مَسْأَلَةٌ: قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ

ثَبَتَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ (ص)، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ»، فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ صَحِيحٌ.
وعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ، فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ». وَزَادَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الخَطِيبَ إِذَا قَرَأَ آيَةً فِيهَا السَّجْدَةُ سَجَدَ عَلَى المِنْبَرِ إِنْ كَانَ يَتَّسِعُ، أَوْ نَزَلَ وَسَجَدَ، وَيَأْتَمُّ بِهِ مَنْ بِالمَسْجِدِ، هَذَا أَفْضَلُ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ شَاءَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَإِنْ أَمْكَنَ السُّجُودُ عَلَى الْمِنْبَرِ، سَجَدَ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ فَلَا حَرَجَ، فَعَلَهُ عُمَرُ وَتَرَكَ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَتَرَكَ عُثْمَانُ، وَأَبُو مُوسَى، وَعَمَّارٌ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ.
وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْزِلُ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةُ تَطَوُّعٍ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، كَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ.
وَلَنَا فِعْلُ عُمَرَ وَتَرْكُهُ، وَفِعْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّهُ سُنَّةٌ وُجِدَ سَبَبُهَا، لَا يَطُولُ الْفَصْلُ بِهَا، فَاسْتُحِبَّ فِعْلُهَا، كَحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَطَسَ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى.