شدة الحر


الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. 
عِبَادَ اللهِ: لِنَتَأَمَّلْ فِي تَصْرِيفِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَالفُصُولِ وَالأَعْوَامِ، وَنَرْبِطِ الأَحْوَالَ الدُّنْيَوِيَّةَ بِالأَحْوَالِ الأُخْرَوِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ فَصْلُ الشِّتَاءِ وَشِدَّةُ بَرْدِهِ، وَفَصْلُ الصَّيْفِ وَشِدَّةُ حَرِّهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)؛ أَيْ: لَوْ كَانُوا يَتَّعِظُونَ وَيَعْتَبِرُونَ.
فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا لَا يَتَحَمَّلُ حَرَّ الظَّهِيرَةِ لَحَظَاتٍ، وَمَا هُوَ إِلَّا نَفَسٌ وَاحِدٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ بَيْنَ دَرَكَاتِهَا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهَا؟!
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُو أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". يَعْنِي البَرْدَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِذَا كُنَّا نَهْرَعُ إِلَى وَسَائِلِ التَّبْرِيدِ وَأَجْهِزَةِ التَّكْيِيفِ، وَنُسَافِرُ إِلَى البُلْدَانِ البَارِدَةِ هُرُوبًا مِنَ الحَرِّ؛ فَلْنَتَذَكَّرِ الجَنَّةَ وَمَا فِيهَا مِنَ الرَّاحَةِ وَالمُتْعَةِ، وَالجَحِيمَ وَمَا فِيهَا مِنَ العَذَابِ وَالمَشَقَّةِ. قَالَ تَعَالَى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ).
وَأَمَّا النَّارُ - نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهَا -؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: "فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، يَقُولُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدميْهِ جمْرَتَانِ يغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، مَا يَرى أَنَّ أَحدًا أَشَدُّ مِنْه عَذَابًا، وَإِنَّهُ لأَهْونُهُمْ عذَابًا". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. 
وَإِنَّ حَرَارَةَ المَاءِ بِالصَّيْفِ الَّذِي لَا يُسْتَسَاغُ شُرْبًا وَلَا اغْتِسَالًا لَتُذَكِّرُنَا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى عَنْ شَرَابِ أَهْلِ النَّارِ: (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).
وَمَنْ يَتَأَمَّلْ شِدَّةَ حَرَارَةِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ، مَعَ أَنَّ قُرْصَ الشَّمْسِ يَبْعُدُ عَنِ الأَرْضِ تَقْرِيبًا مِائَةً وَخَمْسِينَ مِلْيُونَ كِيلُو مِتْرًا: يَنْدَهِشُ مِنْ مَشْهَدِ يَوْمِ القِيَامَةِ حِينَ تُدْنَى الشَّمْسُ مِنْ رُؤُؤسِ النَّاسِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ المِقْدَادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "تُدْنَي الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ (قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ، الرَّاوي عنْ المِقْدَادِ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالمِيلِ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ المِيلُ الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ)، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمالِهمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ منْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلْجَامًا"، وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيدِهِ إِلَى فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمِينَ، حَتَّى يَغِيبَ أَحدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَ"الرَّشْحُ": العَرَقُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ، حَتَّى يذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَإِنَّ اللَّبِيبَ يُعِدُّ لِهَذَا المَشْهَدِ العُدَّةَ، فَيَجْتَهِدُ فِي الخِصَالِ المُوصِلَةِ إِلَى الظِّلَالِ؛ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، قَالَ: "سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي الْيُسْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَهُ قِصَّةٌ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ»، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أهَلُ اللُّغَةِ: الْغَمَامَةُ وَالْغَيَايَةُ كُلُّ شَيْءٍ أَظَلَّ الْإِنْسَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ سَحَابَةٍ وَغَبَرَةٍ وَغَيْرِهِمَا. انْتَهَى.
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ:  كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ - أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ -. 
قَالَ يَزِيدُ: "وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، أَوْ بَصَلَةً، أَوْ كَذَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ! أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالحَمْدُ للهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالحَمْدُ للهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا).
وَقَالَ تَعَالَى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ۚ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ۖ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ).
وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ).
وَقَالَ تَعَالَى: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا)؛ أَيْ: وَقَرُبَتْ مِنْهُمْ ظِلَالُ أَشْجَارِهَا.
وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا".
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: الظِّلُّ المَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ عَلَى سَاقِ ظِلِّهَا قَدْرُ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي نَوَاحِيهَا مِائَةَ عَامٍ. قَالَ: فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الجَنَّةِ، أَهْلُ الغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ، فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا. قَالَ: فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ وَيَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيَا، فَيُرْسِلُ اللهُ رِيحًا مِنَ الجَنَّةِ، فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الجَنَّةِ شَجَرٌ لَا يَحْمِلُ، يُسْتَظَلُّ بِهِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ، وَأَبِي حَرْزَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) قَالُوا: لَا يَنْقَطِعُ، لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا حَرٌّ، مِثْلَ قَبْلِ طُلُوعِ الفَجْرِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الجَنَّةُ سَجْسَجٌ، كَمَا بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.