فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ

الموضوع: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ).

الخُطبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، إِنَّ طَلَبَ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ؛ أَعْنِي العِلْمَ الَّذِي لَا تَقُومُ عَقِيدَةُ المُسْلِمِ، وَلَا تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُ المُسْلِمَ الجَهْلُ بِهِ.

قَالَ تَعَالَى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ).

فَالعِلْمُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى العَبِيدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ نَدْرُسَ التَّوْحِيدَ وَنَتَعَرَّفَ عَلَى وَاجِبَاتِهِ وَمُكَمِّلَاتِهِ، وَمَا يُنَاقِضُهُ وَيُضَادُّهُ وَيُنْقِصُهُ، وَنُعَلِّمَ أَوْلَادَنَا الصِّغَارَ وَالكِبَارَ مِنْ أُصُولِهِ مَا يُنَاسِبُ أَعْمَارَهُمْ وَمَدَارِكَهُمْ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لِي: (يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَطَرَ النَّاسَ عَلَى تَوْحِيدِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ انْتَكَسَتْ عِنْدَهُمُ الفِطْرَةُ، قَالَ تَعَالَى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، قَالَ: وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَإِنَّ تَوْحِيدَ اللهِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنْزِلَتِ الكُتُبُ، وَأُرْسِلُ الرُّسُلُ قَدْ ضَلَّ عَنْهُ السَّوَادُ الأَعْظَمُ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الأَرْضِ أَحْدَثُوا وَبَدَّلُوا وَغَيَّرُوا، وَإِنَّ ثُلُثَيِ العَالَمِ تَقْرِيبًا مَا بَيْنَ مُلْحِدٍ وَمُشْرِكٍ وَكَافِرٍ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي القُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).

وَإِذَا كَانَ نِسْبَةُ المُسْلِمِينَ فِي العَالَمِ تَبْلُغُ الثُّلُثَ تَقْرِيبًا، فَإِنَّ عَدَدَ الوَاقِعِينَ فِي الشِّرْكِ الأَكْبَرِ أَوِ الأَصْغَرِ كَثِيرٌ، وَتَصْدِيقُ هَذَا فِي القُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ).

وَصَدَقَ اللهُ، فَفِي المُسْلِمِينَ أَوِ المَحْسُوبِينَ عَلَى المُسْلِمِينَ: القُبُورِيُّونَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ فِي الأَمْوَاتِ مَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ التَّوْحِيدِ فِي اللهِ وَحْدَهُ، قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ).

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ عِنْدَ القُبُورِ أَعْمَالًا تُنَاقِضُ التَّوْحِيدَ أَوْ تُخَالِفُهُ؛ لِغُلُوِّهِمْ فِي أَصْحَابِهَا، فَعَنْ جُنْدَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي رُؤَسَائِهِمْ وَسَادَتِهِمْ وَمَشَايِخِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ التَّوْحِيدِ إِلَّا فِي رَبِّهِمْ، قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ).

وَفِيهِمْ مَنْ يُطِيعُونَ أَئِمَّتَهُمْ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ، قَالَ تَعَالَى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى غَيْرِ اللهِ، وَيُحَكِّمُونَ القَوَانِينَ الوَضْعِيَّةَ، قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).

وَفِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي العَرَّافِينَ، وَالكَهَنَةِ، وَالسَّحَرَةِ، وَالمُشَعْوِذِينَ، وَالمُنَجِّمِينَ، وَالأَفَّاكِينَ المُدَّعِينَ عِلْمَ الغَيْبِ، مِمَّنْ يَخُطُّ أَوْ يَنْظُرُ فِي الأَبْرَاجِ، أَوْ يَقْرَأُ الكَفَّ وَالفِنْجَانَ وَنَحْوِهِمْ مِنَ المُسْتَرْزِقَةِ، وَاللهُ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).

وَفِيهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الجِنَّ، قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَٰؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ۖ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ).

وَفِيهِمْ مَنْ يَصْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ لِغَيْرِ اللهِ، كالدُّعَاءِ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالرَّغْبَةِ، وَالرَّهْبَةِ، وَالْخُشُوعِ، وَالْخَشْيَةِ، وَالإِنَابَةِ، وَالاسْتِعَانَةِ، وَالاسْتِعَاذَةِ، وَالاسْتِغَاثَةِ، وَالذَّبْحِ، وَالنَّذْرِ، وَالحَلِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)؛ يَعْنِي حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ، وَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَفِيهِمُ الَّذِيَن يَسْتَسْقُونَ بِالنُّجُومِ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم -: قَالَ رَبُّكُمْ: "مَنْ قالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمتِهِ، فَذلِكَ مُؤمِنٌ بي كَافِرٌ بالْكَوْاكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وَكذا، فَذلكَ كَافِرٌ بِي مُؤمِنٌ بالْكَوْكَبِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يُعَلِّقُونَ التَّمَائِمَ وَنَحْوَهَا مِنَ العَيْنِ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ.

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يَتَبَرَّكُونَ بِالأَشْجَارِ وَالأَحْجَارِ وَالعُيُونِ وَنَحْوِهَا، وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ مُسْلِمٌ: "وَلَا نَوْءَ وَلَا غُولَ".

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يُرَاؤُونَ، وَالَّذِينَ يُرِيدُونَ بِعَمَلِهِمُ الدُّنْيَا، قَالَ تَعَالَى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وَعَن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ). قَالَ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ نَحْوُهُ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِيهِمْ مَنْ يَنْقَادُ لِهَوَاهُ وَدُنْيَاهُ، قَالَ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ ... الحَدِيث). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وَفِيهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِيهِمْ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَالتَّعْطِيلِ، قَالَ تَعَالَى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ).

عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ كُلِّيَّةٌ جَامِعَةٌ، عَلَيْهَا مَدَارُ سَعَادَتِكُمْ فِي الدَّارَيْنِ، وَسَلَامَتِكُمْ فِي الهِجْرَتَيْنِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ... وَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولَانِ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا عَمَلُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ، وَآمَنْتُ بِهِ، وَصَدَّقْتُهُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رُوحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ؛ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي .... إِلَى أَنْ قَالَ فِي الْعَبْدِ الْكَافِرِ: يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسُمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ. فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: هُوَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ بِاخْتِصَارٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَالقُدْوَةُ لِلْعَامِلِينَ، وَالحُجَّةُ عَلَى العِبَادِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ وَاجِبَاتِ التَّوْحِيدِ الإِتْيَانَ بِأَرْكَانِ الإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ العِظَامِ، وَالقِيَامَ بِهَا حَقَّ قِيَامٍ. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ...»، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ».

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟" قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَخَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَقَدْ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، وَفِيهِ زِيَادَاتٌ مِنْهَا: فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: "وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ" قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَقَدْ جَمَعَ الحَدِيثُ وَاجِبَاتِ التَّوْحِيدِ وَمُتَمِّمَاتِهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ قُلُوبًا سَلِيمَةً، وَأَلْسِنَةً صَادِقَةً، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ، وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى، وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ القَضَاءِ، وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.