خَتْمُ الخُطْبَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) .. الآية

خَتْمُ الخُطْبَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) الْآيَة. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) الْآيَة، لَيْسَ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ، إِلَّا أَمْرَ اللَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ خُلُقٍ سَيِّئٍ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - جَمَعَ لَكُمْ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: وَأَمَّا خَتْمُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) الْآيَة، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فِي خَتْمِهَا، وَأَوَّلُ مَنْ قَرَأَ فِي آخِرِهَا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّهُ أَحْدَثَ ذَلِكَ بَدَلًا عَمَّا كَانَ يَخْتِمُ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ خُطَبَهُمْ، مِنْ سَبِّهِمْ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَكِنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ. انْتَهَى.
وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ خَتْمَ الْخُطْبَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَرِدْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ صَحَابَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْتِمَ بِهَا أَحْيَانًا، وَبِنَحْوِ هَذَا أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ، وَشَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْعُثَيمِيْنُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي "الْمُدَوَّنَةِ الْكُبْرَى"، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ - أَيِ الإِمَامَ مَالِكًا - يَقُولُ: مِنْ سُنَّةِ الْإِمَامِ وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ، أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ يَقُولُونَ الْيَوْمَ: اُذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، قَالَ: وَهَذَا حَسَنٌ، وَكَأَنِّي رَأَيْتُهُ يَرَى الْأَوَّلَ أَصْوَبَ. انْتَهَى.