مَسْأَلَةٌ: سَلَامُ الخَطِيبِ.

يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الحُضُورِ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ وَإِذَا صَعِدَ المِنْبَرَ؛ لِلنُّصُوصِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ السَّلَامِ، وَيُسْتَأْنَسُ بِالأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي البَابِ عَلَى أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ.
قَالَ المَجْدُ فِي المُنْتَقَى: عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لِلْأَثْرَمِ فِي سُنَنِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا.
وَأَيَّدَهُ الشَّوْكَانِيُّ عَلَى تَضْعِيفِهِ، وَقَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَنَا مِنْ الْمِنْبَرِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ صَعِدَ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ سَلَّمَ ثُمَّ قَعَدَ». وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ. 
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلَغَنَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّهُ قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – خُطْبَتَيْنِ، وَجَلَسَ جَلْسَتَيْنِ»، وَحَكَى الَّذِي حَدَّثَنِي قَالَ: «اسْتَوَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَائِمًا، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ، حَتَّى فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الثَّانِيَةَ».
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْلِيمِ مِنْ الْخَطِيبِ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يَرْقَى الْمِنْبَرَ وَقَبْلَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا خَرَجَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَقْبَلَ الْحَاضِرِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَجَلَسَ إلَى أَنْ يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ مِنْ أَذَانِهِمْ. كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إذَا عَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ، وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَقِيبَ الِاسْتِقْبَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ حَالَ خُرُوجِهِ.
وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ جَالِسًا، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ النَّاسَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ». رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ.
عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ سُورَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْعَلَانِهِ». رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَمَتَى سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ آكَدُ مِنْ ابْتِدَائِهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ، وَإِسْنَادُهُمَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ، فهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسَنُّ لِلْإِمَامِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ مَرَّتَيْنِ؛ (إحْدَاهُمَا): عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ، يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ هُنَاكَ، وَعَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ، (الثَّانِيَةُ): إِذَا وَصَلَ أَعَلَا الْمِنْبَرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا سَلَّمَ لَزِمَ السَّامِعِينَ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ الثَّانِي مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ. انْتَهَى.