الخُطْبَةُ بِالعَرَبِيَّةِ

قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ).
فَالأَصْلُ أَنْ تُلْقَى الخُطْبَةُ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لُغَةُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَأْخُذَ عَنْهُ مَنَاسِكَنَا، وَأَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نَتَأَسَّى بِهِ.
وَلَكِنْ إِذَا كَانَ الحُضُورُ لَا يَفْهَمُونَ العَرَبِيَّةَ خَطَبَ بِلُغَتِهِمْ لِيَفْهَمُوا.
وَأَمَّا الآيَاتُ فَتُتْلَى بِالعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ يُتَرْجِمُ مَعْنَاهَا، وَيَنْطِقُ الأَحَادِيثَ أَيْضًا بِالعَرَبِيَّةِ إِنْ أَمْكَنَ، ثُمَّ يُتَرْجِمُهَا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ فِي أَدَاءِ الخُطْبَةِ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّ العَرَبِيَّةَ شَرْطٌ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الحُضُورُ لَا يَفْهَمُونَ العَرَبِيَّةِ.
وَهَذَا قَوْلُ المَالِكِيَّةِ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ.
القَوْلُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ بِالعَرَبِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ السَّامِعُونَ لَا يَعْرِفُونَ العَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَخْطُبُ بِلُغَتِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الحَنَابِلَةِ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِالعَرَبِيَّةِ، وَلِلْخَطِيبِ أَنْ يَخْطُبَ بِغَيْرِ العَرَبِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: "هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: (أَصَحُّهُمَا)، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ، فَشُرِطَ فِيهِ الْعَرَبِيَّةُ كَالتَّشَهُّدِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وَكَانَ يَخْطُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ.
قَالَ: (وَالثَّانِي): مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلِّ اللُّغَاتِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ جَازَ أَنْ يَخْطُبَ بِلِسَانِهِ مُدَّةَ التَّعَلُّمِ".