التَّخْوِيفُ مِنَ الدَّيْنِ

المَوْضُوعُ: التَّخْوِيفُ مِنَ الدَّيْنِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا فِي كِتَابِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى خَلْقَهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا فِي خَلْقِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا – عِبَادَ اللهِ – مِنَ الإِسْلَامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ يَوْمَ الحَشْرِ مَجْمُوعُونَ، وَبَيْنَ يَدَيِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – مَوْقُوفُونَ، وَعَنْ كُلِّ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ مَسْؤُولُونَ.

قَالَ تَعَالَى: (وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ: يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -:  (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ).

إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَظُمَ بَطْنُهُ، وَنَبَتَ لَحْمُهُ، بِأَمْوَالِ غَيْرِهِ، أَكَلَهَا بِالبَاطِلِ؛ إِنِ اسْتَدَانَ دَيْنًا جَحَدَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَ قَرْضًا تَظَاهَرَ أَنَّهُ نَسِيَهُ، فَسُبْحَانَ رَبِّي! كَيْفَ يَهْنَأُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالمَنَامِ، مَنْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ؟!

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ).

اتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ –، وَأَدُّوا مَا فِي ذِمَمِكُمْ مِنْ مَالٍ، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ رِيَـالٍ، وَلَوْ ثَمَنَ خُبْزَةٍ أَوْ بَيْضَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ مِيزَانَ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – يُحْصِي مَثَاقِيلَ الذَّرِّ، وَلَيْسَ ثَمَّتَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنَّمَا هِيَ الحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَحُقُوقُ الآدَمِيِّينَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَقَطْ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا إِلَى أَهْلِهَا.

وَأَنْتَ مَسْؤُولٌ عَنْ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَقَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَلَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَلَا تَنْتَظِرْ مِمَّنْ أَقْرَضَكَ مَالَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ فَيَسْأَلَكَ حَقَّهُ، فَلَرُبَّمَا مَنَعَهُ الحَيَاءُ، أَوْ وَكَّلَ أَمْرَكَ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -.

نَامَتْ عُيُونُكَ وَالمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ                    يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ

وَبَعْضُ النَّاسِ يَتَقَالُّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ لَا يُؤَدِّيهِ، وَلَا يَسْتَسْمِحُ صَاحِبَهُ، وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ.

رَوَى البُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا –، قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ (كَرْكَرَةُ) يَعْنِى مَوْلًى لِرَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هُوَ فِي النَّارِ)، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، وَفُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أَوْ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْنَا ... قَالَ: فَلَمَّا نَزَلْنَا الوَادِيَ قَامَ غُلَامُ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا، أَخَذَهَا مِنَ الغَنَائِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ)، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ، فَقَالَ: (إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ، لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا).

فَإِذَا كَانَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ – قَطَعَ عُضْوًا مِنْ أَهَمِّ الأَعْضَاءِ عِنْدَ الإِنْسَانِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، فَكَيْفَ يَأْمَنُ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ قَلَّ؟!

فَالدَّيْنُ أَمْرُهُ عَظِيمٌ، وَخَطَرُهُ جَسِيمٌ، يَقُولُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَغْفِرُ اللهُ لِلشَّهِيدِ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ لِمَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ؟!

وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا نَزَلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نَزَلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيِي، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِي، ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، مَا دَخَلَ الجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ رَوْحُ بْنُ صَلَاحٍ؛ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ.

 

وَقَدِ امْتَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، كَمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: (هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟) قَالُوا: لَا، قَالَ: (فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟)، قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرٍ. قَالَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ)، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَفِي رِوَايَةِ الحَاكِمِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ إِذَا لَقِيَ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: (مَا صَنَعَتِ الدِّينَارَانِ؟ حَتَّى كَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ قَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُمَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الآنَ حِينَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ). قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ إِشْعَارٌ لِصُعُوبَةِ أَمْرِ الدَّيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَحَمُّلُهُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ.

وَفِي المُسْنَدِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَحْبُوسٌ عَنِ الجَنَّةِ بِدَيْنِهِ). وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ قَوْمٌ، وَضَعَّفَهُ قَوْمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ.

وَمِنَ الأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى خُطُورَةِ الدَّيْنِ وَشِدَّتِهِ:

مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَسَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ صَالِحٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ، بَعْدَ الكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا، أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً).

فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ العَظِيمَةُ القَاطِعَةُ بِعِظَمِ ذَنْبِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، كَفِيلَةٌ بِرَدْعِ كُلِّ قَلْبٍ يَشَمُّ رَائِحَةَ الإِيمَانِ، وَمُحَذِّرَةٌ كُلَّ التَّحْذِيرِ أَنْ يَأْخُذَ المُسْلِمُ مَالَ أَخِيهِ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ.

رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَكَيْفَ تَسْمَحُ لِلْإِنْسَانِ نَفْسُهُ أَنْ يَجْحَدَ سَلَفَ أَخِيهِ، أَوْ يُمَاطِلَهُ فِي ذَلِكَ، وَالمُقْرِضُ فَعَلَ ذَلِكَ إِحْسَانًا وَقُرْبَةً، وَ(هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ).

يَقُولُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ وَالأَدَاءُ). قَالَ العِرَاقِيُّ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وقال – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خِيَارُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي الدَّائِنَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَدَانَ مِنْهُ، وَيُضَاعِفُ لَهُ الوَفَاءَ، وَيَدْعُو لَهُ، كَمَا قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ لِي عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَجَاءَهُ مَالٌ، فَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ: (بَارَكَ اللهُ تَعَالَى فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَحَسَّنَهُ العِرَاقِيُّ.

فَهَذَا هَدْيُ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَنَا فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ).

وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ ذَلِكُمُ الرَّجُلِ الَّذِي قَصَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَهُ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدْهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَإِنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا الخَشَبَةُ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ دِينَارٍ رَاشِدًا). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

مَا أَعْظَمَهَا مِنْ قِصَّةٍ جَمَعَتْ بَيْنَ الإِحْسَانِ، وَحُسْنِ الأَدَاءِ، وَالأَمَانَةِ، وَالرِّضَا بِاللهِ شَهِيدًا وَكَفِيلًا!! (فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَسُّلَهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ البَارِّ بِوَالِدَيْهِ (فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً)، ثُمَّ قِصَّةَ الرَّجُلِ مَعَ ابْنَةِ عَمِّهِ (فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً)، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الثَّالِثِ: اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ، حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطُنًا                       طَلَّقُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الفِتَنَا

نَظَرُوا فِيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا                  أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا

جَعَلُوهَا لُجَّةً وَاتَّخَذُوا                  صَالِحَ الأَعْمَالِ فِيهَا سُفُنَا

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ بَرِيئًا مِنْ ثَلَاثٍ، دَخَلَ الجَنَّةَ: الكِبْرُ، وَالغُلُولُ، وَالدَّيْنُ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا، وَقَدْ صُحِّحَ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَا شَيْءَ قَبْلَكَ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَا شَيْءَ بَعْدَكَ، نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ نَاصِيَتُهَا بِيَدِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الإِثْمِ، وَالكَسَلِ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الغِنَى، وَمِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ. آمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا.

أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ: مَنِ اسْتَقْرَضَ مِنْكُمْ قَرْضًا فَلْيُؤَدِّهِ، وَلَا يُمَاطِلْ صَاحِبَهُ، فَإِنَّ مَطْلَ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ، وَمَنِ اسْتَقْرَضَ قَرْضًا يُرِيدُ أَدَاءَهُ، فَإِنَّ اللهَ عَوْنٌ لَهُ، كَمَا قَالَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ).

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ حَمَلَ مِنْ أُمَّتِي دَيْنًا ثُمَّ جَهِدَ فِي قَضَائِهِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ، فَأَنَا وَلِيُّهُ). قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَفِي حَدِيثِهَا الآخَرِ: (مَا مِنْ عَبْدٍ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ إِلَّا كَانَ لَهُ مِنَ اللهِ عَوْنٌ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ.

وَإِذَا عَجَزَ أَحَدُكُمْ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ فِي حِينِهِ، فَلْيَسْتَسْمِحْ صَاحِبَهُ؛ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ لِخَاطِرِهِ، وَأَرْكَدُ لِبَالِهِ.

وَلَا يَبِيتُ أَحَدُكُمْ وَفِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، إِلَّا كَتَبَهُ فِي وَصِيَّتِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَا يُذِلُّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ، يَسْتَدِينُ ثُمَّ يَسْتَدِينُ حَتَّى يَعْجَزَ عَنِ الأَدَاءِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنَ الدَّيْنِ.

وَأَيُّمَا رَجُلٍ حَلَّ وَفَاءُ دَيْنِهِ، وَكَانَ عَلَى مُعْسِرٍ يَعْجَزُ عَنْ سَدَادِهِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ حَتَّى يَجِدَ مَيْسَرَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ). قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي سَمِعْتُكَ تَقُولُ: فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ، وَقُلْتَ الآنَ: فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ. فَقَالَ: (إِنَّهُ مَا لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ، وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، وَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ).

وَاعْلَمُوا - عِبَادَ اللهِ – أَنَّ فَضْلَ القَرْضِ عَظِيمٌ، فَوَسِّعُوا عَلَى إِخْوَانِكُمْ، تَلَقْوا ذَلِكَ عِنْدَ رَبِّكُمْ.

وَفِي حَدِيثٍ فِيهِ ضَعْفٌ: (الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَبَعْضُ العُلَمَاءِ يُفَضِّلُ القَرْضَ عَلَى الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ يَأْخُذُهَا المُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ، أَمَّا القَرْضُ فَلَا يَطْلُبُهُ إِلَّا مَنْ احْتَاجَ إِلَيْهِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.