أشراط الساعة الكبرى

الموضوع: أشراط الساعة الكبرى.

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ).

وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ أَشْرَاطَهَا الكُبْرَى الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَمُقَدِّمَةً لَهَا قَدْ اقْتَرَبَتْ هِيَ أَيْضًا، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: "إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ - فَذَكَرَ - الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَلِقُرْبِ خُرُوجِهَا، جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَهُنَا أَسْئِلَةٌ تَفْرِضُ نَفْسَهَا: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الكُبْرَى وَمَا آخِرُهَا؟ وَهَلْ وَرَدَ تَرْتِيبُهَا؟ وَكَمْ تَسْتَغْرِقُ مِنْ زَمَنٍ حَتَّى تَظْهَرَ جَمِيعُ العَلَامَاتِ؟ وَمَا هِيَ أَحْدَاثُ كُلِّ آيَةٍ؟ وَهَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ إِذَا خَرَجَتْ أَوَّلُ آيَةٍ مِنَ الآيَاتِ العَشْرِ؟

وَجَوَابُ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ مَوْجُودٌ فِي الأَحَادِيثِ التَّالِيَةِ:

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ، فَإِنْ يُقْطَعِ السِّلْكُ؛ يَتْبَعْ بَعْضُهَا بَعْضًا". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: "رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَهُوَ حَسَنُ الحَدِيثِ". وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "ثَبَتَ أَنَّ الآيَاتِ العِظَامَ مِثْلُ السِّلْكِ، إِذَا انْقَطَعَ؛ تَنَاثَرَ الخَرَزُ بِسُرْعَةٍ".

وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «كُلُّ مَا تُوعَدُونَ فِي مِائَةِ سَنَةٍ». رَوَاهُ البَزَّارُ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ.

أَمَّا عَنْ تَرْتِيبِ الآيَاتِ وَأَوَّلِهَا ظُهُورًا.

فَالجَوَابُ: ظَاهِرُ الأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ ظُهُورًا خُرُوجُ الدَّجَّالِ، وَآخِرَهَا  خُرُوجُ النَّارِ، وَلَمْ يَأْتِ حَدِيثٌ فِي تَرْتِيبِهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: "الآيَاتُ أَمَارَاتٌ لِلسَّاعَةِ، إِمَّا عَلَى قُرْبِهَا، وَإِمَّا عَلَى حُصُولِهَا، فَمِنَ الأَوَّلِ: الدَّجَّالُ، وَنُزُولُ عِيسَى، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَالخَسْفُ.

وَمِنَ الثَّانِي: الدُّخَانُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ، وَالنَّارُ الَّتِي تَحْشُرُ النَّاسَ".

فَأَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الكُبْرَى ظُهُورًا خُرُوجُ الأَعْوَرِ الدَّجَّالِ، شَرِّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، مَسِيحِ الضَّلَالَةِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"، يَقْرُؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ.

وَمَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَمَعَهُ خَوَارِقُ عَظِيمَةٌ، سَوَاءٌ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ تَخْيِّيلِيَّةِ، وَفِتْنَتُهُ كَبِيرَةٌ، يَدْخُلُ كُلَّ بَلَدٍ إِلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ.

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الدَّجَّالَ .. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ" ... قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: "كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، عُرَاضُ الوُجُوهِ، صِغَارُ العُيُونِ، وَمَا جَاءَ فِي صِغَرِ أَحْجَامِهِمْ وَعِظَمِ آذَانِهِمْ فَلَا يَصِحُّ، وَقَدْ حَجَزَهُمْ ذُو القَرْنَيْنِ حَيْثُ بَنَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، وَمَكَانُهُ جِهَةُ المَشْرِقِ.

وَأَمَّا الدُّخَانُ، فَقَالَ تَعَالَى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.

وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ: "يَأْخُذُ المُؤْمِنَ كَالزَّكْمَةِ، وَيَأْخُذُ الكَافِرَ فَيَنْتَفِخُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ". رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرِيُّ، وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.

وَأَمَّا الدَّابَّةُ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ).

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ".

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ، فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: "رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحُ؛ غَيْرَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ".

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَتَخْطِمُ الكَافِرَ - قَالَ عَفَّانُ (أَحَدُ رُوَاةِ الحَدِيثِ): أَنْفَ الكَافِرِ - بِالخَاتَمِ، وَتَجْلُو وَجْهَ المُؤْمِنِ بِالعَصَا، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الخُوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ عَلَى خُوَانِهِمْ، فَيَقُولُ هَذَا: يَا مُؤْمِنُ! وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ". وَقَدْ صُحِّحَ إِسْنَادُهُ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ - أَرَاهُ رَفَعَهُ - قَالَ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ»؛ يَعْنِي المَسْجِدَ الحَرَامَ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

أَمَّا النَّارُ، فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرَةِ عَدَنٍ، تُرَحِّلُ النَّاسَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَى البُخَارِيُّ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؛ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ". أَيْ: أَوَّلُ الآيَاتِ الَّتِي لَا شَيْءَ بَعْدَهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (تُقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا)، فَهَذِهِ النَّارُ تَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى الشَّامِ، فَهِيَ أَرْضُ المَحْشَرِ.

وَهَذَا الحَشْرُ لَيْسَ هُوَ الحَشْرَ الَّذِي بَعْدَ البَعْثِ مِنَ القُبُورِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ ذِي المَلَكُوتِ وَالجَبَرُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ: فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لي النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: «أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ، فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَهَذَا الطُّلُوعُ هُوَ المَعْنِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا).

وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، هُوَ أَوَّلُ الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِ السَّاعَةِ، فَإِذَا طَلَعَتْ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. زَادَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ: "قَالَ عَبْدُ اللهِ - وَكَانَ يَقْرَأُ الكُتُبَ -: وَأَظُنُّ أُولَاهَا خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أبي هُريْرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الغِنَى، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ خَطَايَانَا، وَذُنُوبَنَا كُلَّهَا، اللَّهُمَّ وَأَنْعِشْنَا، وَاجْبُرْنَا، وَاهْدِنَا بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِصَالِحِهَا وَلَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ رِزْقًا طَيِّبًا، وَعِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا.

اللَّهُمَّ اهْدِنا مِنْ عِنْدِكَ، وَأَفِضْ عَلَينَا مِنْ فَضْلِكَ، وَانْشُرْ عَلَينَا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَينَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ نسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.