اعْتِيَادُ المَسَاجِدِ

المَوْضُوعُ: اعْتِيَادُ المَسَاجِدِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).

وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا).

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَعِمَارَةُ المَسَاجِدِ بِالطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ الخَالِصَةِ، مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ وَأَفْضَلِ العِبَادَاتِ.

فَهَنِيئًا لِمَنِ اعْتَادَ المَسَاجِدَ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا، يَمْشِي إِلَيْهَا، وَيُؤَدِّي الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ جَمَاعَةً فِيهَا، وَيُرَابِطُ حَيْثُ يَنْتَظِرُ الفَرِيضَةَ بَعْدَ الفَرِيضَةِ، وَيَعْتَكِفُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَجْلِسُ فِي بَيْتِ اللهِ كَثِيرًا، يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى، وَيَتْلُو القُرْآنَ، وَيَدْعُو اللهَ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ.

قَالَ تَعَالَى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ ...) الآيَةَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مَعلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ المَشْيِ إِلَى المَسَاجِدِ: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ".

وَعَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَضَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ، كانَتْ خُطُواتُهُ، إِحْدَاهَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرى تَرْفَعُ دَرَجَةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَتْ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اشتَريْتَ حِمَارًا ِتَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى المَسْجِدِ، وَرُجُوعِيَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المَسْجِدِ، فَأَرادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُمْ: "بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: "يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ"، فَقَالُوا: مَا يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى البُخَارِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ.

وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "بَشِّرُوا المَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي غُسْلِ يَوْمِ الجُمُعَةِ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ: مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ".

وَعَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ بَعْدَ ما صَلَّى، فَقَالَ: "صَلىَّ النَّاسُ وَرَقَدُوا، ولَمْ تَزَالُوا في صَلاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُموها". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ بِالمَسْجِدِ وَفَضْلِهَا: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "صَلَاةُ الجَمَاعَةِ أَفضَلُ مِنْ صَلَاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ درَجَةً".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارحَمْهُ. وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَهَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ.

وَعَنْهُ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَجِبْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ - وَقِيلَ: عَمْرِو بْنِ قيْسٍ المَعرُوفِ بِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ المُؤَذِّنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ المَدِينَةَ كَثيرَةُ الهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، فَحَيَّهَلَا". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَمَعْنَى:"حَيَّهَلَا": تَعَالَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "مَنْ سَرَّه أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدَ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ، يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلَاةَ فِي المَسَجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ، إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيكُمْ بِالجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي الحَثِّ عَلَى حُضُورِ الجَمَاعَةِ فِي الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ خَاصَّةً: مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّما قامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ شَهِدَ العِشَاءَ فِي جمَاعةٍ، كَانَ لهُ قِيامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقينَ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ وَالعِشاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: "وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ الجَمَاعَةِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ". قَالَ مُجَاهِدٌ: وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، لَا يَشْهَدُ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً، فَقَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ». انتهى.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ الجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ بَعْدَ العَصْرِ وَبَعْدَ الفَجْرِ لِلذِّكْرِ: مَا جَاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ حُسِّنَ.

وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَأَنْ أَذْكُرَ اللهَ تَعَالَى مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ: أُكَبِّرُ، وَأُهَلِّلُ، وَأُسَبِّحُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعًا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَذْكُرَ اللهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ كَذَا وَكَذَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "لَأَنْ أَقْعُدَ أَذْكُرُ اللهَ وَأُكَبِّرُهُ وَأَحْمَدُهُ وَأُسَبِّحُهُ وَأُهَلِّلُهُ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ كُلَّهُ أَحْمَدُ، وَأَسَانِيدُهُ حَسَنَةٌ.

وَثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

 

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّعَلُّمِ فِي المَسْجِدِ: مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ».

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجَّتُهُ). قَالَ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْس بِهِ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ السَّاعَةِ بَعْدَ العَصْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ: مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي فَيَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِتِلْكَ السَّاعَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضْنَنْ بِهَا عَلَيَّ، قَالَ: هِيَ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، قُلْتُ: فَكَيْفَ تَكُونُ بَعْدَ العَصْرِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي»؟ وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ»؟، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَاكَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الأَرْبِعَاءِ: مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ ثَلَاثًا: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ.

قَالَ جَابِرٌ: فَلَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ مُهِمٌّ غَلِيظٌ، إِلَّا تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَأَدْعُو فِيهَا، فَأَعْرِفُ الْإِجَابَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ حُسِّنَ.

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيثِ: كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، وَفِيهِ كَلَامٌ، يُوَثِّقُهُ ابْنُ مَعِينٍ تَارَةً، وَيُضَعِّفُهُ أُخْرَى.

وَهَذَا الحَدِيثِ يَعْمَلُ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، فَيَتَحَرَّوْنَ الدُّعَاءَ فِي هَذَا، كَمَا نُقِلَ عَنْ جَابِرٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ تَحَرَّى الدُّعَاءَ فِي المَكَانِ؛ بَلْ تَحَرَّى الزَّمَانَ".

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ المَسَاجِدَ بُيُوتُ اللهِ وَمَحَلُّ عِبَادَتِهِ وَذِكْرِهِ، وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ دُخُولِهَا، مَا جَاءَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُم لْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: "فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". وَهُوَ فِي رِوَايَةِ البَاقِينَ.

زَادَ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي رِوَايَتِهِ: "وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". وَرَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا".

وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ، مِنَ الشِّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ اليَوْمِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.

قَالَ: وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ، وَإذَا خَرَجَ، قالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ".

وَرُوِّينَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا.

وَمِمَّا رَغَّبَ الإِسْلَامُ فِيهِ: بِنَاءُ المَسَاجِدِ؛ فَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ).

وَالمَقْصِدُ الأَكْبَرُ وَالمَطْلَبُ الأَعْظَمُ: عِمَارَتُهَا بِالإِيمَانِ وَشُعَبِهِ، وَالإِسْلَامِ وَخِصَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.

المَوْضُوعُ: اعْتِيَادُ المَسَاجِدِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).

وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا).

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَعِمَارَةُ المَسَاجِدِ بِالطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ الخَالِصَةِ، مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ وَأَفْضَلِ العِبَادَاتِ.

فَهَنِيئًا لِمَنِ اعْتَادَ المَسَاجِدَ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا، يَمْشِي إِلَيْهَا، وَيُؤَدِّي الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ جَمَاعَةً فِيهَا، وَيُرَابِطُ حَيْثُ يَنْتَظِرُ الفَرِيضَةَ بَعْدَ الفَرِيضَةِ، وَيَعْتَكِفُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَجْلِسُ فِي بَيْتِ اللهِ كَثِيرًا، يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى، وَيَتْلُو القُرْآنَ، وَيَدْعُو اللهَ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ.

قَالَ تَعَالَى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ ...) الآيَةَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مَعلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ المَشْيِ إِلَى المَسَاجِدِ: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ".

وَعَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَضَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ، كانَتْ خُطُواتُهُ، إِحْدَاهَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرى تَرْفَعُ دَرَجَةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَتْ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اشتَريْتَ حِمَارًا ِتَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى المَسْجِدِ، وَرُجُوعِيَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المَسْجِدِ، فَأَرادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُمْ: "بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: "يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ"، فَقَالُوا: مَا يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى البُخَارِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ.

وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "بَشِّرُوا المَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي غُسْلِ يَوْمِ الجُمُعَةِ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ: مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ".

وَعَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ بَعْدَ ما صَلَّى، فَقَالَ: "صَلىَّ النَّاسُ وَرَقَدُوا، ولَمْ تَزَالُوا في صَلاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُموها". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ بِالمَسْجِدِ وَفَضْلِهَا: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "صَلَاةُ الجَمَاعَةِ أَفضَلُ مِنْ صَلَاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ درَجَةً".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارحَمْهُ. وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَهَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ.

وَعَنْهُ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَجِبْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ - وَقِيلَ: عَمْرِو بْنِ قيْسٍ المَعرُوفِ بِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ المُؤَذِّنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ المَدِينَةَ كَثيرَةُ الهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، فَحَيَّهَلَا". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَمَعْنَى:"حَيَّهَلَا": تَعَالَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "مَنْ سَرَّه أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدَ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ، يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلَاةَ فِي المَسَجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ، إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيكُمْ بِالجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي الحَثِّ عَلَى حُضُورِ الجَمَاعَةِ فِي الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ خَاصَّةً: مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّما قامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ شَهِدَ العِشَاءَ فِي جمَاعةٍ، كَانَ لهُ قِيامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقينَ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ وَالعِشاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: "وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ الجَمَاعَةِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ". قَالَ مُجَاهِدٌ: وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، لَا يَشْهَدُ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً، فَقَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ». انتهى.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ الجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ بَعْدَ العَصْرِ وَبَعْدَ الفَجْرِ لِلذِّكْرِ: مَا جَاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ حُسِّنَ.

وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَأَنْ أَذْكُرَ اللهَ تَعَالَى مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ: أُكَبِّرُ، وَأُهَلِّلُ، وَأُسَبِّحُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعًا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَذْكُرَ اللهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ كَذَا وَكَذَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "لَأَنْ أَقْعُدَ أَذْكُرُ اللهَ وَأُكَبِّرُهُ وَأَحْمَدُهُ وَأُسَبِّحُهُ وَأُهَلِّلُهُ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ كُلَّهُ أَحْمَدُ، وَأَسَانِيدُهُ حَسَنَةٌ.

وَثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

 

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّعَلُّمِ فِي المَسْجِدِ: مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ».

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجَّتُهُ). قَالَ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْس بِهِ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ السَّاعَةِ بَعْدَ العَصْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ: مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي فَيَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِتِلْكَ السَّاعَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضْنَنْ بِهَا عَلَيَّ، قَالَ: هِيَ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، قُلْتُ: فَكَيْفَ تَكُونُ بَعْدَ العَصْرِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي»؟ وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ»؟، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَاكَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الأَرْبِعَاءِ: مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ ثَلَاثًا: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ.

قَالَ جَابِرٌ: فَلَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ مُهِمٌّ غَلِيظٌ، إِلَّا تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَأَدْعُو فِيهَا، فَأَعْرِفُ الْإِجَابَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ حُسِّنَ.

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيثِ: كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، وَفِيهِ كَلَامٌ، يُوَثِّقُهُ ابْنُ مَعِينٍ تَارَةً، وَيُضَعِّفُهُ أُخْرَى.

وَهَذَا الحَدِيثِ يَعْمَلُ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، فَيَتَحَرَّوْنَ الدُّعَاءَ فِي هَذَا، كَمَا نُقِلَ عَنْ جَابِرٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ تَحَرَّى الدُّعَاءَ فِي المَكَانِ؛ بَلْ تَحَرَّى الزَّمَانَ".

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ المَسَاجِدَ بُيُوتُ اللهِ وَمَحَلُّ عِبَادَتِهِ وَذِكْرِهِ، وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ دُخُولِهَا، مَا جَاءَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُم لْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: "فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". وَهُوَ فِي رِوَايَةِ البَاقِينَ.

زَادَ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي رِوَايَتِهِ: "وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". وَرَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا".

وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ، مِنَ الشِّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ اليَوْمِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.

قَالَ: وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ، وَإذَا خَرَجَ، قالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ".

وَرُوِّينَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا.

وَمِمَّا رَغَّبَ الإِسْلَامُ فِيهِ: بِنَاءُ المَسَاجِدِ؛ فَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ).

وَالمَقْصِدُ الأَكْبَرُ وَالمَطْلَبُ الأَعْظَمُ: عِمَارَتُهَا بِالإِيمَانِ وَشُعَبِهِ، وَالإِسْلَامِ وَخِصَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.