خِتَامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ

المَوْضُوعُ: خِتَامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا، وَأَطْعَمَنَا وَأَسْقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ وَلَا مُكَافِي وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَى مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ).

فَهَنِيئًا لِمَنْ يَسَّرَ اللهُ لَهُ نُسُكَ الحَجِّ، وَتَقَرَّبَ إِلَى للهِ بِالعَجِّ وَالثَّجِّ، وَطَافَ بِالبَيْتِ، وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَبَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمَى الجَمَرَاتِ، وَقَضَى بَقِيَّةَ أَيَّامِهِ بِمِنًى، فَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ مَشَاعِرَ، وَأَجَلَّهَا مِنْ مُقَدَّسَاتٍ، وَاللهِ إِنَّ قُلُوبَنَا لَتَشْتَاقُ إِلَيْهَا وَتَحِنُّ عَلَيْهَا.

يَا سَائِرِينَ إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ لَقَدْ ... سِرْتُمْ جُسُومًا وَسِرْنَا نَحْنُ أَرْوَاحَا

إِنَّا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وَقَدْ رَحَلُوا ... وَمَنْ أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ كَمَنْ رَاحَا

عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا مَع النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلًا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "إِلَّا شَرَكُوكُمْ فِي الأَجْرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: "إِنَّ أَقْوَامًا خَلْفَنَا بِالمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ".

عِبَادَ اللهِ، نَحْنُ فِي أَيَّامٍ عَظِيمَةٍ، جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ، الحَدِيثَ ...». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَقَدْ شَرَعَ اللهُ لَنَا فِيهَا أَنْوَاعًا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

قَالَ تَعَالَى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)؛ يَعْنِي أَيَّامَ العَشْرِ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ)؛ يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ.

وَعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالذِّكْرُ يَعُمُّ كُلَّ عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ قَوْلِيَّةٍ أَوْ عَمَلِيَّةٍ؛ فَمِنَ الذِّكْرِ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ، أَوْ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَالتَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ بِعَقِيبِ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَةِ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَمِنَ الذِّكْرِ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ: السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ، وَالْبَاقِيَةَ.

وَمِنَ الذِّكْرِ نُسُكُ الحَجِّ، فَمُنْذُ أَنْ يُحْرِمَ الحَاجُّ بِالحَجِّ حَتَّى يَنْتَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ الحَجِّ وَهُوَ فِي ذِكْرِ اللهِ.

وَمِنَ الذِّكْرِ ذَبْحُ الأَضَاحِي مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي وُجُوبِهَا كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ وَجَدَ سَعَةً.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَالأَظْهَرُ وُجُوبُهَا مَعَ اشْتِرَاطِ القُدْرَةِ عَلَيْهَا.

وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "أَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِهَا، وَحَثَّ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ بِهَا.

قَالَ تَعَالَى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؛ فَدَلَّتِ الآيَةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ العِيدِ، وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: فَرْضُ عَيْنٍ، وَاسْتَحَبَّ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ قَضَاءَهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ، فَيَقْضِيهَا إِنْ شَاءَ عَلَى صِفَتِهَا مِنْ غَيْرِ خُطْبَةٍ.

وَدَلَّتِ الآيَةُ كَذَلِكَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الأُضْحِيَةِ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهَا الصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا.

 

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَأَيَّامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَةٌ: يَوْمُ العِيدِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا بَعْدَهُ، الَّتِي هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، - وَالأَمْلَحُ: مَا خَالَطَ بَيَاضَهُ سَوَادُهُ – خَصِيَّيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ، لِمَنْ شَهِدَ للهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالبَلَاغِ، وَذَبَحَ الآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَضَحَّى بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ (أَيْ: لَمْ يُوجَأْ)، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ.

وَكَانَ يُبَاشِرُ ذَبْحَ أُضْحِيَتِهِ بِيَدِهِ، يَأْمُرُ أَنْ تُحَدَّ لَهُ السِّكِّينُ، ثُمَّ يُضْجِعُ الذَّبِيحَةَ، وَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَى صَفْحَةِ عُنُقِهَا، وَيَقُولُ: بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَيَذْبَحُهَا بِيَدِهِ، وَأَمَرَ مَنْ ذَبَحَ أَنْ يُحْسِنَ الذَّبْحَ.

وَمِنَ المَطَالِبِ الشَّرْعِيَّةِ: الرِّفْقُ بِالذَّبِيحَةِ، وَرَحْمَتُهَا، وَمُوَارَاةُ السِّكِّينِ عَنْهَا.

وَالأَحْسَنُ: إِضْجَاعُ الذَّبِيحَةِ عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ لِمَنْ يَذْبَحُ بِيَدِهِ اليُمْنَى، وَتَوْجِيهُ مَوْضِعِ الذَّبْحِ مِنْ رَقَبَتِهَا لِلْقِبْلَةِ، وَالجَمَلُ يُنْحَرُ وَهُوَ قَائِمٌ مَعْقُولَةٌ يَدُهُ اليُسْرَى، وَيُطْعَنُ فِي الوَهْدَةِ،

وَيَقْطَعُ الذَّابِحُ الحُلْقُومَ وَالمَرِيءَ وَالوَدْجَيْنِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَذْبَحَ الجُنُبُ أَوْ تَذْبَحَ الحَائِضُ، وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الكَافِرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ.

وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ المُضَحِّي مِنْ أَضَاحِيهِ.

وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، يَجْعَلُونَهَا أَثْلَاثًا: ثُلُثٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَدَّخِرُونَهُ، وَثُلُثٌ يُطْعِمُونَهُ أَقَارِبَهُمْ وَجِيرَانَهُمْ، وَثُلُثٌ يَتَصَدَّقُونَ بِهِ عَلَى المَسَاكِينِ، وَهَذَا المُسْتَحَبُّ، وَأَقَلُّ مَا يَنْبَغِي مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ لِلْمِقْدَارِ.

وَقَالَ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: القَانِعُ: المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ. وَالمُعْتَرُّ: الصَّدِيقُ وَالضَّعِيفُ الَّذِي يَزُورُ. وَلَمْ تُحَدِّدِ الآيَةُ القَدْرَ الَّذِي يُمْسَكُ، أَوْ يُهْدَى، أَوْ يُتَصَدَّقُ بِهِ.

وَلِلْمُضَحِّي أَنْ يُشْرِكَ فِي ثَوَابِ أُضْحِيَتِهِ - كَبِيرَةً أَمْ صَغِيرَةً، غَالِيَةً أَمْ رَخِيصَةً، اشْتَرَاهَا أَمْ رَبَّاهَا – وَالِدَيْهِ، وَأَوْلَادَهُ، وَأَزْوَاجَهُ، وَمَنْ شَاءَ مِنَ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ.

وَإِنْ شَاءَ ضَحَّى بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِأُضْحِيَتَيْنِ، أُضْحِيَةٌ عَنْهُ وَعَنْ آلِهِ، وَالأُخْرَى عَنْ أُمَّتِهِ المُوَحِّدِينَ، وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُضَحِّي بِأُضْحِيَتَيْنِ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ، وَمَنْ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ بِذَبْحِ أُضْحِيَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهَا.

وَتَرْتِيبُهَا فِي الأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ المَعْزُ، ثُمَّ سُبْعُ بَدَنَةٍ، ثُمَّ سُبْعُ بَقَرَةٍ.

فَالبَدَنَةُ تَعْدِلُ سَبْعَ ضَحَايَا، وَكَذَلِكَ البَقَرَةُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ، أَوْ فِي بَقَرَةٍ، وَيَصِحُّ فِي السُّبْعِ التَّشْرِيكُ فِي الأَجْرِ كَالرَّأْسِ مِنَ الغَنَمِ، وَلَا يَصِحُّ الاشْتِرَاكُ فِي المِلْكِ، وَتَصِحُّ العَطِيَّةُ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الأُضْحِيَةِ أَنْ تَكُونَ ثَنِيَّةً، وَهِيَ مِنَ الإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سَنَوَاتٍ، وَمِنَ البَقَرِ مَا تَمَّ لَهَا سَنَتَانِ، وَمِنَ الغَنَمِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَيُجْزِئُ جَذَعُ الضَّأْنِ فَقَطْ، وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ أَفْضَلُ.

وَتُجْزِئُ الأُضْحِيَةُ الوَاحِدَةُ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ الوَاحِدِ وَإِنْ أَشْرَكُوا أَمْوَاتَهُمْ فِي الأَجْرِ.

فَمَنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ، وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ زَوْجَةٍ بَيْتٌ مُسْتَقِلٌّ، تُجْزِئُهُ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَعَنْ زَوْجَاتِهِ وَأَوْلَادِهِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانُوا مُتَزَوِّجِينَ.

أَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الأَبْنَاءِ مُسْتَقِلًّا فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ بِأَهْلِهِ؛ فَالمَشْرُوعُ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ مُسْتَقِلًّا.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الأُضْحِيَةَ لَا تُجْزِئُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَالِمَةً؛ بِأَنْ لَا تَكُونَ عَوْرَاءَ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَلَا مَرِيضَةً بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَلَا عَرْجَاءَ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَلَا كَسِيرًا لَا تُنْقِي مِنَ الهُزَالِ، لَيْسَ فِي عِظَامِهَا مُخٌّ، وَمَا يُشَابِهُهَا مِنَ العُيُوبِ الَّتِي لَا يُشْتَهَى مَعَهَا اللَّحْمُ.

وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ مَكْسُورَةَ القَرْنِ أَوْ مَقْطُوعَةَ الأُذُنِ، النِّصْفِ فَأَكْثَرَ، أَوِ المَشْقُوقَةَ أَوِ المَخْرُوقَةَ أُذُنُهَا، وَمَا يُشْبِهُ هَذِهِ العُيُوبَ الَّتِي لَا تَمْنَعُ مِنَ الإِجْزَاءِ، وَالسَّالِمَةُ أَفْضَلُ بِأَنْ تَكُونَ كَامِلَةً خِلْقَتُهَا، تَامَّةً جَمِيعُ أَعْضَائِهَا، سَالِمَةً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ.

وَإِذَا عُيِّنَتِ الأُضْحِيَةُ وَجَبَ ذَبْحُهَا، إِلَّا أَنْ يَسْتَبْدِلَهَا بِأَفْضَلَ مِنْهَا، وَإِنْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا يَمْنَعُ الإِجْزَاءَ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الأُضْحِيَةِ حَتَّى الجِلْد.

اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، وَلَكَ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ، وَالغِنَى.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا، وَاهْدِنَا، وَعَافِنَا، وَارْزُقْنَا.

اللَّهُمَّ اهْدِنَا، وَسَدِّدْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لَنَا مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.