شَهْرُ رَمَضَانَ

المَوضُوعُ: شَهْرُ رَمَضَانَ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ الصِّيَامَ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، وَمَبَانِيهِ العِظَامِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ...) الآيات.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِقُدُومِ رَمَضَانَ، كَمَا خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ: "قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ... الحَدِيث". حَسَّنَهُ الجَوْزَقَانِيُّ.

فَكُلُّ مُسْلِمٍ يَسْتَبْشِرُ بِقُدُومِ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، وَيَحْمَدُ اللهَ فَرَحًا وَسُرُورًا بِإِدْرَاكِهِ؛ لِأَنَّهُ شَهْرُ الخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، شَهْرُ الغُفْرَانِ وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ.

مَرْحَبًا أَهْلًا وَسَهْلًا بِالصِّيَامِ ... يَا حَبِيبًا زَارَنَا فِي كُلِّ عَامِ

أَتَى رَمَضَانُ مَزْرَعَةُ العِبَادِ ... لِتَطْهِيرِ القُلُوبِ مِنَ الفَسَادِ

 

قَالَ تَعَالَى: (شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ).

إِذَا رَمَضَانُ أَتَى مُقْبِلًا ... فَأَقْبِلْ فَبِالخَيْرَاتِ يُسْتَقْبَلُ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ».

وَلِلنَّسَائِيِّ وَقَدْ صُحِّحَ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ: يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ، وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ".

وَفِي حَدِيثٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ: "وَتُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَخْلُصُونَ فِيهِ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو الْمِقْدَامِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ كُلُّهَا، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَغْلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَسُلْسِلَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ يُعْتِقُهُمْ مِنَ النَّارِ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ، وَفِيهِ كَلَامٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءُ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ.

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقِيَ المِنْبَرَ، فَقَالَ: (آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَ عَبْدٍ - أَوْ بَعُدَ - دَخَلَ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ سِنَانٍ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

فَالصِّيَامُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ، وَمِنْ عَلَامَاتِ البُلُوغِ: الاحْتِلَامُ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ السِّنَّ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ، وَنُزُولُ دَمِ الحَيْضِ، وَلَوْ كَانَ عُمْرُ الفَتَاةِ أَقَلَّ مِنَ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ.

وَيُسْتَحَبُّ تَعْوِيدُ الصَّغِيرِ عَلَى الصِّيَامِ.

وَيُشْتَرَطُ العَقْلُ، فَلَا يَصِحُّ صِيَامُ المَجْنُونِ، وَالمَعْتُوهِ، وَالخَرِفِ، وَالمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ القَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِطْعَامٌ.

وَيُشْتَرَطُ القُدْرَةُ عَلَى الصِّيَامِ، فَالكَبِيرُ العَاجِزُ عَنِ الصِّيَامِ يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ الإِطْعَامِ؛ بَلْ يُؤَخِّرُهُ آخِرَ الشَّهْرِ، أَوْ يُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ.

وَكَذَلِكَ المَرِيضُ مَرَضًا مُزْمِنًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ. وَأَمَّا المَرِيضُ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِالصِّيَامِ، أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، يُفْطِرُ وَيَقْضِي.

وَالمُسَافِرُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِذَا جَاوَزَ البُنْيَانَ، وَيَنْبَغِي لَهُ الفِطْرُ مَعَ المَشَقَّةِ.

وَالمَرْأَةُ الحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا الصِّيَامُ، وَتَقْضِي. وَالحَامِلُ وَالمُرْضِعُ إِذَا احْتَاجَتَا إِلَى الفِطْرِ أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا.

وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الصِّيَامِ مِنَ اللَّيْلِ، وَيَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالإِيمَانِ، وَأَكْرَمَنَا بِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا فِيهِ القُرْآنَ، وَجَعَلَهُ شَهْرًا لِلْغُفْرَانِ وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَنُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَكْرَمُ إِنْسَانٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ المُفَطِّرَاتِ سَبْعَةٌ، وَهِيَ:

الجِمَاعُ، وَالاسْتِمْنَاءُ، وَالأَكْلُ وَالشُّرْبُ، وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُمَا، وَالحِجَامَةُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَتَعَمُّدُ القَيْءِ، وَالحَيْضُ أَوِ النِّفَاسُ.

فَالجِمَاعُ: وَفِيهِ الكَفَّارَةُ المُغَلَّظَةُ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.

2- الاسْتِمْنَاءُ.

3- الأَكْلُ وَالشُّرْبُ.

4- مَا كَانَ بِمَعْنَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، مِنْ حَقْنِ الدَّمِ، وَالحُقَنِ المُغَذِّيَةِ، وَكَذَلِكَ الغَسِيلُ لِمَرِيضِ الكُلَى.

أَمَّا الإِبَرُ غَيْرُ المُغَذِّيَةِ كَالبِنْسِلِينِ وَالأَنْسُولِينِ، فَلَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ.

5- إِخْرَاجُ الدَّمِ بِالحِجَامَةِ، وَيَلْحَقُ بِهَا التَّبَرُّعُ بِالدَّمِ، بِخِلَافِ مَنْ أَصَابَهُ نَزِيفٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ.

وَلَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ خُرُوجُ الدَّمِ بِسَبَبِ خَلْعِ ضِرْسٍ، أَوْ نَزِيفِ جُرْحٍ، أَوْ عَيِّنَةٍ لِلتَّحْلِيلِ.

6- القَيْءُ عَمْدًا، فَإِنْ غَلَبَهُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهُ.

7- خُرُوجُ دَمِ الحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ مِنَ المَرْأَةِ، وَلَوْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِدَقِيقَةٍ. أَمَّا الإِحْسَاسُ بِانْتِقَالِ الدَّمِ دُونَ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يَضُرُّ. وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَنَاوَلَ مَا يَمْنَعُ الحَيْضَ إِنْ لَمْ تَتَضَرَّرْ بِهِ.

وَلَوْ طَهُرَتِ الحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ ثُمَّ طَلَعَ عَلَيْهَا الفَجْرُ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، فَصَوْمُهَا صَحِيحٌ.

وَكَذَلِكَ الجُنُبُ، فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الغُسْلَ إِلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ.

وَلَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ أَنْ يَفْعَلَ الصَّائِمُ مُفَطِّرًا جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ مُكْرَهًا.

وَلَيْسَ مِنَ المُفَطِّرَاتِ الحُقْنَةُ الشَّرَجِيَّةُ، وَقَطْرَةُ العَيْنِ وَالأُذُنِ وَالأَنْفِ، لَكِنْ لَا يَبْتَلِعُ مَا وَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ، وَلَا حَكُّ السِّنِّ وَقَلْعُهُ، وَمُدَاوَاةُ الجِرَاحِ، وَلَا الأَقْرَاصُ العِلَاجِيَّةُ الَّتِي تُوضَعُ تَحْتَ اللِّسَانِ لِعِلَاجِ الذَّبْحَةِ الصَّدْرِيَّةِ، وَلَا اسْتِعْمَالُ فُرْشَةِ الأَسْنَانِ وَالمَعْجُونِ، وَالسِّوَاكِ المُنَكَّهِ، وَذَوْقُ الطَّعَامِ بِطَرَفِ اللِّسَانِ، وَغَيْرُهَا إِذَا اجْتَنَبَ ابْتِلَاعَ مَا تَسَلَّلَ إِلَى الحَلْقِ، وَلَا مَا يَدْخُلُ المِهْبَلَ مِنْ تَحَامِيلَ، أَوْ غَسُولٍ، أَوْ مِنْظَارٍ مِهْبَلِيٍّ، أَوْ إِصْبَعٍ لِلْفَحْصِ الطِّبِّيِّ، وَلَا إِدْخَالُ المِنْظَارِ أَوِ اللَّوْلَبِ وَنَحْوِهِمَا إِلَى الرَّحِمِ.

وَلَا مَا يَدْخُلُ مَجْرَى البَوْلِ لِلذَّكَرِ أَوِ الأُنْثَى، مِنْ قَسْطَرَةٍ (أُنبُوبٍ دَقِيقٍ) أَوْ مِنْظَارٍ، أَوْ مَادَّةٍ ظَلِيلَةٍ عَلَى الأَشِعَّةِ، أَوْ دَوَاءٍ، أَوْ مَحْلُولٍ لِغَسْلِ المَثَانَةِ، وَلَا المَضْمَضَةُ، وَالغَرْغَرَةُ إِذَا اجْتَنَبَ ابْتِلَاعَ مَا تَسَلَّلَ إِلَى الحَلْقِ، وَلَا بَخَّاخُ الرَّبْوِ، وَغَازُ الأَكْسِجِينِ، وَبِنْجُ التَّخْدِيرِ، مَا لَمْ يُعْطَ المَرِيضُ سَوَائِلَ مُغَذِّيَةً، وَلَا مَا يَدْخُلُ الجِسْمَ امْتِصَاصًا مِنَ الجِلْدِ كَالدُّهُونَاتِ، وَالمَرَاهِمِ، وَاللَّصْقَاتِ العِلَاجِيَّةِ الجِلْدِيَّةِ، وَلَا إِدْخَالُ قَسْطَرَةٍ (أُنْبُوبٍ دَقِيقٍ) فِي الشَّرَايِينِ لِتَصْوِيرِ أَوْ عِلَاجِ أَوْعِيَةِ القَلْبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الأَعْضَاءِ، وَلَا إِدْخَالُ مِنْظَارٍ مِنْ خِلَالِ جِدَارِ البَطْنِ لِفَحْصِ الأَحْشَاءِ أَوْ إِجْرَاءِ عَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ عَلَيْهَا، وَلَا أَخْذُ عَيِّنَاتٍ (خزعات) مِنَ الكَبِدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الأَعْضَاءِ، مَا لَمْ تَكُنْ مَصْحُوبَةً بِإِعْطَاءِ مَحَالِيلَ، وَلَا مِنْظَارُ المَعِدَةِ، إِذَا لَمْ يُصَاحِبْهُ إِدْخَالُ سَوَائِلَ (مَحَالِيلَ) أَوْ مَوَادَّ أُخْرَى، وَلَا دُخُولُ أَيِّ أَدَاةٍ أَوْ مَوَادَّ عِلَاجِيَّةٍ إِلَى الدِّمَاغِ أَوِ النُّخَاعِ الشَّوْكِيِّ، وَغَيْرُ مَا ذُكِرَ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلَا أَنَّهُ يُغَذِّي.

وَتَأْخِيرُ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ - فَقِيلَ: إِنَّهُ يُفْسِدُ الصِّيَامَ - إِلَى اللَّيْلِ أَحْوَطُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

 

اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَفَقِّهْنَا فِي دِينِكَ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.

اللَّهُمَّ أَهِلَّ عَلَيْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَالتَّوفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ وَفَّقْتَهُمْ فَقَامُوا لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَبَارِكَ لَنَا فِي أَعْمَارِنَا وَأَوْقَاتِنَا وَمُمْتَلَكَاتِنَا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا، وَجَلَاءَ أَحْزَانِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا وَغُمُومِنَا.

عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ أَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ وَأَجْوَدَ الأَجْوَدِينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.