خَتْمُ الخُطْبَةِ بِـ (أَقُولُ هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ).

رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَمَا وَجَدَ لَهَا مُنَاخًا فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى أُخْرِجَتْ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، فَأُنِيخَتْ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى رَبِّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى رَبِّهِ"، ثُمَّ تَلَا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا). حَتَّى قَرَأَ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: "أَقُولُ هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ". وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ المُحَقِّقِينَ.
وَقِيلَ: "مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ" وَهْمٌ، إِنَّمَا هُوَ "مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ"، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ قَرَنَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَعَ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَهَذِهِ تَقْوِيَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَفِي صَحِيحَيِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ، وَتَفْسِيرِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَذَكَرَهُ، قَالَ: وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ مَرْدَوَيْهِ ذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُقْرِئِ رَاوِيَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: "مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ"، وَإِنَّمَا هُوَ "مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ"، وَابْنُ عُقْبَةَ ثِقَةٌ، وَابْنُ عُبَيْدَةَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِرِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَحَكَمَ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ بِالنَّكَارَةِ وَالْجَهَالَةِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْجُمُعَةِ.
 
وَثَبَتَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: (بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْدَأُ فَيَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ، حَتَّى إِذَا قَضَاهَا اسْتَغْفَرَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَسَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ خُطْبَتَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ". انْتَهَى.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَاسْتَحَبَّتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَخْتِمَ الْخُطْبَةَ بـ "أَقُولُ هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ"؛ مِنْهُمْ: الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَعَمَلُ الْكَثِيرِ الْيَوْمَ خَتْمُ الْخُطْبَةِ الْأُولَى بِهَذَا الذِّكْرِ، وَهَذَا جَائِزٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ؛ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ. 
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.