مَسْأَلَةٌ: اشْتِرَاطُ الخُطْبَةِ

الخُطْبَةُ قَبْلَ صَلَاةِ الجُمُعَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ؛ لِمُدَاوَمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَيْهَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه).
وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ خُطْبَتَيْنِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا». رَوَاهُ البُخَارِيُّ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَنْسَى الخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ وَقَدْ تَفَرَّقَ النَّاسُ، فَالرَّاجِحُ أَنَّهَا تُجْزِئُ خُطْبَةً وَاحِدَةً. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُنَا أَنَّ تَقَدُّمَ خُطْبَتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ، وَأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْعَدَدَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْخُطْبَةُ شَرْطٌ، وَلَكِنْ تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ العَدَدُ لِسَمَاعِهَا كَالأَذَانِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ بِلَا خُطْبَةٍ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ.
دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وَثَبَتَتْ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ خُطْبَتَيْنِ. انْتَهىَ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْخُطْبَةَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ، لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا، كَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، إلَّا الْحَسَنَ، قَالَ: تُجْزِئُهُمْ جَمِيعَهُمْ، خَطَبَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَخْطُبْ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ عِيدٍ، فَلَمْ تُشْتَرَطْ لَهَا الْخُطْبَةُ، كَصَلَاةِ الْأَضْحَى.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، وَالذِّكْرُ هُوَ الْخُطْبَةُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكَ الْخُطْبَةَ لِلْجُمُعَةِ فِي حَالٍ؛ وَقَدْ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتْ الْجُمُعَةُ أَرْبَعًا، فَجُعِلَتْ الْخُطْبَةُ مَكَانَ الرَّكْعَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ أَيْضًا: يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ خُطْبَتَانِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُجْزِيهِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَكُونُ الْخُطْبَةُ إلَّا كَمَا خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خُطْبَةً تَامَّةً. 
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا رُوِّيْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَقَدْ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وَلِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ. فَكُلُّ خُطْبَةٍ مَكَانُ رَكْعَةٍ، فَالْإِخْلَالُ بِإِحْدَاهُمَا كَالْإِخْلَالِ بِإِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ. انْتَهَى.