عِمَارَةُ المَسَاجِدِ

المَوضُوعُ: عِمَارَةُ المَسَاجِدِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْن يَدَيْ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعْ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ المَسَاجِدَ بُيُوتُ اللهِ - جَلَّ وَعَلَا -، فَهِيَ أَفْضَلُ بُقْعَةٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ تُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيءُ النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ".

وَقَدْ جَاءَتِ الآيَاتُ القُرْآنِيَّةُ وَالأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ بِفَضْلِهَا، وَشَرَفِهَا، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهَا، وَحَثَّتْ عَلَى بِنَائِهَا، وَإِعْمَارِهَا بِالطَّاعَةِ، وَتَقْدِيسِهَا، وَتَنْظِيفِهَا، وَتَطْهِيرِهَا، وَصِيَانَتِهَا، وَإِصْلَاحِهَا، وَاحْتِرَامِهَا، وَتَهْيِئَتِهَا، وَالعِنَايَةِ بِهَا.

قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ ...) الآيَةَ.

وَقَالَ تَعَالَى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ ...).

فَعِمَارَةُ المَسَاجِدِ وَرَفْعُهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حِسٍّيٌّ، وَالآخَرُ: مَعْنَوِيٌّ.

فَالحِسِّيُّ، مِثْلَ: بِنَائِهَا وَالتَّعَبُّدِ فِيهَا، وَالمَعْنَوِيُّ، مِثْلَ: تَعْظِيمِهَا وَاحْتِرَامِهَا.

فَمِنْ عِمَارَتِهَا وَرَفْعِهَا: بِنَاؤُهَا إِنْشَائِيًّا وَمِعْمَارِيًّا، وَتَرْمِيمُهَا، وَصِيَانَتُهَا.

قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ). وَقَوَاعِدُ الْبَيْتِ: أَسَاسُهُ وَمَا يَقُومُ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ.

وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا، بِزِيَادَةِ لَفْظِ: «كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا». وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِزِيَادَةِ: «لَا يُرِيدُ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً».

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ - قَالَ البُوصِيرِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ -، وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ الشَّوْكَانِيُّ.

وَهَذَا يَحْصُلُ بِالمُسَاهَمَةِ وَالمُشَارَكَةِ فِي البُنْيَانِ وَلَوْ بِالقَلِيلِ، وَكُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَكْثَرَ أَجْرًا، فَإِنِ اسْتَقَلَّ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَإِنْفَاقِ كَامِلِ تَكْلِفَتِهِ كَانَ أَفْضَلَ، وَخِدْمَاتُ المَسْجِدِ وَمَنَافِعُهُ، كَبَيْتِ الإِمَامِ وَالمُؤَذِّنِ، وَالمَغَاسِلِ وَغَيْرِهَا، دَاخِلَةٌ فِي فَضْلِ البِنَاءِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ: وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّبِنِ وَالجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً: وَبَنَى جِدَارَهُ بِالحِجَارَةِ المَنْقُوشَةِ، وَالقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَفِعْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَشْيِيدِ المَسْجِدِ دُونَ المُبَاهَاةِ وَالمُبَالَغَةِ.

وَقَالَ المَجْدُ: بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ... وَالزَّخْرَفَةُ: الزِّينَةُ، قَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: إنَّهُمْ زَخْرَفُوا الْمَسَاجِدَ عِنْدَمَا بَدَّلُوا دِينَهُمْ، وَحَرَّفُوا كُتُبَهُمْ، وَأَنْتُمْ تَصِيرُونَ إلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، وَسَيَصِيرُ أَمْرُكُمْ إلَى الْمُرَاءَاةِ بِالْمَسَاجِدِ، وَالْمُبَاهَاةِ بِتَشْيِيدِهَا وَتَزْيِينِهَا، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إذَا حَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، وَزَوَّقْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ، فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ.

قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِإِخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا سَيَقَعُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ تَزْوِيقَ الْمَسَاجِدِ وَالْمُبَاهَاةِ بِزَخْرَفَتِهَا كَثُرَ". انْتَهَى.

وَعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

وَقَالَ البُخَارِيُّ: بَابُ بُنْيَانِ المَسْجِدِ.

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «كَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ».

وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: «أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ».

وَقَالَ أَنَسٌ: «يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا».

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى».

وَمِنْ عِمَارَةِ المَسَاجِدِ وَرَفْعِهَا: إِحْيَاؤُهَا بِالعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ، كَالصَّلَاةِ، وَالتِّلَاوَةِ، وَالذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ، وَالدُّرُوسِ العِلْمِيَّةِ، وَالكَلِمَاتِ الدَّعْوِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالمَسْجِدُ جَامِعَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ، وَكُلِّيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهُوَ أَوْلَى الأَمَاكِنِ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَالوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ.

قَالَ تَعَالَى: (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ). أَيْ: تَتَعَبَّدَ اللهَ فِيهِ بِأَنْوَاعِ العِبَادَاتِ، وَالقُرُبَاتِ، وَالطَّاعَاتِ.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى؛ وإنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلَاةَ في المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجَّتُهُ). قَالَ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لَا يُخرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّتْ عَنهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ في مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: وَذَكَرَ مِنْهُمْ: رَجُلٌ مُعَلَّقٌ قَلْبُهُ فِي المَسَاجِدِ ... الحَدِيثَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

"النُّزُلُ": القُوتُ وَالرِّزْقُ وَمَا يُهَيَّأُ لِلضَّيفِ.

وَمِنْ عِمَارَةِ المَسَاجِدِ وَرَفْعِهَا: تَنْظِيفُهَا، وَتَطْيِيبُهَا، وَتَطْهِيرُهَا مِنَ الأَدْنَاسِ، وَالأَرْجَاسِ، وَالأَنْجَاسِ، وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ.

قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).

وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ (أَيِ: الأَحْيَاءِ)، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ (أَيْ: يُنَظِّفُهُ)، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، أَوْ قَالَ: قَبْرِهَا، فَأَتَى قَبْرَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ صَالِحٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالأَظْهَرُ ضَعْفُ إِسْنَادِهِ.

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي المَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنْ عِمَارَةِ المَسَاجِدِ وَرَفْعِهَا: تَعْظِيمُهَا وَاحْتِرَامُهَا، وَالمُوَاظَبَةُ عَلَى الأَذْكَارِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى المَسْجِدِ.

رُوِّينَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "فَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ: يَعْنِي الصُّبْحَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا".

وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّم عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ لْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: "فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ البَاقِينَ.

زَادَ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي رِوَايَتِهِ: "وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ". وَرَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا".

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ، مِنَ الشِّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سائِرَ اليَوْمِ". قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.

وَلَا يَقْعُدُ الدَّاخِلُ فِي المَسْجِدِ حَتَّى يُؤَدِّيَ تَحِيَّتَهُ، فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتيْنِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَتُصَانُ المَسَاجِدُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِقَدَاسَتِهَا وَمَكَانَتِهَا، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي مَسْجِدٍ ضَالَّةً، فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ.

وَعَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسَانُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لَهُ.

وَمِنْ عِمَارَةِ المَسَاجِدِ وَرَفْعِهَا: خِدْمَةُ الأَحْيَاءِ بِبِنَاءِ المَسَاجِدِ الكَافِيَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا (أَيِ: الأَحْيَاءِ)، وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَلَوْ خَصَّصَ المُسْلِمُ فِي بَيْتِهِ بُقْعَةً لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ، وَالذِّكْرِ.

 

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ تَعَالَ فَخُطَّ لِي مَسْجِدًا فِي دَارِي أُصَلِّي فِيهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا عَمِيَ، فَجَاءَ فَفَعَلَ. قَالَ البُوصِيرِيُّ: "هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالرَّجُلُ الْمُبْهَمُ فِي هَذَا الحَدِيثِ هُوَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالنَّسَائِيِّ".

وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ، كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟» فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ البُخَارِيُّ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: "فَابْتَنَى أَبُو بَكْرٍ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ".

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ خَصَّ اللهُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ بِمَزِيدٍ مِن الفَضْلِ عَلَى غَيْرِهَا، وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقُبَاءٌ.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَاللَّفْظ لَهُ، وَمُسْلِمٌ.

وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ). قَالَ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهُ، بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ). رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزُورُ قُبَاءً، أَوْ يَأْتِي قُبَاءً، رَاكِبًا وَمَاشِيًا". زَادَ فِي رِوَايَةٍ: "فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ، وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ، وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لَنَا مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمًّدٍ.