من نبإ موسي وفرعون


الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى.
عِبَادَ اللهِ: جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا هَذَا اليَوْمُ الذِي تَصُومُونَهُ؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ قِصَّةَ إِنْجَائِهِ لِمُوسَى نَبِيِّهِ، وَإِهْلَاكِهِ لِفِرْعَوْنَ عَدُوِّهِ، فِي القُرْآنِ، فِي أَكْثَرَ مِنْ سُورَةٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ).
فَمَا خَبَرُ هَذَا الحَقِيرِ المُتَجَبِّرِ وَالذَّلِيلِ المُتَكَبِّرِ الَّذِي طَغَى وَبَغَى عَلَى أَرْضِ مِصْرَ؟ 
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
فَأَيُّ عُلُوٍّ وَفَسَادٍ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ مِنْ عُلُوِّ فِرْعَوْنَ وَفَسَادِهِ؟ أَنْكَرَ عِنَادًا رُبُوبِيَّةَ اللهِ، وَجَحَدَ اسْتِكْبَارًا أُلُوهِيَّتَهُ، وَادَّعَى كَذِبًا وَزُورًا الرُّبُوبِيَّةَ وَالأُلُوهِيَّةَ، قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي)، وَقَالَ تَعَالَى: (فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ).
فَمَا كَانَ جَوَابُ مُوسَى عَلَى دَعْوَاهُ البَاطِلَةِ وَزَعْمِهِ الكَاذِبِ؟ قَالَ تَعَالَى: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
وَمِنْ فَسَادِ هَذَا الطَّاغِيَةِ مَا ذُكِرَ فِي الآيَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَل أَهْلَهَا شِيَعًا). قَالَ قَتَادَةُ: "أَيْ: فِرَقًا، يُذَبِّح طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً، وَيُعَذِّبُ طَائِفَةً، وَيَسْتَعْبِدُ طَائِفَةً". يَعْنِي مِنْ شَعْبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ خِيَارَ أَهْلِ الأَرْضِ.
وَكَانَ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى قَتْلِ أَبْنَائِهِمْ دُونَ إِنَاثِهِمْ: مَا بَلَغَهُ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْهُمْ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ، كَأَنَّ نَارًا قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ نَحْوِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَحْرَقَتْ دُوْرَ مِصْرَ وَجَمِيعَ الْقِبْطِ، وَلَمْ تَضُرَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
فَجَمَعَ السَّحَرَةَ وَالكَهَنَةَ وَالقَافَةَ وَالحَازَةَ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا غُلَامٌ يُولَدُ مِنْ هَؤُلَاءِ، يَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ. فَأَمَرَ بِقَتْلِ أَبْنَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، لَقَدْ أَسْرَفَ فِرْعَونُ فِي قَتْلِ غِلْمَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى خَافَ قَومُهُ القِبْطُ إِنْ قَضَى عَلَى الأَبْنَاءِ أَنْ لَا يَجِدُوا مَنْ يَخْدِمُهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ المُقَرَّبُونَ أَنْ يَقْتُلَ فِي عَامٍ وَيَدَعَ القَتْلَ فِي عَامٍ، فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَجْمَعُ بَيْنَ إِضْعَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِبْقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِخِدْمَتِهِمْ، فَوُلِدَ هَارُونُ فِي العَامِ الَّذِي لَا يُقْتَلُ فِيهِ فَتُرِكَ، وَوُلِدَ مُوسَى فِي العَامِ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ إِلَّا أَنَّ اللهَ حَفِظَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)؛ أَيْ: بِمَرْأَى مِنِّي، فَكَانَتْ نَجَاتُهُ مُعْجِزَةً خَالِدَةً.
لَقَدْ رَبَّى فِرْعَوْنُ هَذَا الغُلَامَ فِي بَيْتِهِ سِنِينَ عَدَدًا؛ لِذَا قَالَ لِمُوسَى لَمَّا بَلَّغَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)؟
لَقَدْ وَقَعَ لِفِرْعَوْنَ عَلَى يَدِ مُوسَى مَا خَافَهُ وَحَذِرَهُ، فَقَدْ سَلَبَهُ مُلْكَهُ، وَغَلَبَهُ عَلَى سُلْطَانِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِهِ، وَبَدَّلَ دِينَهُ، وَخَلَّصَ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ وَجَوْرِهِ وَظُلْمِهِ وَأَذَاهُ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)؛ أَيْ: لِتُبَلِّغَ رِسَالَتِي وَأُمْضِيَ إِرَادَتِي.
قَالَ تَعَالَى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).
فَكَانَ مَا أَرَادَهُ اللهُ - جَلَّ وَعَلَا -. قَالَ تَعَالَى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ).
وَقَالَ تَعَالَى: (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ).
فَمَا نَفَعَ فِرْعَوْنَ حَذَرُهُ، وَقَدِ احْتَرَزَ كُلَّ الِاحْتِرَازِ أَنْ لَا يُوجَدَ مُوسَى، حَتَّى جَعَلَ رِجَالًا وَقَوَابِلَ يَدُورُونَ عَلَى الْحَبَالَى، وَيَعْلَمُونَ مِيقَاتَ وَضْعِهِنَّ، فَلَا تَلِدُ امْرَأَةٌ ذَكَرًا إِلَّا ذُبِحَ فِي لَحْظَتِهِ.
وَسُبْحَانَ خَالِقِ الأَسْبَابِ وَمُسَبَّبَاتِهَا!
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، إنَّ هَذَا الْمَوْلُودَ الَّذِي تَحْتَرِزُ مِنْهُ يَا فِرْعَوْنُ، وَقَدْ قَتَلْتَ بِسَبَبِهِ مِنَ النُّفُوسِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، يَتَرَبَّى فِي دَارِكَ بِجِوَارِكَ، وَعَلَى فِرَاشِكَ، وَلَا يُغَذَّى إِلَّا بِطَعَامِكَ وَشَرَابِكَ، وَأَنتَ الَّذِي تَتَبَنَّاهُ وَتَتَوَلَّاهُ، وَتُرَبِّيهِ وَتُنْفِقُ علَيْهِ، وَلَنْ يُنْجِيَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ الْجَوَارِيَ الْتَقَطْنَهُ مِنَ الْبَحْرِ فِي تَابُوتٍ، حَمَلَهُ المَوْجُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ "آسِيَةَ بِنْتِ مُزَاحِمِ"، فَلَمَّا رَأَتْهُ أَحَبَّتْهُ. قَالَ تَعَالَى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي)، وَمِنَ العِبَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِآسِيَةَ وَلَا لِفِرْعَوْنَ ابْنًا؛ لِذَا لَمَّا أَمَرَ بِذَبْحِهِ، قَالَتْ: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا).
وَقَدْ نَفَعَ اللهُ آسِيَةَ بِمُوسَى، فَكَانَ سَبَبًا فِي نَجَاتِهَا مِنَ النَّارِ وَدُخُولِهَا الجَنَّةَ. 
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ فِرْعَوْنَ أَوْتَدَ لِزَوْجَتِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، فَكَانَ إِذَا تَفَرَّقُوا عَنْهَا أَظَلَّتْهَا الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَتْ: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، فَكَشَفَ لَهَا عَنْ بَيْتِهَا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. 
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) ۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَّا مِنْ مُوسَى، فَأَوْشَكَتْ عَلَى إِظْهَارِ أَمْرِهِ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ جَهْرَةً، فَصَبَّرَهَا اللهُ وَثَبَّتَهَا، فَكَلَّفَتِ ابْنَتَهَا الْكَبِيرَةَ أَنْ تَتَّبِعَ أَثَرَهُ وَتَتَحَرَّى خَبَرَهُ، فَرَأَتْهُ عَنْ بُعْدٍ وَهُمْ يَسْأَلُونَ وَيَبْحَثُونَ عَنْ مُرْضِعَاتٍ لَهُ، فَكُلَّمَا وَجَدُوا مُرْضِعَةً رَفَضَ مُوسَى ثَدْيَهَا وَلَمْ يَقْبَلْ حَلِيبَهَا، فَتَظَاهَرَتْ أُخْتُهُ وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَتَقِفُ عَلَيْهِ، كَأَنَّهَا لَا تُرِيدُهُ وَلَا تَعْرِفُهُ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِمْ أَنَّهَا تَعْرِفُ أَصْحَابَ مَنْزِلٍ يَتَوَلَّوْنَ شُؤُونَ الرَّضِيعِ، وَيَتَّصِفُونَ بِالأَمَانَةِ وَإِرَادَةِ الخَيْرِ لَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ، قَالُوا لَهَا: مَا يُدْرِيكِ بِنُصْحِهِمْ وَشَفَقَتِهِمْ علَيْهِ؟ فَقَالَتْ: رَغْبَةً فِي سُرُورِ الْمَلِكِ وَرَجَاءَ مَنْفَعَتِهِ. فَأَطْلَقُوهَا وَذَهَبُوا مَعَهَا إِلَى مَنْزِلِهِمْ، فَأَخَذَتْهُ أُمُّهُ، فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ الْتَقَمَ ثَدْيَهَا وَأَخَذَ يَمْتَصُّهُ وَيَرْتَضِعُهُ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَذَهَبَ البَشِيرُ إِلَى "آسِيَةَ" يُعْلِمُهَا بِذَلِكَ، فَاسْتَدْعَتْهَا إِلَى مَنْزِلِهَا، وَعَرَضَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَهَا، فَأَبَتْ وَاعْتَذَرَتْ فَأَرْسَلَتْهُ مَعَهَا، وَرَتَّبَتْ لَهَا رَوَاتِبَ، فجَمَعَ اللَّهُ شَمَلَهُ بِشَمْلِهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ).
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)؛ أَيْ: لَمَّا بَلَغَ كَمَالَ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ، وَهُوَ سِنُّ الْأَرْبَعِينَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، آتَاهُ اللَّهُ النُّبُوَّةُ، وَأَمَرَهُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ. 
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ).
فَأَصَرَّ فِرْعَوْنُ عَلَى إِعْرَاضِهِ وَتَكْذِيبِهِ وَكُفْرِهِ وَظُلْمِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ). فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالعَقْلِيَّةِ: السَّمْعِيَّةِ وَالبَصَرِيَّةِ، الحِسِّيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى: (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ! أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخطبة الثانية:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدِ اخْتَارَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلتَّحَدِّي يَوْمَ العِيدِ، وَأَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ أَجْلِ إِظْهَارِ الدَّلَائِلِ البَيِّنَاتِ وَالبَرَاهِينِ السَّاطِعَاتِ وَالخَوَارِقِ المُعْجِزَاتِ فِي المَلَأِ عَلَانِيَةً؛ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ صِدْقُ نُبُوَّتِهِ وَصِحَّةُ دَعْوَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: (فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ). فَصَدَقَ عَلَيْهِ قَوْلُ الفَرَزْدَقِ:
وَكَانَ كَعَنْزِ السُّوءِ قَامَتْ بِظَلْفِهَا ... إِلَى مُدْيَةٍ تَحْتَ الثَّرَى تَسْتَثِيرُهَا
لَقَدْ جَمَعَ فِرْعَوْنُ ثَمَانِينَ أَلْفَ سَاحِرٍ - قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ).
قَدْ أَلْقَى كُلُّ سَاحِرٍ مِنْهُمْ مَا فِي يَدِهِ مِنَ العِصِيِّ وَالحِبَالِ، فَإِذَا هِيَ بِالتَّخْيِيلِ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ الجِبَالِ، قَدْ مَلَأَتِ الوَادِيَ، يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ).
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَلْقَاهَا، صَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً ذَاتَ قَوَائِمَ، فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ، وَعُنُقٍ عَظِيمٍ وَشَكْلٍ هَائِلٍ مُزْعِجٍ، بِحَيْثُ إِنَّ النَّاسَ انْحَازُوا مِنْهَا وَهَرَبُوا سِرَاعًا، وَتَأَخَّرُوا عَنْ مَكَانِهَا، وَأَقْبَلَتْ هِيَ عَلَى مَا أَلْقَوْهُ مِنَ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ، فَجَعَلَتْ تَلَقَّفُهُ وَاحِدًا وَاحِدًا فِي أَسْرَعِ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَأَمَّا السَّحَرَةُ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا مَا هَالَهُمْ وَأَقْنَعَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ).
فَمَا كَانَ مِنْ فِرْعَوْنَ السَّفَّاحِ إِلَّا أَنْ تَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ، وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ، قَائِلًا: (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)، لَكِنَّ الإِيمَانَ إِذَا خَالَطَتْ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ، فَشَاهَدَتْ بِأَعْيُنِهَا مَا أَعَدَّهُ اللهُ لَهَا مِنَ النَّعِيمِ الكَثِيرِ وَالمُلْكِ الكَبِيرِ، لَا يُبَالِي أَصْحَابُهُ بِالوَعِيدِ، قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصْبَحُوا سَحَرَةً، وَأَمْسَوْا شُهَدَاءَ بَرَرَةً.
لَقَدْ تَمَادَى فِرْعَوْنُ فِي غَيِّهِ وَكُفْرِهِ، وَظُلْمِهِ وَسَطْوِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ).
وَلَمَّا أَدْلَجَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ طَاشَ عَقْلُ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، قَالَ تَعَالَى: (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).
مَشَى مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ فِي قَاعِ البَحْرِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ).
وَقَالَ تَعَالَى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).
لَقَدْ أَلْقَى البَحْرُ جُثَّةَ فِرْعَوْنَ جَسَدًا بِلَا رُوحٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ لِيَتَيَقَّنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مَوْتِهِ، فَيَأْخُذُوا مِنْ إِهْلَاكِهِ العِبْرَةَ وَالعِظَةَ.
فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.