الزَّكَاةُ

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَوْثَقَ الْعُرْي كَلِمَةُ التَّقْوَى، (وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ).

أَلَا وَإِنَّ مِمَّا يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَتَفَقَّهَ فِيهِ مَا يَعْنِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ، الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ العِظَامِ، وَلَهَا فَوَائِدُ فَرْدِيَّةٌ وَاجْتِمَاعِيَّةٌ جِسَامٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ).

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَليهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالزَّكَاةُ مَغْنَمٌ لَا مَغْرَمٌ، قَالَ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ:

الصِّنْفُ الأَوَّلُ: الذَّهَبُ، وَنِصَابُهُ عِشْرُونَ دِينًارًا، مَا يُعَادِلُ (٨٥) خَمْسَةً وَثَمَانِينَ جِرَامًا.

الصِّنْفُ الثَّانِي: الفِضَّةُ، وَنِصَابُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، مَا يُعَادِلُ (٥٩٥) خَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَتِسْعِينَ جِرَامًا.

وَالأَحْوَطُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الحُلِيِّ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.

وَيَلْحَقُ بِالنَّقْدَيْنِ النُّقُودُ، وَنِصَابُهَا مَا يُعَادِلُ قِيمَةَ نِصَابِ الذَّهَبِ أَوِ الفِضَّةِ الأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: عُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَنِصَابُهَا مَا يُعَادِلُ قِيمَةَ نِصَابِ الذَّهَبِ أَوِ الفِضَّةِ.

وَالوَاجِبُ فِي هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ رُبْعُ العُشْرِ: (٢.٥%) اثْنَانِ وَنِصْفٌ بِالمِائَةِ.

الصِّنْفُ الرَّابِعُ: سَائِمَةُ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ: الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، وَهِيَ الَّتِي تَرْعَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الحَوْلِ، وَيُقْصَدُ بِهَا الدَّرُّ وَالنَّسْلُ.

وَأَقَلُّ النِّصَابِ فِي الإِبِلِ: خَمْسٌ، وَفِي البَقَرِ: ثَلَاثُونَ، وَفِي الغَنَمِ: أَرْبَعُونَ.

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَائِمَةً، أَوْ لَمْ تَبْلُغِ النِّصَابَ، وَلَيْسَتْ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا.

الصِّنْفُ الخَامِسُ: الخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ مِنَ الحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (أَيْ: ثَلَاثَمِائَةِ صَاعٍ، يَعْنِي (٦١٢) سِتَّمِائَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ كِيلُو تَقْرِيبًا)؛ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا يَوْمَ حَصَادِهَا.

وَالوَاجِبُ فِيهَا العُشْرُ (١٠%) فِيمَا سُقِيَ بِلَا مَؤُونَةٍ، وَنِصْفُ العُشْرِ (٥%) فِيمَا سُقِيَ بِمَؤُونَةٍ.

وَقِيلَ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي العَسَلِ إِذَا بَلَغَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ كِيلُو جِرَامًا، وَالوَاجِبُ فِيهِ العُشْرُ (١٠%).

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ - جَلَّ وَعَلَا -: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفائِحُ مِنْ نَارِ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا، حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْواهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَي بَيْنَ العِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ، وَلَا عَضْبَاءُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وإِمَّا إِلى النَّارِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنا مِنْهُ وَمَا لَمْ نعْلَمْ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآَجِلِهِ، مَا عَلِمْنا مِنْهُ، وَمَا لَمْ نعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا استعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقْضِيهِ لنا خَيْرًا.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.