مَسْأَلَةٌ: دُعَاءُ الخَطِيبِ

عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، قَالَ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ».
وعَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَقَالَ: عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَالدُّعَاءُ فِي الخُطْبَةِ مَشْرُوعٌ لِهَذَا الحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الأَحَادِيثِ دُونَ رَفْعِ اليَدَيْنِ - إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاءِ - فِي خُطْبَةِ الجُمُعَةِ، وَيُبَالِغُ فِي رَفْعِهِمَا، وَلِأَنَّ الوَقْتَ مِنْ جُلُوسِ الإِمَامِ إِلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ سَاعَةُ اسْتِجَابَةٍ، فَيَدْعُو بِمَا يُنَاسِبُ الحَالَ وَالزَّمَانَ، مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، وَيَدْعُو دُونَ أَنْ يَلْتَزِمَ ذَلِكَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِمَنْ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحُ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، وَيَتَرَضَّى عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ الْمُسْلِمَاتِ كُلَّ جُمُعَةٍ». رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِي إِسْنَادِ الْبَزَّارِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "رَوَاهُ البَزَّارُ بِإِسْنَادٍ لَيِّنْ".
وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: وَرُوِّينَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا، فَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ وَأَمَّنَ النَّاسُ". وَرَواهُ قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاهِرًا يَدَيْهِ قَطُّ يَدْعُو عَلَى مِنْبَرِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، وَلَكِنْ رَأَيْتُهُ يَقُولُ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ، وَعَقَدَ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ". 
وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ إِثْبَاتُ الدُّعَاءِ فِي الْخُطْبَةِ، ثُمَّ فِيهِ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي حَالِ الدُّعَاءِ فِي الْخُطْبَةِ، وَيَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يُشِيرَ بِأُصْبُعِهِ. 
وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَنَّهُ مَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا، وَذَلِكَ حِينَ اسْتَسْقَى فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، فَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ، إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". انْتَهَى.
وَعَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: كَانَ عَلَيْنَا أَبُو مُوسَى أَمِيرًا بِالْبَصْرَةِ، فَكَانَ إِذَا خَطَبَنَا حَمِدَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يَدْعُو لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو الحُسَيْنِ فِي فَوَائِدِهِ، وَالأَصْبَهَانِيُّ فِي سِيَرِ السَّلَفِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
وَقَالَ ابْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَتِهِ: وَأَوَّلُ مَنْ دَعَا لِلْخَلِيفَةِ عَلَى المِنْبَرِ ابْنُ عَبَّاسٍ، دَعَا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي خُطْبَتِهِ وَهُوَ بِالبَصْرَةِ عَامِلٌ لَهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْ عَلِيًّا، وَاتَّصَلَ العَمَلُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَلِنَفْسِهِ، وَالْحَاضِرِينَ، وَإِنْ دَعَا لِسُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاحِ فَحَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى ضَبَّةُ بْنُ مِحْصَنٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ إذَا خَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لِعُمَرَ، وَأَبِي بَكْرٍ. وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ضَبَّةُ الْبِدَايَةَ بِعُمَرَ قَبْلَ الدُّعَاءِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ لِضَبَّةَ: أَنْتَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَرْشَدُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَطَاءً قَالَ: هُوَ مُحْدَثٌ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِعْلَ الصَّحَابَةِ لَهُ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ؛ وَلِأَنَّ سُلْطَانَ الْمُسْلِمِينَ إذَا صَلَحَ كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ لَهُمْ، فَفِي الدُّعَاءِ لَهُ دُعَاءٌ لَهُمْ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. انْتَهَى.