مَسْأَلَةٌ: اسْتِقْبَالُ الخَطِيبِ

يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ الخَطِيبُ بِوَجْهِهِ المَأْمُومِينَ، وَيَسْتَقْبِلُوهُ بِوُجُوهِهِمْ وَالقِبْلَةُ أَمَامَهُمْ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ، قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: "هَذَا كَالإِجْمَاعِ". 
وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "أَمَّا اسْتِقْبَالُ الإِمَامِ أَهْلَ المَسْجِدِ، وَاسْتِدْبَارُهُ القِبْلَةَ، فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَوَى عَلَى المِنْبَرِ اسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا». وَفِي البَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، «وَحَدِيثُ مَنْصُورٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ»، وَمُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الحَدِيثِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ: يَسْتَحِبُّونَ اسْتِقْبَالَ الإِمَامِ إِذَا خَطَبَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، «وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ». قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَعْنِي صَرِيحًا.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَخَذَ الإِمامُ فِي الخُطْبَةِ يَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَفْرَغَ". رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، وَابْنُ المُنْذِرِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَيْنَاهُ فِي نُسْخَةِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: (قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هَدْيُ الْمُسْلِمِينَ، إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَنْ يَسْتَقْبِلُوهُ بِوُجُوهِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا مُسْنَدًا، إِلَّا أَنَّ وَكِيعًا ذَكَرَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَوَكِيعٌ عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذَا خَطَبَ اسْتَقْبَلَهُ أَصْحَابُهُ بِوُجُوهِهِمْ، وَذَكَرَهَا أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ، وَرُوِيَ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقِ".
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ الإِقْبَالُ بِوُجُوهِهِمْ عَلَى الخَطِيبِ، وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الأَدَبُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الوَعْظِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ).
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "قَوْلُهُ: بَابُ اسْتِقْبَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ إِذَا خَطَبَ": زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ فِي أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ: يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ، وَلَمْ يَبُتَّ الْحُكْمَ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَفِي وَجْهٍ يَجِبُ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ... وَمِنْ لَازِمِ الِاسْتِقْبَالِ اسْتِدْبَارُ الْإِمَامِ الْقِبْلَةَ، وَاغْتُفِرَ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَدْبِرَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَعِظُهُمْ).