حَيَوِيَّةُ الخَطِيبِ

مِنْ مَهَارَاتِ الخَطِيبِ شَدُّ الانْتِبَاهِ، وَلَفْتُ النَّظَرِ، وَالتَّفَاعُلُ مَعَ المَوْضُوعِ، وَالحَيَوِيَّةُ، وَتَرْسِيخُ المَعْنَى بِالإِشَارَةِ وَالتَّمْثِيلِ بِقَدْرٍ لَائِقٍ مَعْقُولٍ، لَا يُخِلُّ بِالوَقَارِ؛ فَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "يَأْخُذُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ - وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أَنَا الْمَلِكُ"، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ - وَقَبَضَ يَدَهُ، وَجَعَلَ يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا - ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟". قَالَ: وَيَمِيلُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ عَرَفَةَ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ، قَالَ: فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقالَ: (أَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقالَ بإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفْصَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ: «الْفِتْنَةُ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الْمُؤْمنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَسَأَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَيْحَكَ! مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟). رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ النَّوَوِيُّ وَابْنُ المُلَقِّنِ.