًا أَطْوَلَ، وَجُهْدًا أَكْثَرَ.

مِثَالُهُ: مَا جَاءَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟» قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «كَالقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاةِ، وَخَيْرَ الْعَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الْحَيَاةِ، وَخَيْرَ الْمَمَاتِ، وَثَبِّتْنِي، وَثَقِّلْ مَوَازِينِي، وَأَحِقَّ إِيمَانِي، وَارْفَعْ دَرَجَتِي، وَتَقَبَّلْ صَلَاتِي، وَاغْفِرْ خَطِيئَتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، آمِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ، وَجَوَامِعَهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، آمِينَ، اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنَ النَّارِ، وَمَغْفِرَةً بِاللَّيْلِ وَمَغْفِرَةً بِالنَّهَارِ، وَالْمَنْزِلَ الصَّالِحَ مِنَ الْجَنَّةِ، آمِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَلَاصًا مِنَ النَّارِ سَالِمًا، وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ آمِنًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُبَارِكَ لِي فِي نَفْسِي، وَفِي سَمْعِي، وَفِي بَصَرِي، وَفِي رُوحِي، وَفِي خُلُقِي، وَفِي خِلْقَتِي، وَفِي أَهْلِي، وَفِي حَيَاتِي وَمَمَاتِي، وَفِي عِلْمِي، اللَّهُمَّ وَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ آمِينَ».

اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.